كتبت آية نبيل
كشف الدكتور سامر المفتى، الأمين العام السابق لمركز بحوث الصحراء، لليوم السابع فشل مشروعات الحكومة التى أقامتها فى واحة سيوة لوقف ارتفاع المياه الأرضية بسبب عدم ملاءمتها للطبيعة الجيولوجية والهيدروجيولوجية للواحة، مما تسبب فى علاج المشكلة بشكل مؤقت، موضحا أن التقرير الذى أعدته لجنة وزارة الموارد المائية بهدف إنقاذ الواحة خلال عامى 2010 – 2011 اعتمد على دراسات مدنية وتجاهل نتائج المشروع البحثى الذى قام به الباحثون فى مركز بحوث الصحراء.
يشرح الدكتور سامر مشكلات واحة سيوة قائلا، "تندرج واحة سيوة ضمن واحات المنخفضات التركيبية الكلاسيكية مثل البحرية والفرافرة والداخلة والخارجة وباريس لكنها تختلف عن جميع واحات الصحراء الغربية فى أنها الوحيدة التى تنخفض تحت مستوى سطح البحر، وتعد سيوة امتدادا لبعض واحات الشمال الأفريقى مثل عدامس فى ليبيا ووادى ميزاب بالجزائر، تتشابه معهم فى التراث المعمارى والعادات والتقاليد وطريقة الحياة، وجرى العرف فى سيوة البناء بمادة "الكرشيف" والتى تتكون منها سطح التربة، وهى مادة متشبعة بالملح والطفلة، لكن سكان سيوة يعتمدون على جفاف هذه المادة بسبب المناخ الصحراوى وارتفاع درجة الحرارة وندرة سقوط الأمطار".
مشكلة الصرف المائى
ويضيف الدكتور المفتى،"أقام مركز بحوث الصحراء فى أواخر الثمانينيات بمشروع بحثى بواحة سيوة لحل مشكلة الصرف المائى فيها، وتعانى سيوة من مشكلتين لا دخل لها فيهم، الأولى مشكلة هيدروجيولوجية تتمثل فى حركة التصريف الداخلى للمياه الجوفية فى الصحراء الغربية، والتى تتحرك من الجنوب إلى الشمال، فتتركز فى سيوة لانخفاضها عن سطح الأرض، أما الثانية فهى مشكلة جيولوجية تتمثل فى الطبقات التى تتكون منها واحة سيوة وتنقسم إلى الطفلة تتراوح بين 50 إلى 70 مترا كطبقة سطحية لكنها غير منفذة للمياه، بمعنى أن المياه فوقها نتيجة تزايدها فى الآبار لا يمكن تسربها فتتراكم، ثم الحجر الجيرى المتشقق والتى يتراوح عمقها من 70 – 120 مترا، وهى الطبقة التى تتسبب فى مشكلة تسرب المياه إلى سطح الأرض فى سيوة نتيجة تدفقها".
وتتكون الطبقة الثالثة من صخور الكارستيه، والتى تمتد إلى 550 مترا، وهى صخور ممتلئة بالمياه يجب أن يقوم الجيولوجيون بتحديد مواقعها قبل أى تعامل معها، وأخيرا خزان الحجر الرملى النوبى الذى يبعد أكثر من 600 متر وهو الخزان المشترك بين مصر وليبيا والسودان والتى تعتمد عليه الدول كمخزون إستراتيجى لمياه الشرب".
إهمال وإهدار
اعتبر المفتى أن الحكومة فى تعاملها مع مشكلات الصرف فى واحة سيوة أهدرت جهود المشروع البحثى، ويقول، "اعتمدت سيوة حتى عام 1972 على اتزان مائى فى نظام الصرف المائى بين تجمع المياه فى البرك شتاء وتبخرها صيفا بفضل عوامل ارتفاع درجة الحرارة، لكن مع تنامى الزراعات وزيادة كميات الصرف المنقولة للبرك توقف الاتزان المائى، وظهرت مشكلة ارتفاع منسوب المياه فوق سطح التربة، لتؤدى إلى تطبل الأرض المزروعة وبوارها وجفاف أشجار الزيتون والنخيل وانهيار المبانى المعمارية نتيجة تنشع الحوائط بالمياه وفقدان جفافها وإصابتها بالطفلة، وهو ما سيفقد الواحة هويتها المعمارية بعدما أصبح سكانها يلجأوا إلى البناء المسلح فيها".
ويضيف، "بدأت الجهود الحكومية فى عام 1997 بمشروع المصرف القاطع من خلال الهيئة المصرية العامة لمشروعات الصرف، يعتمد على التخلص من مياه الصرف الزائدة بتصريفها خلف الكثبان الرملية التى تغطى الجزء الجنوبى الغربى للواحة بلغ قيمة المشروع 7,994 مليون جنيه، بالإضافة إلى 800 ألف جنيه لمصلحة الميكانيكا والكهرباء لتنفيذ محطة رفع مؤقتة، إلا أنه نتيجة تدفق المياه الجوفية من العيون المدفونة من شبكة التراكيب الجيولوجية أثناء حفر المصرف القاطع والتى لم يتم وضع دراستها فى الحسبان أثناء تخطيط وتنفيذ المشروع، فقد تعذر الاستمرار فى المشروع ولم يتم إنشاء مصرف الكثبان وتم الاكتفاء بحفر المصرف القاطع فقط.
كما تم الاكتفاء برفع المياه من المصرف القاطع لبركة سيوة مما زاد الأمر تعقيداً بارتفاع منسوب مياه بركة سيوة وعدم قدرة البخر على التخلص من مياه الصرف الزائدة، خصوصاً فى فصل الشتاء وبالأخص نتيجة ازدياد معدلات مياه الصرف الداخلة لبركة سيوة من جراء حفر الآبار العشوائية الجديدة من قبل الأهالى".
الحل فى أشجار الكافور
يستكمل المفتى حديثه قائلا، "اعتمدت خطة الفريق البحثى فى سيوة لحل المشكلة على زراعة أنواع معينة من أشجار الكافور تستهلك كل فدان منها 300 متر مكعب من المياه وبذلك يعود التوازن المائى للواحة مرة أخرى، وبالفعل اشترينا حوالى نصف مليون شجرة زرعناها على حدود الأراضى فى سيوة، لكن للأسف قامت الآليات الحكومية بنزع هذه الأشجار قبل نموها وظهور نتائجها بحجة توسيع المصارف، دون أن تعود إلى المركز أو حتى تستفيد بخبراتنا أو أبحاثنا".
تعتمد خطة الوزارة، طبقا للتقرير، فى إغلاق الآبار العشوائية واستبدالها بـ 273 بئرا حكوميا مزودا بمحابس للتحكم فى تدفق المياه، لكن المشكلة تفاقمت، كما يقول المفتى، "بالفعل توقف تسرب المياه فى المناطق التى أغلقت فيها الآبار العشوائية لكن بسبب طبقة الجير المتشقق التى لم ترعاها الدراسات الحكومية ظهرت التسريبات فى مناطق أخرى، وذلك غير مشكلة اختلاف الأهالى على إدارة الآبار التى أصبحت مشتركة بينهم وتحول البعض إلى حفر آبار سطحية مستغنيين عن الآبار الحكومية، بالإضافة إلى غياب الصيانة الدورية للمحابس مما أصابها بالعطب والصدأ".
ساحة النقاش