QUSAY TARIQ ART ORGANIZATION

organization art and literature policy_ مُؤَسّسَة قصي طارق للفن والادب السياسي


اقدم معلومات دقيقة عن  أنواع النكاح عند العرب قبل الإسلام وموقف الإسلام منها في رساله مهمة جدا وهي نظام الزواج عند العرب قبل الإسلام وعصر الرسالة دراسة تاريخية مقارنة  وقد ذكر المصدر لاحقا .
            لقد أخذ النكاح قبل الإسلام أشكالاً متعددة يتجلى أمام الناظر إليها مدى احتقار مجموعة من العرب آنذاك للمرأة وشخصها ، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى :  وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ   .
            وعلى منوال ابتذال المرأة عند بعض العرب قبل الإسلام تعددت أنكحتهم بين نكاح بغي ومقت واستبضاع وبدل ومتعة ونكاح البعولة * ، الذي ينشأ بالخطبة والمهر والعقد وقد أقره الإسلام ودعاه بـ الزواج الشرعي   .
            وهو الذي منه النسل الصحيح للأنساب وألغى الإسلام ما عداه من انكحة العرب قبل الإسلام التي عدها من الفواحش وحرمها على الأمة وعدها مقتاً وساء سبيلاً حيث  نهى عنها القرآن الكريم بقوله عز وجل : وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ   .
            وقد ورد في القرآن الكريم عدد من تلك الانكحة كما ورد في السنة عدد منها . وقد اجمل حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها أربعة أنواع منها . فقد أورد أن السيدة عائشة زوج النبي   قالت : أن النكاح عند العرب كان على أربعة أنواع هي :
1. نكاح الناس اليوم نكاح البعولة
            " يخطب الرجل الى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها "  .
            وكان هذا الزواج مألوفاً بين العرب ، وهو زواج الناس هذا اليوم . أي الزواج القائم على الخطبة والمهر ، وعلى الإيجاب والقبول . وهو ما يسمي بزواج البعولة ، وهو زواج منظم ، رتَّب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة ويكون الرجل بموجبه بعلاً للمرأة فهي في حمايته وفي رعايته وللزوج في هذا الزواج ان يتزوج من النساء ما أحب من غير حصر Polygamy ، وله أن يكتفي بزوجة واحدة Monogamy وأمر عدد الأزواج راجع إليه والى هواه بالنساء   .
            وعندما ظهر الإسلام أقر هذا النوع من النكاح الشرعي القائم على الخطبة والمهر والعقد بالشروط التي عينها الإسلام   .
2. نكاح الاستبضاع *
            " كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها** أرسلى الى فلان فاستبضعي منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وانما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع "   .
            والظاهر ان المرأة كانت تصنع ذلك على غير رغبة شخصية منها بل كان بأمر من زوجها إذ كان يفعل ذلك حرصاً على نجابة أولاده ، إذ كان يعد الولد ضمن هذا النكاح ولداً للزوج الشرعي لا للرجل الذي جاء من صلبه  .
            والأرجح ان " نكاح الاستبضاع " كان في الأصل نوعاً من زواج المشاركة الأخوي وانه كان منتشراً في مرحلة قديمة عندما كان أعضاء العشيرة يعدون أنفسهم "أخوة" يمت بعضهم الى بعض بعلاقة الدم والنسب سواء أكانت هذه العلاقة طبيعية ام صناعية   ، وكان هذا النوع من النكاح محدوداً جداً وغير مرغوب به لأنه يتنافى مع القيم والمثل العربية السائدة آنذاك.
            وقد هدم الإسلام هذا النكاح الذي لا يصلح لتكوين أسر ومجتمعات فقد ورد في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها  : " لمّا بعث محمد   بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم "   
ويدل حديثها على تحريم هذا النوع من النكاح بوصفه زنا محضاً قال تعالى :  وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا    .
 
3. نكاح الرهط *
            وكان هذا النوع من الزواج محدوداً إلى حد كبير وهو من بقايا نظام الزواج القديم وبموجبه " يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومَرَّ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم ان يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع به الرجل "   .
            ويلاحظ في هذا النوع من النكاح ان القرابة بين الرجال لم تكن تشترط ، وأن الصلة التي تربط الرجال بالمرأة كانت صلة مؤقتة لا ترقي الى مستوى الروابط العائلية الاعتيادية التي كانت سائدة ومع ذلك فقد رتبت آثارا فيما يتصل بالنسب إذ ترك الخيار للمرأة في أن تلحق ولدها بمن أحبت من الرجال   ، بان تقول " هو ابنك يا فلان " فيلحق به ولدها ولا يستطيع ان يمتنع الرجل من ذلك   .
            وقد عدّت السيدة عائشة رضي الله عنها هذا النكاح من أنواع الزواج التي كان معترفا بها في جزيرة العرب وفرقت بينه وبين نظام البغايا إذ أن عدد الرجال في نكاح الرهط يجب الا يزيد عن العشرة فإن زاد عن ذلك فهو بغاء . ويطلق على هذا النوع من الزواج
  تعدد الأزواج Polyandry وذلك لوجود امرأة واحدة فيه وعدد من الرجال تختارهم المرأة ، التي تكون زوجة مشتركة بينهم ، وهو عكس زواج الـ polygamy ، أي تعدد النساء للرجل الواحد ، حيث يتزوج الرجل الواحد بموجبه عدداً من النساء ، فيصبح بعلاً لهن  .
            أن هذا الضرب من الاتصال الجنسي كان نظاماً اجتماعياً بدائياً فاشياً بين العرب القدماء ، وربما كان دخيلاً على العرب من الفرس زمن حكمهم لليمن ، وتسلطهم على الحيرة  .
            وقد هدم الإسلام هذا النوع من النكاح كما ورد في حديث السيدة عائشة
رضي الله عنها :  لما بعث محمد  بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم    .
            ويعود تحريم الإسلام لنكاح الرهط إلى وقوع المرأة في هذا النوع من النكاح ضحية للعرف الاجتماعي كما ان عدم اعتراف أحد المشتركين من الرهط بالولد يجعل منه ابناً محرماً غير شرعي مما يسبب إحراجات اجتماعية تتعلق بالنسب ، حيث يودي إلى اختلاط الأنساب وضياعها ، فضلا عن حدوث مشاكل تتعلق بالميراث  .
4. نكاح البغاء *
            ويقوم هذا النوع من النكاح على أساس " الدخول الى المرأة حيث لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً ممن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ، ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ** ، ثم الحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط*** به ودعى أبنه لا يمتنع من ذلك "   . لقد كان البغاء قبل الإسلام منتشراً بين الجواري والإماء ولم يكن مستنكراً عندهم في جملته ، بل هو عندهم على قسمين :
القسم الأول : سري خاص
            هو أن يكون للمرأة خدن * ، يتصل بها سراً فلا تبذل نفسها لكل أحد   ، وقد يعرف هذا النكاح بنكاح الخدن   ، فان أعلن ذلك اصبح بغاءاً   .
            وذكر ابن عباس  : " كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي يقولون أما ما ظهر منه فهو لؤم وأما من خفى فلا بأس بذلك "   ، فأنزل الله تعالى :  وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ    ، حيث حرم ما كان خفياً أو معلنا بهذه الآية   ، كنكاح الخدن قال تعالى :  َومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ   .
وقال: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ .
وقيل : أن الزنا ضربان : السفاح وهو الزنا على سبيل الإعلان ، واتخاذ الخدن وهو الزنا في السر ، والله تعالى حرمها في الآيتين وأباح التمتع بالمرأة على جهة الإحصان وهو التزوج .
            وهناك نوع آخر من النكاح قد يكون قريباً من نكاح الخدن وهو نكاح المضامدة  ، وفي هذا النوع من النكاح تخال المرأة ذات الزوج رجلاً غير زوجها أو رجلين   ، وكانت تلجا إليها الجماعات الفقيرة زمن القحط ، إذ يضطرها الجوع الى دفع نسائها لمضامدة رجل غني ، تحبس المرأة نفسها عليه حتى إذا غنيت بالمال والطعام عادت الى زوجها ، وفي ذلك قال شاعر عربي قبل الإسلام :
لا يخلص الدهر ، خليل عشرا
ذات الضماد أو يزور القبرا
إني رايت الضمد شيئا نكرا
وفي هذا الشعر يستنكر الشاعر الضّمد ويفسر الجوع بوصفه الدافع إليه ، ويقول بأن الرجل في سنة القحط لا يدوم على امرأته . حيث يضطره الجوع الى دفعها للمضامدة لأنه إذا لم يفعل ذلك فسيموت جوعا  .
            وكان الرجل إذا ضامد امرأة ، يأبى أن تضامد معه غيره ، فقد روى ان أبا ذؤيب الهذلي* كان يضامد امرأة قبل الإسلام ، وقد أرادت ان تشرك معه رجلاً يدعى خالدا ، فأبي عليها ذلك وقال :
تريدين كيما تضمديني وخالدا
                        وهل يجمع السيفان ويحك في غمد ؟  
 
وكان هذا النوع من المضامدة محدوداً  وقد حرمه الإسلام وذلك في قوله تعالى :
  وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ    . والمقصود بالتحريم النساء الحرائر المحصنات المتزوجات إذ لا يجوز أن يجتمع رجلان على امرأة واحدة لان ذلك فيه أبطال لأسلوب الزواج القائم على أساس تكوين الأسرة   ، إلا إذ ملكتموهن بنكاح جديد بعد وقوع البينونة بينهن وبين أزواجهن والمقصود من هذا الكلام الزجر عن الزنا والمنع من وطئهن الا بنكاح جديد او بملك يمين أن كانت المرأة مملوكة وعبر عن ذلك بملك اليمين لان ملك اليمين حاصل في النكاح وفي الملك      
القسم الثاني : علني عام :
            وهو المسمى بالسفاح  ، هو عبارة عن إقامة امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح  ، وهو البغاء وكانت البغايا من الإماء ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن  ، وتسمى المواخير  .
 
 وقد أشار الطبري إلى أسماء عدد منهن مثل : أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي ، وأم غليط جارية صفوان بن أمية ،
و حنة القبطية جارية العاصى بن وائل ، و مريةجارية مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار ، و حلالة جارية سهيل بن عمرو ، و أم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي ، و سريفة جارية زمعة بن الأسود ، وفرسة جارية هشام بن ربيعة بن حبيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عامر بن لؤى ، وقريبا جارية هلال بن انس بن جابر بن نمر بن غالب بن فهر   وفضلاً عن ذلك كان لعدد من الإماء بيوت من شعر في بعض
 الأسواق الموسمية كسوق عكاظ ، وذي المجاز ، ودومة الجندل   ، وكان أصحاب الإماء يكرههن على البغاء ليجلبن له مالاً ، او ليلدن أولاداً يبيعهم ، أو ليكرم ضيفه   ، وفي الوقت نفسه كانوا يفرضون على كل منهن ضريبة توديها اليهم من كسبها وسعيها تسمى المساعاة   ، كما عرفت البغية بـ القحبة قيل لها . قحبة لأنها كانت قبل الإسلام تؤذن طلابها بقحابها ، وهو سعالها   ، فقد كان من عادة الزانية قبل الإسلام ان تسعل او تتنحنح ، تراود بذلك على نفسها وتشعر الرجل أنها حاضرة للفجور أن أراد ذلك ، فيتفق معها   .
            والزنا أحد انكحة العرب قبل الإسلام الذي لا يتم بالعقد والصداق ، وكان العرب قبل الإسلام يحرمونه كما مر بنا سابقاً   .
            وكان من مظاهر تحريم العرب للزنا قبل الإسلام وضعهم عدداً من العقوبات القاسية سعياً وراء تحصين أبنائهم من شرور الخلاعة والمجون التي يمكن أن تعصف بهم ، وفي ذلك يقال أن عبد المطلب أقام الحد على الزنا ومنع التعرى أثناء الطواف  ، كما يشار الى أن الربيع بن حدان أول من رجم مرتكب الزنا قبل الإسلام  ، كما ان بعض العرب أخذوا يرفعون جداراً حول من يرتكب الخطيئة الى أن يموت جوعاً  .
            وعندما ظهر الإسلام بادر الى تحريم الزنى بكل أنواعه وأشكاله ولم يقر العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء إلا ما كان زواجاً معروفاً معلناً بين الناس أو ملك يمين
قال تعالى  :  وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ    .
            وقد بدأ تحريم الزنا في الفترة المكية وذلك من خلال الآيات الآتية:
1.  قوله تعالى : وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا    ، وكان زمن نزول هذه الآية في حدود سنة اثنتي عشرة للبعثة   .
            ووجه الاستدلال في هذه الآية : ان النهي جاء صريحاً بأداته ، وهي لا الناهية عن اقتراب الزنى وهو منطوق الآية ، اما فحواها ، فهو تحريم الزنى ذاته ، وفي هذا التعبير من البلاغة الرائعة التي نهجها القرآن الكريم في خطابه وأساليبه ما هو أقوى في التحريم وأدعى الى ترك الزنى وترك كل مقدماته الموصلة إليه من النظرة الخائنة والخلوة الآثمة والتبرج الممقوت ، كل ذلك يدخل في هذا التعبير البديع  .        
2. قوله تعالى :  وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا   .
            وذكر ابن عباس أن هذه الآية نزلت بمكة   .
            ووجه الاستدلال في هذه الآية : ان المؤمن لا يقترف هذه الموبقات العظيمة من الشرك والقتل والزنى وذلك لحرمتها ولكونها من أفحش الجرائم . لما يترتب عليها من العقوبات في الدنيا والوعيد يوم القيامة ان لم يتب فاعلها  .
            ولعل ما يوكد ان الإسلام قد حرم الزنى في الفترة المكية مأياتي :
أولا : ما ذكرته كتب السيرة عن الصحابي  جعفر بن أبي طالب   أثناء هجرته الى الحبشة حين عدد مزايا الإسلام أمام ملك الحبشة وكان من جملة كلامه : " أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسئ الجوار ، ويأكل القوى منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش "   .
ثانيا : عبر عدد من الشعراء عن ذلك خلال مدحهم للرسول  حيث قال الأعشى :
أجدك لم تسمع وصاة محمد
                        نبي الإله حين أوصى واشهداً
 
ولا تقربن جارة إن سرها
                        عليك حرام فانكحن أو تأبداً
 
 
            وفي ضوء ما تقدم يظهر لنا ان الإسلام قد حرم الزنا كونه فاحشة قال تعالى :
  وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ   ، وقال تعالى :  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ     .
            والملاحظ : أن النصوص المكية التي حرمت الزنى ، قد اكتفت بالتنفير منه والتحذير من عواقبه وتوعدت عليه بالعقاب الأخروى فقط ، وفي ذلك تمهيد لتشريع العقوبة على المخالفين فيما بعد ، في الفترة المدنية ؛ وبهذا يكون الإسلام قبل ألف وخمسمائة عام قد سبق الأنظمة كلها في إرساء القاعدة الأصولية والجنائية أن " لا جريمة ولا عقوبة إلاَّ بنص "   .
            لم يقتصر تحريم الزنى في الفترة المكية فحسب بل ورد النهى عنه في الفترة المدنية قال تعالى :  يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ
أَوْلَادَهُنَّ   ، وفي ذلك إشارة لبيعة النساء للنبي محمد  بعد هجرته الى المدينة .
            ولم يأت تحريم الزنى في القرآن الكريم فحسب بل ورد عن الرسول   في سنته الشريفة وفي أكثر من موضع :
1. فعن عبد الله بن مسعود   قال : قلت يا رسول الله ايُّ الذنب أعظم ؟ قال " أن تجعل لله ندا وهو خالقك . قلت : ثم أي ؟ قال ان تقتل ولدك خشية أن يأكل معك قال ثم أي ؟ قال ان تزاني حليلة جارك "  .
2. ما رواه عبد الله بن مسعود  عن الرسول   حيث قال :  لا يحل دم امرى مسلم يشهد ان لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة    .
وفضلاً عن هذه الأنواع من الانكحة التي ذكرتها السيدة عائشة رضي الله عنها في حديثها عن انكحة العرب قبل الإسلام هناك انكحة أخرى منها :
أولا : نكاح المقت
            وهو زواج الابن امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها   ، فقد كان العرب قبل الإسلام يتزوجون امرأة الأب برضاها أو بدونه    .
 قال تعالى :  ياأيُّها الَّذينَ ءَامَنُوا لايَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَرِثُوا النِسَاءَ كَرْهاً     ، واستمر الحال حتى نزلت الآية الكريمة  وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا    ،
 "وقد نزلت هذه الآية في ابي قيس بن الاسلت الذي خلف على أم عبيد بنت ضمرة كانت تحت الاسلت أبيه وفي الأسود بن خلف وكان خلف على بنت ابي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وكانت عند أبيه خلف وفي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن الأسود وكانت عند امية بن خلف فخلف عليها صفوان بن امية . وفي منظور بن رباب وكان خلف على ملكية ابنة خارجة وكانت عند أبيه رباب بن سيار"  فصار نكاح المقت حراماً في الأحوال كلها    ، بعد أن كانت في العرب قبائل قد اعتادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه ، وكانت هذه السيرة في الأنصار لازمة ، وكانت في قريش مباحة مع التراضي   ، فنهى الله المؤمنين عمَّا كان عليه آباؤهم من هذه السيرة    .
            وقد جاء النهي في الآية الكريمة مقترناً بالذم والمقت لأنه أمر قبيح قد تناهي في الفحش والشناعة وبلغ الذروة العليا في الفظاعة والبشاعة ، إذ كيف يليق بالإنسان أن يتزوج امرأة أبيه وأن يعلوها بعد وفاته وهي مثل أمه ؟   ، وذلك في قوله تعالى :  إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا   ، ووصفه بكونه أسوا السبل  . وذلك في قوله تعالى :  وَسَاءَ سَبِيلًا   .
            ولم يختلف موقف الرسول   في سنته الكريمة عن موقف القرآن الكريم فعن البراء بن عازب قال : " مر بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء فقلت : أين تريد ؟ قال : بعثني رسول الله   الى رجل تزوج امرأة أبيه ان آتيه برأسه "   .
            ومن الجدير بالإشارة الى أن هذا النكاح على الرغم من انه مباح فان العرب كانوا يعيبون المتزوج بامرأة أبيه ويسمونه الضيزن   ، ويتهمونه بأنه فارسي يدين بالمجوسية ،
 
قال اوس بن حجر :
والفارسية فيهم غير منكرة
                        فكلهم لأبيه ضيزن سلف   
 
            وكانوا يسمّون المولود من هذا النكاح المقتي   ، ويقال له أيضا مقيت أي مبغوض مستحقر  .
            وكان أولاده منها أخوته ، وفي ذلك يقول عمرو بن معد يكرب ، وكان قد تزوج قبل الإسلام امرأة أبيه فكرهته .
فلولا إخوتي وبني منها
                        ملأت لها بذي شطب يميني   
 
            ويبدو من خلال هذا العرض الواضح لنكاح المقت أن تحريمه استند إلى اعتبارات عديدة هي :
أولا : ان امرأة الأب هي في مكان الأم بالنسبة لأبنه .
ثانيا : إلاَّ يخلف الابن أباه فيصبح في خياله ندا له وكثيراً ما يكره الزوج زوج امرأته الأول فطرة وطبعاً ، فيكره اباه ويمقته .
ثالثا : إلاَّ تكون هناك شبهة الإرث لزوجة الأب الأمر الذي كان سائراً عند العرب قبل الإسلام ، وهو معنى كريه يهبط بإنسانية المرأة والرجل سواء وهما في نفس واحدة ، ومهانة أحدهما للأخر بلا مراء .
لهذه الاعتبارات الظاهرة – ولغيرها جعل نكاح امرأة الأب مقيتاً ومبغوضا    .
ثانيا : عضل  النساء            
            ومما يتصل بالنكاح ومنه المقت تعضيل المرأة ، وهو أن ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه فيفارقها على ان لا تتزوج الا بأذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد فأن أعطته وأرضته أذن لها بالزواج وآلا عضلها   .
            والعضل هو الحبس والمنع ، وعضل فلان زوجته أي منعها   .
            وقد كانت المرأة قبل الإسلام إذا توفي عنها زوجها فألقى رجل ثوباً كان أحق بها ، كما قال أبن عباس : " كان الرجل إذا مات وترك جارية ألقى عليها حميمه * ثوبه فمنعها من الناس ، فان كانت جميلة تزوجها وان كانت دميمة حبسها ومنعها من الزواج حتى تموت فيرثها   ، وكذلك كان بعضهم يسي صحبة المرأة حتى يطلقها ويشترط عليها ان لا تتزوج إلاَّ ممن أراد حتى تفتدى منه ببعض ما أعطاها   ، فجاء الإسلام وألغى ذلك كله   ، مبينا للأزواج عدم عضل نساءهم ليذهبوا ببعض ما اوتيتهن من صدقاتهن إلا أن ياتين بفاحشة مبينة التي يقصد بها الزنا والنشوز فحينئذ يحل الضرار بهن ليفتدين منكم  ، قال تعالى : ياأيُّها الَّذينَ ءَامَنُوا لايَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَرِثُوا النِسَاءَ كَرْهاً ولاَ تَعضُلُوهُنَّ لِتَذهَبوا بِبعض ما ءَاتَيتُمُوهُنَّ إلاّ أن يأتينَ بِفاحِشَةٍ مُبيِّنةٍ  ،وقد ذكر ان هذه الآية نزلت في " كبشة بنت معن بن عاصم بن الاوس توفي عنها زوجها  أبو قيس بن الاسلت فجنح عليها أبنه ، فجاءت الى رسول الله   فقالت يا رسول الله لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فقال  ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئاً فانزل الله هذه الآية "   على الرغم من ان هذا الزواج عند العرب قبل الإسلام كان حقاً للورثة لاعتبارات اقتصادية على أساس ان الأرملة جزء من أموال المتوفي يمكن الانتفاع بها   .
ثالثا : نكاح البدل
            وهو قول الرجل للرجل : أنزل عن امرأتك ، وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك   ، فهو زواج بطريق المبادلة بغير مهر .
            وقد حرم الإسلام هذا النوع من النكاح ، فقد برزت حالة واقعية جعلت الرسول  يحرمه بشكل قاطع ، فعن ابي هريرة  قال : " كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : تنزل عن امرأتك ، وأنزل لك عن امرأتي ، وأزيدك قال : فانزل الله تعالى :
 وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ    قال : " فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله   وعنده عائشة ، فدخل بغير إذن ، فقال له رسول الله   يا عيينة فاين الاستئذان ؟ فقال يا رسول الله ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت قال : من هذه الحميرا التي إلى جنبك ؟ قال رسول الله   : هذه عائشة أم المؤمنين قال : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق ، فقال يا عيينة إن الله حرم ذلك ، قال : فلما أن خرج قالت عائشة : يا رسول الله من هذا ؟ قال : أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه "  .
رابعا : نكاح الشغار
            وهو أن يزوج الرجل أبنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق  ، فيقول أحدهما للآخر : زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي  . وتكون كل واحدة منهن مهراً للأخرى  ، ويطلق على هذا الزواج بالشغار لقبحه تشبيهاً برفع الكلب رجله ليبول في القبح ، يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول ، ومعنى ذلك أن كل واحد منهما رفع رجله للآخر عمَّا يريد  .
            وقد وجد هذا النوع من الزواج عند أقوام شبة الجزيرة العربية القدماء ، وقد ظلت بقاياه قائمة حتى جاء الإسلام فأمر بتحريمه فقد روى ان الرسول  نهى عن الشغار  ، وقال :  لا شغار في الإسلام     .
خامسا : نكاح المتعة
            وهو النكاح الى اجل مسمى ، إذ يتم باتفاق رجل مع امرأة على أن تقيم معه مدة ما ، معينة او غير معينة ، في مقابلة مال معلوم  .
            وأن من أهم الشروط التي ميزت نكاح المتعة عن نكاح الدوام ، الأجر المسمى ، والأجل المسمى ، على أنه لا ميراث فيه ولا نفقة ولا سكنى ولا طلاق ولا لعان ولا يحصل فيها تحصين .. إلى غير ذلك   .
            وكان هذا النوع من الزواج معروفاً عند العرب قبل الإسلام    ، وإليه يشير عمر بن قعاس المرادى بقوله :
ألا رجلاً جزاه الله خيراً
                        يدل على محصلةٍ تبيت
 
ترجل لمتى وتقم بيتي
                        وأعطيها إلا تاوة إن رضيت  
 
            ولعل من دوافع هذا النوع من الزواج التنقل والأسفار والحروب ، إذ يضطر المرء الى الاقتران بامرأة لأجل معين على صداق ، فإذا أنتهي الأجل ، أنفسخ العقد   ، وعلى المرأة ان تعتد كما في أنواع الزواج الأخرى قبل أن يسمح لها بالاقتران بزوج آخر ، فهو كزواج البعولة ، سوى الاتفاق على أجل معين يحد د مدة الزواج  .
            وفي هذا النوع من الزواج ينسب الأولاد الى أمهاتهم في الغالب ، وذلك بسبب اتصالهم المباشر بالأم ولارتحال الأب عن الأم في الغالب ، الى أماكن أخرى قد تكون نائية ، فتنقطع الصلات بين الأب والأم ولهذا يأخذ الأولاد نسب الأم ونسب عشيرتها .
            وكان هذا النوع من الزواج مباحاً في عصر النبي   يتضح ذلك من خلال أحاديثه ومواقفه الآتية :
1.         فعن عبد الله بن مسعود قال " كنا نغزو مع رسول الله   وليس لناشئ فقلنا الا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب* ، ثم قرأ علينا    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
لْمُعْتَدِينَ   .
2.         وعن جابر بن عبد الله قال : كنا نستمتع بالقبضة* من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله   وابي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث .
3.         وعن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالاً خرج علينا منادى رسول الله   فقال إنَّ رسول الله   قد إذن لكم ان تستمتعوا يعني متعة النساء  .
ثم حرم الإسلام نكاح المتعة وذلك لأن من مقاصد الإسلام دوام استمرار الحياة الزوجية من أجل التناسل الذي هو سبب عمران الأرض ، ونكاح المتعة هذا لا يقصد به إلاَّ قضاء الشهوة ولا يقصد به التناسل ولا المحافظة على الأولاد وهي المقاصد الأصلية للزواج  . لذلك جاءت سنة الرسول  تحرم نكاح المتعة ، فعن ربيع بن سبرة عن أبيه ان النبي   حرم متعة النساء  ، فقد حرم الرسول   نكاح المتعة يوم خيبر* ، ونقل عن الامام علي بن ابي طالب  ، أنَّ النبي   نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر .
ثم أباح نكاح المتعة يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما   .
فعن أياس بن سلمة عن أبيه قال : " رخص رسول الله   عام اوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها "   . 
وقد جاء هذا التحريم بعد ثلاثة أيام من اباحة المتعة تحريما مؤبداً الى يوم القيامة  .
فعن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه سبرة انه قال " إذن لنا رسول الله   بالمتعة فانطلقت أنا ورجل الى امرأة من بني عامر كأنها بكرة* عيطاء** فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطي فقلت ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشبَّ منه فإذا نظرت الى رداء صاحبي أعجبها وإذا نظرت إلىَّ أعجبها ثم قالت أنت وردأوك يكفيني فمكثت معها ثلاثاً ثم ان رسول الله   : قال من كان عنده شى من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها "  .
فنكاح المتعة إذن أبيح ثم حرم في خيبر ثم أبيح في فتح مكة ثلاثاً ثم حرم في الفتح اوعام اوطاس تحريماً مؤبداً ، فهي رخصة خاصة لأصحاب رسول الله   لضيق ذات اليد وقلة النساء والأسفار المتتابعة فلما فتح الله عليهم حرمها رسول الله   تحريماً مؤبداً .
 
سادسا : الجمع بين الأختين
            كان العرب قبل الإسلام يجمعون بين الأختين  ، وأن أول من جمع بين الأختين من قريش سعيد بن العاص بن أمية ، جمع بين صفة وهند بنتي المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .   
            ولقد ألغى الإسلام هذا النكاح وعده نكاحاً محرماً إلاَّ ما قد سلف ومن كانت تحته امرأتان أختان قبل إسلامه واسلم فيمسك إحداهما ويطلق الأخرى لا محالة  . لان القرآن الكريم عد ذلك من المحرمات فقال :  وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ   ، أي حرم عليكم الجمع بين الأختين معا في النكاح إلاَّ ما كان منكم قبل الإسلام فقد عفا الله عنه  ، وذلك في قوله تعالى   إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا   أي غفور لما سلف رحيم بالعباد  .
            وقد نهى الرسول   الجمع بين الأختين ، فعن زينب بنت أبي سلمة عن أم حبيبة إنها قالت : " يا رسول الله هل لك في أختي قال   فاصنع ماذا قالت تزوجها قال   فأن ذلك احب إليك قالت نعم لست لك بمخيلة وأحب من يشركني في خير أختي قال   إنها لا تحل لى قالت فانه قد بلغنى انك تخطب درة بنت أم سلمة قال   بنت أبي سلمة قالت نعم قال   لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن "  .
            على أن الإسلام أجاز زواج الرجل من أخت زوجته المتوفاة إذ كثيراً ما تقضي الظروف العائلية والاقتصادية بزواج الرجل من زوجة أخيه المتوفى أو أخت زوجته المتوفاة سواء من أجل رعاية الأطفال أو الحفاظ على الثروة أم لأسباب اخرى على الرغم مما في ذلك من حرج ولا تعارض في هذا الزواج في الإسلام  .
سابعا : نكاح الشراء
            كان زواج الشراء اكثر أنواع الزواج انتشاراً بين العرب قبل الإسلام فكان بعض العرب ينظر من خلال هذا النوع الى الزواج على انه عملية شراء للبنت وكان ينظر للفتاة على إنها سلعة تزيد من ثروة والدها   ؛ لذلك كان العرب قبل الإسلام تقول للرجل إذا ولدت له بنت : هنيئاً لك النافجة أي المعظمة لمالك  ، وقولهم كذلك ساق إلى المرأة صداقها ذلك حينما كانوا يدفعون في الصداق ابلا وتلك الإبل يقال لها النافجة وفي ذلك قال شاعرهم :
وليس تلادي من ولاثة والدي
                        ولا شاد مالي مستفاد النوافج  
 
            وكان عدد من أفراد القبائل يأخذون من مهر بناتهم لأنفسهم وهو ما يسمي بالحلوان ، إلاَّ أن هذا النوع من الأخذ لم يكن عاماً في القبائل إذ كانت العرب تعير به  ، وفي هذا المعنى قالت امرأة عربية تفخر بان زوجها لم يأخذ من بناته حلواناً بقولها " لا يأخذ الحلوان من بناتنا "  .
            ولقد صور العديد من العرب هذا النوع من الزواج فقد ذكر أن رجلاً تزوج امرأة من بني فقعس وباع ابلاً له ومهرها فلما دخل بها فإذا هي امرأة عجوز فقال :
وبنت ولم اغبن غداة اشتريتها
                        وبعت تلاد المال بالثمن البخس  
 
 
 
وقال عامر بن الظرب حكيم العرب حينما خطب صعصعة بن معاوية ابنته عمرة وهي أم عامر بن صعصعة : " يا صعصعة أنك اتيتني تشترى مني كبدي ….. "   .
            على أن هذا النوع من الزواج اختفي بعد ان جعل الإسلام المهر او الصداق حقا للمرأة لا لوليها ، ونهى الأولياء عن أخذه لأنفسهم  قال تعالى :  وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِن
َّ نِحْلَةً   .
            فالمهر حق واجب للمرأة على الرجل ، لأنه بالعقد تصبح المرأة حلا للرجل تنتقل معه من دار والدها الى داره ويحل له ما كان محرما من قبل ، ولذا وجب تقديم ما يجعلها ترضى بقوامة ذلك الرجل ويشعرها انها محل بره وعطفه ورعايته وتقديمه لها ما تستعين به على حاجاتها الشخصية ويكون عوناً لها على مواجهة النوائب والطواري.
وكان الرسول محمد   يمنع الزواج بدون مهر ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
 " أمرني رسول الله   أن لا ادخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً "   .
ثامنا : نكاح الأسر
            وهو أن يستولى رجل بالقوة على امرأة عن طريق الغزو أو الحرب ليتزوجها   .
            وكان هذا النكاح شائعاً في العصور القديمة عند كثير من الأقوام ومنهم أقوام شبه الجزيرة العربية القدماء كالبابليين والآشوريين والعبرانيين وغيرهم  .
وكان العرب قبل الإسلام إذا ما انتصروا على خصومهم نهبوا أموالهم واسروا رجالهم وسبوا نساءهم ، فكانوا يتخذون من الرجال عبيداً ومن النساء سراري وإماء . وكانوا يقتسمون النساء بالسهام ، وفي ذلك يقول الفرزدق في نساء سبين وجرت عليهم القسمة بالسهام :
خرجن حريرات** وابدين مجلداً
                        ودارت عليهن المقرمة الصفر
 
            فمن وقعت في سهمه امرأة أخذها وحل له الاستمتاع بها ، لأنه ملكها بالسبي  .
            وكان العرب قبل الإسلام يحبذون زواج الأسر لكراهيتهم للزواج من ذوى القربي خشية ان ينتجوا نسلاً ضعيفاً   .
            وقد أطلق العرب على المرأة المأخوذة في السبي أسم النزيعة وهي التي انتزعت من أهلها وفصلت عنهم والنزيع ولد الأسيرة    ، وقد بلغ من كثرة السبى في الحروب التي كانت تستعر لظاها بين القبائل المختلفة أن قامت سوق منظمة في مكة لبيع السبى العبيد  .
            ويبدو أن كثيراً من العرب كانوا يتعاملون بفروسية وأخلاق عالية مع السبيات ويفخرون بالزواج منهن وفي ذلك قال حاتم الطائي :
وما أنكحونا طائعين بناتهم
                        ولكن خطبناها بأسيافنا قسرا
 
فما زادها فينا السباء مذلة
                        ولا كلفت خبزاً ولا طبجت قدرا
 
ولكن خلطناها بخير نسائنا
                        فجاءت بهم بيضا وجوههم زهرا
 
وكائن ترى فينا من ابن سبية
                        إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا
 
ويأخذ رايات الطعان بكفه
                        فيوردها بيضا ويصدرها حمرا
 
أغرّ إذا غبر اللئام رايته
                        إذا سرى ليل الدجى قمراً بدرا"   
 
           
ويبدو أن حرصهم على معاملة الأسيرة بالحسنى جعل بعضهن يجدن في الأسر راحة ، وان كن عامة قد عبرن عن كراهتهن للأسر ولعل ذلك من أجل ان يحسن أعداؤهم معاملة أسيراتهم ومع كل ذلك فان الأسيرات في العادة لم يكن ينصرفن عن أهليهن وقبائلهن نظراً لقوة النزعة القبلية عندهم وما يلحقهن وأهلهن من الذلة عند أسرهن ، ومنهن من تبكي أهلها وتندب حظها وتستغيث مرسلة صرخاتها نثراً سائلة قومها خلاصاً عاجلاً وقد يستولى على إحداهن اليأس فتنتحر فراراً من الوقوع في الأسر  ، وقد صور الشاعر مجمع بن هلال  الحالة النفسية التي تصير بها الأسيرة في أبيات من الشعر.
وعاثرة يوم الهييما رأيتها
                        وقد ضمها من داخل الخلب مجزع
 
لها علل في الصدر ليس ببارح
                        شجى نشب والعين بالماء تدمع
 
تقول وقد أفردتها من حليلها
                        تعست كما أتعستني يا مجمع  
 
            وكانت بعض القبائل العربية لا تؤسر نساؤها . فأهل مكة كانوا دون الناس آمنين يغزون ولا يغزون ويسبون الناس ولا يسبون فلا تسب قرشية قط فتوطأ قهراً ، ولا تجال عليها السهام   ، وإذا لم تفتد الأسيرة أو يمن عليها فيخلى سبيلها دخلت في ملكية آسرها . غنيمة فتصبح أمة يستخدمها ان شاء او يبيعها او يتزوج منها فان تزوج منها لا يجوز له بيعها بل عليه ان يطلق سراحها  ، فيعود حقه في هذه الحالة قاصراً
 
على مباشرتها ليحصل منها على الأولاد  . وإذا لم يتزوج منها آسرها يسوقها عادة بعد أسرها الى أسواق النخاسين لتباع هناك  .
وقد أقر الإسلام السبي في الحرب وسبى المسلمون نساءً عدة وذكر أبن سلام ، أن الرسول    " رد سته آلاف من سبي هوازن من النساء والصبيان "  . وفي حديثه مع وفد هوازن الذي قدم إليه خيرهم بين خيارين أما السبى وأما المال فاختاروا السبي ، وقال الرسول   : " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وقد رضوا بذلك ورد السبايا من النساء والذرية إليهم"   .
            وقد سعى الإسلام الى تحسين أوضاع السبايا فامر بحسن معاملتهن وعدم بيع من يظهر عليهن الحمل ، وعد أولادهن أحراراً ولهم حق الانتساب إلى أبيهم ووراثته حين يموت  .
            كما أقر الإسلام الزواج من السبايا فقد تزوج الرسول   صفية بنت حيي بن أخطب " سباها من خيبر ، فاصطفاها لنفسه "  ، بعد ان حررها وكان يعاملها معاملة حسنة بصفتها إحدى أمهات المؤمنين ، ولما شكت إليه من أن زوجاته الأخريات حفصة وعائشة ينالان منها ويقولان نحن خير منكِ ونحن بنات عم رسول الله   فقال لها تطيباً لخاطرها إلا قلت أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد  ، كما تزوج الرسول   جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق ، بعد أن كانت في سهم ثابت بن قيس ، فأرسل الناس ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق ، إكراماً لهم ، لأنهم صاروا أصهار رسول الله     .
            ان ما تقدم يشير الى تنوع أشكال الزواج وتعددها عند العرب قبل الإسلام ، وعندما ظهر الإسلام ألغى كل أنواع الزواج باستثناء الزواج الذي عليه الناس اليوم وهو الزواج الصحيح المتحقق بالأركان كالإيجاب والقبول والذي به تثبت الحقوق والواجبات ، وهو ما امتن الله به على خلقه وجعله آية من آياته .
            ويبدو أن عدداً من أنواع الزواج هي آثار لحياة اجتماعية موغلة في القدم كانت موجودة عند أقوام شبه الجزيرة العربية وغيرها من الأقوام وربما وصل بعضها الى العرب نتيجة احتكاكهم ببعض الأقوام الأجنبية  إلاَّ انها في مجمل ما وصل إلينا عنها لا تدل على أن هذه الأنواع من الزواج كانت تشكل نظاماً عاماً عند العرب بل الراجح أنها حالات استثنائية محدودة الانتشار . لا يستسيغها العرب الأحرار لذلك شاعت في أوساط الجواري والإماء والدليل على ذلك جواب هند بنت عتبة للرسول   في بيعه النساء حيث قالت : " وهل تزني الحرة "  .
سابعا : زواج المحارم 
            لقد كان زواج المحارم معمولاً به عند العرب قبل الإسلام . فقد حرم العرب آنذاك على أنفسهم أنواعاً من زيجات الأقارب ، فكانوا لا ينكحون الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وغيرهم  ، وذكر ابن عباس   : " أنهم كانوا يحرمون ما يحرم إلاَّ امرأة الأب والجمع بين الأختين "  .
            وقد جاء الإسلام ليؤكد ذلك التحريم قال تعالى :  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أ�

المصدر: سلامة عبد السلام زيدان علي الأحمد " نظام الزواج عند العرب قبل الإسلام وعصر الرسالة دراسة تاريخية مقارنة " بإشراف الدكتور هاشم يونس عبد الرحمن , 2004 م راجع الفصل الاول
qusaytariq

QUSAY TARIQ ART ORGANIZATION organization art and literature policy_ مُؤَسّسَة قصي طارق للفن والادب السياسي http://i.imgur.com/x4gSBqC.jpg

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1508 مشاهدة
نشرت فى 1 أكتوبر 2015 بواسطة qusaytariq

qusay tariq

qusaytariq
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

62,717