شذرات من أنين العصر ( 13 )
الحقيقة ..أننا لا نعرف وما عدا ذلك فهو
{ حقين }
( الحلقة الرابعة )
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾
[ سورة البقرة: 256]
صدق الله العظيم
إن هذه الآية الكريمة لهي أبلغ دليل على صدق النظرية ، فمن الطبيعي أن يكون المُعلّم ، أكثر إحاطة من المتعلم ، لكن الفرق هنا أن المُعلّم ، لن يستطيع أحد أن يُدرك ، ولو بعد حين كل ما لديه من علوم ، بل ولن يستطيع أحد أن يُحيط ، ولو بعلم واحد من كل تلك العلوم التي لا تُحصى سواء أكنا نعلمها ، أو لا نعلمها ، إحاطة كاملة .
وإذا كان من الحقيق علينا ، أن نُسلّم بأن المرادف لمعنى العلم هو { فاي } ، فمن الضروري أن نجد لفظاً أكثر واقعية ، ومنطقية ، وشمولية لمعنى الحقيقة النسبية .
ولأنه من المفترض أن نقول في كل جملة ، تستلزم استخدام لفظ الحقيقة .. مثل ( في الحقيقة ، الحقيقة أن .. الخ ) و لأنه لا توجد حقيقة واحدة مكتملة لدينا ، فالأصح إذن أن نستخدم جملة ( في الحقيقة النسبية ) بدلاً من جملة ( في الحقيقة ) .
إذن فلابد أن نجد مسمى أيسر ، وأوجز نستطيع به أن نعبر به عن جملة ، الحقيقة النسبية .
هذا المسمى الذي يجب أن نستخدمه هو لفظ .. { الحقين } ، لذا فمن الأصدق بعد ذلك أن نقول ( في الحقين ) بدلاً من أن نقول ( في الحقيقة) .
وسيتبادر لذهنك عزيزي القارئ ، أن لفظ { حقين } هو مجرد لفظ مختصر لجملة { الحقيقة النسبية } وهذا صحيح بالفعل ، لكنه اختصار ذو دلالة ، ولهذا فأرجو أن تسمح لي عزيزي القارئ أن أقول لك شيئاً ، وهو أن لفظ { حقين } هو لفظ من ألفاظ اللغة العربية الفُصحى .
فالحقين في اللغة العربية يعني .. { لبن صب في الإناء لتخرج زبدته }
فلو تأملت ما في هذا المعنى ، من معان لأدركت مدى تطابق اللفظ ، على المفهوم .
لذا فوجدت أنه من الملائم ، والأنسب أن أستخدم هذا اللفظ من الآن فصاعداً .
قد تتساءل عزيزي القارئ الكريم ، عن فحوى هذا الكلام ، وتقول لنفسك ما الذي يريد أن يقوله ذلك الكاتب ؟
هل يريد مني أن أُسلم أنه لا توجد حقيقة كاملة في هذه الدنيا ؟
وإذا سلّمت بهذا ، فما الجدوى من وراء هذا التسليم ؟
معك الحق سيدي القارئ الكريم ، في كل ما دار بَخَلدك فما جدوى المعلومة إذا لم تكن ذا نفع ، لكني أود أن أُذكرك أن معلومة بلا نفع اليوم ، قد تكون ذات أهمية قصوى في الغد وهذا لا يعني سيدي القارئ أنك لن تجد نفعاً فيما يقال الآن ، بل ستجد كم هائل من المعلومات ، ورصيد ضخم من الحقين سيتيح لك بناء كيان معلوماتي صلب ، في مختلف فروع المعرفة .
وستجد من خلال تلك السطور ، معاول يمكنك أن تهدم بها كل أصنام الإلحاد ، وما شابهه من نظريات وروئ تسعى جاهدة لاقتلاع كل القيم الدينية ، والأخلاقية من جذور الإنسانية و إلقائها في هوة سحيقة من الفساد والانحلال .
وستدرك في النهاية المغزى المنشود ، من هذه الكلمات التي تطالعها الآن على تلك الأوراق التي بين يديك .
فغير خاف على أحد ، أن الأفكار لها القدرة على الانتشار ، والتحليق بعيداً بعيداً حتى أقاصي الأرض ..
فكم هناك من أفكار هدامة ..
سحقت حضارات و أفنتها ..
وأخرى شيدت عقول ..
صنعت حضارات ..
مازالت آثارها ..
عنواناً للإعجاز ..
وكم من أفكار أشاعت الفوضى ..
وسفكت الدماء ..
وكم منها مهّد السبل ..
وبسط السكينة ..
داخل قلوب ..
أقل ما يُقال عنها ..
أنها مسكينة .
ومن هذا المنطلق ..
أسأل الله أن أضيف ..
ولو لبنة بسيطة ..
في طريق البناء ..
وزهرة جميلة ..
في واحة السكينة .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله
*******
#الأديب_محمد_نور