كتب أ.عمرو خالد لجريدة المصري اليوم بتاريخ 8 سبتنمبر 2008 مقال بعنوان "شنطة سفر"

(١) أنا كثير السفر والترحال، لا يمر شهر إلا وأجد نفسي قد سافرت ثلاث أو أربع مرات خلال هذا الشهر ومن مطار إلي مطار ومن بلد إلي بلد.. والسفر قطعة من العذاب، لكنني تعلمت من السفر شيئاً مهما.. ألا وهو: احمل شنطة خفيفة وإياك والأحمال الثقيلة لأنك ستعاني في المطارات من ثقل الأحمال وستتعب وتتصبب عرقاً وستتذكر وتقول ليتني خففت الحمل.

ولذلك كثيراً ما أقوم بعد تجهيز شنطة السفر بحملها ثم أقول لنفسي مازالت ثقيلة فأفتحها وأقول لا داعي لهذه ولا داعي لهذا، ولنترك هذا حتي تعود خفيفة وأسافر وأنا غير مثقل بالأحمال.

تذكرت هذه القصة اليوم وأنا أقرأ قول الله تعالي عن أحوال الناس يوم القيامة «وهم يحملون أوزارهم علي ظهورهم ألا ساء ما يزرون».

ستأتي الأوزار والآثام مجسدة يوم القيامة يحملونها علي ظهورهم في سفر القيامة الطويل.. احملها وحدك لن يحملها عنك أحد.

إن شئت خفف الحمل في الدنيا وسافر خفيفاً، أو إن شئت فلتحمل أثقالاً وشنطاً ممتلئة طوباً وحجراً وزلطاً وشوكاً من الذنوب والآثام.

كل رشوة حمل وثقل ستحمله يوم القيامة مجسداً ثقيلاً علي ظهرك.. كل خيانة أمانة ستحملها يوم القيامة علي ظهرك.. كل غش في سلعة ستحمله.. كل إفساد لشاب أو فتاة من خلال كليب مثير للغرائز سينطبق عليه قول الله "لِيحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يزِرُونَ (٢٥).

(٢) يقول أبو ذر الغفاري لقيني رسول الله في الطريق فقال لي يا أبا ذر لو أردت سفراً أأعددت له عدة؟ فقلت نعم يا رسول الله، فقال يا أبا ذر فكيف بسفر طريق القيامة؟ فقلت فماذا أفعل يا رسول الله ؟ فقال يا أبا ذر خفف الحمل فإن السفر طويل..

وأنا أقول لكم.. رمضان فرصة لتخفيف الحمل.. رمضان يبني الإرادة.. رمضان يقول لك إياك والمال الحرام.. هل يعقل أن تصوم وتمتنع عن الأكل والشرب الحلال أصلاً لتفطر علي الحرام والغش والرشوة؟! هل يعقل أن توقف الحلال لتأخذ الحرام؟! كيف فهم عقلك حقيقة الصيام؟!

خفف الحمل فرمضان فرصة

يقول النبي «صلي الله عليه وسلم» «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».

إنها فرصة أن تفرغ كل حمولة الشنطة المثقلة بحقوق الناس والآثام، لتبدأ بداية جديدة بشنطة خفيفة فترحل إلي الله بلا أثقال ولا أوزار.

(٣) ثم إني أريد أن أذهب إلي أبعد من ذلك فأقول بأن رمضان ليس فقط فرصة للتخلص من الأحمال الزائدة بل هو في الأصل فرصة للتزود بكل ما يعين علي السفر الطويل.

ما زال كثير من المسلمين ينظرون إلي رمضان علي أنه شهر خصص لإضاعة الوقت.. شهر التسالي.. يقول أحدهم أنا صائم فدعني أقتل الوقت بالنوم أحياناً والمبالغة في مشاهدة المسلسلات أحياناً أخري لأسلي صيامي وأقتل وقتي، ولا يدري هذا المسكين أن قتل الوقت هو قتل للنفس، وهل حياتك إلا مجموعة دقائق وثوانٍ وساعات، وهل يعقل أن يتحول رمضان الشهر العظيم.. شهر القرآن إلي شهر التسالي وإضاعة الوقت.

سؤال بسيط.. هل نحن ننتج في رمضان؟؟

الغريب أن الوقت وقيمته مفهوم مرتبط بالإسلام بشكل قوي، وخذ عندك مثلاً أركان الإسلام، فالصلاة لها وقت «إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتا»، وسئل النبي عليه الصلاة والسلام عن أحب الأعمال وأفضلها فقال «الصلاة علي وقتها»، وفي الزكاة نحن نخرجها إذا مر عليها الحول (وقت الزكاة)، وفي صوم رمضان يقول الله تعالي عنه إنه «أياماً معدودات»، كما يقول عز وجل «وكلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلي الليل»، وحتي في حج بيت الله الحرام «الحج أشهر معلومات»،

وحين ننظر للقرآن الكريم نجد أن الله عز وجل أقسم بالعديد من الأوقات، وسبحانه حين يقسم فإنه يقسم بكل غال، أقسم الله تعالي بالفجر: «والفجر وليال عشر»، وأقسم عز وجل بالضحي: «والضحي والليل إذا سجي»، كما أقسم بالعصر: «والعصر إن الإنسان لفي خسر»، وأقسم بالليل: «والليل إذا يغشي»، فإذا كان الوقت بهذه الأهمية عند الله فلماذا لا يكون عندنا علي نفس الدرجة من الأهمية؟

 

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 394 مشاهدة
نشرت فى 9 سبتمبر 2008 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,741,576