السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعزائي
نظرا لأهمية الموضوع أدعوكم لقراءته والتمعن فيه داعيا الله أن تكون كل لحظة من وقتكم هذا في ميزان حسناتكم يوم العرض عليه
كثير من الخلق يجهلون قيمة الوقت الذي منحهم الله إياه، ولا يدركون أنه ثروتهم المعنوية الوحيدة ورصيدهم الروحي الكبير، فيصرفونه دون حساب في أنواع المعاصي وصنوف اللهو، ويضيعونه في القيل والقال وكثرة الجدال والثرثرة واللغو، متناسين أنهم مسؤولون عن كل ذلك يوم الحساب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع.." وذكر منها " عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه" رواه الترمذي. لقد جعل الله تعالى حياتنا في هذه الدنيا عبارة عن جملة محدودة من الدقائق والثواني، وحضنا على الانتفاع بكل جزء من أجزائها بمزيد من الإخلاص، وحذرنا من كل ما يعوق سيرنا أو يؤدي بنا إلى التثاقل، ونبهنا إلى انه سيحاسب كل من جنى على نفسه بجناية تضييع الوقت، وسيعرضه يوم القيامة لعقاب الخزي والندامة مصداقا لقوله تعالى: ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فاسأل العادين، قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) سورة المؤمنون الآيات (112-115). عندما وهبنا الله تعالى الحياة لم يجعلها هملا دون غاية ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) سورة القيامة آية (36) ولم يجعل الحياة مستمرة إلى ما لا نهاية، بل جعل لها بداية ونهاية، ووضع بين أيدينا منهاجا كاملا وطريقة مثلى لنجعل من حياتنا المحدودة وأيامنا المعدودة رصيدا ثمينا نصرف كل جزء من أجزائه في العلم النافع والعمل الصالح، حتى إذا انتهت حياتنا الدنيا وجدنا أنفسنا قد فزنا في السباق بالميزان الراجح ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) سورة آل عمران آية (30). وللدلالة على أهمية الوقت وعظيم قيمته فقد أقسم الله تعالى به أو بأجزاء منه في كثير من الآيات القرآنية الكريمة
وما هذا إلا لفت لانتباه المسلم إلى أهمية الوقت وقيمته الحقيقية في الإسلام، فالمؤمن العاقل يقف مع أمسه ويومه وغده، وقفة تأمل وتفكر كما يقف التاجر الواعي الحصيف على رأس كل عام ليراجع سجلاته وما احتوته ليدرك ماله وما عليه وليعرف خسائره من أرباحه، راجيا ربه أن يكون يومه خيرا من أمسه، وغده خيرا من يومه، وكان أولى بالإنسان العاقل أن يحاسب نفسه في كل يوم وشهر وسنة انسلخت من عمره، حيث سيسأله الله تعالى عنها وهي ليست بالزمن القليل، فالسنة اثنا عشر شهرا والشهر ثلاثون يوما واليوم أربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة والدقيقة ستون ثانية كل ثانية فيها نعمة من الله عليك يا عبد الله وأمانة لديك من الله تعالى. إن المؤمن إذا لم ينتفع بوقته خير انتفاع، ولم يستعمل رصيده منه أحسن استعمال، ولم يعط لكل وقت حقه ولكل حق وقته، ولم يكن كل يوم في تقدم مستمر بفضل مدخراته من الوقت، فانه في تأخر مطرد يهوي به إلى الهاوية، فالإنسان في هذه الحياة سائر لا واقف، فإما أن يصعد إلى الأعلى وإما أن ينزل إلى الحضيض إما أن يتجه إلى الأمام وإما أن يرجع إلى الوراء، فمن لم يتقدم إلى الجنة بالأعمال الصالحة فهو متأخر إلى النار بالأعمال السيئة، إذ لا منزل للإنسان في نهاية المطاف سواهما ولا طريق يؤدي إلى غيرهما. فتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك " رواه الحاكم والبيهقي. فالمطلوب عمارة الوقت وقضاؤه على الوجه الذي ينتفع به الإنسان في الدنيا والآخرة، وينجز فيه أعماله، ومن هنا جاء طلب النبي صلى الله عليه وسلم باغتنامه، بل اعتبر من يهدر وقته بلا فائدة شخصاً مغبوناً حيث قال عليه الصلاة والسلام: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ " رواه البخاري ومسلم. إن سلفنا الصالح كانوا يغتنمون كل جزء من أوقاتهم بما يعود عليهم وعلى أمتهم بالنفع والخير، من علم نافع أو عمل صالح، واهتموا بأن يقدروا أوقاتهم في اليوم والليلة، ليدركوا مقدار نعمة الله عليهم بالوقت وليقدروا مسؤوليتهم أمام الله عن إعمار الوقت بالعمل الصالح أو تضييعه في المعاصي، أو فيما لا نفع فيه، فكان شعارهم هو عمارة الوقت بدلا من هدره، وكان المعيار الذي يزنون به أعمالهم في كل وقت من الأوقات هو أن تكون تلك الأعمال على اختلاف أنواعها وأصنافها مما يقرب إلى الله ويجلب رضاه.
لا أطيل عليكم أعزائي أكثر من هذا متضرعا إلى الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم للحرص على اغتنام كل لحظة من وقتنا واستغلالها في ما ينفعنا في ديننا ودنيانا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تقبلوا تحياتي<!-- / message -->
عدد زيارات الموقع
1,741,576
ساحة النقاش