سيدة الشاي
في مقهى ما من مقاهي الـمدينة، كانت تجلس مع صديقتها الأجنبية، تشرب الشاي بهدوء، تضحك بشكل حقيقي، تبتسم بعمق، تحرّك يديها تماماً كما تفعل في كل الأمكنة، في مؤسستها مثلاً. هنا في هذا الـمقهى لا شيء حقيقياً أو عميقاً، ومع ذلك فهي تفرض الآن صدقها وتلقائيتها في عالـم مكوّن من قش متطاير وخشب محروق، لـم تكن تهتم لأحد سوى صديقتها وكلامها، لـم تكن ترى أحداً، كنت أنا أراها، وحدها فقط، دون العشرات من الصبايا والشباب، ممن يرتمون هنا وهناك طامحين إلى علاقة ومتوسلين حباً، يتحركون على عتبات الاستكبار والثرثرة الفارغة حول الذات، والاقتراب الـمصنوع، والاستعراض. كانت تشرب الشاي باستمتاع صادق كأنها تشرب أناقة بيتها، بينما القاعة الصغيرة تعبق بالـمتعة الـمفتعلة، والصراخ الفارغ واللغة العوراء حولها، كانت مشروبات الجن والفودكا والعرق تدخل القلوب عنوة. وتصدر صفيراً شاحباً، كشخص مسكين يحشو فم السحابة الـمعلقة فوق منزله بحكايات الصيف الـمريض، بينما شايها يدخلها بلهفة وحب كأنه شقيقها الغائب، الذي عاد بعد غربة قاتلة. ويصدر ذبذبات طاقة مشعة كانت تخترق وجودي وتصنع مني زلزالاً صغيراً نادماً تخلى عن طبيعته الـمدمرة وهرب إلى الصحراء ليفجر نفسه. بعيداً عن مدارس الـمدينة. واحة صدق هائلة في محيط هائل من الرياء. هكذا كانت هي وكان شايها وابتسامتها.
هل كنت أنا الـمسافة بين رياء الـمكان وصدق شايها؟