authentication required

يـد ُ الضـجـيـج تـلـتـفُ حـول عـنـقي .. تـخـنـق الغـناء فيَّ .

رخـام الـدرج مُحـايـدٌ ، عـلي طـرفـه رفـقـةٌ يـشـتـركون في سـيـجـارةٍ .. قـمـرٌ شاحـبٌ .. أناسٌ ما بـين لاهـثٍ ولاهـثـين .. دركي يُطالع مدخل كبار الزوار في بلاهةٍ .. فـيروسات تـطـوف بالهـواء المُشـبع بـها .

 

هـل غـادر كل هـذا ليحـتـمي بـقـلبي الصـغـير ؛ وأنا أبـحـث عن قـلبه ملجـأُ ؟!

 

أتحـجـر ؛ غـير أن مُضغةً صغيرةً داخـلي تهـتز ، والبرد يـكـشـف وجهه . اكـتـشـفـتْ عـيـناي ساقـين احـتـواهـما جـورب  أسمر ، فأرسلا الدفء يُهـدهـدني .. يهـد .. هـــد .. ني .

 

عـنـدما خـرجـوا من الـمـدخـل برابـطـات أعـنـاقـهم الـطـازجـة ، مـنـحـوني ابـتـسامةً صـفـراء شاحـبـة ، ودعـاني كـبـيـرهم إلي سـيارةٍ سـوداء كـقـلـبـه الذي فـتـحـه لي طـيـلـة حـديـثـنا المـشـحـون ، مُطـلـقـاً ألـسـنـتـه بكل لغـةٍ . تـُـغـلـق إحدى ألسنته عـيـنيَّ .. تـُـكـبـل إحـداهـا ساقيَّ .. وإحـداهـا يـديَّ .. تعـبـث أخرى بعـقـلي اللـزج . يـبـغي سـري ، فأكملـتُ عـبـثـيـة المـشـهـد طـالباً اسـتـخـدام هـاتـف السيـارة .. ضـغـطـتُ بأصابعٍ خـبـيـرةٍ .. واحـد .. خـمـسـة .. أنـطـلـق صـوتـهـا رتـيـبـاً في السـيـارة :

       ــ الساعة التاسعـة ، وعـشـر دقـائق ، وأربعـون ثانية .

 

ضـحـك بـشـدة ، بـيـنـما رفع السائـق كـتـفـيـه قـلـيـلاً .

 

       ــ الساعة التاسعـة ، وعـشـر دقـائق ، وخـمـسـون ثانية .

أخـبرته أن الوقت سـيـمارس عـهـره من التاسعـة والربع حـتى الحـادية عـشـر ، لـذا ، أريـد الانـصـراف وحـيـداً .

 

أوقف الموكب .. خـلـتـه سـيـطـلـقـني ، لكنه أمـرهـم بالـتـحـفـظ عـليّ ، والـتـوجـه نـحـو مبني الإذاعــة .

عـنـدما تـوقـف الغـنـاء في مذياع السيارة / السـجـن ، ودبتْ الحـياة في المارش العــسكري ، فـتـوحـدتْ كل المحـطـات المـسـمـوعة والمرئـية ، وجـاء صـوته الـفـاتـح :

       ــ الوقـت الآن سـيـمـارس عـهـره حـتى الحـادية عـشـر ، فعـليكم ………………………………………

 

توقـف كل شئ .. الحـركة .. الـتـنـفـس .. الـتـفـكـيـر ..

فـتـحـتُ باب السـجـن / السيارة .. فررتُ .. سرتُ حـتى كلتْ الطـرق .. الكل ساكن .. فـقـط أنـا المـتـحـرك اللاهث .. الوقت يُمارس عـهـره برعـونة .. الشمس تبزغ في منـتـصـف السماء فجاءة .. وتخـتـفي كأنـنا في فـيـلم من أفـلام ( والت ديزني ) .. ثم يتحـول المـشـهـد بكامله إلي شـروقـها .. فـنـسـمـع أصوات الـعــصـافـيـر .. ونراها تـبـدأ تحـركها الـيـومي  .. ثم يخـتـفي كل هـذا .

عـقـارب الساعـات تدور بـشـكلٍ مُرتـبـك كأن الشيـطان مسها .. الـنـاس تـتـغـيـر هـيـئـاتهم بـسـرعـة مُرتـبـكة  ما بـين الـتـقـدم في العـمـر والـتـقـهـقـر فـيه فـجـاءةً .. كل شئ يـضـطـرب .

مائة وخـمـسة دقـيـقـة ؛ نرى فـيها كل العـصـور والأزمان .. والوقـت لا يـكـف خـلالها عن ممارسة عـهـره برعـونـة .. وكأن الحـياة تـتـحـول إلي فـيـلم مُضـطـرب المونـتـاج .. فاللـقـطـة الـواحـدة لا تأخـذ أكثر من  ثانـية في سـياق مُضـطـرب .

 

عـنـدما دقـتْ الساعـة الحـادية عـشـر تـماماً .. بدأتْ الحـركة دبـيـبـها .. تـصـاعـدتْ الأنـفـاس المـحـبـوسـة .. عاد الـتـفـكـيـر إلي مساره .. فـالـتـفـتْ يــد الضـجـيـج حـول عـنـقي .. يـتـحـيـد رخـام الـدرج .. يـشـتـرك الـرفـقـةٌ في سيجـارةٍ جـديدة .. يُـطـالع الدركي مدخـل كـبار الزوار في بـلاهـةٍ .. تـطـوف الفـيروسـات بالـهـواء المُـشـبـع بـهـا .. أتــسـاءل :

 

       ــ هـل غـادر كل هـذا ليحـتـمي بـقـلـبي الصغير ؛ وأنا أبـحـثُ عـن قـلـبـه مـلـجـأُ ؟!

 

 

 

 

 

                                                          القاهـرة

                                                22 ــ تموز ــ 1998 .

 

المصدر: من مجموعة "لص العشاء" تحت الطبع
  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 161 مشاهدة
نشرت فى 15 أكتوبر 2009 بواسطة qudapy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

14,155