جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بِحار بلا سندباد
غــرِقَ السّـنْدبــادُ مــنذُ زمــانِ || وطَـــوى الْمـــوْجُ زورَقَ الرُّبـّــان
ومـضَـتْ ذكـــريــاتُــه كَـخــيـالٍ || أو كَـطـــيْـفٍ يُـلِــمُّ بالأجْـــفـــانِ
وكـأنَّ البحــــارَ لَـم تَـرَه يـوْمـــاً || ولا صــارعَ العُـــبــابَ الـْقـــــانِي
أنْكــرَتْــهُ شـواطِــئٌ عــرَفــتْـهُ || خَــذلَــتْهُ مَــواكــبُ الـرُّكْـــبـــان
وتلاشَتْ سيماهُ في كلِّ عـينٍ || وامَّــحى صــوتُــه مـن الأذْهــان
غــرقَ السّندبــادُ وهـوَ ينـادي || مُـسْتـثـيـراً لِـنَخــوَةِ الشّجْـعـــانِ:
انْشُروا للرّياحِ فضْـلَ شِراعــي || واتْرُكــوهُ يسـيرُ عـــبْرَ الـزّمـــــان
ليُغــطّي كلَّ البحــارِ ويبْــقــى || مــثــلاً ســائـــراً لــكــلّ لِـســان
****
غـرقَ السّـندبادُ وهو شُـجــاعٌ || وطــوَتْـهُ الأمْــواجُ ثَـبْــتَ الْجَــنان
هكـذا الْحُــرُّ لا يُبالِـي الْمَـنايـا|| أوْ يَرى في الْحياةِ أسْمى الْمَعانِي:
رُبَّ مــوْتٍ يـكــونُ عِـزّاً ومَجْـداً || وحَـــيـاةٍ تكــونُ نـبْــعَ الْـهَــــــوانِ.
غـرقَ السـندبادُ دونَ انْـحِـنــاءٍ || وقَــضى وهْــــوَ زيـنَـةُ الفُــرْسـان
كانَ حُـلْـمــاً يَرْويهِ جيلٌ لِجـيلٍ || وفَـخــاراً مُحَـلّـــقــاً في العَــــنـان
في اللّـيالِي والسّــامِـرونَ عـلى شـوْقٍ، وجَــــدٌّ وجَـــدّةٌ يَـرْوِيــــان:
رحْــلـةَ السّندبـادِ عـبْرَ بِحــارٍ || ليسَ فيهـا سوى وُحــوشٍ وَجــانِ
نُبْصرُ السّندبادَ في كلِّ وجْـهٍ || أمَــلاً أشْــرقَـــتْ بـــهِ العَــــيْـنــانِ
تتـَبــاهَى به الْمَجــالسُ حَــيّـاً || مُسْـتـَقــرّاً في مَجـلسِ القُـبْطـان
ونَراهُ فـوقَ السّفـينـةِ يَمْـضـي || في طــريقِ العُـبــورِ نَحـوَ الأَمـــان
عـــرَبِيٌّ في كَفّهِ عـقَدَ العِــزَّ لِـواءً يـزْهـــــو عــلــى الـتّـِيــجـــــــان
عــربِـيٌّ لــه مَــلامِـــحُ نـَسْـــرٍ || شـامِـــخِ الــرّأسِ دائِــمِ الْجَــوَلان
لوّحَــتْهُ شَمسُ البحارِ فأضْحى || سَـمْــهَـريّاً صُلـبــاً قَـويِمَ السِّنان
وأطـلّــتْ عيْنـاهُ منْ كُــوّةِ الْـبُــــرجِ كما تبْدو في الدُّجى نَـجْـمَـتـان
****
ســنـدبـادٌ تَرْويــهِ كلُّ الْحَــكايـا || بـطــلاً فــي شَــبـابِــهِ الــرَّيـّـــان
أو عَــجوزاً على الْجَبينِ سطورٌ || خــطَّــها الدّهـــرُ في جَـبينٍ فــانِ
نَـفــضَ العَـجــزَ والْخُــمولَ أبِيّـاً || ومَشى فـوق الضَّعفِ في عُنْفُوان
يقهَــرُ الْمَــوْجَ والرّيــاحَ ويَـنـقـَـــضُّ إلـى الــرِّزْقِ فـي فــمِ الْحِــيـتان
ثـم تـأْتِي مَــــواكـــبٌ ورجـــالٌ || بالْهَـــدايــا وبِـالّـلآلِــي الْحِـســانِ
****
سندبادٌ أيْنَ الرّفــاقُ تَلاشَـوْا || كَتَلاشي السّـرابِ في الْقــيـعــان
أوْ تلاشي الأمْواجِ بعدَ اشْتدادٍ || وعُــلُـــوٍّ والبـحــرُ في هَــيَــجــــان
أين أيّامٌ أصبحَــتْ طيفَ ذكْرى || في زمـــانٍ يَــغَــــصُّ بالأَشْــجـــان
وهي حـلْمٌ قد كانَ حـيّاً مُقـيماً|| في حَـنـايا الصُّـدورِ، في الـوُجْـدان
سـنـدبـادٌ لم يبـقَ مـنك خـيالٌ || أو بَقــأيـا تَرْسـو عـلى الـشُّـطْــآن
لا شِراعٌ ولا سَـفــائِنُ تَجْــري || لا ارتِـحـــالٌ مـــن ســـنـدبـادٍ ثـانِ
أقْفرَ البحرُ من خُـطاكَ وسادتْ || رهـبَةُ الْمــوتِ في رِحــابِ الْمَوانِي
مـاتَ أقْـرانُكَ القُـدامى وَمالـَتْ ||رايــةُ الــعـــزِّ مــــعْ فَــنــا الأَقْـــرانِ
خـيّـمَ الليلُ والسّكونُ وصــارَتْ || قِـصَصُ البحْــرِ في حَـشا النَّسْيان
****
قـومُكَ اليوْمَ للدَّواهي اسْتكانوا|| ورَضُـــوا بالــقُـــعـــودِ والْـخِــــذْلان
جَمُــدَ البحرُ حولَهُـمْ فهــوَ قَـفْرٌ || وتَســاوى بالـــرّمْــــلِ والكُـثْـبـان
ومشَتْ فــوقَــه ذئــابٌ ضَــــوارٍ || واستمرَّت على خُـطى الشَّيْطـان
وأحاطَتْ بِهمْ وحــوشُ البَـراري || وأتـتْـهُــــمْ مـــنْ كلِّ قــــاصٍ وَدانِ
حلّقَ الرُّخُّ(*) فوقَهم فـتَهــاوَوْا || وتــداعَــــتْ جــــوارِحُ العُــقْـــبــان
أمَـمُ الطّيرِ والوحـوشِ اسْتعدَّتْ || لافْــــتِـراسِ الآبــــــاءِ والــوِلْــــدان
أيـهــا السّـندبادُ هـــلْ أنـتَ آتٍ || مـعَ مـــوْجٍ يـنْـشَـــقُّ كالــــْبُـركان
فـنرى الـزّورَقَ الذي كانَ طَيَّ الْمـوْجِ يــأتِـي مـــنْ لُـجّـــةِ النِّـيــــران
ناشراً في السّماءِ أقـوى شراعٍ || باعثاً في النُّفوسِ مـيْـتَ الأَمانِي
*****
__________________
(*) طائر وهميّ ضخم مذكور في قصص السندباد
[من المجموعة الخامسة: ديوان (لمن أغني) ـ دار أمواج 2014م]
مع تحيات جريدة أخبار نجوم الأدب و الشعر
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوي