ليلة خير من ألف شهر*

انتشرت فى الغرب فكرة "صيد الكنز" أو ما يسمى ب treasure hunt وهى عبارة عن مسابقة يتنافس فيها عدة فرق للبحث عن كنز مفقود عن طريق إرشادات و ألغاز يضعها منسق المسابقة حول المكان الذى يوجد فيه الكنز والفريق الفائز هو الذى يجد الكنز أولاً.
رأينا المسابقة على شاشات التلفاز و تجريها بعض الشركات المتعددة الجنسية لموظفيها فى شكل يوم ترفيهى هدفه بناء قيمة "العمل الجماعى" بين أفراد الشركة حيث يتعاون أفراد كل فريق بشتى الطرق لإيجاد الكنز معاُ مما ينمى قيمة العمل الجماعى بينهم ليطبق عملياً فيما بعد داخل الشركة.
ودفعنى التفكير فى قصة "الكنز المفقود" الى "الكنز الحقيقى" الذى يودعه لنا الله تبارك و تعالى فى منافسة سنوية ثابتة المعاد منذ أكثر من ألف و ربعمائة سنة, يتنافس فيها آلاف بل قد نقول الملايين من جميع الأجناس باختلاف ألوانهم فى جميع أنحاء العالم. قواعد المسابقة ثابتة و واضحة و ليس عليها جدال لكن الفرق الوحيد بينها و بين مسابقة ال "treasure hunt “ أن الفائز ليس فقط فريقا واحدا مكونا من عدة أشخاص ولكن الفائز عدد مفتوح و غير محدد. والجائزة تنفع صاحبها فى الداريين الدنيا و الأخرة و يشهد احتفال توزيع الجوائز آلاف بل ملايين الزوار الذين يأتون من السماء باذن ربهم...
أتخيل أنكم عرفتم ما هى المسابقة الثابتة الميعاد؟ و ما هى قواعدها؟ و من المنافسون؟ وما هو "الكنز الحقيقى"؟
فالمسابقة هى رمضان و قواعدها (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)..الى آخر الأيات فى صورة البقرة التى توضح أحكام الصيام. أما المنافسون فهم كل المسلمون على الأرض
و الكنز الذى يخبأه الله لنا هى "ليلة القدر". فهى فى الحقيقة الكنز و الثروة الحقيقية التى ان فزت بها سعدت فى الدنيا و الآخرة. يخبئها الجليل لنا داخل عشرة ليالى و شاء الله الا نعرف فى أى ليلة هى؟ حتى يتبارى المنافسون فى العمل لها و بذل الجهد من أجلها و الفوز بها فنظام "التنشيين" لا ينفع هنا.
(حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن جبلة قال سمعت بن عمر رضى الله تعالى عنهما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر(
فبقدر هذه الليلة عند الله بقدر ما يتطلب "العمل و الجهد لها" جُعلت لها سورة فى القرآن بإسمها تقرأ إلى يوم الدين و أمر فيها ملائكته أن يتنزلوا فى هذه الليلة العظيمة الى الأرض ليجعلوها ليلة سلام و عفو و مغفرة. فعملك فى هذه الليلة من صلاة و استغفار و دعاء و صدقات و بر و صلة رحم هو خير من جهد و عمل ألف شهر أى ما يعادل تقريباً ثلاثة و ثمانون سنة أى قد بكون أكثر من عمرك!
وتبكى العين و يحزن القلب عندما ترى الشباب يضيعون هذا الكنز بجلوسهم على المقاهى و "قتل" الوقت الى الفجر بإشياء لا قيمة لها و لو عرفوا قدر هذه الليلة ما ضيعوا دقيقة فيها ليست لله. وإنى لأتخيل لو خُير أحد الموتى الصالحين أن يختار ليلة واحدة لتعود له روحه و يرجع الى الدنيا لاختار أن تكون هذه اليلة هى ليلة القدر.
و يا ليت المسلمين يعرفون حقيقة قدرها و "يقدرونها" فى أنفسهم و قلوبهم و يجتهدون للفوز بها و لما لا و هى الليلة التى شرفها الله بأعظم حدث فى تاريخ البشرية من لدن آدم الى قيام الساعة, هى تلك الليلة التى تفرح بها الأرض لأنها أول ليلة تتصل فيها مع السماء بنزول أصلح منهج للبشرية, هى الليلة التى قال الجليل تبارك و تعالى فيها (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) الآية 3-6 الدخان. فهى ليلة الفصل بين الحق الخالد و الباطل الزاهق, هى ليلة الفتح للبشرية بنزول المنهج الذى ارتضاه الحق لهم الى قيام الساعة.
عملياً كيف يحب أن يرانى الله فى هذه الليلة؟ (عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر(
ومن الأعمال الصالحة في هذه الليلة أن يجدك الله قائم تصلى (فى الصحيحيين: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه(
تقرأ القرآن ، تخرج الصدقات تدعو وتستغفر وتسبح ، تصل الرحم وتبر بوالديك
اللهم بلغنا ليلة القدر و بلغها لنا و اجعلنا فيها من الفائزين.

  • Currently 168/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
56 تصويتات / 196 مشاهدة
نشرت فى 14 سبتمبر 2009 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,733,705