تجربتي في الكتابة العلمية
إعداد الدكتور صبري فوزي أبوحسين
تتمثل الكتابة العلمية في القدرة على كتابة المقالات والتقارير والأبحاث، وغيرها من الأنواع الكتابية العملية، المستخدمة في مجالات علمية وتعليمية متنوعة. وقد كشفت حالتنا التعليمية الآنية خلال هذا الغزو الكوروني عن ضعف شديد لدى الشباب من طلاب المراحل التعليمية المختلفة، إذ يكاد يكون الكثيرين غير قادرين على كتابة مقال أو بحث، فضلاً عن توثيقه، فضلاً عن القدرة على إرساله عبر وسائل البريد الإلكتروني المختلفة!
وانطلاقًا من التحدث بنعمة الله -تعالى- علي أقول: إن إتقاني فن الكتابة العلمية سبب رئيس في تفوقي ونجاحي خلال رحلتي التعليمية والعلمية هذه؛ فقد عرفت منذ دخلت الجامعة بقدرتي على الكتابة، وكانت مادة البحث الأدبي التي كان يدرسها لنا أستاذنا الدكتور السيد مرس أبوذكري-رحمه الله تعالى- سبب إتقاني هذا الفن؛ فقد درسها لنا أستاذنا من خلال كتابه الفذ الرائع: البحث الأدبي: أصوله ومصادره، فعرفنا على أصول البحث وخطواته ومراحله وصفات الباحث الجاد، ثم وضح لنا المصادر الأمهات في كل علم وفن: في المعاجم اللغوية، في النحو والصرف، في البلاغة والنقد الأدبي، في التأريخ الأدبي، في السير والتراجم، في الكتب المعرفة بالمؤلفات المختلفة،... وهكذا دواليك!
ومن ثم فُتنتُ بالكتابة العلمية، فمارستُها على نطاق واسع، إذ كنتُ أعد البحث العلمي المقرر علي في كل سنة جامعية في خمسين أو ستين صفحة منظمة وموثقة، وكنت أشارك في مسابقات الأبحاث بالكلية والجامعة ومعسكرات الشباب بوزارة الأوقاف حينئذ! بل كنت أشارك أساتذتنا بالقرية في إعداد بحوثهم التي يعدونها في مرحلة الدراسات العليا أو الماجستير أو الدكتوراه، وكان في هذا تعب ما بعده تعب، لكنه التعب اللذيذ! تعب أعطاني خبرة بمصادر العلم المختلفة، وزاد هذا التعب حين اختيرت محررًا لغويًّا في الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عقب تخرجي من الجامعة سنة 1994م، فعشت مع المعاجم العربية العتيقة والحديثة: العين، الصحاح، التهذيب، المحكم، القاموس المحيط، اللسان، تاج العروس، الوسيط، الكبير، المنجد،...إلخ إضافة إلى كتب المجمع الماتعة مثل كتاب القرارات اللغوية، وكتاب الألفاظ والأساليب، وكتاب أصول اللغة، وكتاب التراث المجمعي، ثم مجلة المجمع، والكتب المسجلة لدوراته ومؤتمراته، وسلسة كتب المصطلحات العلمية في العلوم والفنون المختلفة! وهذا أثمر رسالتي للماجستير التي عاشت في التراث المجمعي كله خلال خمسين عامًا، والتي عنوانها: (الشعر ونقده في تراث مجمع اللغة العربية بالقاهرة خلال خمسين عامًا: 1932-1982م). كما أثمر رسالتي للدكتوراه التي كانت دراسة تحليلية للأدب والنقد في تراث المؤرخ الشامي العظيم محمد أمين المحبي (ت1111هـ)... وهكذا انتقلت خلال رحلتي هذه من بحث علمي إلى ثان، ومن مقال إلى آخر، حتى صارت الكتابة العلمية وظيفة أساسية وأولى في حياتي، والحمد لله تعالى.
ويمكنني أن أحدد مراحل تعاملي مع الكتابة العلمية في الآتي:
<!--الدافع على الإبداع:
ينبغي للباحث دائمًا أن يسأل نفسه قبل البحث والكتابة: لماذا أكتب في هذا الموضوع؟ لأن الدافع على الكتابة يخلق حرارة في النفس، وإخلاصًا في القلب، وحيوية تذكي الباحث وتزيده جدًّا وتفانيًا في عمله. ولعل الدافع الأعظم في كل عمل يتمثل في نصر الحق وأهله حيث كان وكانوا، والإعلان عن معالم الإبداع وتقنياته في شخص أو مكان أو زمان أو مؤسسة أو تراث!
<!--التزام المنهجية والتخطيط:
دائمًا ألزم نفسي بمنهج مبدئي أقترحه، وأضع تصورًا عقليًّا للعمل العلمي من حيث أجزاؤه، وطريقة صياغته وعرضه، ومصادر ذلك وآلياته. وهذا المنهج يحمي الباحث الكاتب من الشطط أو الاستطراد أو الإطناب أو العشوائية والاعتباطية في الكتابة؛ فالمنهج يحدد البحث، ويكبح جماح الرية عند الباحث الكاتب!
<!--إدمان القراءة وتنويع مصادرها:
ينبغي للباحث الكاتب أن يقرأ في مجال بحثه كثيرًا، وأن ينوع القراءة، ويتعرف على القديم والجديد في علمه وفنه، وينفتح على كل التيارات والرؤى؛ حتى لا يكون منغلقًا أو أحاديًّا أو يقع في تشدد أو إفراط أو تفريط، أو حكم ظاهري سطحي!
<!--الحرص على الإنجاز اليومي:
الباحث الكاتب ليس كسولاً ولا خمولاً، ولا مجال لديه للدعة والراحة، بل عليه أن يلزم نفسه كل يوم بإنجاز جديد، وإتقان طريف، إما مقالاً، وإما صفات في بحث علمي أو كتاب... إن الدعة والكسل والتسويف، والغرق في الأماني دون عمل أو إنجاز من محبطات الحياة، ومعوقات البشر، ومن أسباب الفشل والانهيار! إن الباحث الكاتب منتج دائمًا، منجز دائمًا، مبدع دائمًا، ينتقل كل يوم من إنجاز إلى آخر، وليس مستهلكًا، ولا متهالكًا، ولا متهوكًا!
<!--معاودة النظر في المكتوب وعرضه على الخبراء:
لا يرضى الباحث الكاتب عن نفسه، ولا يجوز له أن يقنع بالصورة الأولى لما كتبه، ولا ينبغي له أن ينشره سريعًا على العامة، بل عليه أن يعاود النظر فيما كتبه مرة بعد أخرى، كما ينبغي له أن يعرضه على الخلصاء الأصفياء، والمتخصصين، حتى يكونوا مرآة لعمله، فيوقفونه على أوجه الضعف أو النقص في عمله، ومن ثم يتم عمله بعد نقص، ويزداد عمله بعد قله، ويُنسَّق عملُه بعد بعثرة، فمن استشار غير خائب ولا تائه!
<!--تطوير أدوات البحث والصياغة:
على الباحث الكاتب ألا يقتنع بما في مكتبته وحدها، ولا بما في مكتبة كليته أو قصر ثقافته، بل ولا بالكتب الموجودة في دار الكتب المصرية، نعم يجمع كل معلومة تفيده في موضوعه وتضيف إليه، يحصل على المعلومة أين وجدت، وكيف وجدت، فالحكمة ضالة العاقل، وهو أحق بها أنى وجدها! ورقية كانت أو إلكترونية!
إن مما يحزنني أن أجد الجيل القديم حريص على تطوير نفسه، وتسليحها بتكنولوجيا البحث والتعليم، من حاسوب وإنترنت، ومكتبة شاملة، وموسوعات علمية إلكترونية جامعة، وكتب إلكترونية مجمعة بنظام ( (bdf. أما جيل الشباب فتجده كسولاً، لا همة لديه، يستخدم التكنولوجيا الاستخدام الاستهلاكي الخاطئ، إنني دائما ما أقول لطلابي: نحن في عصر الكيبورد والورد، ومن لا يمتلكهما ويتقنهما فليس ابن عصره وزمانه، وأن الشاب الناجح هو من يتقن آليات عصره ويوظفها في مجال عمله خير توظيف!
إن علاقتي بالحاسوب ترجع إلى سنة 1996م وما بعدها، وعلاقتي بالإنترنت ترجع إلى سنة 2000م وما بعدها، وهي علاقة طويلة ممتدة متطورة، لا تقف عند حد، ولا تجمد عند مرحلة، أحاول دائمًا أن أطالع الجديد في التكنولوجيا الذي يخدمني في الكتابة العمية: مهنتي وموهبتي! ولذا تجد اسم(صبري فوزي أبوحسين) موجودًا بحمد الله تعالى في كثير من المجلات العلمية والثقافية الإلكترونية والمطبوعة، وفي المواقع الإنترتية المختلفة، بسبب كثرة إنتاجي المقالي والبحث في المجالات الدعوية والثقافية والاجتماعية والعلمية...
هذا، وبالله التوفيق ومنه السداد والرشاد، وإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.