مهمات السلامة المهنية. طفايات قابلة للاشتعال وملابس عزل ''مقلدة'' تؤدي للهلاك
كتبت- نور عبد القادر:
لا تخلو منشأة صناعية أو تجارية أو تعليمة أو وسيلة مواصلات من مهمات الأمن الصناعي، حسب الحاجة لها، ورغم أهميتها إلا أن تلك الصناعة عانت مؤخراً من الغش التجاري، فظهرت ورش ''بير سلم'' لتقليد ماركات مهمات الامن الصناعي، وأغرقت السوق بها، حتى عان الكثيرون من اكتشاف كونها ''مضروبة''.
وحسب حديث أغلب السائقين فإن شارع ''الجمهورية'' بحي وسط البلد، يعتبر قبلة تجار وموزعين مهمات الأمن الصناعي سواء الأصلية أو المقلدة والمغشوشة.
طفايات تؤدي للاشتعال
وهو ما أكده لنا أحمد فتحي، سائق تاكسي، قائلا: ''قمت بشراء طفاية حريق من أحد اكشاك شارع ''الجمهورية''، ورغم أنها كانت تحمل اسم ''بافاريا'' إلا أننى اكتشفت عند استخدامها أنها فارغة، وعلمت فيما بعد أن بعض ورش بير السلم تقوم بتعبئتها بمواد قابلة للاشتعال، وهم ما حدث معي أيضا أكثر من مرة، فقد تورطت أيضا في شراء ''طفاية'' معبأة بمواد مجهولة، وفى إحدى المرات حاولت مساعدة سائق، فما كان منها إلا أن ادت لزيادة الحريق بدلا من إطفائه.
شارع ''الجمهورية'' ملاذ البضائع المغشوشة
تجولنا داخل شارع الجمهورية والذي تواجد به المئات من محلات مهمات الامن الصناعي وهى أغلبها تحمل سجل تجاري وتتعامل مع شركات معتمدة ومسجلة ويتم الرقابة عليها، في حين يتواجد المئات من الاكشاك غير مرخصة وعربات ''نصف نقل'' تحمل مهمات الوقاية البشرية والامن الصناعي على جانبي الطريق للعرض أمام المارة وغالبا ما تقوم بعرض المهمات بنصف الثمن.
وتحدثنا إلى أحد أصحاب اكشاك مهمات الامن الصناعي والذي يقوم بعرض طفايات الحريق وملابس العزل والاحذية وخراطيم الحريق ، فأوضح '' أن الاكشاك لا تقوم ببيع مهمات ''مقلدة'' ولكنها سليمة مثلها مثل المحلات والموزعين المعتمدين، ولكن الفارق ان الزبون يقبل على الشراء من الاكشاك لرخص أسعار المهمات بها، فقد يصل ثمن طفاية الحريق ''بافاريا'' 150 جنيها بدلا من 450 جنيها عن طريق المحلات، وكذلك الحال بالنسبة لبقية المهمات''.
من المسؤول؟
حول وضع تلك الصناعة وتأثير الغش التجاري عليها حاولنا التواصل مع دكتور نادر رياض، صاحب شركة ''بافاريا'' لطفايات الحريق وعضو غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعية، فأكد ''أن الغش الصناعي طال جميع الصناعات الناجحة ومن بينها صناعة أجهزة الإطفاء والغريب أن مروجي تلك الطفايات المغشوشة يدعون عدم معرفتهم بأنها غير أصلية في حين أن القانون يعتبر بائع السلع المغشوشة هو المسئول جنائيا خاصة أن أغلب منتجي هذه الطفايات يعملون في مناطق عشوائية ويصعب التوصل إليهم ، والمشكلة أن المستهلكين يكونون ضحايا بهذا الغش لأنهم يعتمدون علي شراء ماركات أسماء طفايات معروفة دون أن يدركوا أنها مجرد منتجات قديمة من هذه الماركات تم طلاؤها لإحكام الخداع والنصب''
آلية الرقابة على طفايات الحريق
وأضاف رياض، أن التغلب علي أساليب غش طفايات الحريق يتم من خلال توعية المستهلك بالتأكيد من مصادر الطفايات التي يشتريها ويفضل أن يكون ذلك من موزعين معتمدين أو من المصانع المعروفة مع الحرص علي إتمام عمليات الصيانة الدورية عن طريق هذه المصانع، ووضع ضوابط صارمة أمام مستوردي أجهزة الحريق حتى لا تدخل أنواع قليلة الجودة سعياً من هؤلاء المستوردين إلي تحقيق مكاسب كبيرة خاصة أن هناك بعض المستهلكين يقبلون علي الأنواع المغشوشة لانخفاض سعرها مقارنة بالأنواع الأصلية.
ويكمل ''نادر'' السوق المصري لسلع أجهزة إطفاء الحريق يتبارى فيها أكثر من 17 مصنعاً وما يزيد عن 3000 من التجار ومئات المصانع غير المرخصة .
خسائر حرائق المنشآت والسيارات
وجدير بالذكر أن خسائر الحرائق تعدت مليار و200 مليون خلال الثلاثة أعوام الماضية، وهو ما أكده عبد الرؤوف قطب ، رئيس الاتحاد المصري للتأمينات، خلال تصريحات صحفية، أن قطاع التأمين تمكن من سداد عبر الثلاث سنوات الماضية ما يقرب من مليار و 200 مليون جنيه تعويضات لعملائها عن الخسائر الناتجة عن خطر الحريق.
أنواع مهمات الوقاية ومواصفاتها
وحول ما يجب أن يكون عليه مهام الامن الصناعي وآلية الرقابة يتحدث دكتور نبيل أمين، مدير مركز السلامة المهنية، أن تعدد انواع مهمات الوقاية الشخصية لنوع العمل والحرفة التي يمارسها العامل ونوعية الاخطار التي تم تحديدها، فتستخدم الملابس الواقية مثل الأفرول، المراييل، الصداري، الأحزمة الواقية في حماية جسم العامل من الأضرار المختلفة في بيئة العمل، والتي لا توفرها الملابس العادية والتي قد تكون هي ذاتها سبباً لوقوع الإصابات، كما تستخدم لحماية الجسم من تأثير المواد الكيماوية والإشعاعات التي تصدر عن بعض المواد المستخدمة في الصناعات، وكذلك مهام الحماية من الحرارة والكهرباء والاتربة وتصنع من مواد معينة، ولحماية القدمين من خطر سقوط المواد عليها أو تعرضها للاصطدام بالمواد.
وتابع:في حالة التعرض للحرارة يتم الوقاية باستخدام مرايل من الجلد كروم المرن، ويمكن استخدام الالياف المنسوجة مع خيوط الألمنيوم، وفي حالة التعرض للمواد الكيماوية كالأحماض أو القلويات يمكن استخدام مرايل بلاستيك مقاومة للكيماويات، ولوقاية الصدر يمكن استخدام معاطف واقية بأطوال مختلفة حسب طبيعة العمل، وفي حالة التعرض للأتربة الضارة فإنه يمكن وقاية الأذرع من هذه المواد الضارة باستخدام أكمام واقية من بعض أنواع القماش الثقيل، ولحماية الرأس من الأجســام الصلبة تستخدم القبعات.
وتظهر أهمية مهمات الوقاية، كما يوضح، في حماية الجهاز التنفسي حسب نوعية الملوثات في صورة أتربة أو غازات أو أبخرة أو أدخنة قد يتعرض لها العاملون في بيئات العمل المختلفة والتي تسبب لهم تليف أو تحجر رئوي أو التسمم نتيجة لاستنشاق الأبخرة الملوثة ، أو الوفاة لاستنشاق الغازات السامة، وهذه المعدات تكون على هيئة كمامات وأقنعة توضع على الوجه بحيث يغطي الفم والأنف أو الوجه بأكمله ومنها ما يغطي الرأس بالكامل.
تأمين بيئة العمل والرقابة عليها
ويشرح أنه لا يتوقف الامر علي مهمات الوقاية للشخص، فهناك مهمات تأمين لمكان العمل، ويتم التأكد من توافرها هي الأخرى، من خلال مفتشين السلامة المهنية التابعين لمديرات القوى العاملة، وهناك مخاطر كيميائية واخري ميكانيكية وثالثة فيزيائية وبيولوجية وغيرها مما يحتم معه الوقاية الهندسية والتشريعية والطبية الواجب إتباعها لوقاية العمال من هذه المخاطر مثل تصميم وتركيب أنظمة السلامة في الآلات والمعدات والمنشآت التي تشكل خطراً على الأشخاص العاملين فيها ومن أمثلة ذلك الحواجز الواقية المركبة على آلة الخراط ، والاهتمام بتوفيرها يضمن سلامة العمال وبالتالي توفير الأموال .
توعية العامل بالوقاية من المخاطر
وينتقد نبيل، غياب فكر الوقاية البشرية لدى العامل وصاحب العمل، فلا يتم الاهتمام بتوفير تلك المهمات للعامل ولا يتم التوعية له بخطورة ذلك، فأغلب المنشآت لا تتوافر بها تلك المهمات، ولو تواجدت فقد تكون مقلدة أو مغشوشة .
ويشرح ''امين'' أسباب فشل تطبيق معايير السلامة المهنية قائلا: '' الاغلبية من المنشآت لا تقوم بشراء المهمات الاصلية ويتم شرائها من مصادر مجهولة، بحيث تكون غير صالحة للاستخدام ولا تقوم بدورها، ضعف الرقابة من قبل مفتشي السلامة المهنية وقلة أعدادهم، وكذلك عدم اختبار مدى سلامة تلك المهمات بأماكن العمل، وعدم القيام بدورات توعية للعاملين واصحاب العمل بأهمية السلامة المهنية.
وأنهى ''نبيل '' حديثه بأن يسعى الان لتشغيل وتفعيل معمل اختبار مهمات الوقاية البشرية بأماكن العمل وتقييم مدى سلامتها للعمل، تجنبا ً لمخاطر العمل والحرائق والاصابات والتأكد من تطابقها مع المعايير الدولية، وهو ما جعلنا نقوم مؤخرا بتدريب مسؤولي السلامة والصحة المهنية ومحاولة تنظيم دورات تدريبية داخل المنشآت ودراسة التشريعات وتعديلها
غياب دور الدولة
أما دكتور حسين عبد الحي، المدير السابق لمركز الامن الصناعي، فقد صرح أن الازمة الاساسية تكمن في اقناع العامل بضرورة الحفاظ على صحته واستخدام مهمات الامن الصناعي ، وكذلك إقناع صاحب العمل بأن في ذلك حماية لرأس المال والقوة البشرية.
انتقد عبد الحي، غياب دور الدولة متمثلا في مديرات القوى العاملة وقلة اعداد المفتشين وعدم القيام باختبار المهمات وصحتها من حلال معمل الاختبار بمركز السلامة المهنية، والذي لا يعمل حتى الان، رغم توافر المعدات، رغم أن لدينا قرابة 2 مليون منشآت ما بين حكومية وخاص وقطاع عام، بالإضافة لقطاع المواصلات والسيارات.
الدستور يلزم الدولة بالحفاظ على السلامة المهنية
وأوضح ''عبد الحى'' أن المادة 13 بالدستور تلزم الدولة بالسلامة المهنية، وكذلك قانون العمل رقم 12 يلزم صاحب العلم بتوفير مهام الوقاية للعامل والمنشأة، لذلك لابد من التنسيق ما بين مديرات القوى العاملة أو ادارات السلامة المهنية بها وبين الاحياء وادارات الامن والدفاع المدني بها خاصة وان أغلب المنشآت خارج إطار السلامة المهنية.
وصرح دكتور حسن عبد المجيد، رئيس هيئة المواصفات والجودة والرقابة الصناعية، أن هناك معايير قد وضعتها الهيئة للمصانع التي تصنع مهمات الامن الصناعي من طفايات وملابس عزل واحذية وغيرها من مستلزمات تأمين بيئة العمل، ولكن الهيئة لا تراقب سوى على المصانع المسجلة بهيئة التنمية الصناعية ولديها سجل صناعي.
ويكمل تخضع تلك الصناعة للمواصفة رقم 5452 لمعايير مهمات الدفاع المدني وتشمل ستة اجزاء كمتطلبات عامة للأمن الصناعي ومهمات وقاية الشخص من الايدين والوجه والجسم والرأس والجهاز التنفسي والاحكام والمراجعة للمكان بشكل العام وكذلك الرصد وتقديم التقييم البيئي لمهمات الوقاية
وأوضح ''صناعات بير السلم مسؤولية مباحث التموين بفروعها على مستوى المحافظات، ويتم مخاطبة هيئة المواصفات والجودة عن طريق هيئة التنمية الصناعية، حتى يحصل صاحب المصنع على الاشتراطات والمعايير اللازمة لفتح مصنع، ثم تقوم الرقابة الصناعية بالرقابة الدورية على المصنع للـتأكد من سلامة المنتج ومطابقتها للمواصفات والمعايير المصرية''
طرق غش طفايات الحريق
وحول طرق غش طفايات الحريق يشرح اللواء مدحت عبدالله، رئيس مباحث التموين أنه يتم جمع الأجهزة القديمة وعمل تجديدات صورية لها، كتصنيع الإطار الخارجي للطفايات بطريقة بدائية من حيث الخامة واللحامات والتشطيب دون الالتزام بالمواصفات القياسية مع تعبئة تلك الأجهزة بمواد غير مطفئة ورديئة وأخري تساعد علي الاشتعال ، ويقومون بوضع علامات جودة مزورة تخص الهيئة العامة للمواصفات والجودة، ونسعى لضبط تلك الورش لان أجهزة الإطفاء مسألة امن قومي لا تقبل التهوين أو التهويل.
12 قضية غش تجاري لطفايات مقلدة
ويذكر '' أن خلال عام 2014 تم تحرير 6 قضايا لمصانع طفايات مجهولة المصدر وخراطيم مستلزمات الامن الصناعي، و12 قضية غش تجاري شملت 1743 طفاية مقلدة و3359 قطعة مستلزمات أمن صناعي و460 طن بودة و2 جوال بودرة مضروبة، و كذلك عشرون طن بودرة حريق غير صالحة للاستعمال، ويتم إرسال عينات إلى هيئة المواصفات والجودة عقب ضبطها للتأكد من مدى مطابقتها أو عدم طابقتها، وإذا ثبت عدم سلامتها، توجه تهمة الغش التجاري لصاحب المنشاة والغرامة لا تتعدى عشرة الاف جنيه، والسجن لا يتجاوز ثلاثة أعوام، وضعف العقوبة وراء انتشار تلك الصناعات''
وخلال تصريحات خاصة لموقع ''مصراوي'' أفاد المستشار ياسر الشربيني، المتحدث الاعلامي لوازرة القوى العاملة، أن الوزارة لديها قرابة 500 مفتش للسلامة والصحة المهنية على مستوى مديرات القومي العاملة وهو يختلف عن مفتش العمل ومدرب على التيقن من وجود مهام الامن الصناعي والتأكد من سلامتها بالمنشأة سواء عامة او خاصة.
ويوضح '' كل مفتش لديه خطة يسير عليها ويعطى قرارات لتوفيق الاوضاع أو غلق لبعض المنشآت التي لا توفق اوضاعها، ويصدر غلق إداري وغرامات مالية، وذلك بالتنسيق مع ادارات الدفاع المدني بالأحياء ولدينا حوالى 164 مكتب أمن صناعي منتشر على مستوى الجمهورية'' .
ويعترف '' المتحدث الاعلامي لوازرة القوى العاملة ''أن عدد مفتشي السلامة المهنية قليل للغاية ولا يكفى للرقابة على المنشآت، ولهذا يتم تدريب مفتشي العمل على مهام مفتشي السلامة المهنية ، ويتم التدريب للمفتشين بمركز الامن الصناعي، وهناك تعليمات بتدريب العمال واصحاب العمل على استخدام مهمات السلامة المهنية''
غياب وعي المستهلك
أما اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، فأكد أنه لم يأت خلال الشهر الحالى سوى شكوى واحدة، وللاسف لا يوجد وعى لدي المستهلك بمواصفات ومعايير مستلزمات ومهام الامن الصناعي وبالتالي لم يتم تلقي شكاوي من قبل الاهالي حول وجود طفايات او مهمات ''مضروبة''.
ويكمل ''إذا جاءت شكاوي سيتم الاستعانة بمباحث التموين للقيام بحملات، وبعضها تقوم بالاعلان عبر الانترنت، وهو من ضمن جرائم الغش التجاري، وإذا تم القبض على أحد تلك المصانع سيتم مصادرة مهمات المضروبة وتوجيه عقوبة غرامة مالية من خمس الاف إلى عشرة الاف، ونعمل الان على تغليظ العقوبة لمنع التجاوزات التى تضر بالمواطن''.
ساحة النقاش