الطريق إلى مدينة مصوع الساحلية رحلة في أعماق إريتريا
يضم كثيرا من المحميات الطبيعية ويجسد روعة الهندسة الإيطالية
بلاد غنية بالمحميات الطبيعية ولا تزال تحافظ على الطراز العمراني الايطالي
جدة: إبراهيم نافع
اشتهرت إريتريا باختزالها روعة تصميم الهندسة الإيطالية، التي صبغت البلاد بسحر من نوع خاص، فعاصمتها أسمرا بنيت خلال فورة طراز «الأرت ديكو» في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، وتعد مثيلاتها من المدن الإرتيرية مختلفة تماما عن الصورة النمطية للمدن الأفريقية الأخرى.
وتستقطب مدينتا أسمرا ومصوع بشكل خاص كثيرا من السياح، الذين يأتون إلى إريتريا، وذلك لما تتميز به المدينتان من مناظر خلابة، سواء في الطراز المعماري الذي ينعكس في الأناقة الإيطالية التي صبغت بها العاصمة أسمرا، أو الأصالة العربية التي تتميز بها مدينة مصوع الساحلية.
وتعد مصوع التي تشبه إلى حد كبير مدينة جدة (غرب السعودية)، من أهم المدن الإريترية بعد العاصمة، وهي ذات طابع عربي، حيث هاجرت إليها القبائل العربية على مرحلتين، الأولى قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والثانية كانت خلال القرون القليلة الماضية.
والطريق بين العاصمة أسمرا ومدينة مصوع عبارة عن رحلة ممزوجة بعبق التاريخ وروعة المكان، فالطريق يضم كثيرا من المحميات الطبيعية، ويقع بعضها في الطريق الجبلي المتعرج الذي يصل بين العاصمة أسمرا ومدينة مصوع، ويعتبر هذا الطريق من المعجزات الهندسية التي تم تحقيقها خلال القرن الماضي.
وتوجد على هذا الطريق غابات مدارية وشبه متوسطية، وهي تقع بالقرب من دير«دبري بيزن» أو «جبل بيزن»، وهو عبارة عن دير قديم جدا بني منذ مئات السنين، وتعكس هندسته المعمارية أسلوب البناء في الهضبة الإريترية خلال القرون الوسطى.
وتتيح الرحلة عبر هذه الطريق فرصة للسائح للتعرف على جانب من الحياة الطبيعية في إريتريا، حيث تكثر أسراب الطيور بأنواعها المختلفة، بما في ذلك النسور، والعقبان، والصقور، بالإضافة إلى كثير من أنواع القرود التي تعيش في المنحدرات الشرقية المطلة على الطريق، وبالأخص قرود البابون، والنسناس وغيرها، وتمثل الرحلة عبر طريق أسمرا - مصوع رحلة عبر النطاقات المناخية الثلاثة التي تغطي إريتريا، كرحلة من مدينة في شمال إيطاليا إلى مدينة عثمانية - مصرية.
والوصول إلى مدينة مصوع يقتضي النزول إلى مسافة لا تقل عن 8000 قدم من العاصمة أسمرا، حيث يتعرج الطريق بصورة تحبس الأنفاس في رحلة لا تخلو من الإثارة.
ويستمر الطريق المنحدر إلى مصوع مارا بمدينة «قندع» التي تبعد 45 كلم عن العاصمة، تحفها خضرة دائمة فريدة من نوعها في المرتفعات، وهي تقع في حصن طبيعي بين الجبال، وتشتهر هذه المدينة بمطاعمها التي تقدم مختلف الأطباق الإيطالية.
ومن أبرز المحطات في هذا الطريق المتعرج هي «دونقولو» المدينة الصغيرة التي تشعر الزائر بارتياح لجمالها الطبيعي، وهي تمد أغلب المناطق الإريترية بالمياه المعدنية من ينابيعها التي توجد في سهل «سبارقوما» الواقع على مسافة 60 كلم من العاصمة.
وتضم هذه البلدة قلعة كبيرة تقع على التل الذي يشرف على سهل «سبارقوما»، وتعرف هذه القلعة باسم «سحاطيت»، التي احتلها الإيطاليون في عام 1886، كما تضم هذه المدينة معلما بارزا وهو الجسر الممتد فوق النهر بمنطقة «دوقلي»، ويتكون هذا الجسر من ثلاثة أقواس.
وعند الاقتراب إلى مدينة مصوع، تجد في مشارفها الأسواق والشوارع الضيقة التي تنبئ عن المدينة، وتتكون مدينة مصوع من جزيرتين في عمق البحر، طوالوت ودهلك، ويصلهما بالبر طريق طويل يعد جزءا من البحر، مما أعطى الجزيرتين سحرا خاصا.
وإلى اليمين من طوالوت، وهي واحدة من هاتين الجزيرتين، تشاهد فيها تجمهرا لمراكب الصيد التقليدية متراصة على طول البحر، راسية بانتظار الفجر التالي، وبالاتجاه شرقا ستجد الجزيرة الثانية، التي تعرف بجزيرة (ضابع)، ومدينتها ذات الطابع الشرقي، حيث الميناء والمباني ذات الأقواس التي تنضح روعة وبهاء مثل بقية المقاهي والمحلات التجارية.
ويطل على الميناء قصر رائع شيد على الطراز الإيطالي، وقد كان هذا القصر ملكا لأحد أباطرة الصناعة الإيطاليين.
وأفضل طريقة للتجول في مصوع هي السير على الأقدام، في أزقتها وحواريها الضيقة، والتمتع بمبانيها الأثرية التي ما زالت قائمة، كمسجد «الحنفي» الذي يزيد عمره عن 500 عام، الذي يتمتع بأعمال جص مذهلة، لدقتها وجمالها بالإضافة إلى الثريا التي تتوسط سقفه، والمصنوعة من الكريستال «المنفوخ»، وتتواجد أمام مرفأ المدينة ساحة تضم مجموعة من البيوت المصنوعة من «الحجر المرجاني»، الذي طوعه الإريتريون لبناء مبان جميلة وصلبة جدا.
ولمصوع واحد من أروع الشواطئ في العالم، وهو شاطئ «قرقسم» الذي يتمتع برمال بيضاء خلابة، ومياه زرقاء لازوردية تسحر الألباب.
وتتميز مدينة مصوع بمقاهيها ومطاعمها، التي تقدم شتى أنواع الوجبات العربية وتتميز بتقديم وجبات السمك المشوي، وتضم المدينة مجموعة من الفنادق، منها فندق «تورينو مصوع»، وفندق «دهلك مصوع»، وفندق «البحر الأحمر»
ساحة النقاش