جمال الصيغة المصرية في شعيرة التكبير
أ.د/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكبير لله -عز وجل- من الأذكار المطلوبة قرآنيًّا، والمسنونة نبويًّا، وهو مستحب شرعًا في العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة وأيام العيدين: الفطر والأضحى؛ جمعًا للمسلمين على إظهار السُّرور والإعلان عن الفرح بما تمَّ قبلهُما من عبادتي الصوم والحج، والإقبال من عامة المسلمين على الله -عز وجل- بالعمل الصالح في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة؛ فعلى المسلم في هذه الأزمنة المباركة أن يُكبِّر، وألا يجلس صامتًا، سواء أفي عيد الفطر، أو عيد الأضحى، أو العشر الأول من شهر ذي الجحة، في كل مكان طيب: في مُصلَّى العيد، وفي الطريق إليه، وفي الجلوس فيه، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه، ومركبه، ومن يحضر منهم الجماعة ومن لم يحضرها، تلك الأيام جميعًا؛ لأن هذه الأيام ينبغي أن نظهر فيها شعائر الإسلام. ومن أبرز هذه الشعائر التكبير. وقد قيل: "زيّنوا أعيادكم بالتكبير( (".
ولا شك في أن الصيغة المصرية في شعيرة التكبير حاضرة من زمن بعيد في تراثنا الإسلامي العربي، لعله يبدأ منذ دخول الإسلام مصرَ، حيث كانت لنا -نحن المصريين- جيلاً بعد جيل، صيغة خاصة فريدة في التكبير، صيغة جليلة في روحانياتها، وجميلة نبيلة في تعاملها مع الله عز وجل، والنبي وآله، وجامعة شاملة لما يُرضي الله ورسوله، لها إيحاء ماتع وإيقاع صادع، نتميز بها عن غيرنا من المسلمين، على مر القرون، تُنشَد بلحن خاص وتُؤدَّى بطريقة خاصة، وفيها الإعلان الكامل عن جلال الله، عز وجل، وعز الإسلام وانتصاره، وشرف سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبركة عترته وصحبه، رضوان الله عليهم أجمعين.
وأرى أن هذه الصيغة تحتاج مزيد تبيُّن وإيضاح وتبيين شرعيًّا وحضاريًّا وبلاغيًّا، ولعل في المحاور الآتية ما يحقق ذلك:
الرأي الفقهي في صيغ شعيرة التكبير:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعيرة التكبير في الأيام العشر الأُول من شهر ذي الحجة، وخلال العيدين المباركين من الأمور التي لم يقيدها الشرع الحنيف بصيغة معينة، والأمر فيها واسع؛ فلم يثبت تعيين لفظ مخصوص، ولا عدد مخصوص، بل المشروع الاستكثار منه دبر الصلوات وسائر الأوقات؛ لأن النص الوارد في ذلك مطلق، وهو قـوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُم( (﴾، وقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-:"... فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتسبيح والتكبير( ("، ومن المقرر في أصول الفقه الإسلامي أن الْمُطْلَق يُؤْخَـذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده في الشَّرع، ولم يرد في شعيرة التكبير هذه صيغة محددة في السنة المطهرة، ولكن درج بعض الصحابة-رضوان الله عليهم- على صيغ عديدة، منها:
- التكبير بصيغة: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر على ما هدانا»، وقد قال بهذه الصيغة الصحابيّ ابن عبّاس -رضي الله عنهما-.
- التكبير بصيغة: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا"، وقد قال بهذه الصيغة الصحابيّ سلمان -رضي الله عنه-.
- التكبير بصيغة: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد»، وقد قال بهذه الصيغة الصحابيّ عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-.
وهناك صيغ واردة عن أئمة الفقه، منها:
- التكبير بصيغة: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد». وقد قال بهذه الصيغة أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل.
- التكبير بصيغة: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر"، وقد قال بهذه الصيغة الشافعيّ، ومالك...وللأئمة في التكبير استحسانات كثيرة، وهو يدل على التوسعة في الأمر. وأكثر الفقهاء على استحباب الجهر بالتكبير؛ لما رواه الدارقطني عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر-رضي الله عنهما- أنه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر يجهر بالتكبير حتى يأتي المُصلَّى، ثم يكبر حتى يأتي الإِمام. ولما رواه الشافعي عن ابن عمر-رضي الله عنه- أيضًا أنه كان إذا غدا إلى المُصلَّى كبر فرفع صوته بالتكبير، ولما نُقِل عن البخاري من الآثار عن عمر وابنه أنهم كانوا يجهرون بالتكبير ويُكبِّر أهل مِنًى حتى ترتجّ مِنًى بالتكبير ( (.
نص الصيغة المصرية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
درج المصريُّون من قديم الزمان على صيغة مشهورة مأثورة عنهم في تكبيرات العيد، هي:
"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً. لا إله إلا اللهُ وحده، صدَق وعدَه، ونصرَ عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزم الأحزابَ وحدَه. لا إله إلا اللهُ ولا نعبد إلا إياه، مُخلصين له الدينَ ولو كره الكافرونَ. اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا كثيرًا( (".
الرأي الفقهي في هذه الصيغة
هذه الصيغة مشروعة صحيحة، استحبها كثير من العلماء، ونصوا عليها في كتبهم، يكفينا -نحن المصريين-فخرًا استحسان الإمام الشافعي(ت204هـ)-رحمه الله تعالى- لها، وتسجيله معظمها في كتابه العظيم(الأم) عند حديثه في باب العيدين، بقوله: "وَالتَّكْبِيرُ كَمَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاَةِ: "اللَّهُ أَكْبَرُ"، فَيَبْدَأُ الْإِمَامُ فَيَقُولُ:" اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ" حَتَّى يَقُولَهَا ثَلاَثًا, وَإِنْ زَادَ تَكْبِيرًا فَحَسَنٌ, وَإِنْ زَادَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا, وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، اللَّهُ أَكْبَرُ, وَلاَ نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّيْنَ, وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ, وَنَصَرَ عَبْدَهُ, وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ, وَاَللَّهُ أَكْبَرُ" فَحَسَنٌ، وَمَا زَادَ مَعَ هَذَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَحْبَبْتُهُ... ( (". ومن قال بغير ذلك فهو متشدد، يُحجِّر واسعًا، ويُضيِّق ما وسعه الله تعالى، ووسعه سيدنا رسول الله، وسلوك صحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبَيِّنٌ في تلكم الصيغة المصرية أنها ذكر جماعي، تقال بضمير الجماعة، وهذا مستحسن عند كبار الفقهاء، قَالَ الشّاَفعيُّ-رحمه الله-: فإذا رَأَوْا هِلاَلَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُكَبِّرَ الناس جَمَاعَةً وَفُرَادَى في الْمَسْجِدِ وَالأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ وَالْمَنَازِلِ وَمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ ـ في كل حَالٍ ـ وَأَيْنَ كَانُوا، وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ، وَلاَ يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حتى يَغْدُوَا إلَى الْمُصَلَّى، وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حتى يَخْرُجَ الإِمَامُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِيرَ، وَكَذَلِكَ أُحِبُّ في لَيْلَةِ الأَضْحَى لِمَنْ لم يَحُجَّ، فَأَمَّا الْحَاجُّ فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ( (".
بلاغة الصيغة المصرية في التكبير:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن التدبر الفكري في هذه الصيغة يدلنا على أنها مكونة من مقطعين فكريين رئيسين، هما:
-المقطع الأول خاص بالله -عز وجل- تكبيرًا وتهليلًا وتحميدًا وتسبيحًا، وثناء، وكله مأثور عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؛ فعن جابر أن النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كبر ثلاثًا، وأنه سَمعه يكبر فِي الصَّلَوَات، أَيَّام التَّشْرِيق: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثَلَاثًا، وروى الدار قطني أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقول: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ( (، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال عَلَى الصَّفَا: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأْحْزَابَ وَحْدَهُ( (.
وقد وقف الحبيب الدكتور شعبان عيد مع صيغة التكبير وقفة بلاغية فقال: "مع تكبيرات العيد .. ومع تكرار التكبير في غير العيد - يستوقفني إعجاز لغوي في صيغة التكبير المشهورة ( الله أكبر ).. ومع وضوحه وضوح الشمس لكن لم نقف معه من قبلُ تأملا في معناه؛ وهو حذف متعلق أفعل التفضيل في جملة : الله أكبر (ومعنى المتعلق أن يقال : الله أكبر من كذا.. مثلا) والسر في ذلك : أن يظل أفعل التفضيل مفتوحا على كل مايرد على الذهن من معانٍ حتى إنه مهما حلق الذهن وسافر في عالم الخيال وجد واجتهد في تصور متعلقٍ لأفعل التفضيل هنا لايجد مطلوبه.. ويظل الذهن يلهث مدى الحياة في تصور لهذا المتعلق المحذوف مادامت هناك كلمة الله أكبر تردد في سمع الوجود وسمع الزمان والمكان ولكن يعييه الوصول إلى شيء من ذلك؛ لأن أفعل التفضيل يظل فاعلا في كونه بلا متعلق فلا يقف بالذهن عند أي تصور لهذا المحذوف !!!
فسبحان من لا يوجد شيء في الوجود وملكوته يقاس عليه كبرياؤه وعظمته ومجده".
-المقطع الثاني خاص بسيدنا رسول الله، صلاة وسلامًا عليه وعلى وآله وصحبه أجمعين.
وهذا المقطع زيادة على الوارد في صيغ التكبير، وقد استحسنه عدد من أهل العلم؛ لعدم منافاته للوارد، جاء في كتاب الأم للشافعي أنه قال:""وما زاد من ذكر الله فحسن"، والصلاة على النبي من ذكر الله، وجاء في مدونات الفقه الشافعي في هذه المسألة: "صَرِيحُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تُنْدَبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ التَّكْبِيرِ، لَكِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بَيْنَ النَّاسِ بِإِتيَانِهِمْ بِهَا بَعْدَ تَمَامِ التَّكْبِيرِ، وَلَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهَا؛ عَمَلًا بِظَاهِرِ: رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، وَعَمَلًا بِقَوْلِهِمْ: إنَّ مَعْنَاهُ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي"، لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا( ("؛ فلا بأس بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التكبير، بهذه الصيغة، بل حُكِم عليها بأنها أولى الصيغ في الصلاة على النبي؛ إذ عليها عمل الناس.
ويلاحظ في هذه الصيغة المصرية أن فيها مزيد تفصيل لآل النبي وصحابته، وأن فيها كذلك التزام صيغة السيادة لرسولنا الخاتم. وقد أجمع المسلمون على ثبوت السيادة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى عَلَمِيته في السيادة( (، وكذلك أطلقه على نفسه -صلى الله عليه وسلم- حيث قال : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر( (».
وتلك طبيعة الشخصية المصرية في تعاملها الجميل النبيل، المؤدب المهذب الراقي، مع الذات النبوية الشريفة وآلها وذريتها، وصحبها، رضوان الله عليهم أجمعين، ولا ريب في أن أفضل الذكر ما اجتمع فيه ذكر الله -عز وجل- والصلاة والسلام على رسوله، صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه.
أما عن الجمال الأسلوبي في هذه الصيغة فيتمثل في فصاحة مُعجَمِها، ووضوح ألفاظها، وسلاسة تعبيراتها. جاء المقطع الأول منها خبريَّ الجُمل، مكونًا من تسع عشرة جملة: منها ثلاث عشرة جملة اسمية، وست فعلية، وورد في هذا المقطع أسلوب القصر بالنفي والاستثناء أربع مرات، وأسلوب القصر بالتقديم مرة(ولله الحمد). وكلها في مقام التقرير والتأكيد لحقائق خاصة بالله -عز وجل- تكبيرًا وتسبيحًا وتحميدًا وتوحيدًا وتنزيهًا، وإعلانًا عن عز دينه ونصرة حزبه وجنده واندحار شوكة الباطل وأهله.
أما المقطع الثاني فقد جاء مبنيًّا على أسلوب الإنشاء مبتدئًا بالنداء الدعائي (اللهم) ومثنِّيًا بأسلوب الطلب التوسلي(صلِّ)، و(سلِّم)، وكان أسلوب العطف رابطًا بين جمل هذا المقطع.
ويلاحظ في هذه الصيغة هيمنة أسلوب التكرار وتنوعه؛ فقد تكررت أصوات الراء، والكاف، واللام تكررًا ظاهرًا، وتكرر لفظ الجلالة(الله)عشر مرات، وضميره (سبع مرات)، وتكرر حرف الجر (على) ست مرات، وتكرر تركيب (سيدنا محمد) ست مرات، وذُكِر ضميرُه-صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة، واستُعين بتكرار التعبير(وحده) للدلالة على اختصاص الله -عز وجل- بالوحدانية مرة، وبهزيمة الأحزاب مرة، وتكررت كلمة (كثيرًا) ثلاث مرات، وتكررت جملة(الله أكبر)، ست مرات، وشهادة التوحيد(لا إله إلا الله) ثلاث مرات.
والتكرار في هذه الصيغة يحقق تأثيًرًا إيقاعيًّا يجذب الأذن جذبًا، وله قيمةً عقلية تقرر المعاني في ذهن المنشدين والمتلقين، وله أثر قلبي روحي يتمثل في الإكثار من ذكر الله عز وجل، وترديد كلمة التوحيد، والإكثار من ذكر رسولنا الخاتم، صلى الله عليه وسلم، والتلذذ بهذا الذكر المُنيف. ومن ثم فالتكرار في هذا النص أدى وظائف سمعية ودلالية وجمالية، محدثًا تنبيهًا للعقول، وشحذًا للقلوب، وقوة وتماسكًا في النص.
هذا إضافة إلى أسلوب السجع بين جملتي:" الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا"، وبين جمل: " لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده".
وكذا أسلوب الازدواج أو الترصيع، حيث التوازن في الإيقاع الصوتي، وتوازن الجمل في الطول والرنين، وقد حدث هذا الأسلوب بين جمل:" لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". وبين تراكيب: "على أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد". ولا ريب في أن السجع والازدواج من الأعشاب البديعية اللفظية التي تُمتِّع الأذن وتُشنِّف النفس، وتُساعد على تثبيت النص في ذاكرة المتلقين.
إن هذه الصيغة المصرية في التكبير أنشودة جماهيرية جماعية، صيغة تمتع الآذان، وتحيي النفوس، أحبها الناس كثيرًا، وتربَّى وجدانهم عليها، وما زالوا، لكننا لا نتعصب لها، بل نُبَيِّن ما فيها من ذكر طيب جميل بليغ، ومن تجويز الفقهاء المُعتَبرين لها، ومن دلالتها الحضارية على التعامل الراقي من الإنسان المصري مع شعائر الله، عز وجل، منذ دخل الإسلام، وإلى أن تقوم الساعة بإذن الله تعالى، فهو يحيا بهذه الشعائر ويُحييها بفطرته السليمة...