<!--
<!--<!--
الجازية الهلالية
سيدة يحتاج الرجال مشورتها
مثلما تروي "السيرة الهلالية" قصص العديد من أبطال "بني هلال"- خلال هجرتهم من الجزيرة العربية لبلاد المغرب، تروى كذلك العديد من قصص نسائهم اللائي شاركن في حروبهم، وساهمن في تحقيق النصر ونجاح هجرتهم. ومن بين هؤلاء النسوة، صورت السيرة "الجازية الهلالية"- ابنة عم البطل "أبي زيد"، كنموذج للمرأة العربية الحكيمة والذكية- التي تشارك رجال قبيلتها في اتخاذ قراراتهم، بل وتحتكر ثلث المشورة في مجلس حربهم..
لما اعترف بنو هلال فى شخص رزق بن غانم ببنوة ابنه أبى زيد ولما كان أبو زيد حريصاً على كرامة والدته بعد طردها من القبيلة فقد اشترط لعودته معهم أن يفرشوا لها الأرض حريراً من أرض فضل الزحلان – حيث تقيم – حتى أرض بنى هلال ، وكان من الضرورى تنفيذ الشرط الذى حير الجميع وكادوا ييأسون من عودته لطول المسافة وقلة ما يملكون من حرير لولا حكمة وبراعة "الجازية الهلالية" ، فقد اقترحت عليهم أن يبسطوا ما لديهم من حرير وحين يسير الموكب عليه- وقبل أن يصل لنهايته، يجمعون الحرير الذي أصبح في الخلف ويفرشونه من جديد أمامها . ثم يكررون ذلك حتى يصل الموكب لمنازل قبيلتهم. ولبراعة حيلتها ارتفع شأنها و ذاعت شهرتها- كواحدة من أرجح نساء القبيلة عقلا، خاصة وأن الجميع يعرفون أنه ليس بين البشر في الشرق أو الغرب من في مثل جمالها.
يحكى أن "الجازية الهلالية" كانت ذات حسن فائق. ولتألق جمالها وسط شعرها الأسود الكثيف- الذي يغطي جسدها حتى يصل لقدميها، كان الكثيرون يطلقون عليها اسم "نور بارق". ورغم تنافس العديد من أبطال القبيلة للزواج منها إلا أنها لم تكن تهتم بتحقيق سعادتها الشخصية وتؤثر مصالح قومها على عواطفها ورغباتها الذاتية فآثرت الزواج بالأمير شكرلمصلحة القبيلة . ولعبت دوراً كبيراً في حياة قبيلتها بتحقيق المصالحة وإنهاء الخصومات بين زعمائها، والمساهمة بالرأي حين يختلف قادتها، وشاع اسم "الجازية"- الذي يعنى المحور الذي يربط وينسق بين حركات وأجزاء الساقية.
حين شح المطر ببلاد "بني هلال" وقرروا الهجرة إلى "تونس"، لم تتردد "الجازية الهلالية" في الاختيار بين البقاء في رغد العيش والأمن برفقة زوجها وبجانب أولادها ، وبين قسوة حياة التنقل والحرب.
كان "الهلاليون" يحتاجون لمشورتها، وبلاغتها وقدرتها على شحذ الهمم واستنفار حماسة الرجال إذا ما أصابهم الضعف. وبعدما تحايلت على زوجها الأمير "شكر"- حاكم مكة ودفعته لفراقها، خرجت مع "الهلاليين" لتشارك في قيادة هجرتهم. وطوال الرحلة لم تكن تتأخر- إذا ما لزم الأمر عن القتال كالرجال، ومواجهة ومصارعة الفرسان الشجعان بالسيف والرمح.
كان لحكمة ومشورة "الجازية الهلالية" الكثير من الفضل في انتصار "الهلاليين" ونجاح هجرتهم. ورغم تتبع السيرة لحياة أبطال "الهلاليين" منذ خروجهم من الجزيرة العربية حتى إقامتهم بتونس ثم وفاتهم، تجاهلت خبر رحيلها عن الدنيا دون جميعهم. إذ تنتهي السيرة بأن حملت "الجازية" وحدها عبء الحفاظ على استمرار نسلهم، حين جمعت أطفال "بني هلال" وراحت تربيهم وتنشئهم على الشجاعة والبطولة مثلما كان آباؤهم، حتى تظل في الذاكرة الشعبية رمزا حيا للمرأة العربية- التي تؤثر مصالح قومها وجماعتها على مصالحها الشخصية .
محمد أمين
ساحة النقاش