الفصل الثالث
<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
بعد شهر من التدريب العنيف كان حمزة قد فاق كل الفرسان فى فنون الكر والفر وركوب الخيل والضرب بالسيف والرمح وأيضاً فى الدفاع عن النفس واتقاء الضربات التى توجه إليه ، وكان الثمانمائة غلام الذين ولدوا معه قد تعلموا أيضاً فنون القتال وصاروا تحت إمرته ورهن اشارته ..
وبدأ الأمير يخرج للصيد والقنص الذى أغرم به كثيراً وبالطبع لم يكن عمر يتركه لحظة واحدة ومع تعدد مرات خروجه ومطاردته لحيوانات الصحراء هربت منه فكان يضطر للتوغل فى الصحراء وذات يوم أوغل كثيراً فى البرية وبينما هو سائر وأخيه عمر إذا بأسد رابض تقدح عيناه الشرر ، فلما رآه عمر أهاب بأخيه أن يعودا فما كان من حمزة إلاّ أن نهره قائلاً " ويلك يا وجه القرد .. أتخاف من هر البرية ، ما الأسد إلاّ عندى إلاّ كالأرانب التى أصطادها كل يوم .." ثم نزل عن جواده وتقدم بسيفه صوب الأسد وكان حين أحس بهما قد وقف مكشراً عن أنيابه وانقض على حمزة فراغ عنه وعاجله بضربة حسام وقعت على أم رأسه فشقته إلى كتفه فوقع على الأرض يتخبط فى دمه وقبل أن يفيق عمر من المفاجأة سمعه يدعوه ليأكل معه من قلب الأسد حتى يشتد قلبه .. وفى طريق عودتهما طلب منه حمزة ألاّ يخبر أحداً بما حدث حتى لا يقلق أبوه ويمنعه من الخروج ثانية فوعده عمر بذلك ، لكنه لم يستطع الوفاء بوعده فأخبر أول من قابله وانتشر الخبر حتى وصل للأمير ابراهيم فاستدعى ولده وعاتبه لكن سادات القوم طمأنوه وهم يذكرونه بنبوءة بزرجمهر ..
وواصل حمزة خروجه للصيد واقترح على عمر أن يسلكا طريقاً آخر لم يطرقاه من قبل ومضى وقت طويل دون أن يريا حيواناً واحداً فتوغلا أكثر واشتد الحر عليهما وشعر حمزة بعطش شديد فأخذا يبحثان عن عين ماء أو بئر دون جدوى وتمتم حمزة أنه هالك لا محالة إن لم يجدا الماء حالاً ، فأشار عليه عمر أن يجلس تحت شجرة قريبة يستظل بها حتى يأتيه بالماء واطلق ساقيه للريح حتى اختفى عن نظر حمزة واتجه حمزة للشجرة وقبل أن يصل إليها لمح فارساً عن بعد يتقدم نحوه راكباً جواداً أبيض كالثلج وتحته قربة ماء تاقت إليها نفسه ، انتظر حتى اقترب منه الفارس فتعجب للحيته البيضاء التى يتدفق منها النور وما هو عليه من هيبة ووقار وعظمة وجلال لم يشهده فى غيره من البشر ، ورغم الرهبة التى اجتاحته صاح بالفارس ..
- إنى عطشان .. وأريد شربة ماء إما بالرضى أو بالغصب ..
- قف مكانك ..
كان الصوت حازماً واثقاً ألجم حمزة فلم يعرف كيف يرد وبدا حائراً عاجزا عن فعل شيئ .. وعاجله الصوت ثانياً لكن بشيئ من الهدوء والحنو ..
- هذا الماء لك ..
ازدادت حيرة حمزة وإن كان قد اطمأن بعد ما سمع وأخذت السؤال يدور بذهنه عمن يكون هذا الرجل وكيف عرف أنه فى حاجة للماء ، وكيف عرف مكانه فى هذا الفضاء الواسع ..
- إرو عطشك أولاً ثم اسمع منى ..
وانقض حمزة على الماء ينهل منه حتى ارتوى .. تنفس الصعداء وعادت روحه إليه ووقف متأدباً طالباً السماح والعفو عما بدر منه ..
- أتيتك اليوم لأخبرك أنك أنت الذى سيريفع به شأن العرب ، أنت الذى ستخلصهم من مظالم دولة الفرس ، أنت الذى ستذل الدولة الكسروية ، فلا تخاطر بحياتك وارجع إلى أبيك واطلب منه أن يسلمك الثمانمائة غلام الذين ولدوا يوم مولدك فاجعلهم رجالك واعتن بهم وعلمهم بنفسك ما ينقصهم من فنون الحرب فهم وجدوا لأجل هذه الغاية ..
كان حمزة يسمع حديث الرجل وهو مطرق وقلبه يخفق ، فلما أحس أنه انتهى من حديثه تقدم إليه ليقبل يده فلم يجد أحدا ، ذهل حمزة ولو لم يشعربارتواءه لظن أنه حلم ، أخذ ينادى فى كل ناحية " ياسيدى .. ياسيدى .. من أنت .. ؟ " سمع الصوت واضحاً لكنه لم يستطع تحديد من أى جهة يجيئه نفس الصوت الهادئ الواثق " أنا الخضر الأخضر .. أبو العباس .. أبلغتك الرسالة ولك السلام " وكان صهيل الجواد وهو ينطلق صوب المجهول آخر ما سمعت أذناه ..
أفاق حمزة على صوت عمر وهو يقدم إليه وعاء الماء لاهثاً ، لم يتحرك حمزة ولم تصدر منه بادرة اهتمام بالماء الذى كان يتوق إليه ، تعجب عمر غاية العجب وسأله عما به ، تنهد حمزة وقال وكأنه يحدث نفسه أن الله بعث إليه بماء لا يعطش أبداً من يشربه ، تمالك نفسه وروى لعمر ما جرى واتخذا طريق العودة وحمزة صامت طوال الطريق تتلاطم الأفكار بداخله ويشعر أن وقت الجد قد حان وأن عليه أن يستعد للعمل الجاد والشاق ، وعليه أن يتوقف عن الخروج للصيد واللهو ، نعم وعلى الفورعلىّ جمع الشباب والبدء فى التدريب الجاد على جميع فنون القتال – هكذا حدث نفسه وعقد نيته .. وهذا ما حدث بالفعل فى الأيام التالية وأصبح لديه جيش من ثمانمائة جندى على استعداد للموت فى أى لحظة ورهن اشارته فى أى وقت ، وحتى عمر نفسه انتخب أربعين شاباً وعلمهم كل فنون الشطارة والعيارة وكانوا بمثابة جماعة من الشياطين فى فنون الاستخبار والاستطلاع وأعمال الحيل والخداع التى تحير الألباب والعقول ..
بدأ حمزة فى تأمين مدينته وقبيلته أولاً ثم عزم على نشر الأمان فى كل من حوله من القبائل والعمل على جمع شملهم حتى لو اضطر إلى استخدام السيف فى بعض الأحيان كما حدث عندما اعتدى بعض أفراد قبيلة بنى الأجدل على بعض قومه فانطلق إليهم ليؤدبهم واستغرق هذا الأمر بضعة أيام وبينما هو وجنوده فى طريق عودتهم إلى مكة لمح عن بعد خياماً منصوبة بظاهر المدينة فاستغرب الأمر وبنظرة سريعة إلى عمر فهم وانطلق ليعود بعد قليل وأخبره أنها لجنود من العرب تابعين للملك النعمان بن المنذر ومعهم عدد من جنود الملك كسرى وأنهم جاءوا كالعادة لجباية الأموال لكسرى ، أخذ الغيظ والغضب بخناق حمزة وأفصح عن خاطره فرد عمر قائلاً :
- اعلم يا أمير أن العجم أكثر عدداً من العرب لكنهم يجتمعون إلى ملك واحد لا تتفرق كلمتهم ولا يغير بعضهم على بعض كما تفعل العرب ، فدأبهم على الدوام التفرق والاختلاف فلا تقوم لهم قائمة خاصة وأن ملكهم النعمان منقاد وتابع لكسرى ..
غلى الدم فى عروق حمزة وأصدر الأمر بالهجوم ، فوجئ الجنود بما لم يكن ليخطر على بالهم فارتبكوا ولم يستطع أحد منهم فعل شيئ غير محاولة الهرب والنجاة بحياته ، واستولى حمزة على الأموال التى كانوا قد جمعوها وعاد بها إلى المدينة ، ولما وصل الخبر إلى أبيه وسادات مكة أصابهم الرعب والغضب واستدعى الأمير ابراهيم ولده وعنفه وطلب منه أن يذهب للملك النعمان ليعتذر إليه ويعيد الأموال وبالزيادة كى يرضى .. وكان رد حمزة على أبيه وسادات مكة غير متوقع إذ أعلن أنه سيسير من الغد إلى الملك النعمان ليقتله جزاء خضوعه المهين لملك الأعجام وبعد أن ينتهى من أمره سيواصل المسير إلى الملك كسرى نفسه ليهدم عليه المدائن ، وصاح به الأمير غاضباً ..
- وهل تظن كسرى هذا من بعض رؤساء القبائل الذين تقاتلهم ، إن جيوشه إذا رأيت أولها فلا تستطيع أن ترى آخرها ، يا بنى .. إنك تتكلم عن جهل فالتبصر بالعواقب أفضل لنا قبل أن نقع فى عظائم الأمور ..
- لن أعود عما اعتزمت يا أبتى فمعذرة .. اجلس أنت على تختك فإن سئلت فقل ابنى حمزة فعل ما فعل ودعهم يأتون إلىّ
وتدخل سادات مكة قائلين للأمير أن ابنك ومن معه من رجال كسرى ولا ريب أنه سيسامحه لعلمه أنه بحاجة إليه فسكت الأمير وسأل الله نهاية الحال على أتم منوال ..
ساحة النقاش