آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

 

<!--

<!--<!--

        * السيرة الشعبية :

السيرة الشعبية جزء من المأثور الشعبى ، ويمكننا أن نصفها بأنها " جماع الفنون الشعبية " أسوة بفن المسرح الذى نطلق عليه نفس الوصف ، وذلك لأنها – فى غالبيتها – تصاغ شعراً كما تصاغ بعض أجزائها نثراً وتتضمن كل فنون الشعر المعروفة لدى البيئة العربية من فخر ومدح وهجاء وغزل ووصف و ... إلخ ، وتؤدى بمصاحبة آلات موسيقية ، والسيرة فى مضمونها عمل درامى قصصى يسرد صراعاً بين البطل ومن يساعده من جهة والقوى المناوئة له من جهة أخرى فهى بهذا تتضمن فن القصة والرواية ، إلى جانب فنون الحركة التى تبدو فى اللعب بالسيف والرقص وما إلى ذلك ، فضلاً عن الوصف الدقيق لعادات وتقاليد الشعوب والجماعات العربية وغير العربية التى تتداخل فى أحداث السيرة كما تكشف عن وعى المبدع الشعبى بتأويلات الكتب المقدسة خاصة العهد القديم وظهر ذلك بوضوح فى سيرة فارس اليمن سيف بن ذى يزن ..  

وهى من جانب فلسفى تمثل – كما يرى الأستاذ فاروق خورشيد –  الحل الملائم للفنان المسلم فى مواجهة قضية الموقف التراچيدى الذى واجهه الإنسان أمام القوى المتحكمة فى قدره ومصيره ، فقد تشكلت فكرة الخير والشر أو الحق والباطل فى هذا المنتج تشكلاً اسلامياً بتقسيم البشر إلى عالمين واضحين ، عالم المؤمنين فى السير التى تناولت حقب ما قبل الإسلام وعالم المسلمين من ناحية ومن الناحية المقابلة عالم الكفار والملحدين وعبدة الأوثان ، ولم يكتف المبدع الشعبى بجنس البشر فقط ولكنه اقتحم عالم الجن وطبق عليه نفس المعايير أيضاً ..

والواقع أن السير الشعبية تمثل التسجيل الشعبى للتاريخ العربى والذى أهمله المؤرخ الرسمى فى خضم تركيزه على تسجيل أخبار السلاطين والحكام ، وأحداث المعارك والحروب ، وتصور بشكل دقيق التمزق الذى عاناه المجتمع العربى بعد اختلاطه بأجناس غيرعربية لشعوب لها حضارات قديمة اصطدمت بالضرورة بقيم المجتمع العربى فأحدثت فيه خلخلة وارتباك دفعها للمقاومة بكل ما يملك من أسلحة ومن هنا ظهر أبطال هذه المقاومة فى العواصم العربية بغداد ودمشق والقاهرة ، 

*  سيرة حمزة العرب أو حمزة البهلوان :

ظهرت الترجمة العربية لشاهنامة الفردوسى – الشاعر الفارسى – فى مصر فى زمن الدولة الأيوبية سنة 1223 م ، وفيها يعرض الفردوسى سير ملوك الفرس وحضارتهم العريقة ، ويعرّض بالعرب وبداوتهم وتخلفهم ، وكان لابد من رد الإساءة والإهانة وبنفس السلاح فظهرت سيرة " الأمير حمزة البهلوان " فى أربعة أجزاء ، وتعددت طبعاتها بعد ذلك ، والملاحظ هنا أن الرد جاء من جانب الجماعة الشعبية وليس من جانب الدولة ..

لم يكن هذا هو السبب الوحيد لظهور هذه السيرة ، لكنها كانت تجسيداً للصراع التقليدى بين الثقافتين العربية والفارسية والذى كان انعكاساً للصراع الاقتصادى بين دولة الفرس التى كانت تسيطر على المنطقة العربية من خلال تابعيها فى مملكة الحيرة من المناذرة وملكها النعمان بن المنذر والذى لعب دوراً هاماً فى هذه السيرة ، وهو ما حدث أيضاً مع القوة الأخرى على حدود الشام ونقصد بها الدولة البيزنطية حيث أفرز الصراع بينها وبين العرب " سيرة الأميرة ذات الهمة " وعندما نشأت الدولة العربية الاسلامية على حساب هاتين القوتين ، ودخلت هذه العناصر فى الاسلام ظلت محتفظة بتراثها الحضارى وحاولت فرض ثقافتها على المجتمع العربى ، وقد ساعد بعض خلفاء بنى العباس على تثبيت أقدامهم حين استخدموهم كسلاح فى صراعاتهم على السلطة فى مقابل النفوذ والسطوة فى المجتمع ، ما أتاح لهم بعد ذلك التدخل فى كل شئون الدولة ..

والسيرة تقع كما ذكرت قبلاً فى أربعة أجزاء طبعة دار الكتب العلمية – بيروت ومكتية صادر سنة 1927 ، ولكى يتم تبسيطها فى كتيب صغير لا يسع الانسان إلاّ أن يغفل أحد مراحلها أو أحد عناصرها ، كأن يتخلى مثلاً عن عنصر الأسطورة فيفقدها ملامحها الملحمية وكثير من المتعة ، ويهتم فقط بالعنصر التاريخى أو ما يخدم توجهه ودافعه لإعادة إنتاج السيرة ، ولذلك فقد حاولت قدر الإمكان ألاّ أغفل أياً من عناصرها حتى لو اكتفيت بالإشارة لهذا العنصر أو ذاك ..

أما عن بنية السيرة فهى لم تشذ عن بقية السير فى التزامها بالمقومات التى تشكل بناءها الدرامى ، بداية من مرحلة مولد البطل وما صاحبه من ملابسات تتمثل فى النبوءة التى تنبأت بظهوره وحددت دوره البطولى ، ثم مرحلة الاعداد أو العبور  وفيها تبدأ العناصر المساعدة للبطل فى الظهور ممثلة فى تلك القوى الخفية مثل شخصية " الخضر الأخضر أبو العباس " والمعاضيد السته التى وصلته من رجل صالح بيد أصفران الدربندى ، وكذلك القوى الأخرى التقليدية كأخيه عمر العيار بما يمتلك من مواهب وقدرات خارقه ، والفرسان الثمانمائة الذين ولدوا يوم مولده ، وبعد ذلك تأتى مرحلة البطولة وتحقق الهدف من السيرة وهو إذلال الفرس ورد الإهانة ..

وما يلفت النظر فى سيرة حمزة البهلوان تلك الرحلة الطويلة التى قام بها حمزة حين طلب منه كسرى – بإيعاز من الوزير الشرير بختك – أن يجمع له خراج سبع سنوات مقدماً من الأمصار التابعة له بحجة الانفاق على عرس ابنته كوسيلة للتخلص من وعده له بالزواج من ابنته مهردكار حيث تستغرق مثل هذه المهمة أكثر من سبع سنوات ينهك فيها جيشه وربما يتمكن أحد حكام هذه الأمصار من قتل حمزة بعد الكتابة إليهم بهذا الشأن ، وكأنه يقوم بريادة تشبه ريادة أبو زيد الهلالي فى السيرة الهلالية ، ويكون من نتيجة هذه الرحلة زيادة قوة الأمير حمزة وتعدد زيجاته فى تلك البلاد وهو ما دل على مهارة المبدع الشعبى فى إحكام صنعته حيث نفاجأ عند تأزم الأحداث بوقوع حمزة فى فخ أو خديعة بفارس مجهول الهوية يظهر من حيث لا يعرف أحد لينقذ الموقف ويعيد التوازن لجيش حمزة ونعرف بعد ذلك أنه أحد أبناء حمزة من زيجاته إبان رحلته .. 

وفى معرض تبسيط هذه السيرة حرصت على الإبقاء على الجانب الأسطورى فيها والذى يتعلق بعلاقة البطل بالقوى الخفية من الجان والسحرة والمردة وهذا الجانب تواجد بكثافة فى هذه السيرة ووصل الأمر إلى أن حمزة تزوج جنية عشقته وأنجب منها بنتاً كان لها دور فعال فى الأحداث ، وهذا الجانب يعطى العمل زخماً فى الأحداث ويعد عاملاً من عوامل التشويق والإثارة فضلاً عن مدلوله الأخلاقى ..

 

samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 390 مشاهدة
نشرت فى 20 أكتوبر 2013 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

90,654