بدأت العشر الأواخر من رمضان، وفيها الليلة المباركة العظيمة التي نزل فيها القرآن، والتي جعل الله ثوابها أكثر من ألف شهر من العبادة فيما سواه «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيلَةُ الْقَدْرِ لَيلَةُ الْقَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِي حَتَّي مَطْلَعِ الْفَجْرِ».
وهذه السورة تحدد خمس خصائص لليلة القدر:
١- أنها ليلة نزول القرآن.
٢- أن ثواب العبادة فيها أكثر من ألف شهر فيما سواه.
٣- أنها ليلة تتنزل فيها الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام، إلي الأرض ليدعوا ويستغفروا للعابدين لله في هذه الليلة.
٤- أنها ليلة سلام، أي ليلة يسالم الله فيها عباده ويرحمهم ويعفو عنهم ويستجيب لدعائهم.
٥- أنها ليلة ممتدة من المغرب وحتي طلوع فجر اليوم التالي، وليست مجرد دقائق معدودة.
والنبي يخبرنا أنها إحدي الليالي العشر القادمة فيقول «التمسوها في الوتر (أي الليالي الفردية) من العشر الأواخر» وقد بدأت من اليوم، فالحمد لله الذي أحيانا حتي ندرك هذه الليالي المباركة.
(٢)
الله يصطفي ويختار ما يشاء، فالله اصطفي من البشرية الأنبياء، واصطفي من الأنبياء الخمسة أولي العزم من الرسل (نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد عليهم السلام)، اصطفي موسي وقال له «وأنا اخترتك»، وقال له أيضاً «قَالَ يا مُوسَي إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَي النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي»،
واصطفي محمد صلي الله عليه وسلم حتي جعله سيد ولد آدم، واصطفي له أصحابه، واصطفي أمته وقال لنا «هُوَ اجْتَبَاكُمْ » واصطفي من النساء مريم «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»، واصطفي من الملائكة جبريل، واصطفي من الأماكن مكة،
واصطفي من الشهور رمضان، واصطفي من الليالي ليلة القدر، واصطفي ليلة القدر من يبلغها من أهل الأرض ومن أهل السماء. إن فكرة الاصطفاء واختيار الله لأحد من خلقه ليبلغ هذه الليلة العظيمة «التي نزل فيها القرآن والتي هي خير من ألف شهر»، شيء يجعلك تشعر بقرب شديد من الله، وفرحة شديدة بحلاوة الاصطفاء والله لا يصطفي أحد إلا لخصلة خير فيه.
لكن احذر أن تخسر هذا الاصطفاء أو تضيع منك الليلة، فإنه لا يحول بينك وبين هذه الليلة إلا ثلاثة أشياء:
١- الغفلة: أي لا تهتم أصلاً أن تكون عباداً لله في هذه الليلة.
٢- المعصية: أي تعصي الله بالنهار فيحرمك الله منها بالليل بنوم أو مرض.
٣- الشحناء والبغضاء، فهي ليلة سلام وليلة عفو من الله، لا يدركها إلا من سالم خلق الله وعفا عن الناس ليعفو الله عنه.
(٣)
أما لماذا سميت بليلة القدر؟ فكلمة القدر لها معنيان: - القدر من الرفعة والقيمة، يقال فلان له قدر، أي شرف وعلو، وقدرها هو نزول القرآن رحمة ونور وهداية للأرض، أما المعني الثاني لليلة القدر أنها ليلة تقدير الأحوال والأرزاق للعباد «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا، يفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (الدخان ٣). _________________
ساحة النقاش