عمرو خالد يكتب: إما أن تبني أسرة أو تبني سجناً (١)
تحكي القصة الأسطورية أنه حدث زلزال لجزيرة من الجزر في المحيط الهادي، وتشققت الأرض، وانقسمت الجزيرة الواحدة لعدة جزر، حتي انقسمت البيوت نفسها، بل انقسم السرير الواحد وعليه الزوجان فبات كل منهما في جزيرة وحيداً، أب وابنه كانت أيديهما متشبثة ببعضها البعض، فانقسمت الأرض من تحتهما وتباعدت الجزيرتان حتي أفلتت الأيدي.
في البداية، بكي الجميع وأخذوا ينظرون ويلوحون لبعض، لكن فيما بعد، توقف البكاء واعتاد الجميع الوضع الجديد، فأدار كبير العائلة في جزيرته ظهره للجميع وانشغل بزرع أرضه ولم يعد ينظر إلي العائلة، وصار الأجداد في جزيرة وحدهم، الأولاد في جزيرتهم فرحون بالحرية بعيدا عن العائلة، والأب والأم في جزيرة، وصار بعض الآباء والأمهات كلا في جزيرة وحده.
لكن بعد مدة قالت أم لزوجها: ألا نعبر إلي أولادنا في الجزيرة الأخري؟ فقال: بل هم من عليهم العبور إلينا فنحن الكبار، وقال أخ لأخيه: أنا لست سعيداً هنا، فأنا أمتلك الحرية لكني لا أمتلك الأمان، ألا نعبر لأبينا وأمنا؟ فأجابه: دعنا نبق هنا، فالحرية أحلي.
هي قصة أسطورية، ولكنها واقعية وحدثت في بيوتنا وفي أسرنا. صارت كل غرفة، كلٍّ منا جزيرة منعزلة، لم يمت أحد ولكنهم بانعزالهم صاروا كالأموات.
ونحن هنا لا نتكلم عن الطلاق، أو الخلافات الزوجية، أو العنف الأسري أبداً، بل نتكلم عن التفكك والتباعد، وانعدام اللغة، والاهتمامات المشتركة، وبرود العلاقات وتجمدها، فصار البيت كالفندق: هذا يسلم المفتاح لذاك وهذه تنظف الغرف لهذا وذاك، حتي صارت بيوتنا كالقوقعة تظن أن بداخلها كنزاً، لكنك تفاجأ حين تفتح القوقعة بأنها خالية، حتي صارت طريقة التعامل بين أفراد الأسرة - لأنهم لا يلتقون إلا نادراً - تتم عن طريقة الأوراق التي تلصق علي باب الثلاجة، والبعض يتكلمون بالإيميل لدرجة أن أحدهم أرسل لخطيبته (إيميل) أبلغها فيه بأنه فسخ الخطوبة!
(٢)
سأحكي لكم قصة الأفيال، وهي قصة حقيقية، لكننا يمكننا اختصارها في جملة واحدة: «إما أن تبني أسرة، أو تبني سجناً»، فإما أن تبنوا أسراً قوية، أو تزيدوا عدد السجون لأن عدم وجود هذه الأسر يعني أن عدد المجرمين سيزيد. هي قصة فيلم أنتجته قناة «ناشيونال جيوجرافيك»، يحكي الفيلم قصة مجموعة من الأفيال كانت تعيش في غابة ملاصقة لبعض القري الهندية التي يقطنها فلاحون يعملون بزراعة الأرض،
والأفيال هي أكثر الحيوانات - بعد الإنسان - التي تعيش كأسر، ولديها توارث عائلي من خلال تعليم الكبير للصغير، اعتادت هذه الأفيال أن تأخذ صغارها كل ليلة وتدخل إلي القري المجاورة وتأكل المحاصيل التي زرعها الفلاحون، الأمر الذي أغضب هؤلاء الفلاحين فوضعوا حواجز شائكة، إلا أن الأفيال كانت تدوسها بأرجلها وتدخل وتأكل المحاصيل، فلجأ الفلاحون لإطلاق قنابل صوت عليها لتخويف الأفيال، لكن دون جدوي.
وأخيراً، اتخذوا قراراً في غاية الخطورة وهو قتل الأفيال الكبيرة (الآباء والأمهات) لأنها هي التي تقود القطيع، وبالفعل تم قتل الأفيال الآباء، وظنوا أنهم بذلك حلوا المشكلة، لكن المفاجأة أنه خرج جيل من الأفيال لم يجد من يربيه حين غابت الأسرة فتوحشت الأفيال الصغيرة،
وبدأت هذه الأفيال الصغيرة تكبر، وأخذت تهاجم الإنسان، فقتلت عدداً من البشر وهدمت البيوت وخربت القري، فاضطرت الحكومة الهندية لحل هذه المشكلة بطريقة طريفة للغاية، فقد قررت أن تستورد أفيالاً كبيرة من أفريقيا لتعيد تربية الأفيال الصغيرة،
وبالفعل نقلت الشاحنات الأفيال الكبيرة وعادت روح الأسرة تجمع الأفيال كبيرها وصغيرها، وبعد ستة أشهر عاد السلام للقري، وعادت الأفيال تكتفي بأكل المحاصيل، وكُتب في نهاية الفيلم: (إما أن تبني أسرة، أو تبني سجناً)،. فهل نستورد آباء أم ماذا نفعل؟ _________________
ساحة النقاش