ما زلنا مع صناع الحياة ، وحلقة جديدة ، نريد فيها أن نضع بعض النقاط ، ونتفق على بعض المواضيع، لنكمل معاً مشاريعنا وأفكارنا في صناع الحياة .

النقطة الأولى: ما هو الفرق بين القرآن المكي والقرآن المدني ؟

قد تتساءلون: وما علاقة هذا بصناع الحياة..!
سنرى الآن أن العلاقة كبيرة جداً. فإذا استعرضنا القرآن المكي ، سنجد أنه يتميز بمقاطع قصيرة، مؤثرة في القلب جداً ، تتحدث عن الجنة والنار ، ويوم القيامة ، وعن قدرة الله وعظمته، أو يقص علينا قصص الأنبياء والأمم السابقة، و القصص القرآني يؤثر بنا جميعاً ، سورة يوسف ، وسورة هود ، وغيرها. أما القرآن المدني فقد نزل بالأحكام ، والتشريعات وما تشمله من أحكام الطلاق ، والزواج ، والمواريث .. ويتميز بالعبارات الطويلة .

فلنرَ بعض الآيات من القرآن المكي ، كسورة الحاقة: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه(19) إني ظننت إني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية (24) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه(25) ولم أدرِ ما حسابيه (26) ياليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30)} .

أما القرآن المدني: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون } ( البقرة230). فهل لمستم الفرق بين الأسلوبين ؟

في القرآن المكي: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"(16) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18)وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" (19) } (سورة ق)

في القرآن المدني: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف.....} (النساء11).

إذن فالقرآن المكي يؤثر في القلوب جداً، ويهز المشاعر وُيبكي العيون ، ولكن هل يكتمل الإسلام بالقرآن المكي فقط ؟ أم كان لا بد من القرآن المدني أيضاً؟
الإسلام ، هذا النظام العظيم الذي يشمل الحياة ، هل يكفي فيه أن يؤثر في القلوب ، أو يقص علينا قصصاً مؤثرة ومشوقة؟ لا، بل كان لا بد من القرآن المدني الذي يبين لنا الشرائع والأحكام لننظم أمور حياتنا ، وننهض بإسلامنا. فهل أدركنا هذا المعنى الكبير ؟

فلنتخيل معاً أمراً جميلاً جداً ، صحابياً بدأ مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ، وكان أول ما سمعه الآيات التي نزلت في مكة ، هذه الآيات الرقيقة المؤثرة ، وبدأ هذا الصحابي يتأثر بها جداً ، ويبكي ، وعندما ذهب إلى المدينة ، رأى الآيات اختلفت ، وجاءت فيها الأحكام ، وأصبحت مواضيعها صعبة وضخمة، هذا الصحابي الذي سمع الآيات في مكة وتأثر بها ، هل ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له بأنه لم يفهم هذه الآيات، أو لم يتأثر بها؟ لا، لأنه يدرك أنه ليقوم هذا الدين، لا بد من الآيات المكية والمدنية معاً، ولا بد من التفاصيل والأحكام والشرائع ، وبيان ما هو المطلوب منا، جنبا إلى جنب مع الرقائق المؤثرة في القلوب.

سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تولى خلافة المسلمين لمدة عشر سنوات، وخلال هذه الفترة بدأ بوضع الأسس والنظم للدولة الجديدة ، وكان لديه بعد نظر ، رضي الله عنه وأرضاه . فلقد أنشأ الدواوين ، ورصف الطرق ، وخط مدنا جديدة، وكان يضع كل التفاصيل لكي تقوم هذه الأمة ، مع متابعة الجهاد والفتوحات. و لم نسمع بأي صحابي ذهب إلى سيدنا عمر وقال له : أنت غيرت، ونحن فقط نريد أن نستمع إلى الآيات الرقيقة ونتأثر بها . لأن سيدنا عمر لو لم يفعل ما فعله ، ما كنا سنأتي نحن ونرى الإسلام أمة عظيمة تقود الأرض .

فإذا كنت تريد من الإسلام الرقائق المؤثرة فقط، أو العبادات التي تستسهلها وتتأثر بها، وتريد أن تبتعد عن الأمور التي تحتاج منك لبذل الجهد، أو لا تفهمها ولا تدرك الغاية العظيمة التي من ورائها، فأنت لا تصلح لحمل هذه الأمانة، لأن الإسلام نظام شامل متكامل، لا يقوم فقط على الخشوع والتأثر.
هذا الفهم لا بد منه ونحن نعمل في صناع الحياة.

النقطة الثانية: ما هي أفضل العبادات؟
لو سألتك الآن: ما هي برأيك أفضل العبادات؟ فبم ستجيب؟
بعض الناس قالوا: أفضل العبادات أكثرها مشقة، لأن الأجر على قدر المشقة، ولأن فيه مخالفة للنفس والهوى. وفريق ثان قال: بل الزهد في الدنيا هو أفضل العبادة.
وفريق ثالث قال: بل خدمة الناس وقضاء حوائجهم.

وأجمل ما قيل في ذلك هو ما ذكره ابن القيم، فقد قال: "إنّ أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته."

"فالأفضل في أوقات السحَر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب، وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده، والاشتغال بإجابة المؤذن.
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه، والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع، وإن بَعُد كان أفضل.
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه، أو بالبدن، أو المال: الاشتغال بمساعدته، وإغاثة لهفته، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك. "

ويصل في نهاية قوله إلى كلمة خطيرة جداً:
"والأفضل في وقت النوازل وأذاة الناس لك: أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم، دون الهرب منهم؛ فإنّ المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم، أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه. "

أي أن أفضل العبادة في وقت ضياع الأمة وانهيارها وفي وقت سقوط الناس ، وبعدهم عن الله ، أن تأخذ بأيدي الناس وتوقظهم من غفلتهم، ويكون ذلك مفضلاً على قراءة الأوراد ، مع المحافظة على الفرائض. ولكنه يكون مقدماً على كل شيء بعد الفرائض ، لأن هذا من الفرائض.
وبالتالي فإن أفضل العبادة في وقت جهل الناس وبعدهم عن العلم وعدم قدرتهم على استيعاب الدنيا ، أن تفهمهم وتعلمهم، ونحن في مشروع محو أمية الكمبيوتر، ربما نقوم بأفضل العبادات في الوقت الحالي ، لأن هذا هو عصر الكمبيوتر، ومن لا يملك هذا العلم فسيظل متخلفاً طوال حياته.

يقول ابن القيم: "فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه".

أي أن أفضل العبادة أن تعبد الله في كل وقت وفي كل عصر وفي كل زمن و في كل حقبة بما يريده الله من المسلمين في هذه الحقبة ، أو هذا الوقت .

ثم يستمر ابن القيم في حديثه المهم جداً :
"وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه؛ يرى نفسه كأنَّه قد نقص وترك عبادته، فهو يعبد الله على وجه واحد. وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت.
فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العُبَّاد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم.

فهذا هو العبد المطلق، الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه، وما فيه لذتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربه، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه.
فهذا هو المتحقق بـ: {إياك نعبد وإياك نستعين} حقاً، القائم بهما صدقاً،

يأنس به كل محق، ويستوحش منه كل مبطل، كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها، وكلها منفعة حتى شوكها."

فالذي يعرف الله بهذه الطريقة ، هو العبد المخلص لله ، لأنه يعبد الله على مراد الله ، وليس على مزاجه.
فليس له صفة معينة ، ولا يملكه شكل ، إنما يتعبد إلى الله في كل وقت وأوان بما يرضي الله .

هناك من لا يستشعر القرب من الله إلاّ بصلاة ركعتين ، وآخر يستشعر القرب بصلاة ركعتين ولكنه أيضاً يقوم بتعليم غيره على الكمبيوتر بنية صحوة المسلمين ، فيستشعر القرب من الله ويعتبرها عبودية .
نموذج ثالث ، وهو الذي يوقظ الناس ، ويشارك في نهضة بلاده ، فيستشعر القرب من الله، لأن ذلك أيضاً هو نوع من أنواع العبودية لله.


النقطة الثالثة: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات}
جملة في القرآن نسمعها دائماً، ونقول: إن شاء الله نحن من الذين "آمنوا وعملوا الصالحات" ..
ترى هل تفهم المعنى الحقيقي لهذه الآية؟
سأضرب لك مثلاً لطيفاً، هل تعلم أن أي جهاز في الدنيا له مدخلات تغذيه، ومخرجات تنتج عنه، كجهاز الكمبيوتر مثلاً، والإنسان أيضاً كذلك. فهل نعتبر الصلاة والصوم والحج والعمرة والحجاب مدخلات أم مخرجات؟ هل فكرت بهذا من قبل؟

العبادة كلها هي مدخلات بالطبع، فما هي المخرجات ؟

سأعطيك بعض الأمثلة من الذين عملوا الصالحات : رجل متدين والحمد لله ، يصلي في المسجد ، ويحافظ على صلاة الفجر ، نساؤه محجبات ، وهذا كله عظيم، ولكن.... بعد هذا ماذا يفعل في المجتمع ، وما دوره في الحياة؟ وهل الحجاب هو نقطة بداية أم نهاية ، أو الحج نقطة بداية أم نهاية، كذلك رمضان ، والصلوات الخمس؟ إذن فأين المخرجات؟
فإن لم يكن هناك مخرجات للمجتمع ، فأنت لم تستفد بما قمت به من كل هذه العبادة، لأنه لم تكن لها ثمرة.

فلا بد إذن من "وعملوا الصالحات"، ولكن... ما تعريف "عملوا الصالحات"؟
الإيمان حدده الله لنا، وهو أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى. ولكن "عملوا الصالحات" لم يحددها الله تعالى لنا، بل تركها هكذا مفتوحة ، لأن الإسلام جاء لكل زمان وكل مكان، فكل عصر وكل مجتمع يُحدد ماهية "عملوا الصالحات" التي يحتاجها هذا المجتمع، ويحتاجها المسلمون في هذا العصر لكي يبنوا أمتهم وينهضوا بها.

النقطة الثالثة: الأوائل : أفضل الناس عند الله تبارك وتعالى:

عندما تكون الأمة ضائعة ، وقد وصلت إلى آخر نقطة من الانحدار والضياع ، في هذه الحالة المتردية، يكون أول من يبدأ بالنهوض بهذه الأمة وانتشالها من ضياعها، والارتقاء بها إلى أعلى ، هم أفضل الناس عند الله تبارك وتعالى ، وهؤلاء هم الأوائل الذين يأخذون بأيديهم زمام المبادرة، في الوقت الذي يكون فيه من حولهم مستسلمون محبطون، يرون ألا فائدة ترجى، ولا أمل في الإصلاح، بل ويثبطون من يحاول أن يغير أو يصلح شيئا.

إن لكل عصر أفكاره التي تسيطر على عقول الناس فيه، حتى يصبحوا سجناء لهذه الأفكار، لا يفقهون غيرها، ولا يرون عنها محيصا، إلى أن يأتي هؤلاء الأوائل (ونسأل الله تعالى أن نكون منهم) فيرفضون الوضع القائم، ويجاهدون للتغيير، والناس من حولهم تسخر منهم، وتترقب فشلهم، ولا يثنيهم ذلك عن عزمهم شيئا. فهؤلاء الأوائل هم أغلى الناس عند الله تبارك وتعالى.
سأضرب لك مثلاً بأهل بدر، ألم يكونوا من الأوائل؟ لقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم" . (متفق عليه)

فماذا كان ثوابهم؟ لقد كان ثوابهم ضخما جدا، إذ تبوَّؤوا أعلى منزلة بين المسلمين:
"جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: " من أفضل المسلمين" أو قال كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة" (صحيح البخاري)

أيها الشباب ، أيها الناس ، يا من قبلتم أن تكونوا في قافلة صناع الحياة ، أنتم من الأوائل ، حتى لو كانت الدنيا شديدة الظلمة، حتى لو كان الأمل فيها ضعيفاً، بمجرد أنكم اخترتم أن تشاركوا وتعملوا -كأن تشاركوا مثلاً في برنامج محو أمية الكمبيوتر - فأنتم من الأوائل .

لقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم ذا الجوشن الكلابي بعد غزوة بدر، وكان شاباً كافراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا ذا الجوشن! ألا تسلم فتكون من أول أهل هذا الأمر؟ (أي تكون من الأوائل، كما أعرض أنا عليكم الآن يا مَنْ تشاهدون هذه الحلقة، هل لكم إلى أن تكونوا من الأوائل فتنالون بذلك الثواب الكبير؟) ، (والنبي كان يحاول أن يرغب ذا الجوشن بالإسلام ، واختار كلمة "أول أهل هذا الأمر" لكي يشعل فيه الحماسة)، لكن ذا الجوشن كان مثل نماذج كثيرة في هذه الأيام، فقال لا ، قال النبي: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك. ثم قال: إن تغلب على الكعبة وتقطنها –وفي رواية: فأنظر إن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلك إن عشت ترى ذلك" . ودارت الأيام والسنون، وفتح رسول الله مكة، وأظهره الله على قريش، وبلغ الأمر ذا الجوشن وهو في ضَريَّة (من أرض نجد) فقال: هَبِلَتْني أمي (أي ثكلتني) ولو أُسْلِم يومئذ ثم أسأله الحيرة لأقطعنيها. فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (مسند الإمام أحمد ج 4/67، وطبقات ابن سعد ج6/47)
لقد فاته أن يكون من الأوائل.... وأراد أن يتبع ما يفعله الناس، لذا حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نكون إمَّعة، إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن أساؤوا أسأنا، وقال: بل وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا.

فماذا تختار لنفسك؟ أن تكون من الأوائل؟ أم أن تكون إمَّعة؟

النقطة الرابعة: الصبر والإصرار
في مباريات الألعاب الأولمبية التي تجري الآن، هناك فرق كبير بين سباق المسافات الطويلة ، وسباق المسافات القصيرة. فلو طلبت من المشترك في سباق المسافات القصيرة أن يشارك في سباق المسافات الكبيرة ، فسار في نفس النظام ونفس التكتيك الذي اعتاد عليه في سباقه في المسافات القصيرة ، فلن يستطيع أن يكمل هذا السباق ، وسيخسر فيه.
وطريق النهضة طويل ، يحتاج إلى أناس يطيقون السير لمسافات طويلة، أناس يفهمون ويتدبرون القرآن الكريم ، فقد ركز القرآن على فكرة الصبر والمثابرة وطول النفَس، ليس بالآيات والأوامر فقط، بل من خلال قصص الأنبياء أيضاً.

  • هل تعلمون كم مرة جاءت كلمة "فاصبر" في القرآن المكي ؟ ما يقرب من 90 مرة..! لأن الموضوع في مكة يحتاج إلى الصبر.

  • قصة سيدنا يوسف ، قصة رجل صبر على مختلف أنواع المحن لمدة أربعين سنة .

  • قصة نوح ، صبر لمدة 950 سنة .

  • قصة يونس ، لم يصبر فكانت النتيجة أن التقمه الحوت .



لقد خلق الله الكون في ستة أيام ، وكان قادراً سبحانه أن يخلقه بقول "كن" ، ولكنه خلق الأرض في يومين، وقدر فيها أقواتها في يومين، وخلق السماوات في يومين (كما جاء في سورة فصلت)، وخلق سيدنا آدم على مراحل (تراب، طين، صلصال...إلخ) وكأن الله تعالى أراد من خلال ذلك أن يعلمنا بأن هذا التدريج هو من سنن هذا الكون ونظامه، لنعتبر ونفقه، فنصبر على طول المسير، ولا نتعجل النتائج. فكل شيء يأتي بالتدريج وخطوة خطوة.

وأنت إذا قرأت أي سورة من السور التي تتكلم عن قصص الأنبياء، كأن تقرأ قصة هود ، أو نوح عليهما السلام، فسوف تلاحظ ملاحظة عجيبة ، أن آخر آية في القصة تتكلم عن الصبر.
{تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} (هود 49).
كذلك في قصة سيدنا نوح وهو أمر عجيب {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن....}(هود 36) أي لن يؤمن أحد بعد ذلك . فهل يعني ذلك أنها النهاية فيهلك الله الكافرين ويتم النصر؟ لا ، فالله أمر نوحاً عليه السلام: {واصنع الفلك..} وكم يحتاج هذا البناء للفلك من مدة زمنية؟ إنها فترة طويلة جدا، فقد كان عليه أن يبدأ برش البذور، ثم أن ينتظر حتى ينـزل المطر، ثم ينتظر هذه البذور لتصبح أشجاراً ، ثم يحصل من هذه الأشجار على الخشب، ويجب أن يكون الخشب قوياً لأنه سيستخدمه في بناء السفينة التي ستسير في وسط الطوفان ، وينبغي أن تكون سفينةً كبيرةً ضخمةً جداً لأنه سيضع فيها من كلٍ زوجين اثنين ، وبعد الانتهاء من بناء السفينة ، عليه أن ينتظر حتى يحين موعد إهلاك الكافرين ، فيركب السفينة هو ومن معه من المؤمنين .

يقول العلماء أن هذه المدة كانت حوالي ثلاثمائة سنة ما بين {لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} إلى أن حصل الطوفان . فلماذا هذه المدة كلها رغم أن الأمر منتهٍ؟ كانت هذه المدة الطويلة من أجل امتحان المؤمنين..! أيصبرون ويواصلون؟ أم تهتز ثقتهم وإيمانهم بوعد الله ونصره؟ لقد كانوا على ثقة بأن الله سينصرهم ، وبرغم ما تعرضوا له من استهزاء قومهم بهم، فقد واصلوا بناءهم لهذه السفينة، وثبتوا وصبروا، رغم أنهم كانوا ستين رجلاً فقط..!

إذن فنحن بحاجة إلى نفس طويل، صبر ومثابرة، فمن أين نحصل على ذلك؟
من العبادة... من قراءة القرآن ، وقيام الليل ، والدعاء....
منها تتزود، وتتعلم الصبر والإصرار، وتكتسب طول النفس، فتستمر وتواصل، ولا تتخاذل، فتنجح وتصل إلى هدفك.

النقطة الخامسة: دور النساء في النهضة وفتح الحوار بين الآراء المختلفة:

الحلقة الماضية كانت عن المرأة، وقد أثارت ردود فعل كثيرة ، فقد تحدثنا فيها بأن المرأة مظلومة في العالم العربي والإسلامي ، وأننا نرفض هذا الظلم، وأن علينا أن نسعى بكل جهودنا لرفع هذا الظلم عن المرأة العربية والمسلمة، وخاصة أن هذا الظلم ينسب إلى الإسلام ، والإسلام منه بريء.
وقد أثار هذا الموضوع ردود فعل كثيرة ومتباينة .
وما أريده هو أن نقوم بحوار بنّاء بين هذه الآراء المختلفة ، فهذه النهضة لن تتحقق فقط بوجود مجموعة معينة ، أو فرقة معينة ، أو طائفة معينة، لأن هذه النهضة ليست مقتصرة فقط على المتدينين ، بل هي نهضة تشمل كل بلادنا ومجتمعاتنا، والمرأة جزء من هذا المجتمع، وبالتالي من حقنا أن نفتح مواضيع للحوار، ونستمع إلى الآراء المختلفة ، ولن تتحقق النهضة ما دامت هناك فِرق يقاتل بعضها بعضاً، وما دامت هناك خلافات على صعيد الأسر، أو الجماعات ، أو الشرائح الاجتماعية المختلفة، وتهدر طاقة الأمة في هذه الخلافات . فالهدف من الحوار هو لم الشمل ، وتجميع القوى.
هل تذكرون عندما ذكرنا في بداية حلقات النهضة بأننا كمن يركب طائرة ، وأن محركات هذه الطائرة تحتاج إلى أكبر طاقة وسرعة لمرحلة الإقلاع؟ فأين هم نساؤنا من هذه المرحلة؟ وكم هي نسبة تفاعلهم في مجتمعاتنا؟ أنا أتحدى أن يقول لي أحد أن محرك النساء يعمل بنسبةٍ أكبر من ثلاثين في المائة هذا إن كنت متفائلاً.

لذلك رأيت أن الحديث عن دور النساء في غاية الأهمية . ولذلك أكرر مرة ثانية بأنه علينا معالجة أربعة أمور لرفع الظلم عن المرأة:

  1. العنف ضد المرأة: جرائم العرض أو الشرف ، التي تقتل فيها المرأة بأدنى شبهة، ولا يؤخذ على يد الجاني بحجة أن الموضوع موضوع عِرض ، فيخفف عنه العقاب. ليس هذا فحسب ، بل أيضاً إيذاؤها ، وإهانتها ، وتعرضها للضرب، رغم أنه ما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ضرب امرأة من نسائه قط. كل هذا يجب أن يرفع عن المرأة ، وهذا يحتاج لتعديل فكر الرجال .

  2. حقوقها المالية: فهي تحرم أحياناً من حقها في الميراث ، وأحياناً أخرى تحرم من نفقتها عند طلاقها ، ويتعمد الزوج أن يذلها ، وتكون هي العائل الوحيد لأولادها ، ثم نقول بأننا نخاف أن تنتشر في المجتمع المعاصي والمفاسد ، فكيف تحرم من هذا الحق ، أيضاً عدم المساواة بين الأولاد (إناثهم وذكورهم) في العطايا فهذا ظلم في المسائل المالية .

  3. حقوقها السياسية: ظلم في القضايا السياسية، حرمانها من حقها في التصويت ، والمناصب السياسية.

  4. القضايا الاجتماعية: الظلم الواقع عليها اجتماعياً ، حرمانها من حريتها في التنقل والحركة ، وقيادة السيارة ، وحرمانها من حقها في أن تأخذ في المساجد أماكن جيدة ، وحرمانها من حريتها بأن تختار من ترتضيه زوجاً لها ويشاركها في فكرها . حرمانها من الحب والحنان والعطف، وقد غير سيدنا عمر بن الخطاب مدة غياب الجند عن أهليهم، وجعلها لا تتجاوز الشهور الأربعة، حفاظا على حق المرأة في التمتع بحب زوجها وحنانه.



وأنا أقول بأننا سنقوم برفع الظلم عنها في كل ما ذكرناه أعلاه ، ونظراً لأن الموضوع فيه كثير من الآراء المتباينة ، فهو يحتاج إلى حوار بناء وفعال، وسيكون هذا الحوار على موقع عمر خالد في صفحة كاملة، لمناقشة كيفية مساعدة المرأة ورفع الظلم عنها ، و يستطيع الجميع أن يعرضوا آراءهم ، ونتمنى أن يشارك معنا في هذا الحوار علماء الدين والقانون ، كذلك المتخصصون في شؤون المرأة، والمجالس المتخصصة في العالم العربي ، وسنعرض عليكم في كل فترة ما وصلنا إليه في هذا الحوار ، لأن موضوع المرأة أساسي في قضية النهضة، وليس مجرد شعارات نرفعها.

النقطة الخامسة: تأليف القلوب، وإخماد الفتن.
هل تذكرون عندما قمنا بإرسال الملابس إلى دارفور منذ حوالي أربعة أشهر ؟ قبل هذه الفترة كان كثير من الناس لا يعرف عن دارفور شيئاً ، وكنا نرى وقتها بأنه لا بد أن يكون لنا دور في دارفور . فالملابس -والحمد لله- قد وصلت هناك ، وسوف توزع هذا الأسبوع ، وسوف ترونها مصورة في الحلقات القادمة.
فما الذي دفعنا أن نذهب إلى هناك؟
الموضوع ليس موضوع دارفور وحسب، بل هو أيضاً أمر له علاقة بنهضة بلادنا.

لقد خلق الله سبحانه البشر أشكالاً وأجناساً، منهم الأبيض والأصفر والأسود والأحمر ، لحكمة أرادها الله تبارك وتعالى ثم قال لهم {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى،وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا عن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير} (الحجرات13)، {.... وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا } . فهذه هي الحكمة من تنوع البشر ، يريد الله أن يبتلينا ليرى كيف يعامل بعضنا بعضاً .

ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، لكي يضع أعظم مبدأ للتعايش بين الأجناس فقال : لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى. و قال: الناس سواسية كأسنان المشط.

وعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج ( قبيلتين من الأنصار) قد تثاوروا وطلبوا أسلحتهم ليقتتلوا، نتيجة فتنة أشعلها بينهم يهودي، أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة.
وعندما غضب أبو ذر الغفاري من سيدنا بلال رضي الله عنهما، فقال له: يا ابن السوداء، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضبا: إنك امرؤ فيك جاهلية، فما كان من أبي ذر رضي الله عنه إلا أن ألصق خده بالتراب، ولم يرضَ إلا أن يدوس سيدنا بلال على خده تكفيرا عن ذنبه.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عن سلمان الفارسي، والذي كان عبدًا أعجميا من فارس، ولم يكن من العرب: "سلمان منا آل البيت".

لكن البشرية وللأسف أصابها نوع من التخلف الشديد، وليس هناك من يبذل الجهد المطلوب في قضية التوافق والتقريب بين الأجناس ،بل بالعكس، هناك من يشعل الفتن بينها، لدرجة أننا سمعنا عن الذي حدث في البوسنة ورواندا وكشمير حيث يموت الملايين ، ويخجل الإنسان -وقد أسماه الله خليفة في الأرض- من الكائنات الأخرى أن تراه وهو يفعل ذلك ويقوم بعمليات القتل والإبادة . وآن الآوان -وهذا جزء من نهضتنا- أن نصلح هذا الأمر، وخاصة في بلادنا، وأن لا يكون هناك خلافات بين المجموعات العرقية ، فأعداء الإسلام إذا أرادوا أن يفسدوا نهضتنا ، فأول ما يقومون به هو إشعال الفتن بين الأجناس المختلفة ، فتنتشر الأحقاد وسوء الظن، ويقتل بعضنا بعضاً.

ودارفور يوجد فيها جنسان ، عرب وزنوج ، عرب من أصول عربية ، وزنوج من أصول أفريقية ، والذي يحدث الآن أن وكالات الأنباء العالمية ، والصحف العالمية والإعلام العالمي ، تنشر أن الجنس العربي يقوم بذبح الجنس الإفريقي هناك. ونحن لا نعلم أين هي الحقيقة ، وأين هو الصواب ..!
وأنا أوجه كلامي هذا إلى صناع الحياة الذين يريدون تحقيق نهضة ، بأن هذه النقطة مهمة جداً ، وأخشى ما نخشاه هو أن ينتشر هذا الموضوع في بلادنا، فاحذروا ، وهناك مناطق كثيرة مهددة لتعدد الأجناس فيها، وأوجه كلامي إلى الشباب بالذات ، فاحذروا وشاركوا في إخماد الفتن.
إن الصحف العالمية تنشر أخبار الذبح هناك ، ومنظمة العفو الدولية ، تقول بأن هناك مليون شخص مشردين ذهبوا إلى تشاد ، وتم إحراق آلاف المنازل ، وقتل الآلاف من الزنوج ، وبأن حكومة السودان نفت هذا الأمر ، ولم تتحرك من أجل العمل على التوافق بين الأجناس هناك .

ونحن بكل أسف لا نعلم مدى صحة هذا الكلام، لأن الإعلام العربي ضعيف ، والإعلام الغربي والأجنبي قوي ولكننا لا نثق فيه.

لذا فواجبنا تجاه دارفور :

  • إغاثة المشردين إن وجدوا، ولهذا السبب قمنا بإرسال الملابس إليهم هناك ، و ستوزع الأسبوع القادم، وسوف ترون عملية التوزيع إن شاء الله . كذلك أرسلنا مندوباً من صناع الحياة ، وبالتعاون مع جمعية صناع الحياة هناك في السودان سوف تتم عملية التسليم. فمن يستطيع أن يغيث ، فليبدأ فوراً.

  • الدعاء : الدعاء بلم شمل المسلمين ، ولم شمل بلادنا ، فهناك كثير من المناطق المهددة.

  • احذر أن تشارك في الفتنة ، أو تساعد في إشعالها. لما قتل عثمان ابن عفان رضي الله عنه وأرضاه ، خرج أحد الصحابة يبكي ويقول : والله لا أُعين على دم أحد بعد دم عثمان . سألوه كيف أعان على دم عثمان، قال : رأيتهم يغمزون ويلمزون ، فساعدت ونشرت وقلت . فيجب إخماد الفتنة من أجل أن تقوم هذه النهضة . وهذا معنىً مهم جداً للسنوات القادمة.



النقطة السادسة: مشروع محو أمية الكمبيوتر والانترنت:
مشروع محو أمية الكمبيوتر نريد أن نركز عليه كل طاقاتنا وقوتنا، والمستهدفون في مشروعنا هم النساء ، وكنا قد تكلمنا عنهم أعلاه ، وخاصة ربات البيوت ، ثم الأطفال ، وطلبة المدارس ، وخاصة شباب الجامعات فمن المخجل أن لا يكون عندهم علم بالكمبيوتر والانترنت ، فهذه هي الفئات المستهدفة .

أما لماذا يأتي الكمبيوتر في أول المشاريع؟ فسأشرح لكم وبشكل أوضح .

إن كل عصر من العصور يمتاز بشيء معين، ويتم ترتيب الأمم في سلم الحضارة بحسب تمكنها وتفوقها في هذا الأمر، فهناك عصر الزراعة، وعصر الترجمة، وعصر الصناعة، ووو.... وعصرنا الحالي هو عصر التكنولوجيا والعلم، فمن يملك المعرفة والعلم ، يكون في مقدمة الركب، ونحن لا ننسى بأن لدينا قيمنا الخاصة ، وإسلامنا الذي نفتخر به، ولن نتخلى عنه، ولن ننهض بدونه، ولكن لا بد أن تبحث عن أداة العصر الذي تعيشه وتحسن استخدامها وتطويعها.

ما هي أول خطوة في عصر المعرفة؟ الكمبيوتر والإنترنت ... فهل نحن جادون في تحقيق النهضة التي لا تعتمد فقط على الدعاء ؟ إذن لا بد من العمل . ولماذا النساء بالذات ؟ لأنهن يمثلن نصف المجتمع، فلو أنهن أجدن استعمال الكمبيوتر والإنترنت، فستتغير الدنيا، وتتطور العقول، ونقود الجيل الصاعد، ولن يستطيع الابن أن يخدع أمه أو يوهمها أنه يذاكر ويبحث على الانترنت، بينما هو يضيع وقته في التشات أو يدخل المواقع الإباحية.

فإذا كنا جادين في بناء النهضة، فطريقها العلم، وبوابته هي الكمبيوتر والإنترنت .
لذا فقد طلبنا في الأسبوع الماضي من الشباب الذين يستطيعون التطوع لتدريب غيرهم على الكمبيوتر أن يدخلوا إلى موقع عمر خالد لتسجيل أسمائهم ، فهل تعرفون كم دخل إلى الموقع في الأسبوع الماضي ، دخل 11 ألف ، وكنا فقط طلبنا 10 آلاف . وبالتالي فلن أضع رقماً بعد ذلك ، فنحن هدفنا محو أمية الكمبيوتر والإنترنت ، وكل واحد منا سيكون مسؤولاً عن نفسه ، فنحن إمّا عالم أو متعلم ، فإذا كانت لديك معرفة بالكمبيوتر فابدأ فوراً وانظر كم شخصاً تستطيع أن تدربه ، أما إذا كان عندك علم بالكمبيوتر لكن لا تعرف كيف تدرب غيرك فادخل إلى الموقع وشارك في الدورة التي ستبدأ هذا الأسبوع ، والأسبوع القادم لتعليمك كيفية تدريب غيرك.

ودعونا نتذكر قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر، لنستخرج منها شروط طلب العلم، ونستفيد من تطبيق ذلك في مشروعنا لتعلم الكمبيوتر والإنترنت:
عندما سئل سيدنا موسى من هو أعلم أهل الأرض ، قال : أنا . فأوحى إليه الله بأنك لست أعلم أهل الأرض بل هناك من هو أعلم منك.. فلم يستطع موسى أن يبقى ساكناً دون أن يسعى لطلب هذا العلم الذي ينقصه، رغم أن الله تعالى لم يأمره بلقاء ذلك الرجل العالم، ولكن موسى عليه السلام سأل ربه أن يدله عليه ليتعلم منه، ولم يكن هذا علماً دينياً شرعياً، فذلك العلم موجود عند سيدنا موسى رسول الله، ولكنه علم بالدنيا، وكيف يُسيِّر الله تعالى الأرض.
والله تعالى لم يدل موسى على مكان هذا العالم (الخضر)، ولكن فقط أوحى له بإشارة (علامة) وهي أنه سيجده عند مجمع البحرين ، عندما يفقد الحوت....
فلماذا أعطاه الله إشارة ، ولم يحدد له المكان بالذات ، كان ذلك لأن الله يريد أن يعلمنا أن العلم يحتاج إلى بذل الجهد .

وهذه العناصر الأربعة الموجودة في سورة الكهف تجعلك أفضل متعلم على وجه هذه الأرض ، وأنا أهدي هذه العناصر الأربعة إلى كل من يريد أن يتعلم، وأيضاً لمن ليس عنده رغبة في التعليم:

العنصر الأول : عزيمة وإصرار على العلم:
لقد أثرت بي سيدة كبيرة ، عمرها فوق الخمسين سنة ، تخبرني بأن أولادها حاولوا تعليمها الكمبيوتر أربع مرات ولكنها رفضت ، ولكن هذه المرة قالت : لن أدع الكمبيوتر حتى أتعلم . سررت جداً بكلامها، فنحن يجب أن نتحلى بالإصرار والعزيمة.

وعودة إلى قصة سيدنا موسى:
{وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حُقُبا} (الكهف 60) حُقُبا هنا تعني:حتى لو اضطررت لأن أمشي أحقاباً من الزمن أي سنوات. أي لن يهدأ ولن يستقر حتى يصل إلى الخضر. وهكذا يسير سيدنا موسى ، ويرهق ، وكما جاء في الآية الكريمة{لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ، فرغم التعب والعناء ، لكنه مصر على الوصول إلى هدفه.

العنصر الثاني: عدم التكبر والتواضع للعلم:
عند لقاء سيدنا موسى بالخضر قال له : {هل أتبعك على أن تُعلمنِ مما عُلِّمْتَ رُشدا} فيجب التخلص من الخجل، فلا تخجلي من أن تطلبي من ابنتك أو تلميذتك أن تعلمك الكمبيوتر .

العنصر الثالث: الصبر على العلم:
فالعبد الصالح قال لموسى {إنك لن تستطيع معي صبرا}
فجاء رد موسى{قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً}

العنصر الرابع: عدم الشبع من العلم:
الاستمرارية في البحث عن العلم ، فسيدنا موسى لم يكتفِ بأنه كان من أعلم أهل الأرض ، فإذا كان هناك من هو أعلم منه ، فيجب أن يتعلم منه.
هذه العناصر الأربعة ، والتي نجدها في سورة الكهف ، لو نفذناها بدقة، لامتلكنا مفاتيح العلم، وتحققت بنا النهضة العظيمة التي نسعى إليها.
يا أمة محمد ، قرآنكم غالٍ جداً ، ولكن يجب أن تقرؤوه وتتدبروا معانيه، وبطريقة صحيحة .

سنساعدكم في موقع عمرو خالد، إن كانت لديكم معرفة بالكمبيوتر، لتكونوا مدربين، وأما عموم الناس فسيبدأ على قناة "إقرأ" قريباً برنامج خاص لتعليم الكمبيوتر ، ولكن يجب أن يكون أمامك جهاز الكمبيوتر، وستتعلم عن طريق الشاشة ، ولكن لا تعتمدوا فقط على هذا البرنامج . ولنبدأ كلنا ونشارك في هذا المشروع الذي أسميناه "بوابة النهضة" .

هذا المشروع سيفيد الآباء والأمهات في الحفاظ على أبنائهم من أضرار الإنترنت، والمواقع الإباحية، ويفيد الشباب الذين يرون غيرهم من إخوانهم الشباب يقضون أوقاتاً طويلة في الشوارع ولا يفعلون إلا المعاصي .. فبدلاً من أن نمسك بهم ونكتفي بأن نقول لهم : حرام ، حرام .. وينفرون منا ، نأخذ بأيديهم ، ونعرض عليهم أن نقوم بتعليمهم الكمبيوتر، فينشغلون عن المعصية بشيء مفيد ، بدلاً من أن نكتفي بلومهم .

كذلك أطلب من شركات الكمبيوتر وغيرها من الشركات أو الأفراد، من كانت لديه أجهزة قديمة فليتبرع بها لغيره ممن يحتاجها، علَّها تحسب له عند الله صدقةً جاريةً.

لقد تأثرت بشدة مما عملته إحدى شركات الكمبيوتر ومقاهي الانترنت في ليبيا ، والتي خصصت يوماً في الأسبوع لأي شخص من طرف صناع الحياة يأتي إليها، ليتعلم مجاناً على أجهزة الكمبيوتر . فصاحب هذه الشركة تبرع برزق يوم في الأسبوع .. !

كذلك شباب دمنهور ـ نادي صناع الحياة ـ بالاتفاق مع الجمعية الشرعية، بدؤوا بتوفير أماكن في المساجد ، لتعليم الشباب ، وأحضروا لهم الأجهزة ، وفعلاً بدأ الشباب هناك يتعلمون ، وهناك من أحضر لهم هذه الأجهزة مجاناً . وهذا نوع من الصدقة الجارية التي تشفع لك في قبرك .

وحتى البنوك يمكنها أن تساعد بتقسيط المبلغ لمن يريد شراء كمبيوتر. وقد نُفذت هذه الفكرة فعلاً في مصر، إذ قامت بها وزارة الاتصالات المصرية ، والتي اتفقت مع أحد البنوك ليساعد الناس بالشراء بالتقسيط . فأتمنى أن تتحقق هذه الفكرة من البنوك أو الشركات ، وقد تم بيع 65 ألف جهاز بهذه الطريقة في سنة 2003.
وآخر ما أُذكِّر به في هذه الحلقة ، التصويت وما زال مستمراً ، وبطريقة جيدة، ولكن نحن بحاجة إلى أن نكمل ونصوت أكثر وأكثر .

ونراكم الأسبوع القادم إن شاء الله ، مع صناع الحياة...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر: Amrkhaled.net
  • Currently 172/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
57 تصويتات / 130 مشاهدة
نشرت فى 11 أكتوبر 2009 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,733,705