إدامة الخزين الستراتيجي من الحبوب
3. كشف المراحل المبكرة لتدهور الحبوب
د. محمد عبد الخالق الحمداني/ دائرة البحوث الزراعية/ وزارة العلوم والتكنولوجيا
طالما شكلت الحشرات والحلم والفطريات والقوارض والطيور أو غيرها من العوامل الخزنية غير الجيدة خطرا كبيرا يهدد الخزين الستراتيجي من الحبوب ، لذا يتطلب جهودا كبيرة من قبل العاملين بمخازن الحبوب ورعاية من قبل الجهات المسؤولة عنها لإدامة هذا الخزين. إن تفهم المسؤولين لخطورة العوامل المؤدية إلى تدهور وتلف الخزين الغذائي لابد أن ينعكس في توفير مستلزمات جميع الإختبارات الضرورية ومنها المختبرات الخاصة بصحة البذور وإختيار الكادر العلمي الكفوء لغرض تفادي الخسائر الجسيمة من خلال وضع برنامج دقيق لأخذ النماذج الدورية من الحبوب المخزونة. يراعى في النماذج شرطين اساسيين وهما شمولية النماذج بحيث تمثل جميع الكمية المخزونة من الحبوب ، وأن تكون على فترات غير متباعدة ومحددة. تخضع النماذج الدورية وبشكل إنفرادي (كل نموذج على حدة) إلى الإختبارات التالية:
<!--قياس المحتوى الرطوبي
<!--معرفة أنواع الفطريات الملوثة للحبوب وكذلك الموجودة في مواقع إصابة مع أعداد أو مستويات تلك الفطريات.
<!--مراقبة تلون أجنة الحبوب ويشمل التلون بسبب الإصابة المستقرة أو بسبب نمو بعض الفطريات المتواجدة في المخزن كما في حالة الفطرينspp. Aspergillus و Rhizopus spp. وفطريات أخرى ذات معيشة رمية إختيارية. يمكن الكشف عن الأجنة المصابة من خلال إزالة أغلفة الأجنة (طبقة النشاء) التي تغطي الجنين ثم فحصه تحت المجهر أو وضع تلك الحبوب بعد تعقيمها سطحيا على ورق ترشيح مرطب لمدة 24-36 ساعة لمعرفة مسببات التلون.
إن متطلبات إنجاز هذه الإختبارات الدورية لا تحتاج إلى أجهزة معقدة بل إلى كادر علمي مدرب تدريبا جيدا وخاصة العاملين بإختبارات التلوث الفطري وتشخيص الحبوب المصابة و الملوثة ومعرفة مسبباتها. إن توفر مستلزمات الإختبارات وبضمنها الكوادر العلمية مع المحافظة على مواعيد أخذ النماذج الممثلة بشكل صحيح لكمية البذور المخزونة ، سينعكس على صحة الخزين لأن هذه الإجراءات لا بد أن تكشف وبشكل سريع بداية أي شكل من أشكال التدهور .يمكن إستخدام معيار FAV المعبر عن قيم حموضة الدهن (Fat Acidity Value) في تقييم النوعية والقابلية الخزنية (Storability) للحبوب وكمؤشر لدرجة التدهور في الحبوب المخزونة، حيث تدل القيم العالية على وجود التدهور بالمقارنة مع القيم الواطئة التي غالبا ما تعبر عن سلامة الخزين. ومما تجدر الإشارة إليه إن هذا الإختبار لا يمكن إعتماده كإختبار وحيد لتحديد النوعية والقابلية الخزنية لإحتمال حدوث أخطاء عديدة قد تربك العاملين، فقد لوحظ في حالات عديدة بأن عدة أكوام من الحبوب التي تبدو مظهريا بإنها ذات نوعية جيدة قد أفرزت قيم عالية لحموضة الدهن، كذلك لم تسجل إية زيادة في قيم الحموضة لحبوب الحنطة والذرة الصفراء التي تغزوها بعض الفطريات المخزنية وذات محتوى رطوبي 14-14.5% ، لذلك يفضل إجراء إختبارات أخرى للتأكد من النوعية والحيوية وخاصة على البذور المخصصة للزراعة في الموسم القادم.
زيادة درجات الحرارة:
إن وضع كاشفات درجة الحرارة (المجسات) لقياس درجات الحرارة في مواقع مختلفة من كمية الحبوب المخزونة يعد عاملا مساعدا وليس بديلا للعاملين بمخازن الحبوب. ولطالما تمثل الحبوب عازل جيد ، فإن كشف وجود إرتفاع درجة الحرارة ولو عدة درجات وفي موقع محدد بواسطة المجس الحراري يشير بدون شك إلى إن الحبوب في ذلك الموقع قد أصبحت في المراحل النهائية من التدهور والتلف. لذلك فإن كشف أي بقعة دافئة في خزين الحبوب يتطلب حساب حجمها وظروف الحبوب الموجودة عند أو قرب الموقع من خلال أخذ نماذج من الحبوب لفحصها بسرعة ليتم على ضوء النتائج إتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على الكمية ومنع إنتشار التأثير الضار لها ضمن الكمية الكلية المخزونة.
المحتوى الرطوبي:
قد يختلف المحتوى الرطوبي الذي تؤشره الأجهزة المنصوبة في مخازن الحبوب عن المحتوى الرطوبي في الحبوب المخزونة، لذلك على العاملين في مخازن الحبوب عدم الركون إلى ماتسجله الأجهزة بل إلى ما موجود في الحبوب. إن أهم الفعاليات التطبيقية الإعتيادية الواجبة التنفيذ وبدون تأجيل أو تلكؤ أخذ النماذج الممثلة لكل كتلة حبوب تذهب إلى المخزن لحساب محتوى الرطوبة في الحبوب القادمة. ومن الممارسات الخاطئة لبعض العاملين في مخازن الحبوب إعتماد المعدل العام في كل حساباتهم مع إغفال مفردات هذه المعدلات. إن فكرة المعدل العام سواء في أخذ النماذج (نموذج عام) أو في إستخراج معدل قراءات الأجهزة المنصوبة للحرارة أو الرطوبة يجب أن يمنع تداولها في مخازن الحبوب للأسباب التالية:
<!--غالبا ما يخفي المعدل العام مديات مختلفة من القراءات قد تبدو مناسبة كمعدل عام لكنها تضم قراءات قد يسبب إغفالها كارثة على الخزين، فالمعدل المأخوذ قد لايعكس المحتوى الرطوبي لجميع الكميات إنفراديا وتحديدا تلك الخاصة بالشحنات القادمة للمخازن. إن وجود 1 أو 2% زيادة في المحتوى الرطوبي عن المعدل قد يكون متوقعا في الحبوب المنقولة في العربات المكشوفة او الشاحنات مثلا، لكن هناك زيادة كبيرة في المحتوى الرطوبي مع اختلافات واسعة بين الإرساليات، لذلك ولغرض الخزن الآمن لابد من معرفة رطوبة كل الإرساليات وبشكل فردي وتحديد أعلى مستوى من الرطوبة وتحديد الجزء الرطب في الكمية القادمة أو الموجودة أصلا في المخزن.
<!--قد تكون أجهزة تسجيل الرطوبة غير فعالة، لذلك يتطلب فحص دوري لدقة هذه الأجهزة من خلال قياس المحتوى الرطوبي للحبوب بطريقة التجفيف الحراري أو إرسال نماذج من الحبوب إلى مختبرات صحة البذور في دوائر مختصة. كما يجب إجراء الفحص الكمي للحبوب وقياس درجة حرارة الخزين بفترات زمنية محددة. تنبع اهمية هذه الإجراءات من وجود حقيقة تشير إلى إن معظم أجهزة قياس الرطوبة تحتوي على هامش من الخطأ قد يبلغ 0.5 إلى 1% في أحسن الأحوال، ولذلك فإن كان المحتوى الرطوبي لأي شحنة حبوب قريب أو ضمن المدى الملائم لحدوث التدهور، يتحتم أخذ نماذج عديدة منها لقياس الرطوبة وخاصة الشحنات القادمة للمخازن قبل خلطها مع الخزين الموجود لغرض المحافظة على محتوى رطوبي آمن للخزين.
<!--قد تتغير الرطوبة من مكان لآخر في خزين الحبوب، فقد وجد بأن المحتوى الرطوبي لبعض نماذج الحبوب المأخوذة من مكان حفظ الحبوب عند المزارعيين قد يزيد بحدود 6% عن المعدل الموجود في سجلات المخزن، وبذلك فإن نقل الرطوبة للمخازن غالبا ما يكون كبيرا في موسم الشتاء وحصرا في المناطق الباردة أو في المناطق التي يتعرض فيها الحاصل للأمطار أثناء النضج أو الحصاد، ففي الشتاء ، فإن الطبقات العليا من أكوام عرانيص الذرة الصفراء المركونة عند المزارعيين أو الوسطاء قد تحوي على مستوى رطوبي يتراوح بين 20 إلى 25%، وعند إرتفاع درجة الحرارة، فإن كثيرا من الحبوب تبدأ بالإنبات وبذلك تكون مهيئة للإصابة بالفطريات مما يساهم أيضا برفع درجة الحرارة داخل تلك الأكوام. إن إدخال مثل هذه الحبوب إلى المخزن وخلطها مع الحبوب المخزونة يمثل كارثة حقيقية للخزين الستراتيجي من الحبوب.
تعتمد وسائل السيطرة على تدهور أو تلف الحبوب المخزونة على توفر عناصر أساسية قد يبدأ بعضها قبل الحصاد أو خلاله إضافة إلى الشرطين الأساسيين التاليين:
أولا:- تجنب أو وجود أية مصادر تلويث في بيئة المخازن من خلال إتباع التعليمات التالية:
<!--السيطرة التامة على المحتوى الرطوبي بحيث يكون بمستويات أقل من مستويات الحد الأدنى لنمو الفطريات المخزنية، لاسيما وإن بعض أنواع الفطر المخزني Aspergillus spp. تنمو وتصيب الحبوب حتى إذا كانت رطوبتها 13 % ، بينما يحتاج البعض الآخر إلى رطوبة 14% أو أكثر حتى تنمو.
<!--المحافظة على درجة حرارة الحبوب المخزونة في أقل مستوى كلما أمكن ،علما بأن معظم الفطريات المخزنية تنمو بسرعة ضمن المدى 30-55 مْ وببطىء ضمن المدى 12-15 مْ، وقد يتوقف نموها تقريبا على درجة 5-8 مْ . ومن الجدير بالذكر، إن درجات الحرارة المنخفضة تعمل كذلك على إبطاء عملية التنفس في الحبوب المخزونة وبذلك تمنع زيادة رطوبة الحبوب، و تبقي الحشرات والحلم في وضع السكون.
<!--السيطرة الفعالة على الحشرات والحلم في المخازن من خلال إستخدام المدخنات (Fumigants) وبذلك سيتم حرمان الفطريات المخزنية من المصادر الأولية لتلويث الحبوب القادمة إلى المخازن. ومن المعروف بأن الإصابة الحشرية للحبوب المخزونة ترفع درجة الحرارة بحدود 2% في الشهر و 5-10% خلال عدة أشهر.
<!--يجب عدم إدخال الحبوب أو البذور الغير كاملة النضج وكذلك الحبوب القديمة ، وأن تكون الحبوب نظيفة وذات نسب إنبات عالية وخالية من الجروح والشروخ والتكسر لتشكل عائقا أمام الفطريات المخزنية.
<!--وجوب إستعمال نظام تهوية كفوء حيث تتحرك التيارات الهوائية خلال الحبوب وبمعدلات جريان واطئة لإزالة الرطوبة والحرارة الزائدة والمضرة من البذور المخزونة.
ساحة النقاش