صاحب عرض الكتاب /أسامة الرشيدى

رقم الكتاب في مشروع مئة ألف كتاب 1

اسم الكتاب : ماذا علمتنى الحياة؟
المؤلف: جلال أمين

دار النشر :دار الشروق 2007
عدد الصفحات 400 صفحة

عرض الكتاب:
هى سيرة ذاتية مختلفة صريحة فيها نقد ذاتى عنيف للنفس والأسرة والأشقاء ، و هو أقرب الى عمل أدبى يحمل تحليلا عميقا للنفس البشرية ، لم يخيب الكاتب الكبير (جلال أمين) ظن المتابعين له ولفكره فأتى كتابه (ماذا علمتني الحياة) ليحوى سيرته الذاتية وكثير من آرائه فى الحياة وتحليلا لظروف مصر السياسة والاقتصادية والاجتماعية خلال خمسين عاما.



يروى جلال أمين قصة نشأته فى بيت والده وعلاقته بأسرته و أشقائه وأصدقاء الصبا، ودراسته بكلية الحقوق جامعة عين شمس، ثم سفره للبعثة فى انجلترا وقصة زواجه وعمله بالكويت ، كما يتناول بالتحليل شخصيات كثيرة قابلها فى حياته ذاكرا رأيه فيها بمنتهى الصراحة وصلت فى بعض الأحيان الى القسوة عند الحديث عن بعضهم مثل رفعت المحجوب وأنور السادات وثروت أباظة.



وقد كان رأيه فى كثير من الشخصيات التى عرفها يمتاز بجرأة تحسب له إما سلبا أو إيجابا ، كما روى قصة انضمامه لحزب البعث فى فترة شبابه ثم انفصاله عنه بعد فترة.

يخبرنا جلال أمين فى البداية أنه لم يذكر جميع الأحداث التى مر بها فى حياته ، وإنما ذكر بعضها فقط مما قد يكون ذكره مفيدا أو له مغزى خاص أو معنى فلسفى ما ، ويمتاز أسلوبه ببساطة اللغة ووضوحها ودقتها فى الوقت نفسه.


كما يلحظ القارئ موقفه الأخلاقى القوى من خلال تناوله للأحداث ، الذى يبدو أنه قد ورثه عن والده المفكر الكبير أحمد أمين ، كما نلاحظ من العنوان (ماذا علمتنى الحياة؟ ) تواضعا من صاحب الكتاب ،إذ يؤكد أنه ما جاء إلى الحياة وما عاشها إلا ليتعلم منها.




النشأة


من أكثر أجزاء الكتاب لفتا للانتباه ذلك الجزء الذي تناول فيه نشأته فى الصغر ، فمن النادر أن يتناول أحد العلاقة بين والده ووالدته بمثل تلك الجراة التى تناولها بها جلال أمين ، ففى البداية يروى قصة زواج والده التقليدية من والدته حيث لا مكان للحب أو العواطف ، فهو مجرد زواج تقليدى مثل زيجات ذلك العصر، وروى أيضا قصة الحب التى جمعت بين والدته وقريبها قبل زواجها من والده ، وفشل تلك العلاقة ، حيث ظلت والدته تكرر تلك القصة كل فترة، وروى جلال أمين أيضا كيف كانت والدته تخاف دائما من أن يطلقها والده ويتركها بلا مورد ، فانطلقت تدخر المال من مصروف البيت حتى تستطيع تأمين نفسها ، ووصف العلاقة بينهما بأنها كانت أشبة بعلاقة المتصارعين.

أيضا يحلل شخصيات أخوته واحدا بعد الآخر تحليلا عميقا وبموضوعية شديدة.


تناول الكتاب أيضا بالنقد حال التعليم فى مصر فى الخمسينات ، ويصف بؤس حال التعليم والكلية ، حيث لا يوجد نشاط جامعى من أى نوع ، ولا توجد أى علاقة بين الطلبة والأساتذة ،الذين يقومون بشرح المحاضرات بدون أى حماس ومعظمهم يظل يقرأ من الكتاب الذى أمامه ، والنجاح فى المواد يعتمد على قراءة الكتاب قراءة جيدة ليس إلا ، وقد وجد العكس تماما فى بعثته فى انجلترا لنيل درجة الدكتوراه .



من الأمور النادرة أن نرى أحدا ينتقد رسالته للدكتوراه بهذا العنف ، فقد هاجمها فى كتابه بشدة واعتبرها غير ذات قيمة على الإطلاق ، ووصفها بأنها تافهة القيمة ، وأنه قد أنجزها ليجتاز فقط متطلبات الحصول على الشهادة ، حيث كان من شروط الحصول على الدكتوراه أن يكون موضوع الرسالة مبتكرا لم يتطرق إليه أحد من قبل ، مهما كان هذا الشيء المبتكر تافها وعديم القيمة مع كتابة بعض المعادلات الرياضية حتى تكتسب الرسالة الاحترام اللازم ، ليس من المهم بعد ذلك أن تكون الرسالة مهمة عمليا فى الحقيقة أو تكون مفيدة فى حل أى مشكلة فى الواقع ، حتى فترة الدكتوراه نفسها وقراءاته خلالها ، وصف أكثر ما قرأه خلالها بأنه كان غير ذو قيمة وقليل الفائدة إلا من حيث حصوله على الشهادة ، وينصحنا الكاتب بأن نضع ثقتنا لا فى الكتاب مهما بدا جذابا فى اسمه أو موضوعه بل فى مؤلفه ، وأن عدد هؤلاء الكتاب أقل بكثير مما نظن .




عبد الناصر وثورة يوليو


من المعتاد عند تناول شخصية جمال عبد الناصر وثورة يوليو أن يكون هناك من هو منحاز لعبد الناصر انحيازا مطلقا أو يكن له عداء عنيفا له ، ولكن موقف الكاتب موقفه من ثورة يوليو بموضوعية شديدة بعيدا عن الانحياز أو الهجوم ، فقد ابتهج فى البداية بالثورة ابتهاجا شديدا ، ثم تحول بعد ذلك إلى خيبة أمل بعد عزل محمد نجيب ، واشترك فى اعتصام للطلبة يطالبون فيه بعودة محمد نجيب ، وأبدى شكه فى حادث المنشية عام 1954 ، ثم تحول الموقف الى حماس للثورة مع تأميم قناة السويس ومؤتمر باندونج ثم بلغ الحماس أوجه مع القوانين الاشتراكية فى بداية الستينات ، وبزوغ نجم القومية العربية ، وإعادة توزيع الدخل على الرغم من نمو الديكتاتورية والنظام البوليسى ، ثم كانت سنة 67 هى الكافية ليفقد أى تعاطف مع نظام عبد الناصر ، حيث أصيب جيله كله بالذهول من تلك الهزيمة ، وقد خاب أمله فى الثورة فى النهاية ، واستقبل خبر وفاة عبد الناصر بهدوء شديد .




من بين النتائج التى سيخرج منها قارئ (ماذا علمتني الحياة؟ ) هو أنه لا وجود لما يسمي (الزمن الجميل ) حيث تسود تلك النغمة من الكبار بلا استثناء ،حيث يصفون زمانهم بأنه كان (الزمن الجميل ) حيث كان كل الناس تحب بعضهم ولم تكن هناك مشاعر كره أو حقد بين الناس ، وكان التعليم نموذجيا ........الخ




يكذب جلال أمين كل تلك المقولات ، حيث وصف بدقة علاقة الوالد بالوالدة ، وحال التعليم أيامه ، وكل ذلك لا يختلف عما نحن فيه الآن فلم يكن هناك حب أو مودة بين الوالدين ، وكانت حال التعليم سيئة على نحو ما أوضحنا سابقا فكل عصر به ايجابيات وسلبيات ، ولا يوجد (زمن رديء) و(زمن جميل ) .



البدايات والنهايات




كتب جلال أمين فصلا طويلا بعنوان (البدايات والنهايات) حول خيبة الأمل التى يشعر بها الإنسان فى أواخر حياته ، ويتأمل جلال أمين حياته فيجدها مليئة بالأمثلة على خيبة الأمل سواء على المستوى الشخصي أو المستوى العام ، ويؤكد أن ذلك هو حال كل من عرفهم وكل أفراد أسرته حتى من كان أكثرهم نجاحا ، فكم علق الكاتب آمالا على تغير سياسى فى مصر ثم ظهر أن الأحوال أصبحت أسوأ مما كانت عليه من قبل ، ويستعرض جلال أمين خيبات الأمل التى تعرض لها ، بداية من خيبة أمله فى العلم ، حيث وضح له تأثر العلماء بالتحيزات والأهواء، وصار موقنا بأن المعرفة معناها المزيد من خيبة الأمل ، أيضا خاب أمل الكاتب فى علم الاقتصاد الذى يعمل أستاذا له ، فالاقتصاد لا يستطيع أن يمد أحدا بمعرفة يقينية وأنه يمكنه أن يفسر الشيء ونقيضه بنفس النظرية ، وما أكثر الكتب التى قرأها ولم تكن ذات فائدة على الإطلاق خاصة فى علم الاقتصاد .





أيضا خاب أمل الكاتب فى ثورة يوليو وفى نتائجها النهائية ، كما لم يعد يشعر بالسعادة برؤية اسمه على كتاب أو مقال جديد حيث اعتاد ذلك الشعور كثيرا ، وصار مع الوقت أكثر اقتناعا بأنه (لا شيء يهم ) وأنه كان مهتما بأمور كثيرة ثبت له مع الأيام أنها لا أهمية لها .





جلال أمين يؤكد أن هذا الشعور سيكون هو الغالب دائما على كل شخص فى نهاية حياته ، وقد رأى تلك الخيبة فى والديه وإخوته ، كما يلاحظ أن ذلك الشعور يزداد بقوة بين الأجيال الجديدة ويبدأ لديهم مبكرا جدا ، ربما بعد تخرجهم بسنوات قليلة .





ويبدى رأيه فى النظم الرأسمالية فى الدول الغربية ، موضحا أنها قد بدأت فى التحول إلى شمولية من نوع الى آخر ، فوسائل الإعلام تسيطر على الجماهير الغربية بشكل رهيب ، ويبدو المواطنون الأوروبيون والأمريكيون أكثر استعداد بكثير من الشعوب الاخرى لتصديق ما تقوله لهم وسائل الاعلام ، كما تنتشر قيم المجتمع الاستهلاكي مما يجعل من المواطنين عبيدا للآلة الاستهلاكية .



وبأسلوب رشيق يصف دول الخليج بأنها (بلاد مصطنعة ومختلقة اختلاقا ) و أن من يعش فيها يشعر بخواء نفسى رهيب لا يستطيع تعويضه بالأموال التى يحصل عليها من عمله هناك ، حيث عمل جلال أمين لفترة بالصندوق الاجتماعي للتنمية بالكويت .



الكتاب مليء بالأفكار والتحليلات الممتعة والمختلفة ، وهو من نوعية الكتب التى يقول عنها جورج أورويل (الكتاب الجيد هو الذى يمدك بالحجج التى تحتاجها لتأييد وجهة نظرك!! ) ، وهى عبارة وردت فى الكتاب ، حيث يعتبر جلال أمين نفسه من المعجبين بشدة بجورج اورويل الذى يقول أيضا (الكتاب الجيد هو الذى يقول لك ما كنت تعرفه من قبل ).

 

  • Currently 214/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
72 تصويتات / 3356 مشاهدة
نشرت فى 24 سبتمبر 2009 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,745,449