<!-- / icon and title --><!-- message -->

         عظمة ومكانة سيدنا لقمان في القرآن:

فاليوم نتحدث عن الأبناء والآباء، ونبدأ من أول قصة لُقمان، فهناك سورة قرآنية سُميت باسمه، وهذا يدل على الشرف والمكانة والتكريم، فهذا الكتاب مُعجزةُ من الله تعالى، فالبحر، والسماء ، والنجوم ، والقرآن ، وكل حرف في القرآن أيضاً معجزة. فتخيل عندما يذكر الله اسم شخص فى القرآن وليس فقظ اسمه، بل يجعل له سورة باسمه، ويذكره أيضاً بِأنه حكيم. فما هذه المكانة!! فنحن دائما نقول بأن لقمان حكيم، وهذا ما ذُكر في القرآن عندما قال الله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...." (لقمان12). فالقرآن يشهد له أن ربنا أعطى له الحكمة . فهذا الرجل حكيم، وهذا أول شيء سأقف عنده. فالحكمة شيء غالي جداً، ولكنه مفتقد جداً. يقول الله تعالى: " يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ...." (البقرة269). فما هي الحكمة؟ هي كلمات حق، وخيرٍ، وصلاحٍ، وهدايةٍ، تُنير وتحيي حياة بني آدم، وتُقال فى الوقت المناسب، وفى المكان المناسب للشخص المناسب. فمن الذي لديه الحكمة؟ إنني لن أتحدث الآن عن الآباء والأبناء، ولكن أتحدث عن لقمان الحكيم. جاءت الحكمة فى القرآن عشرين مرة، وهذا يدل على عظمتها ومكانتها، وبدأت السورة بوصف الله تعالى للقمان بأنه حكيم، وكأن حكمته نور وقَبس من حكمة وعظمة القرآن. فهل تقرأ القرآن كثيراً أَم لا؟ هل أخذت من حكمة ونور القرآن شيء؟ هل تتعامل مع الناس في الوقت الصحيح والمكان المناسب؟ أنا لن أقول أن كل الناس تستطيع أن تأخذ الحكمة، بل قليل منهم؛ لأنها تحتاج إلى بذل مجهود وأشياء أخرى سأقولها بعد قليل.
فالحكمة غالية، ولقمان حكيم، والحكمة هى كلمات نور، وخير، وإصلاح، وهداية، تُقال في الوقت المناسب، في المكان المناسب، للشخص المناسب، تُحيي به بني آدم. ومن الممكن أنك أحياناُ لا تعلم كلمة الخير التي تخرج منك، ولا تعلم أيضاً لمن ومتى تقولها؟ ؛ لأنك مُفتقد الحكمة ، فالحكمة شيءُ كبير، ولكن للأسف كثيرُ من الناس يفتقدها، وهناك آخرون يتحركون ويأخذون بأيدي غيرهم وهم يفتقدون إليها أيضًا.

كيف أخذ لقمان هذه الحكمة؟
لكي تكون حكيماً، ويعطيك الله الحكمة فيجب أن يكون لديك أربع أشياء:
1. التفكر في خلق الله، فالتفكر أيها شباب ليس عبادة فقط، بأن تنظر في خلق الله فتحبه، فهي الأصل، ولكن لها علاقة بشيءٍ آخر، فإنها توسع أقكار العقل وتجعله مُتفتحاً فيامن تعيشون في الغرب، وتتمتعون بالأماكن والمناظر الطبيعية الرائعة، إذا لم تستفيدوا من هذه الأماكن لكي تروا عظمة الله، وتنطلق العقول مع رؤية هذا الكون الهائل عندما تتفكر فيها، فلن تفتتح عقولكم؟
2. العلم والقراءة، فعندما تقرأ كتاباً، فإنك تأخذ حكمةَ وعقلَ شخصٍ آخر وتضعها فى عقلك، فمثلاً إن قرأت خمسين كتاباً، فأنت بذلك قد أخذت عقل وحكمة خمسين شخصاً بداخل عقلك، فكُلما تقرأ كتاباً كُلما تحفر بئر بترول في عقلك، مثال آخر: شخص ألَف كتاباً بعد عشرين عاماً، فهذا الكتاب فِكرُ عشرين عاماً، لماذا أعطاه لنا؟ إما أنه يريد أن يحصل على المال؟ أو لعله يريد أن يوصل فكرتُه للناس ، وهذا من حقه، وبعد أن تقرأ أنت هذا الكتاب وتقوم بإدخاله في عقلك فأنت بذلك أصبحت حكيماً، فيا أيها الشباب، لا توجد حكمةُ بدون قراءة على الإطلاق.
3. الاحتكاك، فكان لقمان عبد، ثم أصبح أجير، ثم مُدبر، ثم قاضٍ، ثم قاضي قضاة، وكان يسافر في الأرض ويختلط بالناس، فيا أيها الآباء والأبناء، اجعلوا أولادكم يعملوا في الصيف حتى ولو كنتم أغنياء، يجب على الابن أن يتعب ويشقى في الدنيا، ويا أيها شباب لا تجلس فى الصيف دون عملٍ واضعا يديك على خديك، يجب أن تتحرك وتتعب وتعمل وتتعلم وتسافر وتختلط بالناس، أعلمت كيف تأتي الحكمة؟ "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ..." (البقرة269). فيا سعادته وفرحته الذي أوتي الحكمة "...فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ....". فالذي يمتلك هذه الحكمة، لديه شيء كبير جداً.
4. تنزل بين الناس ويكون عندك نيةُ الإصلاحِ، فلن تخرج الحكمة إلا إذا بذلت الجهد في الإصلاح، فإذا احتككت وتعايشت مع الناس فستفهم احتياجاتهم، وتقول الكلام المناسب، في الوقت المناسب، للشخص المناسب. فكثيراً من الناس لديهم الكثير من العلم، ولكنهم لم يعرفوا احتياجات الناس فيقول الشخص كلاماً لم يكن مناسباً لاحتياجات الناس فيؤدي إلى شيئين: إما أن يسمعوه وتطرب له آذهانهم، أو لا يفهمون منه شيئاً ولكن لقمانَ تعايش بين الناس واحتك بهم ففهم احتياجاتهم، فأصبح لقمانَ الحكيم الذي يستحق أن يُذكرَ في القرآن العظيم "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ...."لقمان12. وبعد ذلك قيل له "... أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ... ". فهذه الحكمة لم يأخذها الكثير من الناس، يا لقمان كثيرُ من الناس حفظوا نصوصاً، ودرسوا جيلاً، لكنهم ليس لديهم هذه الحكمة، فهذه نعمة من عند الله، ويجب أن تشكر الله عليها.

حكمة وحياة سيدنا لُقمان:
كان لقمان في بداية حياته عبد فقير، وبسيط، حبشي من النوبة، والآن سنعرف كيف أن تربية الأبناء ليس لها علاقة بالغنى أو الفقر. يا أيها الناس البسطاء المستورون، لا تظنوا أن التربية السليمة مرتبطة بالغنى، فالتربية السليمة هى الأخلاق ، والقيم التي ليس لها علاقة بالفقر أو الغنى، فلقد بدأ لقمان حياته عبداً حبشياً بسيطاً يعمل نجاراً، ولكن حكمته هي التي حررته من العبودية. كيف ذلك؟! لقمان عبد، يعمل عند سيده ، فقال له سيده: "يا لقمان، اذبح عجلاً أو خروفاً، وخذ أطيب ما فيه". فذهب لقمان وأخذ القلب واللسان. فقال له سيده:" اذهب، وخذ أخبث ما فيه". فأخذ له لقمان القلب واللسان. فقال سيده:"ما هذا؟" فقال لقمان:" ياسيدي، وما أطيب ما في الكون إن طاب، وما أ خبث ما في الكون، إن خَبُث!". فقال له:" اذهب، فأنت حُر". وللأسف الشديد أن معظم الناس يسعون لتجميل وجوههم وأشكالهم الخارجية، ولكن من الذي يسعى لتجميل ما بداخله؟ فكل البنات يقفن أمام المرآة ويصبغن شعورهن ويهتممن بشكلهن، ولكن من منهن تسأل نفسها هل هي جميلة بداخلها أم لا؟ فمن الذي يسأل عن الدُرِ؟! هناك جبل يُطلق عليه- جبل الجليد- مساحة هذا الجبل 20% فوق المياه و80% تحت المياه، فمعظم الناس ينظرون للـ20%، ولكنهم لا ينظرون للـ 80%، بالرغم من أن الجبل بدون الـ 80% ينهار ويسقط. فالذي يُشغَلُ نفسهُ من الخارج وينسى ما بداخله سينهار ويسقط، وأنا أحدث البنات خاصة، وأيضاً الأولاد الذين يذهبون إلى صالة الألعاب الرياضية ((gem وهم حريصون على أشكال عضلاتهم وأجسامهم وقوتهم، لذلك كان النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما ينظرأمام إلى المرآة يقول: "اللهم كما أحسنت خَلقي، فأحسن خُلقي". جميل جداً حكمة لقمان فأطيب ما فيها، إن طاب، وأخبث ما فيها، إن خبُث. فلسانك معرفة قلبك؛ فهو يُخرج ما في قلبك، فانظر ماذا يُخرِجُ لسانُك؟ فهل لسانُك معرفة قلبك؟. هل تريد أن تعرف نوع الشخصية التي أمامك؟ فانظر إلى ما يقوله الشخص، فاللسان هو معرفة القلب والذي يُخرجُ ما بداخل الإنسان، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:"إن في الجسد مُضغة، إذا صلُحت، صلُح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب."

بعد أن حرر لقمان، قرر أن يُهاجر من مصر إلى فلسطين، فلماذا ذهب إلى فلسطين؟ ومن الذي كان في ذلك الوقت فيها؟ إنه سيدنا داوود ، فلقمان جاء في وقت سيدنا داوود، فكان يقود أمة، وأتاهُ الله الحكمة والمُلك، يقول الله تعالى: "وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " (ص20) لذا سيدنا داوود لديه الحكمة، وأتاهُ الله المُلك الشديد، وسيأتي بعده ابنه - سيدنا سُليمان- ليبني أقوى مملكة في تاريخ بني إسرائيل ويقول: "... وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ....". فجاء لقمان في وقت داود وهاجر ووصل إلى فلسطين، واشتغل أجير عند سيدنا داوود، ومن هنا تظهر شخصيتهُ وحكمته ببذل الجُهد، فالذي لديه حكمة سيعلو ويرتفع، وبدأ سيدنا داوود يُلاحظ عليه أنه إنسان متميز، غير عادي، وكان سيدنا داوود يُعلِمُ صناعة الدروع ويصنع أمامه الدرع، فأراد لقمان أن يعرف ما هذا الذي يصنعه سيدنا داوود؛ لأنه أول مرةٍ يرى هذا الدرع، ولكنه صبر ولم يسأل عنه إلا في الوقت المناسب، وبعد أسبوع قال سيدنا داوود:" ونِعم الدرع للحرب"، ففهم لقمان ماذا كان يصنع سيدنا داوود، فالصمت من الحكمة. كيف؟! بأن تصمت في الوقت المناسب، وتتكلم في الوقت المناسب. وكان سيدنا داوود في هذا الوقت يحتاج إلى حُكماء يقومون بتربية الجيل الجديد؛ لأنه كان يبني أمة ودولة، فهل يوجد في بَلدنا حُكماء يقومون بتربية الجيل الجديد؟ هل يوجد رموز للإصلاح؟ أم أنها هاجرت و تحطمت؟! ولمصلحة من الرموز لا تكبر؟ هل لمصلحة الجيل القادم؟ أليس هذا حرام؟ لكن سيدنا داوود فعل عكس ذلك، فكان يبحث عن الحُكماء ليُربي سُليمان، وجيل سليمان الذي سيقودُ فيما بعد، فداوود ما زال عظيماً، ولكن يوجد من هو أعظم منه وهو - سيدنا سليمان- والجيل القادم، وهذا الجيل يحتاج إلى إعدادٍ كبير، وكثيرُ من الحُكماء، يقولون أن لقمان : " انتقل من عبد لأجير لمربي بني إسرائيل " وبذلك أصبح لقمان حكيم من حكماء بني إسرائيل. ومن ثم فقد انتقل إلى مُهمة كبيرة، وهي أنه سيُشارك داوود في صناعة جيل النهضة (سليمان، وابن لقمان، وجنوده). وكأن الله كرْم المعلمين، وجعل لقمان مثل يحتذى به من قِبل المربيين، فيجب على كل معلم أن يشعُر بأنه لقمان، وليس بأنه معلم؛ يأخد المال، ويعطي دروس خاصة.

كفاح وجوهرية دور لقمان كالأب:
وبدأ لقمان يُربي بني إسرائيل، فيختاره داوود لمُهمة عظيمة، بأن يكون قاضٍ لبني إسرائيل، ثم يصبح قاضي قضاة بني إسرائيل، أتتخيل هذا؟ مِن عبد إلى قاضٍ!! وأيضا كان داوود مثله، فكان في البداية راعٍ للغنم، ثم قتل جالوت، ثم".... وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " ، ثم قاد بني إسرائيل فصار أبا سليمان. ما أرغب في قوله: أيها الشباب، اجعلوا الأمل في قلوبكم واسعوا، فالعبد أصبح قاضي قضاة، والراعي للغنم أصبح نبياً حكيماً. لذا فسيدنا داوود ولقمان لم يصلوا إلا ببذل الجهد، والعمل، والإنتاج، والعبادة، والصلة بالله تعالى، فاتعب، وتعلم، واقرأ، واعمل، وسافر، وتحرك ولا تُضيِّع وقتك، والله يساعد الذين يعملون ويكدحون ومثال ذلك لقمان. فلقمان الآن أصبح قاضي قضاة بني إسرائيل، متزوج، لديه أبناء فلك أن تتخيل كم النزاعات والجدل والمشكلات لبني إسرائيل، لذا فعمله شديد الصعوبة.

فلنترك كل هذا ونتطرق للموضوع. وهو ذكر القرآن للقمان وهو يُربي ابنه، ولكن لم يذكُر حكمته مع بني إسرائيل، فلماذا؟! لأن لقمان لم ينسَ ابنه، بالرغم من المشكلات التي يواجهها وحكمته العظيمة لبني إسرائيل، وبالرغم من اهتمامه ببني إسرائيل، إلا أن ابنه كان في أول اهتمامه. ولكن أين ذكرت حكمته ؟ ذُكرت مع ابنه. لذا فسر تشريفه في القرآن اهتمامه بابنه. وهل ذكر القرآن باقي حكمته؟!! نعم ذكرها لنا في أثناء حديثه مع سَيده ، فماذا يريد الله منا؟ أول درس- كلمة للآباء- جوهرية دور الأب. يا أيها الآباء ألغوا التوكيلات الذي أوكلتموه لزوجاتكم. كان الأب منذ عشرين عاماً يُشارك الأم في تربية الأبناء، ولكن في العشر سنواتٍ الأخيرة حدث توكيل وتفويض، حيث أن الأم تُربي، والأب يعطي المال، وهم متفقون على ذلك، ودلالة على ذلك عندما ينحرف الابن أو يدمن المخدرات، فماذا يفعل الأب؟ يقول للأم:" ماذا أفعل؟ فأنا أعمل وأدخر لكم المال، فما هو دورك؟" وتبدأ الأم في الدفاع عن نفسها وكأنها أخطأت، ولكن كان يجب عليها أن تقول له: "وما هو دورك أنت أيضاً؟" بمعنى نحن الاثنين مسؤلان عن التربية، هل حقاً دور الأب الإتيان بالمال، والأم التربية؟ أم الاثنان مشتركان في التربية؟ أرأيت يوماً شخصاً يجدف في مركبة بمجداف واحد؟! بالطبع لا يستطيع أحد ذلك، فسيدور حول نفسه، لذا فيجب أن يتحركَ كلا من الأب والأم سوياً.

يا أيها آباء، إن لقمان لم يكتفي بحكمته مع بني إسرائيل، وأنه يؤدي دوراً عظيماً في بلده، ولكنه جعل ابنه أول اهتماماته، لذا فما قيمة حكمتك عندما تُصلح الكون، والفوضى عارمة في بيتك؟!! أين الحكمة في ذلك؟! يقول مصطفى الرافعي حكمة جميلة: "إن من الفوضى والضياع، بأن تنظم الكون من حولك، وتترك الفوضى في بيتك". أرأيتم سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل، هل يوجد أحدُ الآن منشغل مثل سيدنا إبراهيم؟! يقول الله تعالى: " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ...."(الصافات102). بمعنى أنه عندما كبر سيدنا إسماعيل وأصبح مع أبيه. قال له: "... قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ..." (الصافات102). أرأيتم العلاقة التي بين الأب وابنه؟ فما هو دور الآباء؟!! سأرسد لكم قصة لعلكم تعلمون مقصدي، أعرف شاباً كان في ااثانوية ، وكان حارس مرمى يلعب كرة قدم مع فريق مدرسته، وكانت هناك في ذلك مباراة نهائية بين مدرسته ومدرسةٍ أخرى، فدعوا الآباء ليُشاهدوا المباراة، فجاء جميع الآباء ليشاهدوا المباراة، ولكن كان أباه منشغلاً عنه، فترجاه ليأتي معه هذه المباراة، وبعد محاولات كثيرة من قبل العائلة، ذهب معه، وعندما نزل الشاب إلى المباراة، رأى والده يتحدث مع من بجانبه ، والشاب يريد منه أن يراه ويشاهده، فحاول أن يقوم بأي استعراض؛ لكي تصفق له الناس ويراه أباه، ولكنه ظل منشغلاً عنه، وبعد ذلك جاء رجل إلى أبيه، وهمس في أذنه؛ مما جعله يترك المباراة وينصرف، فيقول الشاب:" وعلى الرغم من ذلك أكملت المباراة ولكن وأنا أبكي ولم انسَ هذه اللحظة"، وتوفى أبيه بعد عشرين عاماً، وذهب الشاب إلى قبره، وقال لوالده في نفسه:" أنا لم أفعل لك شيء، ما الذي كان أهَمُ مني"؟!!. كنت أريد أن أعانقك". فيا آباء تعلموا من هذه القصة، واعلموا أن الله لم يذكر إلا حكمة لقمانَ مع ابنه، ولم يذكره في القرآن إلا "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ...."(لقمان13).

ذهب بعض الأمريكيون منذ حوالي عشرُ سنين إلى السجناء، وقالوا لهم: "أتودون أن ترسلوا برقية وبطاقات مُعايدة لأمهاتكم في عيد الأم؟" فأقبل جميع السجناء، وأرسلوا الكثير من البرقيات لأمهاتهم، لدرجة أنهم اشتروا كميات كبيرة من البطاقات والبرقيات، وعندما سألوا السجناء في عيد الأب نفس السؤال رفضوا أن يشتروا البرقيات. فأجرى الأمريكيون دراسة، واكتشفوا أن كثير من السجناء يشعرون أن آبائهم هم السبب؛ لأنهم لم يهتموا بهم. واعتذر؛ لأن بي وجع – فسببت لكم الآلام فيا أيها الأب إن ابنَكَ بحاجة إليك، ورعايته ستدخلك الجنة، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:" لئن يؤدب أحدكم ابناً، خيراً من أن تتصدق بطاعة".فتخيل كل يوم تُربي فيه ابنك، كأنك تتصدق. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-:" لا يغرس رجل غرساً، فيأكل منه طيراً أو إنسان، إلا كُتب له به ثواباً يوم القيامة" فكيف بثواب الذي يغرس ابنه؟ فإنك تغرس ابن يعبد الله ويطيعه، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:"من كان له ثلاث بنات، فيؤدبهُن، ويُكرمهُن، ويرحمهُن، كُنا له ستراً من النار".

رسالة للأباء والأمهات:
1. جوهرية دور الأب (هذا الذي تحدثنا عنه من قبل).
2. الأب والأم القدوة، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ " (الصف 2-3). فلقمان الحكيم لم يفعل ذلك على الإطلاق، فهل أنت قدوة وأنت تأبى أن تعظ ابنك وتنصحه، فأفضل وسيلة تعظ بها ابنك أن تصمت، وتكن قدوة في نفس الوقت، فابن لقمان يرى كيف يتعامل أبوه مع أمه، وكيف يتعامل مع الناس، ويرى أخلاق لقمان. فهل أنت مَثلُ أعلى لابنائك؟ هل أنت حريص عليهم؟ هناك مثل سوري جميل جداً يقول:" عدْ لمائة قبل أن تكذب على الناس، وعدْ لمليون قبل أن تكذب أمام ابنك، وعدْ لمليار قبل أن تكذب على الله". فهل أنت أب قدوة؟ هناك مدرس كان يسأل الطلاب يوماً ما: ماذا يريد كل طالب أن يعمل؟ وكانوا على بلد حدودية مع بلد ثانية، وكان منتشر فيها تهريب البضائع، فقال له طالبُ:"أريد أن أصبح مُهرباً". فضحك الطلاب، والطالب لم يفهم لماذا ضحكوا عليه!! فالولد بريء يريد أن يكون مثل أبيه مُهرباً. كان سيدنا علي بن أبي طالب جالس مع سيدنا عُمر بن الخطاب، وعندما رأى سيدنا عمر الغنائم آتية من فارس، لدرجة أن جزء بسيط من الجواهر التي تستطيع أن تضعها في جيبك، موجودة في مكانها بالمسجد، فقال سيدنا عمر:"إن قوماً أدوا لي هذا، لأُمناء."، فرد عليه علي بن أبي طالب قائلاً:" يا أمير المؤمنين، عَفوت فاعفوا، ولو ركعت لركعوا". فنحن نُحدث الحكماء، والمسؤلين، وأيضاً أنفسنا وللآباء، فقبل أن تلوم ابنك أو ابنتك على ذنبٍ اقترفوه، لُم نفسك فإذا عَفوت فاعفوا، ولو ركعت لركعوا.

مواعظ لقمان:
انظر إلى الآيات التي يعظُ فيها لقمان ابنه، إنها صفحة كاملة من القرآن تتحدث عن مواعظ، فإن لم يكن لقمان قدوةً وحكيماً، فلم يسمعه ابنه؟ فأين الأب والأم القدوة؟ أريد من كل أب وأم أن يتعلم من هذه الآيات كيف يُربي ابنه؟ وأريد من كل ابن أن يعرف كيف يتعامل مع أبيه وأمه؟ " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ* وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ""
ما معنى هذه الآيات؟ وما هي الأولويات التي أُربي بها ابني؟ وكيف جعل لقمان ابنه يصغي إليه؟ فيا آباء ويا أمهات، كيف نجعل أبناءنا يستمعون إلينا؟ فالأباء والأمهات بحاجة لتعلُمِ حكمةُ لقمان، والأباء يعظون وينصحون أبنائهم ولكن بلا جدوى ، فعلينا أن نفكر كيف ومتى ننصح أبناءنا، نحتاج للأب الصديق الذي يُصاحب ابنه وابنته، فيخرج معهم، مثالُ: أنا وابنتي نخرج معاً، أو أصحب ابني-البالغ 6 سنوات-وألعب معه أي رياضة، أنا وابني أصدقاء، فنحن نُعلُِم الأب المُربي، والأب الموجه، ولكن هل يوجد الأب الصديق الذي يستمتع بصحبة ابنه؟!! وهل يوجد الأب والأم اللذان يُصاحبان ابنتهما وابنهما، ويتحدثون مع بعضهم البعض، ويتبادلون الآراء سوياً؟! لذا فنحن بحاجة إلى الأب الصديق خاصة في هذا الزمن، قبل أن تُفاجيء بكارثة حدثت لهم.

يا أيها الآباء والأمهات، إياكم أن تلجأوا للموعظة { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ..{ فهناك أمر مهم جدا قبل الوعظ ألا وهو هل سيسمع الابن منك أم لا؟ هل أنت أب صديق وحريص على هذه الصداقة أم لا؟ فالأب الصديق الذي يفهم احتياجات ابنه وابنته بمجرد نظرة من أعينهم، فمثلاً عندما جاءت زوجة موسى إلى والدها وقالت له "... يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " (القصص26)، فذهب والدها إلى سيدنا موسى وقال له: "إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين". فالأب فهم احتياجات ابنته عندما قالت له أنه شاب قوى وأمين، وأيضاً الأب الصديق كالنبي- صلى الله عليه وسلم- والسيدة فاطمة، فكان يقبلها في رأسها عندما يدخل أو يخرج من المدينة، وكان لا يدخل المدينة إلا إذا قام بزيارتها، وكانت بينهم علاقة خاصة وحميمة، وقبل أن يموت قال لها سر في أذنها، فبكت، ثم قال لها سر أخر، فضحكت. فقالت لها السيدة عائشة: "ماذا يخبرك؟" فقالت لها:" ما كُنت لأفشي سر رسولِ الله". وبعد وفاة رسولِ الله، قالت لها السيدة عائشة:" ماذا كان يُخبرك رسول الله؟". فقالت فاطمة: " قال لي أول مرة، إني ميت الليلة، فبكيت، وقال لي ثاني مرة، أنتِ أول أهلي لحوقاً بي، فضحكت." فكان من الممكن أن يقول رسول الله للناس إنه ميت الليلة، ولكن توجد علاقة حميمة بينه وبين ابنته، فهل يوجد الآن هذا الأب الصديق؟! وأيضاً عندما قال سيدنا إبراهيم لابنه - سيدنا إسماعيل- "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " (الصافات102) تخيل إذا كان قد قال سيدنا إسماعيل لا أريدك أن تذبحني، هل كان يذبحه ؟ نعم سيذبحه لأنه أمر من الله تعالى، ولكن لماذا قال له "فَانظُرْ مَاذَا تَرَى.."؟! لأنه يوجد علاقة حميمة تسمح لهم بالمناقشة في كل شيء، وعندما قال سيدنا إبراهيم: "يا بني إن الله أمرني أن ابني له بيتاً" فقال له سيدنا إسماعيل :" يا أبتِ، اطع ربك." فقال له:"وتُعينُني؟" فقال:"وأعينُك". وبنوا البيت سوياً.

أولويات وصايا لقمان:
ونستكمل الآيات "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" (لقمان13) فتوجد أولويات لتربية الأبناء مثل:
1. معرفة وحُب الله، أول شيء ستغرسه في أولادك حُب الله... كيف؟ نحن جميعاً نعمل بشكلٍ نظري، ولكن علمتنا الآيات شيئين: شيء نظري، وشيء عملي، فالنظري مثل "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" والعملي بعدها بآيتين "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير" " فبينما كان لقمان يمشي مع ابنه في الطريق، رأوا حبةٍ من خردل، ليس لها أي قيمة، فألقاها بين الصخور، وقال له:"إن الله تعالي مُطلع عليها" فلقمان يُعلم ابنه اسم الله الرقيب، والسميع، والعليم، وذلك من خلال شيء عملي. لذا فأنت مُطالب بأن تغرس حُب ِالله، ومعرفة عظمته في ابنك، وذلك عندما يبلغ من العمر خمس سنوات، ثم تطبقها عملياً، يا أيها الآباء والأمهات، كيف يصلي ابنك ويتقرب من الله وهو يراك على خلاف ذلك؟!! فتخيل ابنك استيقظ من النوم؛ لكي يشرب، ورأى والده يُصلي الفجر، فإنها أقوى موعظة عن الصلاة، وأكثر من ألف درس موعظة للصلاة، أعلمت كيف تغرس معرفة وعظمة الله في ابنك؟ بالكلام النظري، وبالتطبيقات العملية.
2. بر الوالدين، إنها ثاني وصية " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ...." (لقمان14) فأول وصية وصاها لقمان لابنه أثناء حديثه عن بِر الوالدين، وصيته عن أمه، فيا حبذا عندما يراك ابنك تتحدث عن أمه بكلامٍ طيب، فيا أيها الآباء والأمهات لا تظهِروا مشاكلكم أمام أبناءكم؛ لإنك تعاقبه، تؤذيه، وتحطمه، فأكبر كارثة عندما يتشاجر الأب والأم، وكلاً منهما يتحدث مع ابنه عن الطرف الثاني. اسعد كثيراً عندما أرى أم مطلقة وهي تتحدث عن زوجها السابق أمام ابنها بطريقة جيدة، فإن تحدثت عنه بكلام سيء فإنها تعاقب، وتحطم، وتؤذي ابنها من داخله، وإنني لأحزن كثيراً عندما أرى أماً تشاجرت مع زوجها فتحرمه من رؤية ابنه، أو أباً يحرم أماً من رؤية ابنها، فعندما تحدث لقمان عن بِر الوالدين، تحدث عن الأم والأب، ثم تحدث عن الأم، وذكر كيف أنها تتعب من أجل ابنها، وكيف حملته في بطنها وهناً على وهن، فيا أيها الآباء والأمهات، قصة لقمان تهدف لتعليمكم كيفية تربية الأبناء، فحذاري الابتذاذ العاطفي، فمثلاً يقول الأب لابنه:" سأعطيك هذا، لكن افعل مع أمك هذا" أو عندما يخطئ الابن في حق أمه ولا يفعل الأب له شيئاً، أما إذا أخطأ في حقه فيعاقبه، والعكس صحيح، يُعلمنا لقمان درس مهم جداً ألا وهو أن يكبر الأب الأم في عين أولادها، وأنتِ تكبرَ الأم الأب في عين أولاده.

وسأتحدث الآن مع الأبناء في بر الوالدين، كيف حالكم مع الوالدين؟ "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..."(العنكبوت8) ، يقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :" احفظ ودْ أبيك، لا تقطعه، فيُطفىء الله نورك"، ولم يقل النبي احفظ صلة أبيك، ولكنه قال وده وقم بإرضائه، وإلا فلن تشعر بحلاوة الدنيا، ويقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ :"من أَحدْ النظر لوالديه، فأنا برىء منه يوم القيامة" فمن نظر إلى أمه وأبيه بنظرة غيظ وغل وضيق، فالله برئ منه، فإياك وجرح قلوبهم، وإياك! والكذب عليهم، أو أن تفعل شيء دون علمهم، يُحكى أنه كان في زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ شاب يسمى علقمة، كان كثير الاجتهاد في طاعة الله، وفي الصلاة، والصوم، والصدقة، فمرض واشتد مرضه، فأرسلت امرأته إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ :" إن زوجي علقمة في النزاع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله" . فأرسل النبي _صلى الله عليه وسلم_: عماراً وصهيباً وبلالاً وقال امضوا إليه ولقنوه الشهادة، فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لا ينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يخبرونه أن لسانه لا ينطق بالشهادة فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" هل من أبويه أحد حيّ ؟"، قيل:" يا رسول الله أم كبيرة السن" فأرسل إليها رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ حتى أتت، فسلَّمت فردَّ عليها السلام وقال:" يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى، كيف كان حال ولدك علقمة؟" قالت :" يارسول الله كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير الصدقة". قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" فما حالك؟" قالت:" يارسول الله أنا عليه ساخطة"، قال:"ولما ؟ "، قالت:" يا رسول الله كان يؤثر علىَّ زوجته، ويعصيني" فقال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_: "إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة، ثم قال:" يا بلال انطلق واجمع لي حطباً كثيراً"، قالت الأم: يا رسول الله وما تصنع؟ قال :"أحرقه بالنار بين يديك". قالت:"يا رسول الله إنه ولدي ولا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي". قال:" يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى، فإن سَرك أن يغفر الله له فارضى عنه، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته مادمت عليه ساخطة"، فقالت:" يا رسول الله إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة". فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "انطلق يا بلال إليه، فانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني"، فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول:" لا إله إلا الله" . أرأيتم ماذا حدث لعلقمة؟ فإنه لم ينطق بالشهادة؛ لأنه كان يأخذ لامرأته الفاكهة الطيبة، ويعطي لأمه الفاكهة السيئة، فكُسر قلب أمه، يا ترى كيف كسرت أنت قلب أمك؟ أتتذكر عندما طلبتك على الهاتف وأغلقته كي لا ترد عليها وجعلتها تبحث عنك طيلة اليوم؟ أم تتذكر عندما أغلقت الباب في وجهها؟ فإياك وكسرة القلب.

فيا أيها شباب "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..." فالتعلموا أن أكثر وصية أخذت وقت، هي وصية بر الوالدين. فكل الوصايا كلمة أو كلمتين، ولكن وصية بِرالوالدين آيتين كبيرتين، يقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_:" ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه......" بمعنى أن الله لا يكلمك ولا يزكيك إذا عققت والديك. يقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ : "لا يدخل الجنة عاق، حتى يقضى بين الخلائق" لذا فآخر من سيحاسب العاق لوالديه. ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_:"واخفض لهما جناح الذُل من الرحمة...." فهل من أحد الآن دخل عليه رمضان وهو عاق لوالديه؟!! أتعلمون لماذا قال جناح الذُل؟ فهل الذُل له جناح؟!! أتعلمون عندما تتشاجر الطيور، كيف يستسلم الطائر لوقف المعركة؟ يفرد الطائر جناحيه، وينزلهما إلى الأرض، ويخفض جسمه، وهذا معناه أنه استسلم. فالله تعالى يقول لك هل تستطيع أن تفعل مثل ما فعل هذا الطير؟ هل تستطيع أن تقبل يد أمك، وتقول لها ادعي لي؟ هل تُعاندها؟ إياك والعناد مع والديك. أعرف رجل سوري متزوج امرأة تشيكية، رأيت ابنتهم –أثناء خروجهم من المحل- ذاهبة لأبيها لتقول له:" انتظر يا أبي" فنزلت أمام جميع الناس؛ لكي تربط حذاء والدها. فصاحب أمك "...وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً .." ما معنى أن تصاحبهما؟ أتعلمون الرجل الذي جاء للنبي وقال له:" يا رسول الله، من أحق الناس بحُسن صحابتي؟"، فقال رسول الله:" أمك". فقال له:" ثم من؟" قال :" أمك" فالرجل يريد أن يعرف أحداً آخر، فقال له:"ثم من؟"، قال :" أمك" فقال:" يا رسول الله علمت أنها أمي، ولكن من بعد أمي؟"، قال:" أبوك". فهل أنت مصاحب لوالديك؟ أم صديق أصحابك والكمبيوتر والمحادثة على الانترنت ، ولا تتحدث مع والديك، وليس لك علاقة بهم؟!! فلقمان يذكر ابنه بذكريات الماضي مع أمه عندما حملته وهناً على وهن، فإذا أردت أن يُحن قلبك على أمك، تذكر أيام الماضي عندما كانت تحملك في بطنها، ونقص من جسمها الحديد والكالسيوم؛ لكي تُغذيك وهي سعيدة بذلك. وكانت لديها أحلام كثيرة جداً مثلك الآن، ولكنها تنازلت عنهم بسببك، ولذلك الآيات تُذكرك بالماضي " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"(لقمان14).

3. إقامة العبادة، تجعل ابنك يصلي" أَقِمِ الصَّلَاةَ...."
4. الإيجابية في الحياة، "... وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" فانزل وأصلْح في الأرض، واصبر على أي شيء يُصيبك، واسعى في الدنيا، واعمل في الصيف، واختلط بالناس، وكن إيجابياً.
5. الأخلاق، "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ..." فلا تتكبرعلى أحدٍ، ما معنى تُصعر؟! كان الصُعار مرض يُصيب الإبل، فتتلوي عُنقها، ولا تستطيع أن تُرجعها مرة أخرى. ولا تمشي في الارض مرحاً" وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور"ٍ فكن متواضعاً، ولا تتكبر على الفقراء.
6. اجعل لك هدف في حياتك، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.." اجعل لحركاتك قصداً وهدفاً ومُراداً.
7. الأدب والذوق، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير"ِ تحرك بروية، واخفض من صوتك، وتعلم الآداب والذوقيات.

كلمة للآباء والأمهات:
هذه وصايا لقمان لابنه، ولكن هناك كلمة أخيرة أريد أن أقولها للآباء والأمهات، أرأيتم لقمان كيف يتحدث مع ابنه؟ تحدث معه بلغة العاطفة، ففي جميع الوصايا كان يقول له: "يا بني". فأين لغة العاطفة يا آباءَ؟ ابنك وابنتك بحاجة إلى الحب والحنان خاصة البنات، فإذا كانت لا ترى هذا الحب في البيت، فأخشى أن تبحث عنه خارج البيت. فمثلاً بدلا من أن تقول لها:" ستكوني فاشلة إن فعلتِ كذا وكذا " أو " ستموتين كلما قدت السيارة بهذه السرعة ". فبذلك ستفشل حقاً، ولكنك استخدمت لغة العقل. فهل من الممكن أن تضع لغة العاطفة قبل لغة العقل؟ مهما كنت أيها الأب شديداً. يقول الشباب للآباء:" إلمس قلبي؛ كي أسمعك، ومُر من قلبي على عقلي؛ كي أفهمك". الشباب يُريد من يكلم قلبه، يا آباء قبل أن يعظ لقمان ابنه قال له:" يا بني" هذه ليست كلمة عابرة، ولكنها أحاسيسُ، وحبُ، وحنانُ، وعاطفةُ، عبر عنها بكلمة (يا بُني). وكان النبي_ صلى الله عليه وسلم_ لا يعِظ أحداً، إلا وجه له لفتة عاطفية، فعندما أراد نصح معاذ بن جبل قال له بعد أن أخذ بيده ومشى به: " إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". أرأيتم كيف استخدم أولاً لغة العاطفة؟ أمسك بيديه وقال له أنا احبك، وبعد ذلك وعظه. مثال آخر: كان ابن عباس رجل شديد الذكاء يقول:" ضمني رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إليه وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" فرسول الله يريد أن يقول له اعمل وتعلم، لكن أرأيت طريقته في حديثه مع ابن عباس؟ أعرف قصة حدثت لبنت مسلمة بكستانية اسمها لينا، تعمل في رعاية الأسر التي لديها مشكلات مع المخدرات في إنجلترا، جاءت لها أم وقالت لها:" ابني مدمن مخدرات منذ أكثر من 15 عاماً، وأريد أن أطرده من البيت؛ لأنه سيدمر إخوته، وأنه مُقذذ، و... و...." فقالت لها لينا:" متى ذكرتي له إنكِ تحبيه؟" فقالت لها:" هذا شخص مُقذذ، كيف أقول له أني أحبك؟!! أنا لا أستطيع أن أقولها". فقالت لينا:" هل من الممكن أن تعودي إلى بيتك وتحبينه من قلبك بصدق؟". وبعد أسبوع عادت الأم إلى لينا وقالت لها:" عندما عدت إلى البيت، جلست مع ابني على المنضدة واستحضرت نيتي، وضغطت على نفسي، وصدقت النية مع الله" فقال ابني:" ما بكِ؟" أحدث شيء؟" فنطرت إليه وقلت له:"أنا احبك؛ لأنك ابني، ومهما فعلت أنا احبك." فبكى ابني المُدمن، وبكيت وضميته إلى صدري. وقرر الابن أن يبدأ بالعلاج".

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 315 مشاهدة
نشرت فى 24 سبتمبر 2008 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,741,915