عمرو خالد يكتب: لا للفردية
(١)
هل تفضل أن تعيش فرداً داخل المجتمع لكن منعزلاً عنه أم متفاعلاً معه؟
لا، السؤال أصلاً: هل تقدر أصلاً أن تعيش وحدك في المجتمع وتنفصل عنه وتغلق علي نفسك؟
بمعني آخر.. تحب تعيش في مصر كفرد تاخد ما تقدر تاخده من البلد والناس والمجتمع ولا تعطي شيئا، تبحث عن حقوقك ولا واجبات عليك أو تتهرب منها، هذا ما يحدث الآن في بلادنا.. فما هو رأيك؟
فكرة الإسلام الأساسية، أنت، كفرد، لك احتياجات وغرائز ورغبات، حقك أنك تشبعها وتحققها لكن أنت لست تعيش وحدك، أنت جزء من مجتمع، عش كما شئت واستمتع أنت وأولادك لكن إياك أن تنسي أنك لبنة وطوبة في بناء مجتمع يجب أن تكون احتياجاته فوق رغباتك.
كلمتي اليوم عن العلاقة بين الفرد والمجتمع، بين رغباتنا الشخصية وغرائزنا وبين احتياجات المجتمع، العلاقة بين العام والخاص.
فماذا يحدث لو كل فرد عاش لتحقيق رغباته وغرائزه ومتطلباته ونسي احتياجات المجتمع.
يحدث مثل ما هو حاصل في بلادنا الآن، يتحول المجتمع كله إلي جزر منعزلة.. كل فرد يريد أن يحقق كل مكاسبه علي حساب المجتمع.
يحدث مثل هذه الأمثلة:
واحد يستورد أغذية فاسدة تصادر منه، يتحايل ويعيد تعبئتها.. هو يكسب والمجتمع يموت.
واحد يستورد محابس غاز من الصين تطلع غير مطابقة للمواصفات، يتحايل حتي لا يخسر فلوسه وتتركب في البيوت ويتسرب الغاز والناس نايمة، ويموت أطفال وشباب.
يحصل إن عمارة تقع هنا وهناك علشان غش في المواصفات.
أو ممكن يحصل نوع آخر من الفردية، هو لن يسرق ولن يغش لكن لن يشارك في أي قضية تهم المجتمع، ولن يكون إيجابيا في أي تحد يواجه المجتمع.
الإسلام يطالب الفرد بأن يكون الوحدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع. ويطالب المجتمع بأن يتحرك بجميع أفراده ليواجه التحديات ويحقق الانتصارات ويصل إلي الأهداف. ويطالب قيادة المجتمع بأن ترسم الخطوات، وتحدد المواعيد، وتشخذ الهمم، وتعبئ الطاقات.
لتفهم خطورة مرض الفردية، سأعطيك مثالاً سهلاً: هناك مرض اسمه الروماتويد يصيب عظم الجسد فينهار العظم الذي يحمل الجسم، وسبب المرض أن الخلايا، التي من المفروض أنها تعمل سويا كفريق عمل واحد، وتموت خلية من أجل خلية جديدة، ولكن يحدث هذا المرض عندما تنظر كل خلية لنفسها بطمع وتنظر للخلية الأخري علي أنها منافسة لها، وليست متكاملة معها وترفض التعاون مع الخلية الأخري ولا تتعايش معها وينتهي التكامل وفريق العمل والتعايش، فيحدث الروماتويد ويعجز كل الجسم، هذا هو ما يحدث في بلادنا الآن.
(٢)
رمضان شهر يعلمك أنه لا للفردية، رمضان يعالج مرض الفردية لأن رمضان يعطينا مظهر الأسرة الواحدة التي ينتظم فيها ملايين البشر، إنه يعطينا حالة نفسية واحدة للمجتمع، فالكل صائم، والكل يبتغي الثواب والرضا من الله، والكل يجتمع علي الإفطار في ساعة واحدة، في دقيقة واحدة، إنها حالة نفسية مترابطة، إنه مظهر الأسرة الواحدة، وقلما انتظمت أسرة بين جدران بيت واحد علي مثل هذا النظام الدقيق الذي يجمعنا عليه رمضان، ولا يوجد لأمة أخري في العالم مثل هذه الفرصة المذكرة بوحدة المجتمع لمدة ثلاثين يوماً.. إن سكون المجتمع كله لحظة المغرب لاجتماع الناس علي طعام الإفطار ينبغي أن يترك في نفوس الجميع إحساس الترابط الذي هو من معاني رمضان الأساسية.
(٣)
هناك رجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم اسمه كعب بن مالك، تخلف عن النبي بلا عذر في غزوة تبوك، فعندما عاد النبي من المعركة أمر الصحابة بمقاطعة كعب بن مالك، فلا كلام ولا تعامل معه لمدة خمسين يوماً، وهي مدة الغزوة حتي يقول كعب بن مالك: «فضاقت علي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرفها، وضاقت علي نفسي لقسوة الشعور بالوحدة»..
وكنت أسأل نفسي، النبي رحمة للعالمين، فلماذا كان هذا العقاب القاسي لكعب بن مالك؟.. ثم أدركت أن قسوة العقاب لأنه فضل رغبته الشخصية علي احتياجات المجتمع، وكأن معني عقوبة النبي صلي الله عليه وسلم لكعب، أنت اخترت نفسك واخترت الفردية فابق إذن مع نفسك، فالمجتمع لا يريدك أيضاً، فكان الجزاء من صنف العمل ولنفس المدة.
ونزلت آيات بعد انتهاء الـ ٥٠ يوماً تعلن انتهاء العقوبة، كانت هذه الآيات في سورة التوبة، ليبقي معني أن التوبة ليست فقط من الذنوب والمعاصي، ولكن أيضاً التوبة من الفردية ونسيان حق المجتمع.أنا أهدي قصة كعب بن مالك لكل إنسان فردي يدعي أنه يحب رسول الله، وهو لا يدري أراض عنه رسول الله أم غاضب.
عدد زيارات الموقع
1,741,576
ساحة النقاش