يظل خبر الموت هو ما يفاجأنا دائما مع أننا نتوقعه ونعرف أنه قادم لا محالة، وهو أيضا الحقيقة التي يهرب منها الكثير، لكنها آتية لا ريب فيها.

ومن أنعم الله عليه بزيارة بيت الله الحرام يتذكر جيدا مشهد صلاة الجنازة عقب كل صلاة، ويصلي الجنازة ويتمتم في سره "يا ليتني كنت مكانه"، وربما نسرح بخيالنا ونتخيل من في اللحد رجل قضى حياته بين المساجد والطاعات، والصيام والقيام والذكر، فشرف الصلاة عليه في الحرم المكي لابد أن يكون جائزة لمن أحسن في هذه الدنيا.

هذه الفكرة ترواد الكثير، إلى أن يرسل الله لنا عدة رسائل تحكي لنا حكايات واحد ممكن كانوا هناك ليصلى عليهم في الحرم المكي ونتعرف على حياتهم.

شاب في العشرينات من عمره يُصلى عليه في المسجد الحرام في صلاة العصر وسط حشد كبير كعادة الحرم المكي.. يتأثر لوفاته كثيراً الدكتور عمرو خالد ويسافر ليحضر حنازته بنفسه ثم يدفنه بيديه ويدعو على قبره.

كم منا تمنى أن يكون مكانه في هذه اللحظة.. فهي خاتمة يحلم بها الجميع مهما كانت درجة تقربه إلى الله، كنت شغوفه جدا بسماع قصته التي توقعتها مسبقا مثلي مثل الكثيرين، فقد توقعت أنه شاب نشأ في طاعة الله، كثرت أعماله الصالحة بالرغم من صغر سنه، عاش حياته كلها لله وهكذا من الأعمال الصالحة التي تنتهي لهذه المكانة الرفيعة عند الله وهي حسن الخاتمة.

ولكن لم يحدث ذلك كله.. محمد وليد الجفالي شاب في العشرينات من عمره عاش من أسرة عريقة جدا في المملكة العربية السعودية، كانت حياته ما بين سويسرا وجدة.. ينعم بكل الملذات، كل الملذات، ما يتخليه عقلك وما لا تتخيله.

حاولت والدته أن تنشئ صلة بينه وبين الدكتور عمرو خالد منذ ثلاث سنوات لكنه لم يكن يريد، فهو كان بعيد كل البعد عن هذا الطريق.

كانت حياته بها عقبات كثيرة، فكانت دراسته غير مستقرة ولا يذاكر، ولا يصلي! .. حتى علاقته بعائلته كانت أيضا بها العديد من المشكلات.. ظل على هذا الحال، ولكن منذ ثلاثة أشهر تغير الوضع تماما.

وهنا سيتوقع قارئ هذه السطور مثلي أن يكون سبب التحول هو موت صديق فجأة، أو أنه خسر أمواله ومتاعه، ولكن هذا لم يحدث أيضا. محمد غير حياته طواعية.. اتصل فجأة من نفسه بالدكتورعمرو خالد وقال له "أنا تعبت أوي وعايز صحبة صالحة"، منَّ الله عليه وهداه إلى أن يذهب له بإرادته ويضع يداه على مفتاح التغيير أيضا.

بالفعل جاء إلى القاهرة بعد أن وعد دكتور عمرو أن يجتهد ويعمل معه في نشاطاته التنموية والدعوية، وشاء الله أن يحضر للقاهرة ويذهب للمسجد، أراد الله أن يغسل قلبه بخطوة أولى ليمشي في طريقه الجديد، ذهب ليرى د.عمرو في الدرس الأسبوعي له، وأصبح شخصا آخر بشهادة كل من يعرفه، أصبح يصلى ويقرأ القرآن، وراسل جامعته في سويسرا وتابع دراسته، أرضى والديه، وكان معاونا للدكتور عمرو في برنامجه الجديد حتى أن عمرو خالد بلغه أنه سوف يكتب له إهداء خاص علي مجهوده في البرنامج.

هذا ليس فقط.. التحق محمد بفريق عمل المكتب الإعلامي للدكتور وقام بترجمة حلقات برنامج "بسمة أمل" الإذاعي إلى اللغة الإنجليزية، فقبل وفاته أتم تسعين حلقة مترجمة إلى الإنجليزية، وكان من ضمن هذه الحلقات حلقة حكي فيها دكتور عمرو عن قصة توبته وتغيير حياته وترجمها بنفسه قبل وفاته بأسبوع ليسجلها للعالم أجمع.

ظل محمد يتردد معنا على المسجد مستمعاً مستفيداً بالدروس الدينية، وكان يجلس معنا وكأنه يستمع للآيات والأحاديث لأول مرة، وكان يزاملنا في كل مشاوير العمل، رغم أنه متطوع وغير مجبر على ذلك.

ليست هي نهاية القصة ولكن أيضا شارك دكتور عمرو خالد في معسكر خيري تنموي وتعرف على شباب صناع الحياة.. وكان الله يريد أن يتلقاه مطهراً كاملا فرزقه بعمرة قبل وفاته بأسبوعين، وهناك شهد له الدكتور عمرو على تأثره الشديد بهذه العمرة التي كانت بمثابة نهر اغتسل فيه من أوجاع الدنيا وآثامها.

قبل وفاته بيومين تقريبا حدث مكالمة هاتفية بينه وبين عمرو خالد أخبره فيها أنه يريد أن يراضى أهله ليكونوا راضين عنه فنصحه د.عمرو أن يتحدث إليهم فورا ويخبرهم بذلك، أيضا قال أنه يريد أن يتقرب إلى الله أكثر، فقد يشعر أنه مقصر في حق الله، فنصحه عمرو خالد أيضا أن يقوم ويصلى ركعتين، كان هذا قبيل الوفاة بساعات، وكانت آخر صورة له التقطها أحد أصدقائه له وهو يصلي.

كل هذه الأعمال في ثلاثة أشهر فقط.. عمل بهم ما يعوض به عمره كله ليذهب لملاقاة ربه نقيا طاهرا.. رحمك الله محمد وليد الجفالي، الذي كان زميل عمل خلوق وطيب وحيي، وأسكنك الله فسيح جناته وألحقنك بك على خير وأنعم علينا بحسن الخاتمة.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3909 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2012 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,742,786