رحلة جليلة عجيبة من انضم إلى قوافلها لحق بركب السعداء و كانت حياته نعيم و هناء وصفها الإمام ابن القيم رحمه فأبدع في وصفها فقال : [ هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العامون, وإلى عَلَمها شمّر السابقون, وعليها تفانى المحبون، وبِرَوح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي من حُرمها فهو في جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاءُ الذي من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من معرفة محبوبهم أوفر نصيب ] مدارج السالكين ج3ص6 أصحاب هذه الرحلة شعارهم ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ) تعلقت قلوبهم بحب الله فكان نتاج ذلك محبة الله عز وجل لهم فظفروا أعظم الظفر كيف لا و قد أحبهم خالق السماوات و الأرض ؟ و لسائل أن يسأل كيف اللحاق بهؤلاء الركب ؟ و متى يسجل الراغب ضمن هذه الرحلة المباركة ؟ الانضمام إلى هذه الرحلة المبارك سهل هين على من سهله الله عليه فعلى الراغب في ذلك أن يتبع الخطوات التالية ليسجل بإذن الله في رحلة المحبين :
أولاً : أن يعلن توبته لله سبحانه
و يقلع عن جميع الذنوب و المعاصي و ينطرح بين يدي سيده و مولاه معترفاً بالذنب راجياً للعفو مؤملاً المغفرة
يا من إليه المشتكى والمرجع *** عظمت ذنوبي والسنين تودع
لعبت بنا الدنيا على أهوائها *** ومضى يمنينا الزمان ويسرع
إن لم نفز يا رب منك بتوبة *** فلمن سواك قلوبنا تتضرع
إني مـلأت القلب حبا غامرا *** لجلال وجهك صادقا يترعرع
فاغفر ذنوبي يا إلهي إنني *** ها قد أتيت بأدمعي أتوجع
هيا معاً لنتعرف على قصة رجل أعلن التوبة لله فأكرمه الله باللحاق بهذا الركب المبارك عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :( كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعه وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فأنطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة ) رواه مسلم وزاد في رواية البخاري قال قتادة قال الحسن : (فأدركه الموت فنأى بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له )
تأمل أخي في قصة هذا التائب كيف تاقت نفسه إلى بلاد الصالحين و قوافل المحبين حتى و هو في سكرت الموت و مع ذلك أخذ يزحف و ينأى بصدره إلى ديارهم علَّه أن يلحق بهم فأكرمه الكريم بأن ألحقه بهم فأخذته ملائكة الرحمة ففاز فوزاً عظيماً يا من تحلم باللحاق بالصالحين هيا فرِّ إلى ربك و أعلن التوبة إليه يتلقاك الرب عز وجل بالفرح العظيم شفقة و رحمة و رأفة بك و هو الغني عنك سبحانه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دورية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ) رواه البخاري و مسلم
========================
ثانياً : صيانة الجوارح عن معصية الله :
فإذا أعلن العبد توبته النصوح وصان جوارحه عما حرم الله عز و جل فصان العين عن النظر إلى الحرام و صان الأذن عن سماع الحرام و صان اللسان عن النطق بالحرام و صان اليد عن البطش الحرام و صان الرجل عن المشي إلى الحرام و صان الفرج عن الوقوع في الحرام يكون بذلك قد حقق معنى التقوى كما قال طلق بن حبيب : [ أن تعمل بطاعة على نور من الله ترجو ثواب الله و أن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ] . جامع العلوم و الحكم ج1 ص159
فإن زلت به القدم وقع في الذنب فليبادر بالتوبة و الرجوع إلى الله و ليجعل التوبة مصاحبة له في كل أحوله قال ابن القيم رحمة الله : [و منزل التوبة أول المنازل ،وأوسطها ، وآخرها؛فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات ، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به ؛ واستصحبه معه ونزل به . فالتوبة هي بداية العبد ونهايته ؛ وحاجته إليها في النهاية ضرورية ؛كما أن حاجته إليها في البداية كذلك ] مدارج السالكين ج1ص178 .
===============
ثالثاً : الحفاظ على الفرائض و الإكثار من النوافل :
أخي الراغب في اللحاق بقافلة المحبين اعلم أن أعظم حادي يحدوك إليها المحافظة على الفرائض و إتقانها كما أمر الله فهي رأس المال و الإكثار من النوافل و المسارعة إليها عن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم يحكي عن رب العزة جل وعلا أنه قال: ((من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها, ولئن سألني لأعطينه, ولئن استعاذني لأعيذنه)) رواه البخاري.
رابعاً : الإكثار من ذكر الله :
الذكر الدائم لله عز وجل هو حادي قافلة المحبين كيف لا و هم يتلون قول الله عز وجل : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }البقرة152
قال: يحيى بن معاذ : [ يا جهول يا غفول، لو سمعت صرير القلم حين يجري في اللوح المحفوظ بذكرك لمت طرباً] الحلية ج4ص271.
إن السبق إلى قافلة المحبين على مقدار ذكر العبد لربه عز وجل فهل تلّهج أخي بذكر الله و يكون لسانك رطباً بذكره لتكون من أفراد هذه القافلة ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ : ( سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ) قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) رواه مسلم قال ابن القيم رحمه الله : [ الذكر يسير العبد هو في فراشه وفي سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه ولذته وليس شيء يعم الأوقات والأحوال مثله حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق القائم مع الغفلة فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ويصبح ذلك الغافل في ساقة الركب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ] الوابل الصيب 72 و قال رحمه الله :[ وقد جعل الله لكل شيء سببا وجعل سبب المحبة دوام الذكر فمن أراد أن ينال محبة الله عز و جل فليلهج بذكره ] الوابل الصيب ص 61 و قال :[ دوام الذكر سبب لدوام المحبة فالذكر للقلب كالماء للزرع بل كالماء للسمك لا حياة له إلا به ] جلاء الأفهام ص451 قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قالوا: وما هو يا أبا يحيى؟ قال: معرفة الله تعالى.و قال : ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله عز وجل.
و قال ذا النون : من ذكر الله على حقيقة نسي في جنبه كل شيء، ومن نسي في جنب الله كل شيء حفظ الله عز وجل عليه كل شيء، وكان له عوضاً من كل شيء.
و قال : ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته.
خامساً : الإقبال على تلاوة كتابه
القرآن كلام الرب جل و علا استشعر المحبون أنه كلام ربهم فترنموا به آناء الليل و أطراف النهار علموا أن فيه هدايتهم و صلاحهم فأقبلوا عليه لينالوا الحظ الأعظم والنصيب الأوفر من الهداية
قال تعالى : { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9 قال ابن مسعود رضى الله عنه : [ لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فان كان يحب القرآن فهو يحب الله وان كان يبغض القرآن فهو يبغض الله ] قال ابن جب رحمه الله : [ من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم قال حبان بن الأرت لرجل تقرب إلى الله تعالى ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه ... يعني القرآن لاشيء عند المحبين أحلي من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم قال عثمان رضي الله عنه : لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم ...] جامع العلوم صـ 364 و قال أبو سعيد الخراز : [من أحب الله أحب كلام الله ولم يشبع من تلاوته ].
قال سهل بن عبد الله : [علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه و سلم وعلامة حب النبي صلى الله : عليه و سلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الآخرة ... ] و قال مالك بن دينار :[ إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة ] يقول ابن القيم رحمه الله : [ فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين واحوال العاملين ومقامات العارفين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والانابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الاحوال التي بها حياة القلب وكماله وكذلك يزجر عن جميع الصفات و الأفعال المذمومة والتي بها فساد القلب وهلاكه فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاجا إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى الى حصول الايمان وذوق حلاوة القرآن ]مفتاح دار السعادةج1 ص187
================
سادساً : محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومتابعة :
أخي الراغب في اللحاق بقافلة المحبين اعلم أن هناك شرطاً عظيماً للحاق بها ألا و هو محبة النبي صلى الله عليه و سلم و متابعته و قال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران31 قال الحسن قال قوم على عهد النبي انا نحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآية ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) وقال الجنيد ادعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحبة قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ] قال ابن القيم رحمه الله : [ فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله وشرطاً لمحبة الله لهم ووجود المشروط ممتنع بدون وجود شرطه وتحققه بتحققه فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة ... سابعاً : قيام الليل :
الراغب في رفقة المحبين يتخذ له من سكون الليل فرصة للقاء بربه و سيده ومولاه يظهر الفقر و الحاجة ما بين قيام و ركوع و سجود و استغفار وقد مدح الله المحبين بقوله : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (السجدة:16) و قال تعالى : (كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وقال صلى الله عليه و سلم : ( واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل, وعزه استغناؤه عن الناس)) رواه الحاكم و صححه ووافقه الذهبي و صححه الألباني .
وعن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ) رواه ابن خزيمة و حسنه الألباني رحمه الله .
قال الحسن البصري: [ لم أجد من العبادة شيئاً أشد من الصلاة في جوف الليل, فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره. نسأل الله من فضله ].
فاجتهد أخي أن يكون لك نصيب من الليل فإن لم تظفر بآخره و أوقات السحر فجاهد نفسك في تحصيل ذلك و لا تفرط في أوله فصلي من الليل قبل أن تنام و أختم يومك بالوتر و تذكر وصية النبي صلى الله عليه و سلم لأبي هريرة فقد قال رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ ) رواه البخاري
================
ثامناً : الدعوة إلى الله :
ركاب قافلة المحبين يصيحون في الناس ليل نهار أن فروا إلى الله أحبوا ربهم فشغلوا بدلالة الناس عليه قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33) تلا الحسن البصري هذه الآية فقال : [ هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله ]. تفسير ابن كثير صـ1659ـ قال ابن الجوزي رحمه الله : [ ألست تبغي القرب منه ؟ فاشتغل بدلاله عباده عليه فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة و السلام , أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم ] صفقات رابحه صـ171.
فيا راغباً في اللحاق دونك أبواب الخير فهي مشرعة أمامك شارك في الدلالة على الله بنصيحة تسديها أو كلمة توجهها أو خطبة تذكر بها أو شريط توزعه أو كتيب تهديه أو يتيم تكفله أو محتاج تعينه ... إلى غير ذلك من أبواب الخير فكن مفتاحاً للخير تطيب حياتك في الدنيا و الآخرة
تاسعاً : الدعاء :
أخي الراغب في اللحاق بقافلة المحبين ألا أدلك على طريق من أيسر الطرق الموصلة إلى ذلك إنه الدعاء فقد لهج به الرسل و الأنبياء رغم أنهم قادة الركب و ما ذاك إلا ليعّلموا أممهم أن الدعاء هو طريق الظفر بحب الله عز وجل كيف لا و هو الذي يحب من دعاه و يعده بالإجابة قال تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60 ولذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم : (أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك ) رواه الترمذي و صححه الألباني و إذا أتم العبد الخطوات السابقة انضم بإذن الله إلى ركب المحبين .
و لكن من هم أولئك الركب المبارك ؟
يقول الله تعالى في بيان ركب المحبين: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69) فما أعظمها من رحلة و ما أجله من ركب ! و تأمل أخي شوق قادة الرحلة و ربانها إليها حتى أنهم من فرط فرهم بها يلهجون إلى الله بالدعاء أن يلحقهم بأهلها و هم قادتها فيا لله العجب !
فهذا سليمان عليه السلام يدعو ربه فيقول : ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:19) وهذا يوسف عليه السلام يبتهل إلى ربه بقوله : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف:101) وهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يقول : ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (الشعراء:83)
أحبتي في الله ورسوله إني أدعوكم إلى الفوز بصحبة هذا الركب المبارك فهيا بارك الله فيكم انضموا إلى قافلتهم إنها أخوتي قافلة ربانها محمد بن عبد الله بصحبة أنبياء الله عليهم أفضل الصلاة و أزكى التسليم فهل تبادروا باللحاق؟
===================
ماذا يحدث للعبد في هذه الحياة عندما ينضم إلى رحلة المحبين ؟
أولاً : يحبه أهل السماوات و الأرض :
عندما ينضم العبد إلى قافلة المحبين فلا تسل عما يحدث له ؟ بل لا تسل عما يحدث في الكون من حوله يقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل : إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) رواه البخاري و مسلم إنها الكرامة الكبرى يوم أن يضم المسلم إلى تلك القافلة المباركة فيحقق أعظم الفوز يحبه الله و تحبه الملائكة و يحبه أهل الأرض يقول الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } (فصلت:30/31) قال الإمام السعدي :{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } يحثونهم في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم، ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصًا عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، وعلى الصراط، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم، ويدخلون عليهم من كل باب { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }
تأمل أخي بارك الله فيك هذه الآيات لتعلم مقدار حب الملائكة لمن انضم إلى ركب المحبين يقول تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (غافر:7ـ9) ما أجملها من حياة تحفها ملائكة الرحمن مكللة بالدعاء و الاستغفار و الحفظ وارعاية و الحب و الوداد يوضع لصاحبها القبول في الأرض فسائل الشجر و الحجر و الطير و سائر المخلوقات كم تكن له من الوداد و كم تأنس بقربه و وصاله بلغني الله و إياك أخي الحبيب هذه المنزلة .
ثانياً : العيش السعيد في الدنيا :
قال الله تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97 يقول ابن القيم رحمه الله تعالى معلقاً على هذه الآية : [ وقد ضمن الله تعالى لكل من عمل صالحاً أن يحييه الله حياة طيبة ، فهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده ، وأي حياة أطيب من حياة من اجتمعت همومه كلها وصارت هماً واحداً في مرضاة الله تعالى ؟ ولم يتشعب قلبه بل أقبل على الله ....... إلى أن قال : ولا بد لكل من عمل صالحاً أن يحييه الله حياة طيبة بحسب إيمانه وعمله ].
ويقول سيد رحمه الله: [ وإن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض ... لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة . فيها الاتصال بالله ، والثقة به ، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه .. وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب ، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة ]. اهـ رحمه الله .
يقول ابن القيم : [ و الإقبال على الله تعالى ، و الإنابة إلية ، و الرضى به و عنه و امتلاء القلب من محبته و اللهج بذكره و الفرح و السرور بمعرفة : ثواب عاجل و جنة ، و عيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البته .
سمعت شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
و قال لي مرة : ماذا يصنع أعدائي بي أنا جنتي و بستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني ! أنا حبسي خلوة و قتلي شهادة و إخراجي من بلدي سياحة .
و يقول : المحبوس من حبس قلبه عن الله و إن المأسور من أسره هواه .
و يقول ابن القيم : و علم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه مع ما كان فيه من ضيق العيش و خلاف الرفاهية و النعيم بل ضدها و مع ما كان فيه من الحبس و التهديد و الإرهاق و هو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً و أشرحهم صدراً و أقواهم قلباً و أسرهم نفساً تلوح نضرة النعيم على وجهه .
و كان بعض العارفين يقول : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف و قال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها و ما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل : و ما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله و معرفته و ذكره أو نحو هذا .
وقال آخر : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
يقول أحد التائبين من التفحيط : يا شباب الإسلام لن تجدوا السعادة في السفر و لا في المخدرات و التفحيط ، لن تجدوها أو تشموا رائحتها إلا في الالتزام و الاستقامة و في خدمة الدين .
و تقول فتاة تائبة : فيا من تبحثون عن السعادة عن الاستقرار النفسي عن الطمأنينة عن النقاء عن الصفاء عن المعاني الإنسانية لا تبتعدوا كثيراً ستجدون ظالتكم بين أيديكم في القرآن الكريم في تعاليم الدين قال تعالى :( COLOR: b
ساحة النقاش