بقلم عمرو خالد ٤/٩/٢٠٠٨
عندك اختياران يلازمانك دائما. أن تكون صائما لكل الوقت أو تكون صائما لبعض الوقت..(بارت تايم) كما نسميه في أعمالنا.
في حالة كونك صائما لكل الوقت عليك أن تفهم جيدا أن رمضان ليس شهر الكسالي ولا المتواكلين بل شهر العمل والسعي والبناء والانتاج، وفي حالة اخترت أن تكون صائما بارت تايم، فعليك أن تعلم جيدا أنك قد تضحك علي مديرك أو زملائك بعض الوقت، ولكنك لن تضحك عليهم كل الوقت،
كما أنك لن تضحك علي المولي عز وجل أبدا! إننا يجب أن ندرك حقيقة هذا الشهر.. ماذا تفسر أن أعظم إنجازات هذه الأمة كانت في شهر رمضان (غزوة بدر - فتح مكة - معركة حطين - معركة القادسية - حرب أكتوبر: العاشر من رمضان) هل يعقل أن الشهر الذي نزل فيه القرآن وبدأ فيه الخير للبشرية يكون شهر الكسل والخمول.
المشكلة التي تواجهني منذ فترة في زياراتي المتكررة لعدة بلاد عربية أن نموذج الصائم البارت تايم أصبح منتشراً بكثرة، فالبعض يفهم التدين والالتزام علي أنه الانقطاع علي العبادة دون النظر إلي تعطيل العمل أو مصالح الناس وللأسف الشديد يكثر ذلك في رمضان، وكأن الصيام هو الكسل، رغم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم استعاذ من الكسل في دعائه الشهير «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل».. يقول الصحابة: كان النبي يكثر من هذا الدعاء.
لكن هل تعلم ياصانع وياموظف وياصاحب الشركة متي قال النبي هذا الحديث؟ كان النبي داخلاً المسجد فرأي سيدنا أبو أمامة يجلس في المسجد في غير وقت الصلاة فلم يرض النبي عن فعله. إننا لو تجولنا في شوارعنا الساعة ١٢ ظهرا سنجد الشوارع مزدحمة بالموظفين الذين يتهربون من أماكن عملهم في أوقات الدوام الرسمي، ولكن لو ذهبت إلي أوروبا وتجولت في الشوارع في نفس الوقت ستجد الشوارع خالية، فلو سألت ستعرف أن الموظفين في أماكن عملهم.
نعود إلي حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي لم يرض عندما رأي أبو أمامة في المسجد فقال: مايجلسك ياأبو أمامة؟. فقال يارسول الله: ديون وهموم..
فكان أن علمه النبي هذا الدعاء الذي ذكرناه، وكان القصد من تعليمه هذا الدعاء أن يتعوذ من الكسل ليدرب نفسه وعقله الباطن أن الكسل مرفوض رغم أنه موجود في أطهر الأماكن في بيت الله.. هل تعلم أن كلمة اعملوا أو مشتقات كلمة العمل جاءت في القرآن أكثر من ١٩٨ مرة
المشكلة الآن أن هناك بعضاً ممن يريدون أن يقننوا (الكسل)، فيتذكرون أنهم صائمون في أوقات احتياج الناس لأعمالهم، وينسون ذلك في باقي الأوقات، والمشكلة الأكبر أنهم لايدركون أن الإيمان مقرون بالعمل (الذين امنوا وعملوا الصالحات) والعمل مقترن بالإتقان والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، كما أن من إتقان العمل معاونة الناس علي قضاء حوائجهم.. يقول النبي «كان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه»،
ولهذا مازلت مندهشا من وجود مثل هذه الفئة من الصائمين. أما أكثر ما يستفزك بالفعل حين تحدث بعضهم عن هذه المعاني فتجد مكابرة بعضهم واستخدامهم لعبارات محفوظة مثل(ياعم أنا صائم) أو (اصبر شوية الصبر جميل)،أو قد تتفاجأ أنه يستخدم نفس عنوان مقالي هذا، فيقول لك غاضبا «اللهم إني صائم» وكلها عبارات حق يراد بها باطل،
وأتحدي البعض أن يقولها يوم مباراة الأهلي والزمالك القادمة أو في حالة استعجاله في موعد شخصي يهمه. الصائمون البارت تايم للأسف الشديد لا يقرأون جيدا، فلو قرأوا لعرفوا أن النبي صلي الله عليه وسلم يشجع علي التجارة: «التاجر الصدوق الأمين مع الأنبياء والشهداء والصديقين».
وفي الزراعة يقول النبي: «من زرع زرعا أو غرس غرسا أكل منه بهيمة أو طير أو إنسان غفر له بكل ثمرة تؤكل من هذا الزرع» (حديث رواه البخاري)، وفي الصناعة يقول النبي صلي الله عليه وسلم: «من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له».. (أي من يبيت ويشكو ألما في يديه بات مغفورا له).
الصائمون البارت تايم لم يعرفوا للأسف الشديد أن النبي عندما قابل رجلاً يده خشنة من كثرة العمل راح يقلبها ويقول: تلك يد يحبها الله. هم حتما لايعرفون أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت له أرض يزرعها، وكان يتناوب عليها مع رجل من الأنصار، فكان عمر يزرع يوما والأنصاري يوما.
فاليوم الذي يزرع عمر أرضه، كان الأنصاري يذهب ويستمع إلي أحاديث النبي(انظر إلي التوازن بين العبادة والعمل) وهكذا بالتناوب، ثم كل واحد يخبر الآخر بما سمع من النبي، وأيضا بما يتعلق بالأرض التي يزرعونها.
حتي بعد أن أصبح أميرا للمؤمنين كان لعمر بن الخطاب طريقة عجيبة مع المتدينين الذين لم يحسنوا فهم دينهم. كان يذهب إلي المسجد في غير أوقات الصلاة، فإذا وجد من يجلس هناك قال: ما أجلسكم، قالوا جلسنا ندعو الله أن يرزقنا، فما كان من عمر إلا أن يتناول عصاه ويضربهم قائلاً: «لايقعدن أحدكم في طلب الرزق يقول اللهم ارزقني وهو قاعد هاهنا.
إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة». الصائمون البارت تايم يحتاجون إما لدعائنا لهم بالهداية.. أو لعصا عمر.
ساحة النقاش