نعم ضع بصمتك هنا.. في هذه الحياة قبل أن تموت، فالكثيرون يموتون ولا يتركون بصمات في حياتنا أو في بلادنا، هناك ملايين يأتون إلي هذه الحياة ويرحلون منها ولم يضيفوا شيئاً يذكر. عاشوا فقط لأنفسهم، ولم تكن لهم بصمات سوي أنهم تركوا فلوساً لعيالهم.. هناك ناس يغادرون الحياة، وقد تركوها أحلي مما دخلوا فيها.. وهناك ناس يغادرون الحياة وما تركوا شيئاً يذكرون به بعد موتهم.
اترك أثراً. ماذا أضفت؟ هل عشت لنفسك؟ أم أضفت شيئاً في الحياة؟ مصطفي صادق الرافعي أديب مصري عظيم له كلمة نادرة، يقول: «إذا لم تزد في الحياة شيئاً كنت أنت زائداً علي الحياة». لازم تترك بصمة. هناك ملايين بلا بصمات، وهناك ملايين بصماتهم علي الرمال فإذا جاءت الريح محت ابصمتهم، وهناك من بصماتهم في الصخر تبقي عشرات بل مئات السنين.. فأين بصمتك؟
تخيل معي فكرة طريفة وإن كانت بدايتها لن تعجبك، تخيل معي يوم جنازتك وأنت الآن في نعشك وهناك أربعة من أصدقائك يمشون خلف النعش، ويتكلمون عليك.. تخيل معي أنك تسمعهم، لكنك طبعاً لا تستطيع أن تغادر نعشك وتلومهم، لأنهم يتكلمون عنك، تخيل معي.. هم الآن يتحدثون عن إنجازاتك في الحياة وماذا أضفت فيها فتخيل الآن وهم يقولون «الله يرحمه ما عملش حاجة، زي ما جه زي ما مشي، عاش لنفسه وولاده ومات» أو تخيل أن هناك العشرات من الأرامل والأيتام يمشون خلف الجنازة يبكونك، تخيل عشرات الأسر تمشي خلفك تودعك لأنك فتحت بيوتهم وشغلتهم.
مرة أخري .. ما هي بصمتك في هذه الحياة؟
(٢)
يقول الله تعالي (إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا) أشعر وأنا أسمع هذه الآية أن بصمات الخير لا تضيع أبداً، وأن الله السميع العليم الرقيب لا يضيع الخير عنده أبداً وهذه الآية تدفع من يقرؤها لمزيد من العمل والبذل والعطاء للناس، فالخير لن يضيع بل سيبقي وسينمو وستبقي البصمة، والجميل أن هذه الآية في سورة الكهف وقصة أهل الكهف قصة شباب بل فتية عاشوا لفكرة، لكنهم اضطهدوا فلجأوا إلي الكهف، وظنوا أن بصمتهم في الإصلاح والخير لم يكتب لها النجاح وأنها محيت باضطهاد الواقع لهم،
لكن أول آية في قصة أهل الكهف تقول (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا) والكهف مفهوم لكن ما هو الرقيم؟ ولماذا ذكر هاهنا، إن الرقيم هو لوح خشبي سجل أهل البلدة وحفروا عليه أسماء أهل الكهف لتبقي ذكراهم وكأن المعني: بصمتك لن تضيع أبداً، احفر اسمك علي الرقيم، وسيبقيه الله مخلداً باقياً لأنه ببساطة لا يضيع أجر من أحسن عملا.
تري هل ستحفر اسمك علي الرقيم.. تري هل ستترك بصمة في هذه الحياة؟ أم سترحل بلا بصمات للخير والإصلاح؟..
(٣)
رمضان بصمة في نفسك، بصمة سنوية تحفر في ذاكرتك معني الخير والعطاء، بصمة في أعماق الروح, فهل تنعكس هذه البصمة فتكون أنت بصمة في الحياة، هذا هو سر الصيام. إن المسلمين يصومون منذ فجر الإسلام، فكان الصيام يترك في أرواحهم بصمات تنعكس علي بصماتهم في الحياة، وهل بدر وفتح مكة وحطين والقادسية إلا انعكاسات لبصمات الصيام عليهم، لكن المسلمين لما فقدوا في القرون الأخيرة فهم حقيقة الصيام اختفت بصماتهم محلياً وعالمياً، فإنك لن تجد للمسلمين مع الأسف الشديد إضافات علمية أو فنية أو رياضية أو.. في آخر قرنين من الزمان.
صحيح الأمر مرتبط بوجود تخطيط وسياسات لحكوماتنا وبلادنا ولكن ابدأ أنت بنفسك وكن كما قال غاندي «كن أنت التغيير الذي تحب أن تراه في العالم» من فضلك أسرع واترك بصمتك قبل أن ترحل.
ساحة النقاش