لقد ذكرت استعمال المواضيع الانتقالية كوسيلة لإنقاص القلق المشاهد عند النوم. إن المرحلة التالية التي تؤدي للقلق هي مرحلة الفطام. فالطفل هنا ينفصل مرة أخرى عن موضوع يحبه، وهو الثدي أو الزجاجة، ويلاحظ التوتر مرة أخرى باستعمال الطفل لموضوع جامد يستطيع مصه ومداعبته. إن استعمال مثل هذا الموضوع يطيل من مص الإبهام أو الغطاء عند النوم، وبالتالي يطيل من الدور الذي يلعبه الفم في وق يجب فيه أن تنقص أهميته. ومن الفترات الأخرى المؤدية للوتر تلك الفترة التي يجب فيها على الطفل الاستسلام لطلبات الأهل لضبط مصراته، وهنا يخسر الطفل السيطرة على موضوع ثمين آخر، ألا وهو برازه. إن الراشدين يعتبرون البراز سيئ الرائحة ومثير للقرف، ويدركون الحاجة للتحكم بعملية التبرز، لكن الطفل لديه وجهة نظر مختلفة تماماً.
إن الطفل يعتبر البراز جزء من ذاته، وهو يكره أن يفقد السيطرة على أي جزء من أجزاء جسمه. عن الأطفال الصغار لا ينزعجون من غطائهم الخاص، ويمكن أن يستلقوا عليه أو حتى يدهنوا جسمهم به وبكل متعة. ولا يفقد البراز أهميته إلا بعد أن يتبنى الطفل مواقف أهله. ويكشف الفيتشي غالباً الخصائص الطفلية لشذوذه الجنسي عندما يتطلب أن يكون موضوعه الفيتشي His Fetish قذراً وذو رائحة كريهة. إن هذه الروائح تشبه غالباً روائح الجسد غير المغسول وتذكره برائحة الغائط.
إن الصراع بين الأهل والطفل الفيتشي حول ضبط المصرات يمكن أن يحتدم إلى درجة شديدة أبعد من الطبيعي. أحد المرضى الفيتشيين، وهو راشد، تذكر هذه الفترة تماماً. كانت أمه امرأة عدوانية ومسيطرة جداً، وقد واجه تصميمها على الفوز رفضاً عنيداً للخضوع من جانب طفلها. كانت أمه تحرى نظافة ثيابه باستمرار، وتبدي تعليقات سلبية تجاه طفلها وتهينه، لذلك كان طفلها يرفض التبرز. لقد كان يجلس على "النونية" لساعات دون أن يستسلم. وأخيراً وبعد أن يترك "النونية" كان يتبرز على الأرض، وأحياناً كان يتبرز قبل أن يجلس على "النونية" وكانت أمه الثائرة تضربه دون شفقة، ورغم كل هذا لم تستطع الفوز. وبعد أن يئست أخيراً سمحت له أن يأخذ معه لعبته المفضلة إلى الحمام. وعندها أذعن الطفل لرغباتها وصار يتبرز كالمطلوب تماماً لأنه شعر "بالنصر".
قد يبدو لنا أن السلام قد حل والنجاح قد تم، لكن هذا الحل لم يكن إلا فشلاً للأم والطفل. إن هذه الأم العداونية المتطلبة غير القادرة على الحب هي شخص غير ملائم لتربية الطفل. إنها لم تحب طفلها ولم سمح له أن يتفاعل معها بطرق تلائم نموه الخاص. لقد أجبرته على حل مشكلته باستخدام مواضيع جامدة بدلاً من استخدامها هي. إن الأم الجيدة يجب ألا تبدأ بتدريب الطفل على ضبط المصرات في وقت باكر، ويجب ألا تجعل الأمر حرباً. ولن يكون مفاجئاً أن نعلم أن الموضوع الفيتشي لذلك الرجل هو لعبة على شكل دب بني اللون قذر كريه الرائحة!.
وهكذا، وبمرور الوقت، يصبح الموضوع الانتقالي المهدئ للطفل شيئاً يمثل أموراً عديدة أولاً الأهل الذين فقدوا عند النوم، ثم الثدي أو الزجاجة المفقودة، ثم البراز المفقود. وعندما يبدأ الطفل بالتطور تضاف معانٍ جديدة للمعاني القديمة، وصبح اللعبة المحبوبة محور مشاعر الطفل الخاصة، ويصبح لها استعمال جديد يزيد من ضرر الطفل وأذيته ويزيد من ابتعاده عن السواء أو الطبيعية، فيما أن الطفل قد نقل مشاعره للعبة فإنه قد يقول "لعبتي الصغيرة غاضبة"، وهذا يسمح للطفل أن ينكر غضبه عندما يُحبط. وبذلك يسمر الطفل في إنكار حقيقة مشاعره. ويزداد تعقيد المشكلة عندما يكون الموضوع رمزاً للأهل، ففي هذه الحالة يغضب الطفل من اللعبة بدلاً من أهله، وهذا يمنعه من التفاعل السليم مع الناس ويعيقه عن تطوير علاقات مع أنداده، بما فيهم الجنس الأخر. كما أن هذا أيضاً يؤهب لاضطرابات جنسية مستقبلية.
إن عددا كبيراً من الأطفال يستفيدون من هذه المواضيع الخاصة لإزالة قلقهم واكتئابهم الناجمين عن الانفصال عن الأم، بالإضافة للإحباطات الأخرى. هؤلاء الأطفال، وهم يشكلون النسبة الغالبة، لا يعتمدون كثيراً على هذه المواضيع المريحة لذلك فإنها تبقى أقل أهمية من الأم، ولا تؤثر في عملية الطور الطبيعية. وعندما يكبر الطفل الطبيعي فإن اهتماماته تزداد وتمتد ولا يعود بحاجة لموضوعه الخاص كي يتجاوز القلق أو الصعوبات الأخرى، وبذلك يفقد الموضوع قيمته الخاصة ويهمل. وأما بالنسبة القليلة من الأطفال ـهؤلاء الذين كانت تربيتهم سيئة، والذين شُجعوا على تعزيز أهمية المواضيع الجامدةـ فإنهم يعطون اللعبة قيمة أكثر من الأم، وبالتالي فهم غير قادرين على إهمال مواضيعهم الانتقالية.
إن الاكتشاف الكبير للفرق التشريحي بين الجنسين يحدث تقريباً حوالي سن الثالثة، حيث يتوجه الاهتمام في هذه السن إلى الأعضاء التناسلية. ويعتقد الطفل قبل تلك السن أن لكلا الجنسين أعضاء مشابهة. إن هذا الاعتقاد يستمر رغم ما يلاحظه الطفل من أمور ناقض هذا الاعتقاد. إن عقل الطفل قادر على إنكار الواقع بسهولة أكثر بكثير من الراشد، لذلك يجب أن نستغرب هذا التأخر في تقبل الطفل لفكرة وجود اختلافات تشريحية. إن الصبيان خاصة يحاولون إنكار غياب الأعضاء الذكرية عند أمهاتهم، ولا يتقبلون هذه الفكرة إلا بعد معارضة شديدة. ويصل بعض الناس لسن النضج دون أن يتخلوا فعلاً عن فكرتهم الأولية بأن لكل إنسان أعضاء تناسلية ذكرية. بالطبع هذه الفكرة مكبوتة (لا شعورية)، ولا يمكن استخلاصها والوصول لها بسهولة. إن حياة أحد المصابين بتحول الزي هي شاهد حي على هذه الفكرة، فهو رجل يخفى في زي امرأة. إن "السر" الكامن خلف سلوكه الغريب هذا هو اعتقاده بأن تحت ثياب كل امرأة يوجد كائن ذكري، وبذلك خيله لفكرة أن لكل امرأة قضيب. "إذا كنت لا ستطيع رؤيته، فلا بد أنه مخبئ بين أشعار العانة. وإذا كان صغيراً فإنه سيكبر". إن هذه هي أقوال حقيقية لمريض كان يعاني من تحول الزي.
وحالما يكشف الطفل الاختلافات الجنسية فإن اهتمامه الجنسي يتركز على الأعضاء التناسلية. وقد لوحظ أن الذكور خاصة يداعبون أعضاءهم التناسلية مما قد يسبب انزعاج الأهل. إن تحريم مثل هذا الفعل الناتج عن ارتفاع غير مفسر حتى الآن لهرمون الذكورة بين (3-6) سنوات ثم خفوته حتى سن البلوغ والذي اعتبره بعض الباحثين سابقا نوعاً من أنواع العادة السرية يترافق غالباً مع تهديدات حول إمكانية فقد القضيب أو أذيته، وبذلك يتكون لدى الطفل اعتقاداً بإمكانية حدوث الخصاء Castration. ويقوى هذا الاعتقاد بملاحظة الطفل للأعضاء التناسلية للفتيات، فهو يعتقد أنهن لابد قد عانين من هذه العاقبة. إن فقد الطفل لأسنانه اللبنية هو عامل آخر يساهم في تقبله لفكرة إمكانية فقد القضيب. فها هي أسنانه القوية القاسية المتصلة بقوة مع جسمه تنفصل عنه وتفقد. إن الطفل الطبيعي التربية يحمل كل هذه التقلبات في مراحل النمو المختلفة: الرضاعة والفطام مع فقدان الحلمة، ضبط المصرات مع فقدان الغائط، والآن اهتمامه الجنسي بالقضيب والمخاوف المرافقة حول الخصاء.
وفي هذه المرحلة من الحياة ينغرس الموضوع الانتقالي ضمن الاهتمام الجنسي التناسلي، وقد لوحظ بعض الأطفال منهمكين في ممارسة العادة السرية مع هذه الدمى، والتي يمكن أن ندعوها الآن المواضيع الفيتشية الطفلية Childhood fetishes. لقد نقل هذا الطفل فعلاً حبه من أمه إلى الموضوع الذي يريحه. إن هذا الشكل من العلاقة يحدث فقط عندما حرف الأم اهتمام طفلها بها إلى موضوع جامد. لقد علمت الطفل أن يحب شيئاً آخر عبر الإنسان الحي.
وفي نفس الوقت الذي ظهر فيه الأحداث السابقة تعرض علاقات الطفل مع الناس لعملية نضج، ويصل الطفل لسن المدرسة وعليه أن يترك تعلقه بأمه ويتعامل مع فقدانه لمودتها ويبني تعلقات أخرى مع العالم الخارجي بالإضافة للتعامل مع مخاوفه من فقدان أعضائه. إن الطفل الطبيعي يقوم بالتأقلم بشكل جيد، ويحدث هذا عند الفتاة بشكل أسهل من الصبي. لكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة للطفل الفيتشي. إن هذا الفيتشي الصغير، هذا الطفل الذي يستخدم الآن موضوعه الانتقالي أو الخاص بطريقة جنسية، كان قد عانى من أذية في أناه his ego وذلك بسبب التفاعلات غير المرغوبة والحاصلة في مراحل التطور الباكرة والتي ساهمت في تركيز اهتمامه واعتماده على المواضيع الانتقالية. إنه في الحقيقة معتمد على موضوع جامد لتحقيق إشباعه الجنسي. إن مثل هذا الطفل غير قادر على تحقيق انتقال مقبول نحو أساتذته أو الأطفال الآخرين، إنه غير قادر على تحقيق انتقال مقبول من البيت نحو العالم الخارجي بشكله العام.
ويسمر التطور خلال سنوا المدرسة، وتزداد الأنا قوة، ويزداد تماسك الشعور، وتتناقص قوة الحافز الجنسي خلال مرحلة ما قبل البلوغ، ونتيجة لذلك تتناقص الرغبة في استعمال الموضوع الفيتشي الطفلي لأهداف جنسية، لكن يستمر بعض فيتشيي المستقبل في استعمال هذه المواضيع للتسلية والدعم أثناء مرحلة الكمون latency إنهم يحملون ألعابهم معهم حيثما يذهبون، ويعتمدون عليها ليدعموا جهودهم في التأقلم مع العامل. ويبدو بعض الفيشيين ـ لا سيما الأقل تأذياً طبيعيين تماماً خلال هذه الفترة الهادئة. فإذا تحسنت التربية وملك الطفل أنا قوية لدرجة كافية فإنه يستطيع جاوز الصعوبات بشكل كامل، لكن هذا لا يحدث دوماً.
إن حدوث البلوغ مع ما يرافقه من تغيرا جنسية سريعة بغير الصورة كلها: ففي هذا الوقت عود المشاكل القديمة للظهور ولكن بشكل آخر. إن حاجة المراهق للفاعل مع أنداده ولا سيما هؤلاء من الجنس الآخر هو أمر صعب حتى على الشخص الطبيعي تماماً، وهو أمر لا يمكن احتماله بالنسبة لشخص علمه طفولته أن يبدل أمه بموضوع جامد. لدق فشل الفيشي أكثر من مرة في تحقيق المهام الكبرى للتطور، وها هو الآن في المراهقة غير قادر على مرة أخرى أن يسيطر على قلقه وينجح في مهمته الجديدة، لذلك فهو ينسحب إلى طرقه القديمة ويبحث عن بعض المواضيع الجامدة التي تمثل له كنز الطفولة الأصلي والمنسي منذ فترة طويلة. إن الطريق الذي يختاره هو ذلك الذي أهبت له فاعلات الطفولة، وهو الآن يتعامل مع قلقه باستخدام موضوعه الفيشي الذي أصبح الآن أكثر تعقيداً في معناه من الموضوع الفيتشي الطفلي القديم. إن هذا التعقيد يأتي من وجود إضافات جديدة للمعاني القديمة. ومرة أخرى يستعمل الموضوع لأهداف جنسية بشكل مطلق، كما في الطفولة، لكن الاستجابة الجسمية هي استجابة الراشد حيث يم الوصول للايغاف (النشوة) والقذف. ولسوء الحظ، لقد تجاوز الفيشي الآن نقطة اللاعودة.
يختار كل فيتشي موضوعاً خاصاً متميزاً. وهذه المواضيع مختلفة باختلاف هؤلاء الفيتشيين، وتعلق بالتجارب الفريدة والمميزة التي مر بها كل منهم في طفولته. على أية حال، فإن المبادئ الأساسية التي أد لظهور الفيتشية تبقى نفسها بالنسبة للجميع. إن الموضوع الفيتشي يمثل وسيلة للتغلب على القلق المرافق موضوع قيم يمثل جزءاً من الجسم بشكل أساسي. إن أهم اهتمامات الفيتشي هو خوفه من فقدان أغلى ما يملك، أي قضيبه. إنه يحتاج لإنكار إمكانية هذا الفقد، تلك الإمكانية التي عززها فقدان الحلمة والغائط والأسنان والأم نفسها. ولا يقل أهمية عن هذه الأمور اكتشاف الطفل أن أمه لا تملك قضيباً، بعد أن أعتقد لفترة اعتقاداً راسخاً أنها ملك قضيباً. إن اكتشافه للفروق التشريحية بين الجنسين لـه أثير عميق ومديد عليه. إنه الآن يعتبر النساء ناقصا، ويحاول أن يطمئن نفسه ضد خوفه من فقدان جزء من جسمه وذلك باستعمال الموضوع الفيتشي.
إن مفهوم الفيتشي حول الجماع يتضمن خوفاً من إمكانية فقد القضيب أثناء الجماع، وبالتالي من إمكانية أن يحدث له ما حدث للمرأة. وهكذا يصبح الجماع الجنسي محاطاً بالرعب بالنسبة له، وهذا ما يجعله يلتفت إلى موضوعه الفيتشي لتحقيق إشباع جنسي محض، أو أنه لا يمارس الجماع إلا بوجود موضوعه الفيتشي كشرط أساسي. إننا ندرك تماماً غرابة كل هذه الأمور. لكن لنتذكر أيضاً كم أن الفيتشية نفسها أكثر غرابة. فكر للحظة! رجل يمارس مع معطف مطاطي أو حذاء أو زجاجة أو موضوع قذر "مثير للاشمئزاز". إنه لا يستطيع حمل منظر امرأة عارية أو إلقاء نظرة قريبة على أعضائها التناسلية. ألا بدو أيضاً الأسباب الكامنة خلف هذا السلوك غريبة بالنسبة لنا؟ إن المرضى هم الذين أخبرونا بأنفسهم عن طفولتهم "المجهول". إنهم يستحقون كل الفخر للجهود الهائلة التي بذلوها لإبطال الأذى الذي كان يصيبهم، وللمصاعب التي واجهوها أثناء سعيهم للوصول إلى الحالة الطبيعية. إن هؤلاء الذين نجحوا في هذا هم الذين علمونا، ونحن بدورنا نقدم معلوماتنا لكم.
اقرأ أيضاً:
الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(1)
الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(2)
الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(3)
الاضطرابات النفسية عند ديتلف ميليس(4)
لغة الجسد عند ديتلف ميليس
|
ساحة النقاش