(رأْسُ السنة) في غرفة الإنعاش !!
.
.
.
لاحَ (رأس السنة)، من نقطةٍ معتَّمَةٍ، يتقدَّمُ نحونا بخُطى ثقيلةٍ. وحين اقتربَ أكثرَ بانَ معْصوباً بضمَّادَةٍ تلطَّختْ ببعض الدَّمِ. وبدا الناسُ كما لو أنهم غيرُ مفاجئين، وفترت حماستُهم للاحتفال والابتهاج، ودمعت عيونُ الصبايا والأطفال...
وقف (رأس السنة) ينظرُ فيما حوله نظراتٍ حزينةً، منكسرةً، وتأكد أنه لا يليق به أن يحتفل هذه السنة، ويدعو الناسَ إلى أيِّ مهرجانٍ كاذب للفرح؛ فالفرح غابَ عن كثيرٍ من البيوت.. والقلوب... والحزْنُ استوطن المدن والشوارعَ. والأطفالُ لم يعودوا يطمئنون إلى (الألعاب النارية الملونة) بعد أن أحرقت نيرانٌ حقيقيَّةٌ أحلامهم وأمانيهم، وجعلت السواد والغبار يتكاثفُ في عيونهم وصدورهم.
أحسَّ (رأس السنة) بألمٍ شديدٍ، وأمسك رأسه بين يديه، مخافة أن ينفجر، من كثرةِ ما امتلأ من الفظاعة، والبشاعة، والقسوة، والعنف، والظلم، والقهر، والقمع، والقتل، والدمار، والخراب...
وامتلأت عيناه بدموعٍ ساخنةٍ، وسمعه الناسُ يشهقُ بالبكاء، ويعتذرُ لهم جميعاً أنه لا يستطيعُ أن يحتفل معهم بالعام الجديد، هذه السنة !!
وقال:
ـ أعتذرُ إليكم يا أحبائي عن عدم رغبتي في الاحتفال؛ فأنتم كما ترونني لستُ بخيْرٍ، وأشكو من آلامٍ حقيقيَّةٍ في رأسي، وأعاني من جراحٍ غائرةٍ، وبالكادِ نجوْتُ من الموتِ، ولكني ما زلْتُ مهدَّداً به، في أي لحظةٍ؛ فالعالمُ يشتعلُ بالحروب الصغيرة والكبيرةِ، ولم يعدْ أيُّ واحدٍ منَّا يأْمنُ حتى لأقرب أقاربه، أو أصدقائه، فقد ينقلبُ عليه في وقْتٍ مباغتٍ، ويُرْديه قتيلاً أو جريحاً. ولوْنُ الدَّمِ غطَّى جميعَ الألوان، وصوتُ الانفجارات أخرسَ باقي الأصوات.. وأُحَذِّركم ـ والأطفال خصوصاً ـ من أن تقبلوا أيَّ هدايا مغلَّفة، فقد تنفجرُ في وجوهكم، وأنتم تفتحونها بفرحٍ ساذجٍ؛ إذْ شاهدت في شوارع كثيرةٍ لُعَبَ أطفالٍ تنفجرُ بين أيدي أطفالٍ أبرياء، وسمعْتُ عن أشخاصٍ تمزَّقت أجسادُهم، وتناثروا في الهواء أشلاءً، وهم يفتحون هدايا وأكياساً كانت مُلَغَّمَةً.
والسلاحُ في كل مكانٍ.. والقتلُ أصبحَ سهْلاً، ومُشاعاً، ويكفي أن يختلفَ اثنان في اللباس فقط حتى يقتل أحدهما الآخر، وتقومَ حرْبٌ بين الأهل والقبائل والشعوب والأمم !!
آملُ أن تعذروني وتفهموني؛ فالموتُ قريبٌ قريبٌ.. والفرحُ بعيدٌ بعيدٌ...
ولم ألْتقِ بعدُ بطبيبٍ يُخبرني أنَّ رأسي سيتَعافَى سريعاً، بل صرتُ أخشى أن يطيرَ ذات صُدْفَةٍ !!
وعند هذا القول سقطَ مغْشِيّاً عليه، وأسرعَ إليه بعْضُ الحاضرين، وحملوه إلى أقرب مستشفى، وهناك تمدَّدَ على سريرٍ في غرفة الإنعاش...
نشرت فى 23 ديسمبر 2015
بواسطة qwertyuioasdfgh
أخبار الشعراء والادباء العرب
جريدة لنشر كل اخبار الشعراء والادباء واجمل ما كتبت اقلامهم رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوى »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
93,885