بسم الله الرحمن الرحيم
ميلاد أمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد؛
فها نحن في شهر ربيع الأول؛ شهر مولد النبي صلي الله عليه وسلم، وميلادُ النبيِّ ميلادُ أمةٍ، ليس ميلادَ شخصٍ واحدٍ، إذ أنَّ هذا النبيَّ الكريم الذي ولد في هذا اليوم كان سببًا في هدايةِ الحيارى، كان سببا في توجيه الناس إلي طريق الخير، وفي تحويلهم من طريق النار إلي طريق الجنة، وقد جاء في مسند أحمد أنَّ أمَّ النبيِّ لما ولدته خرج منها نورٌ أضاءَ لها قصورَ الشامِ. فهو الذي حلَّت البركة علي المجتمع بمولده فهذه حليمة السعدية لما جاءت إلي مكة؛ كانت الأيامُ أيامَ جدبٍ وقحطٍ، وكانت معها أتان (والأتان هي أنثى الحمار) وكانت أبطأَ دابةٍ في الركبِ مشيًا، لأجل ضعفها، وكانت معها ناقةٌ لا تُدِرُّ بقطرةٍ من لبن، وكان لها ولدٌ صغير يبكي ويصرخ طولَ الليل لأجل الجوع لا ينام ولا يترك أبويه ينامان، فلما جاءت حليمة بالنبى إلى رحلها ووضعته فى حجرها؛ أقبل عليه ثديُها بما شاء من لبن، فشرب حتى رَوِيَ وشرب معه ابنها الصغير حتى روى ثم ناما، وقام زوجها الى الناقة فوجدها حافِلاً باللبن، فحلب منها ما انتهيا بشربه رِيًّا وشِبعًا ثم باتا بخير ليلة. ولما خرجا راجعين إلى بادية بنى سعد ركبت حليمة تلك الأتان، وحملت معها النبىَّ، فأسرعت الأتانُ حتى قطعتْ بالركب، ولم يستطع لحوقَها شىءٌ من الحمر. ولما قدما في ديارهما –ديار بني سعد: وكانت أجدب أرض الله– كانت غنمها تروح عليها شباعًا ممتلئة الخواصر بالعلف، وممتلئة الضروع باللبن، فكانا يحلبان ويشربان، وما يحلب إنسان قطرة لبن. فلم يزالا يعرفان من الله الزيادة والخير حتى اكتملت مدة الرضاعة، ومضت سنتان ففطمته حليمة، وقد اشتد وقوي في هذه الفترة.
هذه البركة حلَّت على الناس في طفولته، وأيضًا حلت البركة على البشرية كلها به، فهو الذي أخرج الناس من غياهب الظلمات، أفلا نحق أن نفرح به، وأن نفرح لأن الله تعالى جعلنا من أمته {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} فلنفرح لأنه قدوتنا وأسوتنا، ولنفرح لأن الجنة من طريقه، ولنعمل بأخلاقه، ولنتأدب بآدابه، فليس الاحتفال به مجرد أكل حلوى، فالحلوى من الطيبات التي أحلها الله تعالى لنا، كُل منها ما شئت، وتمتع بهذا الحلال الطيب الذي أحله الله، فأكلُها ليس تعبدا، ولكن لا يكون أكل الحلوى وحدها شعارا لمولد النبي، وإنما اتباع النبي هو شعار فرحنا به، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين، ولما سُئِل عن ذلك قال: ذاك يوم ولدت فيه، فالنبي هو أسوتنا وهو معلمنا وموجهنا، فاحتفالنا به يكون بتباعه والاقتداء به ونصر سنته، والدعوة إليها والذب عنها وعن حياضها، وبذل المجهود في طاعته، وفداؤه عليه الصلاة والسلام بالنفس والنفيس حال حياته، وفداؤه بعد مماته، بأن يكون المسلم بسنته عاملا، وإليها داعيا، وعنها وعن عرض المصطفى ذابا وحاميا، ولأمره معظما، وبأخلاقه مقتديا، وبِهيئتِه متأسِّيًا، وعمن تدين بِخلاف سنتِه معرضًا، وعلى من ضيَّعها لأمرٍ من أمورِ الدنيا غاضبًا، ولمن صحبه أو هاجر معه أو نصره أو كان على قرابة منه محبا، وفي إقامة الدين مجتهدا.وخلاصة ذلك في خمس كلمات: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، وأن يقدم أمره ونهيه وقوله وفعله؛ فلا يقدم عليه أحد من البشر؛ لا في قولٍ، ولا في فعلٍ، ولا في رأيٍ، مهما علت مكانته، وزاد منصبه، وارتفع شأنه.
كل هذا المنهج المذكور يجب علينا أن نسير عليه احتفالا بنبينا، طوال العام، ليس مقتصرًا على شهر ربيع، ولا على يوم الاثنين، ولا على ساعة معينة، بل على مدار الساعة، لنفرح بسَيْرِنا عليه في الدنيا، ولنفرح بصحبة نبينا في الآخرة.
بقلم
محمود الفقي
مع تحياتي :سمر علي
المصدر: bahrelhanansmsm
نشرت فى 3 مارس 2010
بواسطة samarali
عدد زيارات الموقع
48,343
ساحة النقاش