وظائف العشر الأواخر من رمضان
ها هو شهر رمضان قد اصفرّت شمسه ، وآذنت بالغروب فلم يبق إلا ثلثه الأخير ، فماذا عساك قدمت فيما مضى منه ، وهل أحسنت فيه أو أسأت ، فيا أيها المحسن المجاهد فيه هل تحس الآن بحلاوة ما بذلته من الطاعة ، ويا أيها المفرّط الكسول المنغمس في الشهوات هل تجد راحة الكسل والإضاعة وهل بقي لك طعم الشهوة إلى هذه الساعة .
تفنى اللذات ممن نال صفوتها
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها
لا خير في لذة من بعدها النار
فلنستدرك ما مضى بما بقى ، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ( متفق عليه ) من حديث عائشة رضي الله عنها " كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره "
يدل على أهمية وفضل هذه العشر عدة وجوه:
1- إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد المئزر ، وهذا قيل إنه كناية عن الجد والتشمير في العبادة ، وقيل كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن .
2- أنه صلى الله عليه وسلم يحي فيها الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر الطاعات .
3- أنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة .
4- أنه كان يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر .
وعليه فاغتنم بقية شهرك فيما يقرِّبك إلى ربك ، وبالتزوُّد لأخرتك من خلال قيامك بما يلي :
1- الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والقراءة وسائر الطاعات ، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ، قال الثوري ( أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك ، وليحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة "
2- اجتهد في تحري ليلة القدر في هذه العشر فقد قال الله تعالى { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر } ٍالقدر:3 ، ومقدارها بالسنين ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، قال صلى الله عليه وسلم " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه " وقوله صلى الله عليه وسلم [ إيماناً ] أي إيماناً بالله وتصديقاً بما رتب على قيامها من الثواب ، و [ احتساباً ] للأجر والثواب وهذه الليلة في العشر الأواخر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " وهي في الأوتار لقول النبي صلى الله عليه وسلم " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " ، قال العلماء : الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها , بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ، وعليه فاجتهد في قيام هذه العشر جميعاً وكثرة الأعمال الصالحة فيها وستظفر بها يقيناً بإذن الله عز وجل ، والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر .
3- احرص على الاعتكاف في هذه العشر، والاعتكاف : لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى ، وهو من الأمورالمشروعة ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أزواجه من بعده , ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله - عز وجل – ثم اعتكف أزواجه من بعده ) وينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار وقراءة القرآن والصلاة والعبادة , وأن يحاسب نفسه , وينظر فيما قدم لأخرته , وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا .
لا تنسونا من صالح دعائكم
وتقبل الله منا ومنكم
<!-- / message -->
ساحة النقاش