(١)
هل تعودنا علي السلبية؟ هل استبدلت بجينات الإيجابية في دمائنا جينات السلبية. هل صرنا منسحبين من الشأن العام، منغلقين علي أنفسنا وذواتنا
هل تعرفون الفرق بين السلبي والإيجابي؟!
إنه الفرق بين الصفر والواحد الصحيح، الليل والنهار، الجماد والكائن الحي.
الفرق بين السلبي والإيجابي هو آية قرآنية في سورة النحل قال تعالي: «وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يقْدِرُ عَلَي شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَي مَوْلَاهُ أَينَمَا يوَجِّهْهُ لَا يأْتِ بِخَيرٍ هَلْ يسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» لقد سمت هذه الآية السلبي أنه أبكم وكل ولا يقدر علي شيء.
هل ترضي أن تأتي أمام الله عز وجل يوم القيامة وأنت أبكم، بينما ذكرت الآية الإيجابي وسمته يأمر بالعدل، لأن الإيجابية قد تكون موجهة للفساد والظلم وضارة بالمجتمع. أما الذي يأمر بالعدل فهو إيجابي ينفع المجتمع ويساهم في تنميته ونهضته، والآية تتساءل هل يستوي، وكأن الآية تترك لنا أن نجيب بأنفسنا: طبعاً لا يستوي.
نريد أن نكون إيجابيين في كل المجالات، البيت، الشارع، الكلية، العمل، نريد أن ننظر لإيجابية علي أنها عبادة فنعبد الله بإيجابيتنا في المجتمع كما نعبده بالصلاة وبالصيام.
فتأتي أمام الله يوم القيامة وهو يعلم أنك قد غيرت نفسك وصرت إيجابياً مفيدا لمجتمعك، والقرآن يركز بقوة علي مفهوم الإيجابية وأهميته للمجتمع فنجد سورة كاملة وليس فقط آية تحدثنا عن الإيجابية.
سورة أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام بقراءتها كل يوم جمعة، سورة الكهف والحكمة من قراءتها كل يوم جمعة أن نتعلم كيف نكون إيجابيين من خلال قصص الإيجابية الموجودة في السورة.
وهذه السورة.. عرضت لنا جميع مستويات الإيجابية...
١ـ شباب إيجابي يواجه الملك (أهل الكهف).
٢ـ رجل يأخذ بيد صاحبه (صاحب الجنتين).
٣ـ معلم يدعو تلميذه.. (الخضر وموسي).
٤ـ قائد يعلم رعيته.. (ذو القرنين).
ثم إن السورة كلها تفاعل وحركة
* مجموعة من الشباب تركوا بلدهم وآووا إلي الكهف.
* موسي يتحرك ويسافر ويقول لفتاة «لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً» ليتعلم.
* الخضر يأخذ موسي في ثلاث رحلات والآيات تقول لنا «فانطلقا....».
* ذو القرنين يتحرك في الأرض شرقا وغربا، شمالا وجنوباً والآيات تقول «حتي إذا بلغ مغرب الشمس».. «حتي إذا بلغ مطلع الشمس»..«حتي إذا بلغ بين السدين».
ونجد في الإسلام أن جميع عباداتنا تدعونا إلي الإيجابية، فمثلاً في السعي بين الصفا والمروة، ونحن نقلد السيدة هاجر وهي تبحث عن الماء لولدها إسماعيل، كان من الممكن أن تجلس هاجر بجوار إسماعيل وهي تبكي أو تكتفي بالدعاء أو تسعي بين الصفا والمروة مرة واحدة، ثم تقول «أنا يا رب عملت اللي عليا» وتنهار وتبكي مثلما نفعل، ولكن الله جعل السيدة هاجر رمزاً للإيجابية، وجعلت ما قامت به من سعي علي ولدها جزءاً من مناسك العمرة والحج، والحظ أن هذا المنسك سمي «السعي» إنها عبادة في الإسلام نتعلم منها الإيجابية من سيدة لم تستسلم (للبطالة أو ضيق العيش أو الظلم) الإيجابي لا يتعب لا يمل ولا يكل.
(٢)
نملة سيدنا سليمان عندما قالت «...قَالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يحْطِمَنَّكُمْ سُلَيمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يشْعُرُونَ» هذه النملة كانت إيجابية ولم تقل نفسي نفسي ولم تسرع هي بدخول مسكنها وتركت باقي النمل، بل تركت مسكنها لإنقاذ أخواتها، وربما ماتت وهي تنادي عليهم فداسها أحد جنود سليمان، لكنها إذا كانت ماتت فقد ماتت موتة كريمة بشجاعة، ولو هربت ودخلت مسكنها ونجت فإن الشعور بالذل والجبن ما كان ليفارقها. والعجيب أن الله جعل اسم السورة التي وردت بها هذه الآية هي سورة النمل وليست سورة سليمان مثلا، لأن هذه النملة كانت عظيمة في إيجابيتها وكأنه سبحانه يقول لك «إلا تستحي من نملة».
(٣)
إذا لم يتعلم المجتمع خاصة الشباب معني الإيجابية ويمارسها في حياته اليومية، وإذا لم ينظر خطباء المساجد وعلماء الدين للإيجابية والعمل والإتقان علي أنها من فرائض وواجبات وأساسيات حياة الإنسان المؤمن، فإن السلبية ستنخر في كل أركان المجتمع حتي ينهار علينا جميعا، لكن يبقي الأمل في أجيال من شباب نزرع فيها معني الإيجابية لنحيا جميعا.
_________________
ساحة النقاش