عيون ساحرة

في خروجه النادر إلى الشرفة العالية التي تطل على الميدان الصغير والشارع الجانبي الهادئ لم يكن يلاحظ ما يلفت انتباهه، انشغاله واستغراقه في عمله وضيق وقته كانا يجعلان المنزل بالنسبة له فندق صغير، لم يكن والديه وإخوته يشعرون به عند حضوره أو رحيله، حتى كانت الليلة التي خرج فيها ليستطلع أمر أصواتا عالية يبدو أنها لمشادة عنيفة، للمرة الأولى يلاحظ شرفة مفتوحة في المنزل المجاور في الشارع الهادئ، ركز عليها قليلا فإذا بفتاة جميلة تخرج لتغلق الشرفة، أخذت قلبه معها وهي تبتسم حين رمقته بنظرة ساحرة.
قبل خروجه للعمل في اليوم التالي حرص على الخروج إلى الشرفة لعله يحظى بنظرة أخرى، ظل واقفا لخمسة دقائق وتعمد إحداث صوت مرتفع جعل والدته تتعجب مما يفعل وتطلب منه الهدوء، خرج يائسا وقد شغلت كل تفكيره.
عاد مبكرا في المساء على غير عادته وتعمد الخروج للشرفة كثيرا رغم برودة ليل الخريف إلا أنها لم تفتح، سأله والده عن سبب اهتمامه الشديد بالشرفة على غير عادته، ارتبك قليلا ثم أخبره أنه مجرد إحساس بالملل.
لم يستطع النوم، بعد منتصف الليل بقليل استمع إلى صوت غريب قادم من ناحية الشرفة البعيدة، وكأن قلبه يستمع إلى الأصوات المرهفة، أسرع إلى الشرفة وهو يتحرك على أطراف أنامله كي لا يوقظ أحدا، فتح الشرفة فإذا بها واقفة في شرفتها. قفز قلبه من الفرحة ونظر لها مباشرة، ابتسمت له ودخلت سريعا إلى شقتها، بعد عدة أيام من المحاولات وقبل أن تغلق شرفتها حدثها:
أرجوك، أريد أن أتحدث معك.
ابتسمت وخرجت بعد أن أغلقت الشرفة خلفها.
رفرف قلبه من الفرحة ثم عرفها بنفسه فأجابت:
وأنا فاتن.
أخذه الإسم عقله، فلابد من أطلقه عليها قد رأى هذه العيون الخضراء الزاهية والشعر البني الناعم والابتسامة الملائكية أولا، كل شيء فيها ينطق بالجمال والرقة.
اتفق معها على اللقاء اليومي بعد منتصف الليل في الشرفة لأنه لم يعد يطيق البعد عنها.
كانت سهراتهم تمتد للفجر دون أن يشعر أحد، وكانت حريصة على عدم الحديث عن والديها بأكثرمن أن والدها توفي ووالدتها مريضة طريحة الفراش بالداخل.
بعد قرابة الشهر من اللقاءات الليلية اليومية ودخول الشتاء إصيب بنزلة برد حادة ألزمته الفراش عدة أيام، كان يتخيل أنها تحوم في غرفته وتطمئن عليه في ليالي الحمى المؤلمة.
عندما استطاع أن يقوم على قدميه سمع ضجيجا في الشقة، أسرع إلى الشرفة فإذا مجموعة من العمال.
لم ينتظر المصعد بل هبط الدرج من الدور العاشر بسرعة البرق ثم صعد الأدوار العشرة في العمارة المجاورة حتى وصل الشقة، مجموعة من العمال يقومون بنقل أثاث المنزل القديم، سأل عن أصحاب الشقة فدله عامل على سيدة مسنة في إحدى الغرف، أسرع بسؤال السيدة عن فاتن، نظرت له بتعجب شديد وسألته عمن يكون، ثم أجابته بعد إلحاحه أن تجيب أولا:
نحن مهاجرون منذ سنوات طويلة، وقد توفيت فاتن في حادث سيارة مع والدها منذ شهرين!
إيهاب بديوي

qwertyuioasdfgh

مع تحيات جريدة أخبار نجوم الأدب و الشعر رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 8 ديسمبر 2015 بواسطة qwertyuioasdfgh

أخبار الشعراء والادباء العرب

qwertyuioasdfgh
جريدة لنشر كل اخبار الشعراء والادباء واجمل ما كتبت اقلامهم رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

93,943