شكوى طالبة:(لا أستطيع أن أكمل مذاكرة)!(أشعر بملل شديد من الدراسة)!(لا أستطيع أن أستذكر ساعة كاملة ... دائمًا ما أسرح وأفقد التركيز)!كثيرًا ما نسمع هذه الشكاوى، شكوى من الملل، شكوى من السرحان وعدم التركيز، شكوى من عدم المقدرة على احتمال جلسة المذاكرة وطولها، شكوى من نسيان ما تم حفظه وفهمه ... ولكن الحقيقة عزيزتي، تعددت الشكاوى والأسباب واحدة.نعم، فإن اختلفت الشكاوى في ظواهرها ولكن في الحقيقة كل الشكاوى هذه لها نفس المجموعة من الأسباب التي قد تختلف وتتباين من شخص لآخر.وبما أن الله سبحانه وتعالى أودع في هذا الكون سنة؛ وهي أنه ما من شيء إلا وجعل الله من ورائه سببًا، فكذلك التشتيت وضعف التركيز وقلة التحصيل لها أسباب كثيرة، فيرى أهل العلم (أن انخفاض التحصيل الدراسي يتأثر بالعديد من العوامل؛ مثل: الاستعدادات والقدرات العقلية، والمتغيرات الدافعية مثل الدافع إلى الإنجاز؛ حيث تعد تلك المتغيرات محركًا وموجهًا للطاقة النفسية للطلاب نحو بذل الجهد في مجال التحصيل الدراسي.وأيضًا للسمات الشخصية دور في التحصيل الدراسي؛ مثل: السيطرة والاستقلالية والتوافق الشخصي والتوافق الاجتماعي وحب الاستطلاع والثقة بالنفس، وهي ترتبط ارتباطًا موجبًا بالتحصيل الدراسي، بينما هناك سمات أخرى ترتبط ارتباطًا سالبًا بالحصيل الدراسي؛ مثل: الميل إلى الشعور بالذنب والقلق والعصابية وعدم توافر الأمن النفسي، وكذلك من العوامل الأخرى انشغال الطالب ببعض الأمور العاطفية أو بمشكلاته الخاصة) [الأمن النفسي وعلاقته بالتحصيل الدراسي، عبد الله السهلي، ص(52)].لذلك أبين لكِ عزيزتي الأسباب الرئيسية لانعدام التركيز حال المذكرة والملل منها، أو سوء الحفظ والتحصيل رغم الوقت الكثير المبذول.مشكلات ومعوقاتأولًا ـ العقل السليم في الجسم السليم:هذه مقولة قديمة حديثة، تداولتها الأجيال تلو الأجيال، وفي الحقيقة هي مقولة صائبة، فالإنسان السليم المعافى في بدنه قد حباه الله تعالى نعمة يستطيع بها التغلب على الصعاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له) [صححه الألباني].لذلك؛ فضعف البدن وإصابته من الأمراض مما يعوق عن حسن الدراسة، ويشتت الذهن، ويضعف البدن عن التحمل والصبر على التحصيل، فـ(الطالب الضعيف البنية، والطالب المصاب بأمراض منهكة كالطفيليات، كلاهما يشعر بالتعب والإرهاق عند أقل مجهود، ولا يستطيع كل منهما مواصلة الاستذكار مدة طويلة) [الأمن النفسي وعلاقته بالتحصيل الدراسي، عبد الله السهلي، ص(51)].وماذا بعد الكلام؟1- احرصي عزيزتي على تنظيم أوقات نومك وأوقات استيقاظك، والأفضل اغتنام ساعات الليل في النوم وساعات النهار في المذاكرة، ولا بأس بالقيلولة، فهذا هو الأصح طبيًّا ومن ناحية الفطرة أيضًا.2- احرصي على تنظيم أوقات وجبات الطعام الثلاث، وكذلك احرصي على تناول الطعام المتكامل الذي يحتوي بجانب النشويات على الخضار والفاكهة.3- لو كنت تشتكين من مرض ما يسبب ضعفكِ وقلة تركيزكِ فعليك بالذهاب إلى الطبيب لإجراء الكشف الصحي.ثانيًا ـ وللنفس صحة أيضًا:أما الصحة النفسية فهي العامل الأكبر في التأثير على التحصيل الدارسي، فكم من فتاة تتمتع بذكاء عالي يشهد به الجميع، ولكنها رغم ذلك ما إن تأتي النتيجة إلا وتفاجأ، ما الذي حدث؟!السبب أيتها العزيزة، أن التحصيل الجيد لا يعتمد على الذكاء والمهارة وفقط، بل هناك عوامل نفسية أخرى في غاية الأهمية، قد يستطيع من يمتلكها ـ وإن كان أقل ذكاء ـ من تحصيل درجات مرتفعة.فـ(للسمات الشخصية دور في التحصيل الدراسي؛ مثل: السيطرة والاستقلالية والتوافق الشخصي والتوافق الاجتماعي وحب الاستطلاع والثقة بالنفس، وهي ترتبط ارتباطًا موجبًا بالتحصيل الدراسي، بينما هناك سمات أخرى ترتبط ارتباطًا سالبًا بالحصيل الدراسي؛ مثل: الميل إلى الشعور بالذنب والقلق والعصابية وعدم توافر الأمن النفسي، وكذلك من العوامل الأخرى انشغال الطالب ببعض الأمور العاطفية أو بمشكلاته الخاصة) [الأمن النفسي وعلاقته بالتحصيل الدراسي، عبد الله السهلي، ص(52)].فالسمات الإيجابية المذكورة آنفًا هي التي تمكنكِ من الجلوس للمذاكرة فترة طويلة، وهي التي تعطيكِ الثقة أيام الامتحانات وداخل الامتحان أيضًا، وهي التي تمدكِ بالإرادة والمثابرة والاعتماد على الذات، وكلها مقومات نجاح حتى وإن وافقت ذكاء متوسطًا.أما السمت السلبية الأخرى فهي التي تجعلكِ لا تطيقين الاستمرار في المذاكرة، وتبالغين في التوتر، بل قد يصل الأمر إلى نسيان الإجابات بسبب شدة التوتر مع أن أصله ليس بعيب.لذلك عد علماء النفس (الطالب المضطرب انفعاليًّا أو الذي يعاني من القلق أو عدم وجود الأمن والطمأنينة يصبح غير قادر على التركيز والاستيعاب، فهو مشتت الفكر، وبالتالي ينخفض تحصيله الدراسي، وهذا ما أكدته العديد من الدراسات النفسية) [التحصيل الدراسي وعلاقته بالأمن النفسي، عبد الله السهلي، ص(52)].وماذا بعد الكلام؟1- إذا قفزت إحدى مشكلاتكِ إلى ذهنكِ، أو تناثرت تساؤلاتك حول مستقبلك وما فيه؛ فاصرفي هذه الأفكار من ذهنك مباشرة، وركزي بشدة فيما تذاكرين، وتذكري قول الشاعر:ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها2- اسعي جاهدة لحل جميع المشكلات التي تواجهينها في الحياة ولا تؤجلي شيئًا بقدر إمكانكِ.ثالثًا ـ الشرود الذهني:وهو يعد من الأسباب الأساسية لضعف التحصيل والمذاكرة، فعلى عكس ما يظن الكثير أن كثرة وقت المذاكرة هو الأفضل، كلا؛ فقليل من الوقت مع كثير من التركيز أفضل بكثير جدًّا.فاكتساب صفة التركيز الذهني تعود على الإنسان بأعظم الفوائد في حياته؛ يقول أحد علماء النفس المشهورين: (ليست العبقرية أكثر من تركيز الذهن).وقال آخر: (إن حصر الاهتمام هو أول مقومات العبقرية) [حتى لا تكون كلًّا، عوض القرني].وإليكِ عزيزتي بعض أسباب الشرود الذهني:1- وجود مشكلة ملحة؛ وقد تكون هذه المشكلة عائلية، مالية، معيشية، اجتماعية ... إلخ.2- توقع حدوث أمر مخيف والانشغال به.4- وقوع أمر يؤدي إلى الفرح الشديد.5- التعود على العيش أسيرة الخيالات والأوهام غير الواقعية والتعلق بها.6- أن يكون في محيط المذاكرة وبيئتها ما يشغل الفكر ويؤدي لعدم الارتياح؛ ومن أمثلة ذلك: الترتيب غير المناسب والمزعج لمكان المذاكرة، أو ضيق المكان، أو شدة الحر أو البرد في مكان المذاكرة، أو شدة الضوضاء فيما حول مكان الدراسة، أو وجود روائح كريهة في مكان الدراسة، أو الشعور بالجوع أو الظمأ الشديدين [مستفاد من: حتى لا تكون كلًّا، عوض القرني].وماذا بعد الكلام؟إن التركيز الذهني هو أن يقصر الإنسان استيعابه لمؤثر أو مجموعة مؤثرات معينة، ويغلق ذهنه دون جميع المؤثرات الأخرى، بمعنى؛ أن التركيز في أثناء المحاضرة هو شحذ حاسة السمع لاستيعاب كلام المحاضر أو المدرس فقط وإغلاق الذهن عن كلام الطلبة في الفصول الأخرى، أو صوت السيارات في الطريق أو أفكارك العارض في ذهنك.وهذه بعض الطرق لشحذ ماكينة التركيز في ذهنكِ:1- حاولي استبعاد كل ما يشتت فكرك ويشغل ذهنك من الواقع المادي المحيط بك، كصوت أفراد الأسرة أو السيارات أو التلفزيون الذي تشاهده أختكِ الصغيرة.2- عوِّدي نفسك على أن تعيشي لحظتك، وأن تحصري نفسك فيما أنت فيه فقط.3- إذا كنتِ تشعرين بالإجهاد فتوقفي عن العمل بعض الوقت، وخذي لحظات من الاسترخاء في مكان جيد التهوية، وحبذا لو استلقيتِ على ظهركِ وأغمضت عينيكِ وأوقفتِ تفكيركِ، وأخذتِ نفسًا عميقًا عدة مرات، ثم عدي لعملك بعد ذلك.4- إذا كنتِ تشعرين بالخمول؛ فجددي التهوية في موقعك، وتحركي قليلًا من مكانك، ومارسي بعض التمارين الرياضية الخفيفة لبضع دقائق.5- أعطِ نفسك قدرًا كافيًا من الراحة قبل بدء التفكير وممارسة المذاكرة.6- لا تبدئي المذاكرة في المسائل المهمة بعد تناول الطعام مباشرة، ولا أثناء الجوع الشديد والظمأ المفرط.7- وإن أحسستِ بضعف التركيز حال المذاكرة، فإليكِ هذه التمارين الشيقة، تنمي تركيزكِ وتروحين بها عن نفسكِ:أ- قفي أمام أحد رفوف مكتبتك، فإن لم يوجد فأمام دولاب المطبخ، أو أمام لوحة معلقة في البيت؛ ثم انظري إلى الأشياء واحدة بعد أخرى بتمعن وتدقيق وهدوء، ثم انصرفي عن ذلك، واكتبي على ورقة موجودات الدولاب مرتبة، ثم ارجعي إلى الدولاب وراجعي ما كتبتِ على الواقع.ب- قومي بعد الأرقام تنازليًّا من 100 إلى واحد، واحدًا واحدًا، هكذا: 100، 99، 98، … إلخ.ثم قومي بعدها مرة أخرى اثنين اثنين، هكذا 100، 98، 96، 94 … إلخ.ثم قومي بعدها مرة ثالثة؛ ثلاثة ثلاثة، هكذا: 1000، 97، 94، 91، … إلخ [مستفاد من: حتى لا تكون كلًّا، عوض القرني].خدعوكِ فقالواهذه بعض العادات التي يظن الطلبة أنها مفيدة للتحصيل والفهم، ولكنها بحدِّ ذاتها تمثل مشكلات ومعوقات في طريق التحصيل السليم:أولًا ـ السهر وعدم الراحة:فالكثير من الطلبة يعتقد خطأ أن كثرة السهر من أهم أسباب النجاح، وهذا غير صحيح، لأن الجسم يحتاج إلى قسط من الراحة، حتى يتمكن الذهن من الاستيعاب، وقد أخذ ما يحتاجه من الراحة ويكفيه، وهو في مثل هذه الحالة القليل من الساعات، بينما يحتاج إلى ساعات طويلة مضاعفة إذا لم يأخذ حقه من الراحة.ثانيًا ـ كثرة تناول المنبهات:سواء أكان الشاي أو القهوة، أو بعض أنواع الحبوب، وكل هذه الأمور لها تأثير سلبي على الجهاز العصبي؛ مما يؤدي إلى قلة النوم وكثرة الصداع والتوتر، وزيادة نسبة النرفزة وكل ذلك يؤثر في الذاكرة والفهم.ثالثًا ـ الدراسة الجماعية:وهذه من أسوأ العادات التي انتشرت؛ فالذهن حتى يستوعب يحتاج إلى جو هادئ لا توجد فيه مقاطعات من هنا أو هناك، والدراسة الجماعية تكثر فيها هذه المقاطعات، فهذه تجرهم إلى حديث جانبي، وهذه تصب لهم الشاي، ثم تلقي نكتة ...، وهكذا فمعظم الوقت ضائع في هذه المقاطعات.رابعًا ـ الدراسة في الأماكن الغير مناسبة:مثل غرفة النوم؛ حيث إنها تذكر بالنوم، أو المذاكرة في غرفة الطعام، أو في مكان فيه تلفزيون، وغيرها من الأماكن التي ارتبطت في أذهاننا بقضايا غير المذاكرة.والأصل هو الذهاب للمكتبات والانعزال في زاوية لوحدك، لتمارسي الدراسة الحقيقية، أو إغلاق غرفة المكتبة في البيت أو الأماكن التي لا يوجد فيها ما يشغل البال [مستفاد من: رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي].وفي الختام؛ أذكركِ بأمانة أمة الإسلام، وأنها تنتظر من يرفع راية نهضتها وريادتها، وأدعو الله لكِ عزيزتي بالنجاح الباهر والتوفيق.أهم المراجع:1- الأمن النفسي وعلاقته بالتحصيل الدراسي، عبد الله السهلي.2- رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي.3- حتى لا تكون كلًّا، عوض القرني.
راحيل اليمن
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
55,595
ساحة النقاش