الخط الديواني الجلي:
منشأ هذا الخط ليس وليد تفكير ولا هو نتيجة جهود قصد منها التحسين والإبداع، ولكنه وليد صدفة تهيأت لإيجاد غيره فمهّدت له هو فتكوّن بالتتبع للملائمة والتجانس وأنه من فروع الخط الديواني الذي يحمل خصائصه ومميزاته مما سمّي الخط الديواني الجلي وهو الخط الذي عرف في نهاية القرن العاشر الهجري وأوائل القرن الحادي عشر.
ابتدعه أحد رجال الفن يدعى شهلا باشا في الدولة العثمانية وقد روّج له أرباب الخط بالانتشار في أنحاء البلاد الإسلامية وأولوه العناية بكتابته في المناسبات الجليلة الرسمية وهو يمتاز عن أصله الذي تفرّع منه ببعض حركات إعرابية ونقط مدوّرة زخرفية رغم أن ألف باء حروفه المفردة بقيت مشابهة لأصلها الديواني باستثناء العين والحاء ومثيلاتها وقد ضبطت بقواعد ميزان النقط على غرار الخط الثلثي وممن اشتهر بتجويد هذا القلم غزلان بك المصري.
وخط جلي الديواني شبيه بالديواني إلا إنه يحتاج إلي كثير من التعديل والتزويق في حروفه ذات التقويسات وطريقة كتابتها تكون بين متوازيين بقلم الرصاص بعرض طول ألفها الذي يكتب السطر بها وعلى الطريقة بين السطرين تحشى نصوص الكتابة بدقة فائقة وحساب متكامل شريطة أن يمتلئ الحرف نفسه بنفسه ثم يضاف لها التشكيلات التزيينية، وأول ما يكتب أشكال ذات الحروف الغليظة من دون إصلاح ترويسات أو تشظية أواخر الحروف بنفس عرض القلم.
ثم بعد إنجاز هذه الأقسام من الحروف يشرع باستعمال قلم آخر لأجل إتمام ماترك من الأجزاء الدقيقة من تلك الحروف بالرسم يكون عرض هذا القلم الأخير ربع عرض القلم الأول وقد إتفق الخطاطون على اعتبار الحروف التي تحتاج للتزويق والتعديل هي الألف والجيم المفردة والعين المفردة واللام المفردة والهائين المتراكبتين والفاء المتوسطة وخط جلي الديواني يأخذ على الأغلب شكل السفينة وقد تأخذ أشكالا أخرى جميلة من حيث التصميم الذي أبدع فيه كالدائرة وغيرها.
ففي المسابقات الدولية لفن الخط والذي يقيمها مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول والمنطلقة من منظمة المؤتمر الإسلامي، أثبت الخطاطون السوريون مكانتهم اللائقة في العالم بكل ثقة وجدارة وأضحوا دعائم لهذا الفن الجميل في إعادة صياغة وبناء رونقه على ما كان عليه في بداية عهده وإزهاره.
حيث حصد الخطاطون السوريون اكبر قدر ممكن من الجوائز والشهادات والتقديرات والمكافآت في المسابقة السادسة لفن الخط والتي حملت اسم الخطاط مير عماد الحسني، وعن الخط الديواني والذي نحن بصدده حيث فاز بالجائزة الأولى والثانية والثالثة من نصيب خطاطينا السوريين وهم على التوالي أحمد شمطة ومأمون يغمور ومحمد ديب جلول أما عن خط الديواني الجلي فقد فاز بالجائزة الأولى الخطاط عدنان الشيخ عثمان، وخالد الساعي وغيرهم.
وإن التكنولوجيا الحديثة التي تتكلم عنها وسائل الإعلام بأنها قادرة على تصنيع لوحة تضاهي لوحة الخطّاط، أقول أن هذا الكلام ليس له دليل علمي إلا عند أولئك الذين يجهلون المميزات الجمالية التي يمتلكها فن الخط وما قامت به أهل تلك الصناعة ليست إلا أحد الأبواب التي يحاربون فيها على جماليات الخط العربي، ولكن مهما بذلوا من الجهد فإن فن الخط سيبقى هو سيّد الموقف في جميع الأحوال.
ساحة النقاش