القصة الرابعة من المجموعة القصصية ( محكمة العدل الألهى )

للأديب : صلاح سيف

(( الحق فوق القوة ))

ذات صباح استيقظ عبد الواحد على صراخ أمه وشقيقته صباح ليكتشف وفاة والده العامل البسيط بمصنع البلاط , وبعد إجراءات مراسم الدفن والعزاء , أسودت الدنيا في عيني عبد الواحد بعد أن فقد الأب والسند الوحيد والأمان له بعد الله سبحانه وتعالى , وأصبح مطالبا بتحمل المسئولية بتحمل مسئولية والدته وشقيقته , وتعويضهما عن الأب الذي مات ورحل إلى دار البقاء ولم يترك لأسرته إلا ما يكفى أسبوعا 0
عبد الواحد حاصل على دبلوم التجارة خرج إلى سوق العمل يبحث عن أي عمل بحثا عن لقمة العيش , وبعد أن داخ السبع دوخات تمكن من الحصول على وظيفة عامل في محطة بنزين براتب ضئيل يكاد يكفى المعيشة له ولأسرته , وأخذ يعمل دون كلل أو ملل حتى يعيش هو وأمه وشقيقته دون الحاجة إلى أحد 0
ولم تمضى سوى شهور قليلة حتى داهمت الأسرة البائسة مرض لعين يصيب الأم ,أسرع عبد الواحد بأمه إلى المستشفى ويبلغه الأطباء بأن أمه مصابة بالمرض العين سرطان في الدم 0
اهتزت الأرض تحت أقدام عبد الواحد , سقط مغشيا عليه من هول الصدمة , وبعد أن أفاق هرول إلى أمه يحتضنها بشدة ويبكى بحرقة مؤكدا لها في نفس الوقت أنه أبدا لن يتخلى عنها, ولن يتركها تموت أمامه دون أن يفعل شيئا 0
وأخذ يبحث عن عمل إضافي بعد الظهر ليستطيع من خلاله توفير مصاريف العلاج , وأخيرا وجد عملا في أحد المخابز في أحد الأحياء القريبة حي فيصل بالجيزة براتب ضئيل ولكنه رضى كعادته بالأمر الواقع ليستطيع تدبير ثمن علاج أمه 0
ومرت الأيام عصيبة على عبد الواحد ولا أحد يعلم كيف كانت هذه الأسرة تعيش ؟ كيف يأكلون ويشربون ويتداوون ؟ بالجنيهات القليلة التي كان يحصل عليها من العمل في محطة البنزين و العمل في المخبز, وذات مساء 00 وبينما هو يعمل في
المخبز توقفت أمام باب المخبز سيارتان من سيارات الشرطة وهبط من الأولى رجال التموين وهبط من الثانية رجال الشرطة , واقتحموا المخبز بسرعة وأمر القائد رجال التموين بالتفتيش , أما رجال الشرطة أحاطت بالمكان وقتها وقف عبد الواحد مذهولا مما يجرى حوله , تقدم إلى القائد مستفسرا 0
عبد الواحد: فيه إيه يافندم ؟
رد القائد : فيه مصيبة يا روح أمك 0
عبد الواحد : مصيبة إيه كفى الشر؟
القائد : حالا تعرف 00 ما تستعجل 0
خرج رجال التموين يحملون أجولة الدقيق المخلوط بملح غير صالح للاستخدام الآدمي , وعجز في كمـية الدقيـق المصـرح به للمخـبز , وتم القـبض على عبد الواحد لأنه هو الموجود في الفترة الليلية أخذ يصرخ عبد الواحد ويقول أنه ليس المسئول عما يحدث وأنه ليس إلا عامل بسيط يحرس المخبز ليلا ويسجل ما يخرج من كميات العيش 0
وفى محضر الشرطة الذي تحرر وفى أقواله أمام وكيل النيابة أصر عبد الواحد على أقواله ورفض الاعتراف بجريمة لم يرتكبها , ولأن صاحب المخبز نسيب وقريب أحد الكبار بمجلس مدينة الجيزة وله نفوذ وقوة , بات عبد الواحد المجني عليه هو المسئول عن إدارة المخبز, وأن العجز في الدقيق واستخدام الملح المغشوش هو المسئول عنه , وأن صاحب المخبز لا يعلم شئ عن ذلك , وتم إثبات ذلك بشهود الزور من بعض عمال المخبز , الخباز والعجان والجرار الذين يعملون بأجر خيالي للقيام بهذه المخالفات الجسيمة , وأدلوا بشهاداتهم التي صبت كلها في اتجاه إدانة عبد الواحد زميلهم المسكين 0
تحول محضر الشرطة وتحقيق النيابة بدوره إلى المحكمة بالقضية رقم 7ق لسنة 1973م وتم التحفظ على عبد الواحد وحجزه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق , ولكنه كان مصرا على أقواله , فهو لم يرتكب الجرائم المتهم بها ولا يعلم شئ عما يحدث في المخبز , وأنه مجرد عامل بسيط , يقف على السير والحراسة ليلا 0
وبدأت مساومة عبد الواحد من قبل صاحب المخبز حين ظل متمسكا بكلامه ولم يتغير رغم ما لاقاه من تعذيب , قال له صاحب المخبز عليك تشيل القضية ونحن علينا أن نتكفل بعلاج أمك ومصاريف أختك وزواجها خلال المدة التي سوف يحكم بها عليك من خمس إلى سبع سنوات لأننا في وقت حرب ودي أقصى مدة , كاد عبد الواحد أن يرضخ لأنه وجد من يتكفل بعلاج أمه ومصاريف زواج أخته , حزنت أمه وكادت تشك بأن ابنها مرتكب الجريمة ليحصل على نفقات علاج أمه ومصاريف زواج أخته ورفضت قائلة الموت أرحم لي والعذاب أهون من دخول ابني السجن وفالت أخته أفضل أن أعيش عانس ولا يدخل أخي السجن في جريمة لم يرتكبها 0
لكن عبد الواحد أقسم لها بأنه برئ من هذه التهم وأنها ملفقة له وكانت المرارة التي شعر بها عبد الواحد بسبب سؤال لم يستطع الإجابة عليه طيلة فترة حجزه لماذا شهد عليه زملاؤه زورا ولمصلحة من ؟؟
وأحيل عبد الواحد إلى محكمة جنايات الجيزة , وبعد أن عقدت هيئة المحكمة جلستها نادى الحاجب على القضية الأولى القضية 7 ق لسنة1973م المتهم فيها عبد الواحد محمد عبد الواحد المصري 0
وقف عبد الواحد في قفص التهام 00 قال القاضي يا عبد الواحد أنت متهم بوجود عجز في كمية الدقيق المصرح بها للمخبز , واستخدام ملح مغشوش وغير صالح للاستخدام الآدمي ونقص في وزن الرغيف , أخذ عبد الواحد يدافع عن نفسه نافيا التهم الموجهه إليه 0
سأله القاضي عن المحامى الذي سيدافع عنه , أكد عبد الواحد أنه لا يملك من المال شيئا حتى يحضر محام للدفاع عنه , قررت هيئة المحكمة تأجيل القضية إلى 7/11/1973م وانتداب محام للدفاع عن المتهم 0
وفى جلسات محاكمة عبد الواحد حضر المحامى الذي انتدبته المحكمة , قدم العديد من المستندات التي قلبت القضية رأسا على عقب 0 وجود أمه محجوزة في المستشفى للعلاج من سرطان في الدم , شقيقته التي لم تتزوج , وأنه ليس إلا عاملا بسيطا يقف على السير ويحرس ليلا , والمسئولية مسئولية صاحب المخبز المدير الفعلي والذي يمت بصلة قرابة ونسب إلى رئيس مجلس مدينة الجيزة , وبدأت المحكمة تستمع إلى تفاصيل أخرى أدلى بها بعض العمال شهود الواقعة بعد ما استشعروا بالأمان داخل المحكمة أن زملائهم الذين شهدوا زورا على عبد الواحد كان نتيجة لتعرضهم للفصل من العمل , وأن المتهم الحقيقي صاحب المخبز الطماع الجشع الذي كان يبيع الدقيق في السوق السوداء ,بخلاف استخدام الملح المغشوش بمعرفته لأنه رخيص جدا , وأنه كان يطلب من العجان أن يخف يده عند التقطيع في العجين مما يؤثر في وزن الرغيف 00
وبعد أن رفعت الجلسة للمداولة , وعادت هيئة المحكمة للنطق بالحكم ليعن القاضي حكمت المحكمة في القضية رقم 7 ق لسنة 1937 م والمتهم فيها عبد الواحد محمد عبد الواحد بالبراءة من التهم المنسوبة إليه والسجن لمدة سبع سنوات لمدير المخبز الفعلي خلف خلاف خلفاوى 0
ويخرج عبد الواحد من القفص قائلا يحيا العدل ويصفق الحاضرون وهم يقولون يحيا العدل نعم الحق فوق القوة
qwertyuioasdfgh

مع تحيات جريدة أخبار نجوم الأدب و الشعر رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 27 مشاهدة
نشرت فى 1 نوفمبر 2013 بواسطة qwertyuioasdfgh

أخبار الشعراء والادباء العرب

qwertyuioasdfgh
جريدة لنشر كل اخبار الشعراء والادباء واجمل ما كتبت اقلامهم رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير الشاعر / خالد بدوى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

91,026