فقـه الحـج






الحمد لله الذي فضل بحكمته البيت الحرام ، وفرض حجه على من استطاع إليه السبيل من أهل الإيمان و الإسلام ، وغفر لمن حج واعتمر ما اكتسب من الذنوب والآثام ، أحمده حمداً كثيراً طيباً على مر الليالي والأيام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق وصفوة الأنام .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الأخيار ، أما بعد …
فهذه رسالة موجزة ومختصرة في ( توضيح الأحكام الخاصة في مناسك الحج والعمرة ) والزيارة فيها من أقوال أهل العلم المختصر المفيد ، وقد أرجعنا ما أشكل علينا من المسائل إلى ترجيحات سماحة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء .
فما كان من صواب فمن الواحد المنان وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان . والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به كل من قرأه وطبعه ونشره وأن يجعله سبباً للفوز لديه في جنات النعيم إنه سميع مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

المبحث الأول : تعريف الحج والعمرة لغة وشرعاً :

الحج لغة :- القصد ( النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/340 ) تقول العرب :
حج بنو فلان فلاناً إذا قصدوه وأكثروا التردد عليه ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت الله تعالى وإتيانه ، فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد لأنه هو المشروع الموجود كثيراً (شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/75 وانظر المصباح المنير 1/121 ).

الحج شرعاً :- هو التعبد لله عز وجل بأعمال مخصوصة في أوقات مخصوصة ، في مكان مخصوص من شخص مخصوص على ما جاء في سنة الرسول .

العمرة لغة :- الزيارة
العمرة شرعاً :- التعبد لله عز وجل بزيارة البيت العتيق على وجه مخصوص ، بإحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير ، ثم تحلل .

المبحث الثاني : حكم الحج والعمرة :
أولاً الحج :- وهو واجب وفرض بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وبإجماع المسلمين ( الإجماع لابن المنذر ص54 وشرح العمدة 15/87 ) . وهو أحد أركان الإسلام التي بني عليها . وهو واجب على من توافرت به الشروط في العمر مرة واحدة إلا أن ينذر فيجب عليه الوفاء بالنذر وما زاد فهو تطوع .

ودليل وجوب الحج هو قول الله تبارك وتعالى [ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ] سورة آل عمران آية 97 . وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ قال : خطبنا رسول الله فقال : [ أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ..] رواه مسلم 2/975 في الحج باب فرض الحج مرة في العمر .
ومن أنكر فرضية الحج فهو كافر مرتد عن الإسلام إلا أن يكون جاهلاً بذلك كأن يكون حديث عهد بإسلام أو ناشئ في بادية بعيدة لا يعرف من أحكام الإسلام شيئاً فهذا يعذر بجهله ويعرّف ، ويبين له الحكم ، فإن أصر على إنكاره حكم بردّته ، وأما من تركه متهاوناً مع اعترافه بفرضيته فهذا لا يكفر ولكنه على خطر عظيم لأن الراجح أن الحج واجب على الفور فيمن توافرت فيه شروط الحج ( التي سيتم ذكرها بعد قليل لأن الأصل في الأمر أن يكون على الفور ولهذا غضب النبي في غزوة الحديبية حين أمرهم بالإحلال وتباطؤوا ) أخرجه البخاري في الشروط (2731 ) ، (2732 ) . ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فقد يكون الآن قادراً وفي المستقبل عاجزاً ولأن في ذلك إبراء للذمة قبل معاجلة الموت ولأن الله تعالى أمر بالاستباق إلى الخيرات فقال :- [ فاستبقوا الخيرات ] سورة البقرة آية 148 . وبعد أن تبينا حكم الحج نود أن نتعرض لتاريخ مشروعية :

تاريخ مشروعية الحج ( متى فرض الحج ) :
اختلف العلماء في تاريخ مشروعية الحج على أقوال فمنهم من قال في السنة السادسة للهجرة وقال آخرون في السنة التاسعة وهو الصواب لأن آية فرضيته هو قول الله تعالى [ ولله على الناس حج البيت .. ] وهي في صدر سورة آل عمران وقد نزل صدر هذه السورة عام الوفود (شرح العمدة لشيخ الإسلام 1/219 وتفسير ابن كثير 1/368 ) وفي هذا العام قدم وفد نجران وصالحهم النبي على أداء الجزية والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع . وحكمة تأخر فرضية الحج والله تعالى أعلم ، أن مكة زادها الله شرفاً ، كانت قبل تلك السنة تحت سيطرة المشركين من قريش فليس يتسنى للنبي وأصحابه أن يحجوا على الوجه الأكمل ومن المتوقع أن تمنعهم قريش من الحج كما فعلوا في السنة السادسة عندما صدوا النبي وأصحابه عن إتمام عمرتهم ، ولكن بعد أن تحررت مكة من الكفر بعد فتحها صار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكمة .

ثانياً : العمرة :- فقد اختلف العلماء في حكم العمرة فمنهم من يرى أنها واجبة ومنهم من قال أنها سنة ومنهم من فرق بين المكي وغيره ، فقال هي واجبة على غير المكي أما أهل مكة فلا تجب عليهم . والراجح والله تعالى أعلم أنها واجبة على المكي وغيره في العمر مرة لكن وجوبها أدنى من وجوب الحج ، لأن وجوب الحج فرض مؤكداً ، وهو أحد أركان الإسلام بخلاف العمرة يقول ابن عمر رضي الله عنهما [ ليس أحد إلا وعليه حج وعمرة ] البخاري مع الفتح 3/597 . وعندما سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي فقالت : يا رسول الله هل على النساء جهاد ؟ قال : [ نعم عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ] أخرجه الإمام أحمد في مسنده 65/156 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/151 .

وعن أبي رزين أنه قال : [ يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن ، قال : فحج عن أبيك واعتمر ] أخرجه أهل السنن وقال الألباني صحيح النسائي 2/556 – أبي داود 1/341 . وهذا هو الصواب الذي دلت عليه الأدلة الشرعية أن الحج والعمرة واجبان في العمر مرة واحدة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الأقرع بن حابس سأل النبي فقال : يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة ؟ قال : [ بل مرة واحدة ، فمن زاد فهو تطوع ] صححه الألباني في صحيح أبي داود 1/324 والنسائي 2/556 وابن ماجه 2/148 .

المبحث الثالث : شروط وجوب الحج والعمرة :
فما هي شروط الحج والعمرة : يجب الحج والعمرة بخمسة شروط (شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية 1/113 ) .
الشرط الأول : [ الإسلام ] لقوله تعالى [ إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ] سورة التوبة آية 28 . ولأنه لا يصح منهم ذلك ومحال أن يجب ما لا يصح لأن العبادات لا تجب إلا على المسلم لأن كل عبادة لا تصح من كافر لقوله تعالى [ وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ] سورة التوبة آية 54 .

الشرط الثاني : [ العقل ] فلا حج ولا عمرة على مجنون إلا أن يفيق لقوله [ رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبدأ ، وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم ] رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الألباني ص ج ص 2/35 .

الشرط الثالث : [ البلوغ ] فلا يجب الحج على الصبي حتى يبلغ ولكن لو حج صح حجه لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام . لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت إلى النبي صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال : [ نعم ولك أجر ] رواه مسلم 2/974 .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : [ أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى .. ] رواه الخطيب البغدادي وصححه الألباني في ص ج ص 2729 .

الشرط الرابع : [ كمال الحرية ] فلا يجب الحج على المملوك ولكنه لو حج فحجه صحيح لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام لقوله : [ وأيما عبد حج ثم أعتق ، فعليه أن يحج حجة أخرى ] نفس المصدر السابق .

الشرط الخامس : [ القدرة أو الاستطاعة بالمال والبدن ] :
* فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه فإنه ينيب من يحج عنه لفعل المرأة الخثعمية التي سألت النبي ( فقالت يا رسول الله : إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال عليه الصلاة والسلام [ نعم ] وذلك في حجة الوداع ) شريطة أن يكون النائب قد حج عن نفسه .

* أما من كان قادراً ببدنه دون ماله ولا يستطيع الوصول إلى مكة فإن الحج لا يجب عليه .

* [ ومن القدرة ] أن تجد المرأة محرماً لها . فإن لم تجد محرماً فإن الحج لا يجب عليها لقوله عليه الصلاة والسلام [ لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا ومع ذي محرم ، فقال رجل : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال عليه الصلاة والسلام [ انطلق فحج مع امرأتك ] البخاري مع الفتح 6/143 ومسلم 3/978 .

* لكن لو حجت المرأة بغير محرم أجزأتها الحجة عن حجة الفرض مع معصيتها وعظيم الإثم عليها .[شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية 1/182] .

• لكن اختلف العلماء هل يجب على من لم تجد محرم أن تنيب من يحج عنها ويعتمر ؟ أو لا يجب ؟
على قولين لأهل العلم بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب الأداء ؟ أو هو شرط للوجوب من أصله ؟ والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله تعالى- أن المحرم شرط للوجوب وأن المرأة التي لا تجد محرماً لا يلزمها حج ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها .

المبحث الرابع : فضل الحج والعمرة
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : [ من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه ] البخاري مع الفتح 4/20 – مسلم 2/984 . وفي لفظ مسلم : [ من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه ] مسلم 2/983 وفي الترمذي " غفر له ما تقدم من ذنبه " صحيح الترمذي 1/345 .
2- وعنه أيضاً أن رسول الله قال : [ العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ] البخاري مع الفتح 3/597 ومسلم 2/983 .

الحج المبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ، ولم يخالطه إثم ولا يعقبه معصية وهو الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعاً كما طُلب من المكلف على الوجه الأكمل ، وهو الحج المبرور ومن علامات القبول أن يرجع خيراً مما كان و لا يعاود المعاصي .

3- وسئل النبي : أي الأعمال أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله " قيل ثم ماذا ؟ قال : " جهاد في سبيل الله " قيل : ثم ماذا ؟ قال : " حج مبرور " [ البخاري مع الفتح 3/381 ] .

4- وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله : [ تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة ] النسائي والترمذي وابن ماجة وأحمد وغيرهم وصححه الألباني في صحيح النسائي 2/558 .

5- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : [ الغازي في سبيل الله ، والحاج والمعتمر وفد الله ، دعاهم فأجابوا وسألوه فأعطاهم ] حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة 2/149 .

6- وقال في فضل الحجر الأسود والركن اليماني : [ إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاّ ] رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر وهو صحيح ص ج ص 2194 .

المبحث الخامس : آداب السفر وأحكامه :
الآداب التي ينبغي للمعتمر والحاج معرفتها والعمل بها ، ليحصل على عمرة مقبولة ، ويوفق لحج مبرور آداب كثيرة منها :
آداب واجبة وآداب مستحبة وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الآداب الآتية :
1. الاستخارة ، ينبغي للمسافر أن يستخير الله سبحانه وتعالى في الوقت ، والراحلة ، والرفيق وجهة الطريق إن كثرت الطرق ، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والصلاح . وصفة الاستخارة أن يصلي ركعتين ثم يدعو بالدعاء الوارد عن رسول الله .
2. يجب على الحاج والمعتمر أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله تعالى والتقرب إليه ، وأن يحذر أن يقصد حطام الدنيا أو حيازة الألقاب أو الرياء والسمعة فإن ذلك سبب في بطلان العمل وعدم قبوله .
3. التوبة من جميع الذنوب والمعاصي ، وذلك بالإقلاع عن الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزيمة على عدم العودة إليها وإن كان عنده للناس مظالم ردها وتحللهم منها .
4. على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحلال لحجه وعمرته لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً .
5. ومن آداب المسافر أيضاً أن يخرج يوم الخميس وهذا هو المستحب لما ورد في السنة عن رسول الله [ عن كعب بن مالك : لقلما كان رسول الله يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس ] البخاري .
6. أن يخبر من يحب بعزمه على السفر ، فقد قال رجل للنبي إني أريد سفراً فقال " أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف " ( أي كل مكان مرتفع ) فلما ولى ، قال " اللهم ازو له الأرض وهون عليه السفر " ابن حبان .
7. وكان يسير في مجموعة سار سيراً هادئاً ، ويسمى ( العَنَق ) فإذا وجد فراغاً أسرع قليلاً ويسمى ( النص ) . ابن خزيمة .
8. وكان يقول عليه الصلاة والسلام "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس "مسلم .
9. وكان يكره عليه الصلاة السلام للمسافر وحده أن يسير بالليل ، قال " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل " البخاري .
10. وكان ينهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً ، إذا طالت غيبته عنهم بل يدخل عليهم غدوة أو عشية " البخاري ومسلم " وهذا من كمال الأدب وعظيم الاحترام بين رب الأسرة وأفراد أسرته وتقدير الخصوصيات .
11. وكان إذا دخل قرية يريد دخولها يقول عليه الصلاة والسلام [ اللهم رب السموت السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين و ما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين ، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها ] ابن خزيمة .
12. ويستحب أن يقوم الأصحاب في السفر بتأمير واحد منهم يطيعونه ، فعن أبي سعبد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : [ قال رسول الله ، إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ] أبو داود.
13. وأن يذكر دعاء السفر ذهاباً وإياباً ويقول في الذهاب [ بسم الله ، الحمد لله ثلاثاً والله أكبر ثلاثاُ ، ثم يقول " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطو عنا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب في المال والأهل " مسلم . وإذا رجع من سفره قالهن وزاد فيهن : " آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون " رواه مسلم 2/989 .
14. ويستحب إذا نزل المسافرون منزلاً أن ينضم بعضهم إلى بعض لأن التفرق من الشيطان وأن يدعو بما ثبت عن النبي : [ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ] رواه مسلم 4/2080 . فإنه إذا قال ذلك لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك .
15. ويستحب له أن يكبر على المرتفعات ويسبح إذا هبط المنخفضات والأودية وأن يكثر من الدعاء في السفر فإنه حري أن تجاب دعوته ويعطى مسألته ويكثر الحاج من الدعاء كذلك على الصفا والمروة – وفي عرفات وفي المشعر الحرام بعد الفجر – وبعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريف – لأن النبي أكثر في هذه المواطن الستة من الدعاء .
16. يحافظ على جميع الواجبات ومن أعظمها الصلاة في أوقاتها مع الجماعة ويكثر من الطاعات [ كقراءة القرآن والذكر والدعاء ] ويبتعد عن جميع المعاصي ويتخلق بالأخلاق الحسنة وأن يحسن إلى الآخرين ويرفق بهم ولا يؤذيهم بلسانه أو بيده ولا يزاحم الحجاج والمعتمرين زحاماً يؤذيهم مع إعانتهم عند الحاجة بنفسه وماله .
17.على الحاج والمعتمر التفقه في أحكام العمرة والحج وأحكام السفر قبل أن يسافر من القصر – والجمع وأحكام التيمم والمسح على الخفين وغير ذلك مما يحتاجه في طريقه إلى أداء المناسك .

ولأن الإسلام دين اليسر والسهولة ولا حرج فيه ولا مشقة فكلما وجبت المشقة فتح الله لليسر أبواباً ولما كان السفر مظنة المشقة غالباً خففت أحكامه فمن ذلك :
أولاً : في الطهارة :
أ‌) جواز التيمم للمسافر إذا لم يجد الماء أو كان معه من الماء ما يحتاجه لأكله وشربه ، وصفة التيمم أن يضرب الأرض ضربة واحدة ثم يمسح وجهه كله وكفيه من أطراف أصابعه إلى رسغه والتيمم رافع للحدث الأصغر والأكبر .
ب‌) وللمسافر أن يمسح على خفيه أو جوربيه ثلاث أيام بلياليها بخلاف المقيم فإنه يمسح يوماً وليلة فقط .

ثانياً : في الصلاة :
أ‌) صلاة الفريضة : فالمسافر يصلي الصلاة الرباعية وهي ( الظهر والعصر والعشاء ) ركعتين فقط من حين أن يخرج من بلده حتى يرجع إليها ، أما إذا صلى المسافر خلف إمام يتم فإنه يتم معه لأن الجماعة في حقه واجبة طالما وجد الجماعة . أما جمع المسافر بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء فهي سنة حيث كان على ظهر سير - أي حيث كان سائراً ، أما إذا كان نازلاً فالسنة لا يجمع إلا إذا احتاج إلى ذلك لشغل يقضيه أو نوم يستريح فيه .
ب‌) وصلاة النافلة : فالمسافر تسقط عنه السنن الرواتب ماعدا سنة الفجر القبلية فإنها لا تسقط في حضر ولا سفر .
أما صلاة التطوع غير الرواتب فيشرع للمسافر أن يتطوع بها كالمقيم فيصلي ( صلاة الليل والوتر والضحى وتحية المسجد وصلاة الكسوف والخسوف وصلاة الجنازة ... ) وللمسافر أن يتطوع في السفر وهو على ظهر مركوبه حيث كان وجهه وإن لم يكن إلى جهة القبلة .



المبحث السادس : أركان وواجبات الحج والعمرة :
أولاً : أركان الحج :
1- الإحرام ( النية )
2- الطواف حول البيت ( طواف الإفاضة )
3- السعي بين الصفا والمروة 4) الوقوف بعرفة .
فلا يتم الحج إلا بأداء هذه الأركان ومن ترك ركناً فسد حجه .

ثانياً : واجبات الحج :
1) الإحرام من الميقات 2) الوقوف بعرفة إلى الغروب 3) المبيت بمزدلفة إلى ما بعد منتصف الليل 4) رمي الجمار 5) الحلق أو التقصير 6) المبيت بمنى ليالي منى ( أيام التشريق ) 7) طواف الوداع .
ومن ترك واجباً من الواجبات جبره بدم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها ويصح حجه بإذن الله تعالى .

ثالثاً : أركان العمرة :
1) الإحرام ( النية ) 2) الطواف حول البيت 3) السعي بين الصفا والمروة .

رابعاً : واجبات العمرة :
1) الإحرام من الميقات 2) الحلق أو التقصير .

المبحث السابع : مواقيت الحج والعمرة :
وتنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : المواقيت الزمانية :
وتبتدئ المواقيت الزمانية للحج بدخول شهر شوال وتنتهي إما بعشر ذي الحجة ( يوم العيد ) أو بآخر يوم من أيام ذي الحجة وهو القول الراجح لذا فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة ، ولا يجوز أن يؤخرها عن ذلك اللهم إلا لعذر .

أما العمرة فليس لها ميقات زمني فإنها تُفعل في أي يوم من أيام السنة لكنها في رمضان تعدل حجة وكذلك العمرة في أشهر الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات كلها في شهر ذي القعدة وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج مزية وفضل .

القسم الثاني : المواقيت المكانية :
وهي خمسة مواقيت : [ ذو الحليفة ، الجحفة ، يلملم ، قرن المنازل ، ذات عرق ]
1) أما ذو الحليفة : فهو المكان المسمى الآن أبيار علي وهي قريبة من المدينة وهي أبعد المواقيت عن مكة وهي لأهل المدينة ولمن مر بها من غير أهلها ممن أراد الحج أو العمرة .
2) الجحفة : وهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة وقد خربت القرية وصار الناس يحرمون من رابغ بدلاً منها .
3) يلملم : وهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن في طريقهم إلى مكة ويسمى اليوم ( السعدية ) .
4) قرن المنازل : وهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة ويسمى الآن ( السيل الكبير ) ويحرم منه أهل الطائف .
5) ذات عرق : وهو مكان في طريق أهل العراق إلى مكة ويسمى الآن الضريبة .

وهنا مسألة أحب التنبيه عليها وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا وقت هذه المواقيت قال : [ هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة ] :-
• فمن كان من أهل نجد ومر بالمدينة فإنه يحرم من ذو الحليفة .
• ومن كان من أهل الشام ومر بالمدينة فإنه يحرم من ذو الحليفة .
• ملاحظة : يلاحظ على الذين يأتون من طريق الجو أو البحر أنهم يؤخرون الإحرام إلى جدة ويحرمون منها وهذا خطأ ينبغي التنبيه إليه فإن الذي يأتي من طريق يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر فيه أو إذا حاذى أقرب المواقيت إليه فالذي يأتي عن طريق الجو يحرم وهو في الجو والذي يأتي عن طريق البحر يحرم وهو في البحر وهكذا .

مسألة : [ ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام ] ؟
من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين :
• الحالة الأولى : أن يكون مريداً للحج والعمرة ، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك ، فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك وعليه عند أهل العلم فدية دم يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء هناك .
• الحالة الثانية : إذا تجاوز الميقات وهو لا يريد الحج والعمرة فإنه لا شيء عليه وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في مروره هذا ، لكان الحج والعمرة تجب أكثر من مرة في العمر ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة وما زاد فهو تطوع ، وهذا هو القول الراجح .
• فإن بدا له بعد أن وصل جدة أو مكة أن يأتي بالحج أو العمرة وهو غير مريد لهما قبل ذلك ، فإنه يحرم من مكانه الذي هو فيه فإن كان في جدة أحرم من جدة وإن كان في مكة أحرم من مكة للحج أما العمرة فإن كان في مكة فإنه يخرج إلى الحل ( التنعيم ) ويحرم منه وكذلك من كان دون المواقيت بأن كان بينها وبين مكة كالقرى التي بين مكة وجدة أو التي بين السيل الكبير ومكة فإن أهلها يحرمون من أماكنهم .

ما هي الأمور التي تشرع للمعتمر أو الحاج إذا وصل الميقات ؟ فإذا وصل الحاج أو المعتمر الميقات شرع أن يعمل الآتي :
1) يستحب له أن يقلم أظفاره ويقص شاربه وينتف إبطيه ويحلق شعر عانته إن كان محتاجاً إلى ذلك وإلا ليس هذه من السنن الخاصة في الإحرام .
2) أن يتجرد من ثيابه ويستحب له الاغتسال من باب النظافة لأن النبي صلى الله عليه وسلم : [ تجرد لإهلاله واغتسل ] رواه الترمذي وصححه الألباني 1/250 . والغسل سنة عند الإحرام للرجال والنساء حتى الحائض والنفساء ( من حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها ) .
3) ويستحب للرجل أن يتطيب بأطيب ما يجد من أنواع الطيب في رأسه ولحيته ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام لقول عائشة رضي الله عنها : [ كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ] البخاري مع الفتح 3/396 ومسلم 2/846 .
4) أن يحرم الرجل في رداء وإزار ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين ويحرم في نعلين ، أما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من الثياب المباحة لها مع الحذر من الثياب المعطرة أو المزينة أو التشبه بلباس الرجال ولا تلبس البرقع ولا تتلثم ولها أن تسدل غطاء وجهها عند حضرت الرجال الأجانب وتتجنب كذلك لبس القفازين أما الجوارب والخفاف فيجوز للمرأة لبسهما .
5) ويستحب أن يكون الإحرام بعد صلاة فريضة لغير الحائض والنفساء – إن كان في وقت فريضة فإن لم يكن وقت فريضة صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء ثم بعد الفراغ من الصلاة ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة ثم يقول بعد ذلك إن كان مريداً للعمرة : [ لبيك اللهم لبيك عمرة ] وإن كان مريداً ( الحج مفرداً ) قال : [ لبيك اللهم لبيك حجاً ] ، وإن كان يريد الجمع بين الحج والعمرة ( قارن ) قال [ لبيك اللهم عمرة وحجاً أو اللهم لبيك حجاً وعمرة ] .
• وإن كان حاجاً أو معتمراً عن غيره ( وكيلاً ) نوى ذلك بقلبه ثم قال [ لبيك اللهم عن فلان بن فلان أو فلانة
بنت فلان ] . والأفضل أن يكون التلفظ بعد الاستواء على المركوب ( السيارة ) اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ويلبي النبي صلى الله عليه وسلم [ لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ] البخاري مع الفتح 3/408 ومسلم 2/841 .

ويرفع الرجل صوته بالتلبية وتخفيه المرأة ويسن الإكثار من التلبية ( الحج ، الحج ، الحج ) ، وأن يضيف قول [ لبيك إله الحق ] كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم .

6) وإن كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه كمرض أو عدو أو تخاف المرأة أن تحيض أو تنفس شرع الاشتراط فيقول عند إحرامه بالنسك : [ فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ] ، والصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يشترط ولم يأمر الصحابة بذلك لكن أمر به لمن جاءت تستفتيه وهي ضباعة بنت الزبير لأنها كانت شاكية والمعنى أنها كانت مريضة والله أعلم فأمرها بذلك لأنها تخاف أن لا تتم .
فائدة هذا الاشتراط هو : حل الإحرام بدون الهدي وفي حالة عدم الاشتراط ووجد ما يمنعه من إتمام النسك فإنه يذبح هدي لقول الله عز وجل [ وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ] . وهذا هو القول الراجح .

المبحث الثامن : أنواع الأنساك وأفضلها والنسك الذي أهل به النبي صلى الله عليه وسلم :
إذا وصل الحاج إلى أحد المواقيت التي ذكرناها سابقاً وكان ذلك في أشهر الحج وهي :
شوال – ذو القعدة – العشر الأول من ذي القعدة
وكان مريداً للحج من عامه فإنه مخير بين ثلاثة أنساك :
التمتع – القران – الإفراد
الأول : التمتع :
وهو أن يحرم بالعمرة وحدها من الميقات في أشهر الحج وصفة التلفظ في هذا النسك عند الإحرام وعقد النية أن يقول : " لبيك اللهم عمرة " . ويستمر في التلبية حتى يصل مكة فإذا شرع في الطواف قطع التلبية وبدأ بأعمال العمرة فإذا تمت عمرته حلّ له كل شيء حرم عليه بالإحرام . [ ويمنكن للحاجات بعد التحلل أن تصوم إذا أحبت ] فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم ( التروية ) أحرم بالحج وحده من محل سكنه فيقول : [ لبيك حجاً ] ويلزم المتمتع هدي .

الثاني : القران [ وهو الجمع بين العمرة والحج ]
وهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً في أشهر الحج فإذا وصل الميقات وهو مريد لنسك القران قال : [ لبيك عمرة وحجاً ] أو يحرم بالعمرة أولاً من الميقات فيقول [ لبيك عمرة ] وقبل أن يشرع في الطواف يمكنه إدخال الحج عليها ويلبي .
فإذا وصل القارن إلى مكة طاف طواف القدوم ثم سعى سعي الحج وله أن يؤخره بعد طواف الإفاضة ولا يحلق أو يقصر بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد التحلل يوم العيد .

الثالث : الإفراد ( وهو الحج وحده )
وهو أن يحرم بالحج وحده من الميقات في أشهر الحج فإذا وصل الميقات قال :[ لبيك حجاً ] فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم ثم سعى للحج ولا يحلق أو يقصر ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرماً حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس .
فعمل المفرد كعمل القارن سواء إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه .
• والحاج مخير بين هذه الأنساك الثلاثة ولكن أفضلها هو ( المتمتع ) لمن لم يكن معه الهدي . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه وحثهم عليه وأمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويقصر ويحل.
• أما من كان قارناً أو مفرداً فالأفضل له إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يسق الهدي من بلده أن يجعلها عمرة فيقصر شعره ولا يحلقه من أجل أن يبقى للحج ما يحلق أو يقصر ، ولو أنه حلق وكانت المدة قصيرة بين العمرة والحج لم يتوفر له شعر في الحج يحلقه أو يقصره . ويكون بهذا متمتعاً كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمره في حجة الوداع .

المبحث التاسع : محظورات الإحرام وحكم فاعلها وما يجب عليه :
الحظر : هو المنع والحجر ، ومحظورات الإحرام :
ما يحرم على المحرم فعله بسبب الإحرام وتتلخص فيما يأتي : [ هي مشتركة بين الذكور والإناث ]
1) إزالة الشعر من الرأس بحلق أو غيره وألحق جمهور العلماء به شعر بقية الجسم .
2) إزالة الظفر من اليدين أو الرجلين وقد ألحقه جمهور العلماء بالشعر بجامع الترفه .
3) استعمال الطيب بعد الإحرام في البدن أو الثوب أو المأكول أو المشرب .
4) لبس القفازين وهما شراب اليدين .
5) المباشرة لشهوة .
وفدية هذه المحظورات الخمسة على التخيير كما ذكره الله تعالى في القرآن في حلق الرأس ، وقيس عليه الباقي فخير بين صيام ثلاثة أيام – أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع – أو ذبح شاة ويفرق الطعام والشاة على المساكين إما في مكة أو في مكان فعل المحظور .
6) الجماع في الفرج وإذا وقع الجماع في الحج قبل التحلل الأول تترتب عليه أربعة أمور :
أ‌) إفساد النسك الذي وقع فيه الجماع .
ب‌) وجوب المضي فيه .
ت‌) وجوب قضائه في العام القادم .
ث‌) فدية وهي بدنة ( من الإبل ) ينحرها ويفرقها على المساكين في مكة أو في مكان الجماع .
ج‌) عقد النكاح : وليس فيه فدية ولكن النكاح يفسد سواء كان المحرم الزوج أو الزوجة أو الولي أو وكيله فيه .
ح‌) قتل الصيد البري المتوحش وعليه جزاؤه ، وهو ذبح مثله ، يفرقه على فقراء الحرم أو يقومه بطعام يفرقه على فقراء الحرم ، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوم .

• وهذه المحظورات الثمانية حرام على كل محرم ذكراً كان أم أنثى ، وهناك محظورات يختص بها الذكر دون الأنثى :
1) تغطية الرأس بملاصق ، فأما غير الملاصق كالخيمة وسقف السيارة والشمسية فلا بأس به .
2) لبس المخيط وهو كل ما خيط على قدر البدن أو على جزء منه ، أو عضو من أعضائه كالقميص والسراويل والخفين ، ولا بأس بلبس الخاتم والساعة ونظارة العين وسماعة الأذن ونحوها .

وتختص الأنثى بالمحظور التالي :
1) وهو تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع وهو غطاء للوجه منقوب للعينين ولكن يباح لها سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك عند مرور الرجال والأجانب وتغطية يديها بثوبها أو عباءتها .
• وفدية هذه المحظورات الخاصة على التخيير كفدية الخمسة السابقة .
• لفاعل المحظورات السابقة ثلاث حالات :
الأولى : أن يفعله بلا حاجة ولا عذر ، فهذا آثم وعليه فديته .

الثانية : أن يفعله لحاجة ، فليس بآثم وعليه فديته قال تعالى : [ فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ] البقرة 196 . فلو احتاج لتغطية رأسه من أجل برد أو حر يخاف منه جائز له تغطيته وعليه الفدية على التخيير كما سبق .

الثالث : أن يفعله وهو معذور بجهل أو نسيان أو إكراه أو نوم فهذا لا إثم عليه ولا فدية لقوله تعالى : [ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ] البقرة 286 . ولكن متى زال العذر فعلم بالمحظور أو ذكره أو زال إكراهه أو استيقظ من نومه وجب عليه التخلي عن المحظور فوراً .

المبحث العاشر : ما يباح للمحرم فعله :
1) بجوز للمحرم وغير المحرم أن يقتل الفواسق المؤذية في الحل والحرم إذا اعتدت عليه أما إذا لم تعتدي عليه فلا يتعرض لها لقوله صلى الله عليه وسلم [ خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم ، الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور [ أي الحية ، الأسد ، الذئب ] .
2) إذا لم يجد المحرم إزاراً جاز له لبس السراويل ، وإذا لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين .
3) لا حرج على المحرم في لبس الخفاف التي ساقها أسفل من الكعبين لكونها من جنس النعلين .
4) لا حرج على المحرم أن يغتسل للتبرّد ، ويغسل رأسه ويحكه برفق وسهولة إذا احتاج إلى ذلك .
5) للمحرم أن يغسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ ونحوه ويجوز له إبدالها بغيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لبسه .
6) لا بأس بوضع النظارة الشمسية أو الطبية على العينين .
7) لا بأس بربط الساعة على المعصم أو لبسها في اليد .
8) لا بأس بالحجامة إذا احتاج إليها المحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم .
9) لا حرج بعقد الإزار وربطه بخيط ونحوه .
10) لا بأس بالاستظلال بالمظلة أو الشمسية أو بسقف السيارة وبالخيمة و الشجرة ونحو ذلك مما لا يكون ملاصقاً للرأس .
11) لا حرج في أن يخيط المحرم الشقوق في إزاره أو ردائه أو يرقع ذلك إنما الممنوع هو ما فُصّل على هيئة العضو أو البدن ولا بأس في شد ما يحفظ المال على الوسط ولا حرج في استخدامه لربط الإزار .

المبحث الحادي عشر : صفة التمتع من ابتداء الإحرام إلى انتهاء الحج :

• العمرة :
أولاً : إذا أراد أن يحرم بالعمرة اغتسل كما يغتسل للجنابة ويتطيب الرجل بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته ، ويلبس إزاراً ورداء أبيضين ، و المرأة تلبس ما شاءت من الثياب بشرط ألا تتبرج بزينة ولا تلبس النقاب ولا القفازين .

ثانياً : ثم يصلي الفريضة إن كان وقت فريضة ليحرم بعدها فإن لم يكن وقت فريضة صلى ركعتين بنية سنة الوضوء لا بنية سنة الإحرام ، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن للإحرام سنة .

ثالثاً : ثم إذا فرغ من الصلاة نوى الدخول في العمرة فيقول :
[ لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ] ، [ لبيك اللهم عمرة ] .
يرفع الرجل صوته بذلك وتخفيه المرأة ويسن الإكثار من التلبية حتى يبدأ بالطواف ، فإذا بدأ بالطواف قطعها ، ( يسن أن يصلي ركعتين لدخول مكة ) .

رابعاً : فإذا وصل إلى مكة بدأ بالطواف من حين قدومه ، فيقصد الحجر الأسود فيستلمه أي يمسه بيده اليمنى ويقبله إن تيسر بدون مزاحمة وإلا أشار إليه ويقول : [ بسم الله ، الله أكبر ، اللهم إيماناً بك وتصديقاً لكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ] . ثم ينحرف ويجعل البيت عن يساره فإذا مر بالركن اليماني وهو آخر ركن يمر به قبل الحجر استلمه بيده اليمنى إن تيسر - بدون تقبيل - فإن لم يتيسر استلامه فلا يشير إليه ، ويطوف سبعة أشواط يرمل الرجل - ( الرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى ويكون في طواف القدوم فقط وهو خاص بالرجال ) - في الأشواط الثلاثة الأولى ويضطبع - ( الإضطباع : أن يجعل وسط الرداء تحب إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر وهو كالرمل خاص بالرجال وفي طواف القدوم خاصة دون سائر الطواف ) – في جميع أشواط الطواف ويذكر الله ويسبحه في طوافه ويدعو بما أحب في خشوع وحضور قلب وكلما أتى الحجر الأسود كبر ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود [ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ] . وأما التقيّد بدعاء معين لكل شوط فليس له أصل في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو بدعة محدثة .
• وينبغي أن يتنبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام فتجده يدخل من باب الحجر ويخرج من الباب الثاني ولا يطوف بالحجر مع الكعبة وهذا خطأ لأن الحجر أكثره من الكعبة ، فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني لم يكن قد طاف بالبيت فلا يصح طوافه .

خامساً : فإذا انتهى من الطواف صلى ركعتين وزار مقام إبراهيم ولو بعُد عنه يقرأ في الركعة الأولى [ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ] و [ قل يا أيها الكافرون ] وفي الركعة الثانية [ قل هو الله أحد ] ويسن تخفيف هاتين الركعتين كما جاءت به السنة من أجل أن يدع المكان لمن هو أحق به منه .

سادساً : ثم يطوف بالصفا والمروة – أي بينهما – سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة . والسنة إذا أقبل على الصفا أن يقرأ قوله تعالى [ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم ] البقرة 158 . ليستحضر ذلك أنه إنما يسعى من أجل تعظيم شعائر الله عز وجل ، ويصعد على الصفا ويقف مستقبل القبلة رافعاً يديه ويكبر الله ويحمد ويقول : [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ] .
ثم يدعو بعد ذلك ثم يعيد الذكر السابق ثم يدعو ثم يعيد الذكر مرة ثالثة ثم ينزل متجهاً إلى المروة والسنة للرجل أن يسعى بين العلمين الأخضرين سعياً شديداً إن تيسر له إن لم يتأذ أو يؤذ أحداً ثم يمشي بعد العلم الثاني فيمشي مشياً عادياً وإذا وصل إلى المروة صعد عليها واستقبل القبلة ويرفع يديه وقال مثل ما قال على الصفا ، ويعتبر هذا شوط .

سابعاً : فإذا أتم السعي قصّر من شعر رأسه يعمه بالتقصير ، وتقصر المرأة منه قدر أنملة وبذلك تمت العمرة وحل إحرامه ، فيتمتع بكل ما أحل الله له قبل الإحرام من اللباس والطيب و النكاح وغير ذلك .

• الحج :
أولاً : أعمال اليوم الأول وهو يوم الثامن من ذي الحجة :
• الإحرام بالحج : إذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية أحرم من يريد الحج بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه ، ولا يسن أن يذهب إلى المسجد فيحرم منه لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين فيما يُعلم .
ويفعل عند إحرامه بالحج كما يفعل عند إحرامه بالعمرة فيغتسل ويتطيب ويصلي سنة الوضوء ويهل بالحج بعدها قائلاً : [ لبيك حجاً ] ويشترط إن كان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام نسكه وإلا فلا يشترط .
• الخروج إلى منى : ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم التاسع قصراً من غير جمع كل صلاة في وقتها مع قصر الظهر والعصر والعشاء إلى ركعتين ويقصر أهل مكة وغيرهم إن كانوا حجاجاً .

ثانياً : أعمال اليوم التاسع من ذي الحجة ( يوم عرفة ) :
• الوقوف بعرفة : فإذا طلعت الشمس عن اليوم التاسع سار من منى إلى عرفة فنزل بنمرة إلى الزوال ( الزوال هو وقت زوال الشمس عن كبد السماء وهو وقت صلاة الظهر ) إن تيسر له وإلا فلا حرج عليه ، لأن النزول بنمرة سنة وليس بواجب ، فإذا زالت الشمس صلى الله الظهر والعصر ركعتين - ركعتين يجمع بينهما جمع تقديم أي يجمعهما في وقت الظهر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو القائل [ خذوا عني مناسككم ] ، والقصر والجمع في عرفة لأهل مكة وغيرهم وإنما كان الجمع جمع تقديم حتى يتفرغ الناس للدعاء والذكر وقراءة القرآن ويحرص على الأذكار والأدعية وأنفعها وخير الدعاء هو دعاء يوم عرفة كما قال عليه الصلاة والسلام [ خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ] رواه الترمذي ومالك وحسنه الألباني في صحيح الترمذي3/184 . وينبغي أن يستقبل القبلة بدعائه ويرفع يديه ويظهر الافتقار إلى الله عز وجل ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة ولا يعتدي في دعائه .

ويجب على الواقف بعرفة أن يتأكد من حدودها وقد نصبت عليها علامات يجدها من يتطلبها ، فإن كثيراً من الحجاج يتهاونون جداً فيقفون خارج حدود عرفة جهلاً منهم وتقليداً لغيرهم فهؤلاء لا ينعقد حجهم لأن الحج عرفة ويجب التنبه إلى أن بطن الوادي ويسمى بطن عُرنة كما قال عليه الصلاة والسلام هي بطن الوادي من عرفة فلا يصح فيها الوقوف ( أي المكث ) .

ومن وقف بعرفة نهاراً وجب عليه البقاء إلى غروب الشمس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف إلى الغروب ولأن الدفع قبل الغروب من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بمخالفتها ، ويمتد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع يوم العيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ] رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبو داود 1/368 .

فإن طلع فجر العيد قبل أن يقف بعرفة فقد فاته الحج فإن كان قد اشترط في ابتداء إحرامه تحلل من إحرامه ولا شيء عليه ، و إن لم يكن اشترط فإنه يتحلل بعمرة فيذهب إلى الكعبة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق ، و إن كان معه هدي ذبحه فإن لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله فإذا كان العام القادم قضى الحج الذي فاته وأهدى هدياً إن كانت حجته حجة الفريضة .

• المبيت بمزدلفة : ثم بعد الغروب يدفع الواقف بعرفة إلى مزدلفة بسكينة فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً ويقصر العشاء ركعتين والسنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء بمزدلفة اقتداءاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن يخشى خروج وقت العشاء بمنتصف الليلة فإنه يجب عليه أن يصلي قبل خروج الوقت في أي مكان كان ويبيت بمزدلفة ولا يحي الليل بصلاة ولا غيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك .

ويجوز للضعفة من الرجال والنساء أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل أما من ليس ضعيفاً ولا تابعاً لضعيف فإنه يبقى بمزدلفة حتى يصلي الفجر فإذا صلى الفجر أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وهلله ودعا يما أحب حتى يسفر جداً وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه لقوله صلى الله عليه وسلم [ وقفت ههنا وجمع ( يعني مزدلفة ) كلها موقف ] رواه مسلم 2/893 .

ثالثاً : أعمال اليوم العاشر من ذي الحجة ( يوم العيد ) :
• السير إلى منى والنزول بها :
ينصرف الحجاج المقيمون بمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الانتهاء من الدعاء والذكر فإذا وصل الحجاج إلى منى :
أولاً : رمي جمرة العقبة : وهي الجمرة الكبرى التي تلي مكة في منتهى منى فيلقُط سبع حصيات مثل حصى
الخزف [ أكبر من الحمص قليلاً ] من أي مكان ثم يرمي بهن الجمرة واحدة تلو الأخرى ويكبر مع كل حصاة فيقول ( الله أكبر ) ويرمي خاشعاً خاضعاً مكبراً الله عز وجل .
ثانياً : ثم بعد الجمرة يذبح الهدي إن كان معه هدي أو يشتريه فيذبحه .
ثالثاً : ثم بعد ذبح الهدي يحلق رأسه إن كان رجلاً أو يقصّره والحلق أفضل ويجب أن يكون الحلق أو التقصير شاملاً لجميع شعر الرأس أما المرأة فتقصّر من شعر رأسها بقدر أنملة فقط . وإذا فعل ما سبق حل له جميع المحظورات إلا النساء فيحل له الطيب واللباس وقص الشعر والأظافر وغيرها من المحظورات ما عدا النساء حتى يطوف بالبيت .
رابعاً : الطواف بالبيت وهو طواف الزيارة والإفاضة والشرب من ماء زمزم وإذا كان متمتعاً أتى السعي بعد الطواف ، لأن سعيه الأول كان للعمرة فلزمه الإتيان بسعي الحج .
*وإن كان مفرداً أو قارناً فإن كان قد سعى بعد طواف القدوم لم يعد السعي مرة أخرى ، وإن كان لم يسع وجب عليه السعي لأنه لا يتم الحج إلا به .
• وإذا طاف طواف الإفاضة وسعى للحج بعده أو قبله إن كان مفرداً أو قارناً حل التحلل الثاني وحلت له جميع محظورات الإحرام بما فيها النساء .

• والأفضل ترتيب الأعمال كما يلي :
1) رمي جمرة العقبة .
2) ذبح الهدي .
3) الحلق أو التقصير .
4) الطواف ثم السعي ، إن كان متمتعاً أو كان مفرداً أو قارناً ولم يسع مع طواف القدوم .

• فإن قدم بعضها على بعض فلا بأس ولا حرج في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال : [ افعل ولا حرج ] رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو 2/948 – 950 والبخاري مع الفتح 3/569 .
• وإن لم يتيسر له الطواف يوم العيد جاز له تأخيره والأولى ألا يتجاوز به أيام التشريق إلا من عذر كمرض وحيض ونفاس

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 179 مشاهدة
نشرت فى 20 نوفمبر 2008 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,741,915