authentication required


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



كم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تزين بها جدران البيت أو المكتب، دون أن تجد مضمونها ظاهرا في سمة صاحب البيت أو المكتب، فهذا حديث نبوي حسن صحيح روي عن أبي العباس عبد الله بن عباس قال: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

المقصد من هذا الأمر هو حفظ فرائض الله وحدوده وملازمة تقواه، واجتناب ما لا يرضاه، فقوله "احفظ الله تجده تجاهك" يعني: احفظ الله وكن ممن "خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب" "ق33" تجده معك بالحفظ والإحاطة، والتأييد، والإعانة حيثما كنت فتستأنس به وتستغني به عن خلقه.

وقوله "إذا سألت فاسأل الله" تعني إذا أردت سؤال شيء فاسأل الله أن يعطيك إياه ولا تسأل غيره، لأنه لا قادر ولا متفضل غيره، فهو أحق أن يقصد. وقد أمر الله الناس أن يدعوه ويضرعوا إليه، ووعدهم أن يستجيب لهم، فقال تعالى "ادعوني أستجب لكم" "غافر60" وقال "ادعو ربكم تضرعا وخفية" "الأعراف55". فالدعاء عبادة؛ وقد وعد الله بالاستجابة "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" "البقرة186".

يجرني هذا إلى ذكر حديث أنس الذي يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه قال "أربع خصال: واحدة منهن لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين عبادي؛ فأما التي لي: لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك: فما عملت من خير جزيتك عليه، وأما التي بيني وبينك: فمنك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين عبادي: فارض لهم ما ترضى لنفسك".

فأحاديث الدعاء عديدة، وفي تقييم الدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عن أبي هريرة "الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض" وفي حديث عن عائشة "لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" أي يتصارعان ويتدافعان؛ لكن للدعاء شروطه وآدابه وأوقاته، وقد جمعت في كتب الحديث مفصلة ومنها تحري الحلال، والدعاء بالخير.

وقوله "وإذا استعنت فاستعن بالله" فالله هو القادر على كل شيء فاستعن به، وغيره عاجز، ولا تكن من الذين "يعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله" "يونس18". يسير بي هذا إلى حديث قدسي رواه الطبراني عن أبي بن كعب "ابن آدم أنزلت عليك سبع آيات، ثلاث لي وثلاث لك وواحدة بيني وبينك؛ فأما التي لي فالحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، والتي بيني وبينك: إياك نعبد وإياك نستعيد، منك العبادة وعلي العون؛ وأما التي لك: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" وهي آيات سورة الفاتحة التي نكررها في كل ركعات صلواتنا.

وفي قوله "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" أي ليست هناك قوة تستطيع أن تنفع أو تضر إلا بإرادة الله تعالى التي قدرها أزلا في لوحه المحفوظ، وأن كل إنسان في هذه الحياة الأولى ميسر لما خلق له؛ كما ذكر في حديث جابر "جاء سراقة بن مالك ابن جشعم للرسول فقال "بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيم العمل اليوم؟ فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال "اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله".

ولهذا فلا خوف ولا هم ولا حزن؛ فالله تعالى جعل لكل شيء سببا فاتبع سببا؛ ففي سبيل الدفاع عن الدين أو عن الوطن أمر بإعداد العدة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" "الأنفال60"، وفي طلب الرزق أمر "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" "الملك15".

"توكل على الرحمان في الأمر كله
ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم
وهزي إليك الجذع يسّاقط الرطب
ولو شاء أدلى الجذع من غير هزة
إليها ولكن كل شيء له سبب".

فلا مجال للجدل، الذي لا يجدي "احفظ الله تجده أمامك" و"تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" وتأكد يا ابن آدم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان صادقا في قوله "من اعتمد على ماله قلّ، ومن اعتمد على عقله ضل، ومن اعتمد على جاهه ذل، ومن اعتمد على الله لا قل ولا ضل ولا ذل".

لا يعني هذا أن تتواكل وتهمل العمل وتترك الوسائل المؤدية إلى الحصول على المرغوب والفوز بالمطلوب، بل عليك أن تخوض ميادين الحياة أخذا بالأسباب، فبعض الناس لا يميزون بين التوكل والتواكل، فالتوكل على الله عمل جاد في الحياة وثقة في الله؛ فقد أرشد الله المؤمنين إلى التوكل عليه ووصل قلوبهم به إذا سعوا في الحياة لتحقيق مطلب أو لاستدفاع ضر حتى تكون يد الله فوق أيديهم وعنايته فوق تصرفهم "ومن يتوكّل على الله فهو حسبه" "الطلاق3".

فهو زاد المؤمنين في الحياة يثبتهم عند الفزع ويدفعهم إلى الإقدام ويملأ قلوبهم بالعزة عند السؤال ويجدون فيه راحة نفسية وطمأنينة قلبية، فإذا أصابهم خير علموا أنه من الله فحمدوه، وإن أصابتهم شدة أيقنوا أنها للاختبار أو لمصلحة تعود عليهم "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" "التوبة51". بينما التواكل هو الكسل والإهمال وترك العمل ليقوم به الآخر، فقد أهمل أعرابي ناقته من غير قيد أمام المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال "توكلت على الله"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعقلها وتوكل". إذن احفظ حدود الله يحفظك الله.

المصدر: موقع حبايب
  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 179 مشاهدة
نشرت فى 9 أكتوبر 2009 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,740,090