authentication required
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



"أحكم السفينة فإن البحر عميق، واستكثر الزاد فإن السفر طويل، وخفّف ظهرك فإن العقبة كؤود، وأخلص العمل فإن الناقد بصير" حديث نبوي روي عن أبي ذرّ، تضمّن فوائد وحكما هي سراج منير، تخرج الضال من الظلمات إلى النور، هي دعوة للحرص على الإتقان في العمل الصالح، فالسفينة هي العمل الصالح والبحر وعمقه هو الدنيا وعمقها. اهتديت لهذا من خلال قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

"إن لله عبادا فطنا
طلقوا الدنيا وخالفوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا".

وزادتني وصية لقمان الحكيم لولده وهو يعظه "يا بني إن الدنيا بحر عميق.. وقد غرق فيه ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله عز وجل وحشوها الإيمان بالله تعالى وشراعها التوكل على الله عز وجل، لعلك تنجو، وما أراك ناجيا". إذا كان هذا المعنى هو المقصود، فالعاقل الحصيف من غاص في سعة المدلول حتى يدرك الحق المبين. إن الدنيا مثلها مثل بحر لا أمان له تراه تارة هادئا، وطورا هائجا، وفي هذا المعنى يقول الشاعر: "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" فوجب على الإنسان أن يدرك خطورة الدنيا حتى لا يغتر بها ويقع في شباكها.

ولكي تكون على بصيرة بأمرها انظر معي ما قيل في "الإحياء" "إن الدنيا عدو لله وعدو لأولياء الله، وعدو لأعداء الله. أما عداوتها لله، فإنها قطعت الطريق على عباد الله؛ ولذلك لم ينظر الله تعالى إليها منذ خلقها؛ وأما عداوتها لأولياء الله عز وجل، فإنها تزينت لهم بزينتها وعمتهم بزهوتها ونضارتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها.

وأما عداوتها لأعداء الله فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها.. فاقتنصتهم بشباكها.. حتى وثقوا بها وعولوا عليها فخذلتهم وهم أحوج ما كانوا إليها، فاجتنبوا منها حسرة تنقطع دونها الأكباد ثم حرمتهم السعادة أبدا الآباد.. فهم على فراقها يتحسرون ومن مكائدهم يستغيثون ولا يغاثون.. بل يقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون "أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون" "البقرة 86"".

وزاد في دعم ذلك ببعض الأحاديث النبوية، ومنها "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" رواه مسلم من حديث أبي هريرة، و"حب الدنيا رأس كل خطيئة" رواه ابن أبي الدينار والبيهقي، و"من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى" حديث صحيح رواه أحمد والحاكم عن أبي موسى.

فحب الدنيا يجر إلى العمل في كسب شهوتها والانكباب على المعاصي؛ ونسيان العمل الصالح للآخرة، لكن حب الآخرة يضر بالدنيا، ولهذا ذم القرآن حب العاجلة "إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا" "الإنسان 27"؛ ودعا الله تعالى المؤمنين إلى التمسك بالاعتدال في قوله تعالى "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين" "القصص 77"، أي لا تترك حظك من لذات الدنيا المباحة، لكن لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك، فينبغي ألا تهمله، وطلب الحلال مشروع مع النظر إلى عاقبة الدنيا. وأحسن إلى الخلق كما أحسن الله إليك باللين والمعاملة الحسنة وتحسين السمعة، وحسن اللقاء، ولا تقصد الإفساد في الأرض بالظلم والبغي والإساءة إلى الناس فالله يعاقب المفسدين.

الإنسان في حاجة إلى المزيد من العمل الصالح، فهو الزاد للآخرة "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" "النحل 97"؛ ومن هذا المنطلق نجد الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب الإكثار من الزاد، أي من العمل الصالح، ليجده الإنسان حصانة له يوم القيامة، وعليه أن يتطهر ويخفف من ثقل المعاصي حتى لا يجد مشقة وصعوبة يوم رحيله، كما يجد الصاعد إلى الجبل وهو مثقل الظهر بما يحمله ويصعب عليه الصعود.

ففي الحديث النبوي روي عن أبي هريرة "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"، أي على الإنسان أن يعطي كل ذي حق حقه قبل رحيله إلى العالم الأخروي حتى لا يتعرض للخيبة والخسران "ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" "النساء 112". "إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" "آل عمران 5" "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" "الحاقة 18".

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل "أخلص لدينك يكفيك القليل من العمل"، وقال تعالى "ألا لله الدين الخالص" "الزمر 3". فالاخلاص في العمل مراقب من قبل الله تعالى "فإن الناقد بصير"، "والله بصير بما يعملون" "البقرة 96" "ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير" "هود 112" "واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير" "سبأ 11"..

يقول محمد إقبال:
"إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن يعش الحياة بغير دين
فقد جعل الثناء لها قرينا".

ويقول الحطيئة:
"ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرا
وعند الله للأتقى مزيد".

قيل "حسن العمل في ثلاثة: الإخلاص، وإتمام الشيء، وإتقانه"؛ قال الله تعالى "وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى" "الكهف 88". الدنيا بحر عميق فاحذرها بصالح الأعمال ولا تشتريها بالآخرة، فاصطفوا دار البقاء والخلود على دار الفناء والاندثار خير لكم وأسلم عند الله خالقكم.


المصدر: حبايب
  • Currently 240/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
80 تصويتات / 619 مشاهدة
نشرت فى 8 نوفمبر 2009 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,733,555