وقال تعالى: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان: 12].

وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: 75،76].

وورد في سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» [حسنه الألباني].

وفي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: «قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (يريد بعينيه) ثم صبر عوضته منهما الجنة» [صححه الألباني].

وعند الترمذي في الحديث: «يقول الله عز وجل إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة» [صحيح الألباني].

وفي الترمذي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله: «يقول الله عز وجل: من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب، لم أرض له ثوابا دون الجنة» [صححه الألباني].

وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله: «إن الله تعالى لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب دون الجنة» [حسنه الألباني].

وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله: «يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة» [رواه البخاري].

وفي صحيحه أيضاً عن عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي قالت: "يا رسول الله، إني أصرع وأتكشف، فادع الله أن يشفيني". فقال: «إن شئت دعوت الله أن يشفيك، وإن شئت صبرت ولك الجنة؟»، فقالت: "بل أصبر، ولي الجنة، ولكن ادع الله ألا أتكشف"، فدعا لها، فكانت لا تتكشف [رواه أحمد].

وعند البخاري في رواية عن عطاء أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة.
وفي الموطأ من حديث عطاء بن يسار أن رسول الله قال: «إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين فقال: انظروا ما يقول لعواده؟ فإن هو إذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله، وهو أعلم، فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه ، ودما خيرا من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته» [قال الألباني حسن لغيره].

الصبر في القرآن:

قال ابن القيم في عدة الصابرين قال الإمام أحمد رحمه الله ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعاً.

ونحن نذكر الأنواع التي سيق فيها الصبر وهي عدة أنواع:

أحدها: الأمر به كقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} [النحل:127]، {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور:48]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].

الثاني: النهي عما يضاده كقوله: {وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف:35]، وقوله: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا} [آل عمران:139]، وقوله: {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:48]، وبالجملة فكل ما نهى عنه فإنه يضاد الصبر المأمور به.

الثالث: تعليق الفلاح به كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.

الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابر على غيره، كقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]، قال سليمان بن القاسم: "كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال كالماء المنهمر".

الخامس: تعليق الإمامة في الدين به وباليقين قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

السادس: ظفرهم بمعية الله سبحانه لهم، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]، قال أبو علي الدقاق: "فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته".

السابع: أنه جمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهي الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157]، وقال بعض السلف وقد عُزِّيَ على مصيبة نالته فقال مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها.

الثامن: أنه سبحانه جعل الصبر عوناً وعدة، وأمر بالاستعانة به فقال: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: 45]، فمن لا صبر له لا عون له.

التاسع: أنه سبحانه علق النصر بالصبر والتقوى فقال تعالى: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125]، ولهذا قال النبي واعلم أن النصر مع الصبر.

العاشر: أنه سبحانه جعل الصبرَ والتقوى جُنَّةً عظيمة من كيد العدو ومكره فما استجن العبد من ذلك بجنة أعظم منهما قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120].

الحادي عشر: أنه سبحانه أخبر أن ملائكته تسلم عليهم في الجنة بصبرهم كما قال: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23،24].

الثاني عشر: أنه سبحانه أباح لهم أن يعاقبوا على ما عوقبوا به ثم أقسم قسماً مؤكداً غاية التأكيد أن صبرهم خير لهم فقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل: 126]، فتأمل هذا التأكيد بالقسم المدلول عليه بالواو ثم باللام بعده ثم باللام التي في الجواب.

الثالث عشر: أنه سبحانه رتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر والعمل الصالح فقال: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 11].

الرابع عشر: أنه سبحانه جعل الصبر على المصائب من عزم الأمور أي مما يعزم من الأمور التي إنما يعزم على أجَلِّها وأشرفها فقال: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43]، وقال لقمان لابنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17].

الخامس عشر: أنه سبحانه وعد المؤمنين بالنصر والظفر وهي كلمته التي سبقت لهم وهي الكلمة الحسنى وأخبر أنه إنما أنالهم ذلك بالصبر فقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} [الأعراف: 137].

السادس عشر: أنه سبحانه علق محبته بالصبر وجعلها لأهله فقال: {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146].

السابع عشر: أنه سبحانه أخبر عن خصال الخير أنه لا يلقاها إلا الصابرون في موضعين من كتابه في سورة القصص في قصة قارون وأن الذين أوتوا العلم قالوا للذين تمنوا مثل ما أوتي {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80].

وفي سورة حم السجدة حيث أمر العبد أن يدفع بالتي هي أحسن، فإذا فعل ذلك صار الذي بينه وبينه عداوة كأنه حبيب قريب ثم قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35].

الثامن عشر: أنه سبحانه أخبر أنه إنما ينتفع بآياته ويتعظ بها الصبار الشكور فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5].

وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [الشورى:32،33]، فهذه تدل على أن آيات الرب إنما ينتفع بها أهل الصبر والشكر.

التاسع عشر: أنه أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]، فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابراً، وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلى فإنه بئس العبد.

العشرون: أنه سبحانه حكم بالخسران حكماً عاماً على كل من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحق والصبر، وهذا يدل على أنه لا رابح سواهم فقال تعالى: {وَالْعَصْر * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3]، ولهذا قال الشافعي: "لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه قوة العلم وقوة العمل، وهما الإيمان والعمل الصالح، وكما هو محتاج إلى تكميل نفسه فهو محتاج إلى تكميل غيره وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر".

الحادي والعشرون: أنه سبحانه خص أهل الميمنة بأنهم أهل الصبر والمرحمة الذين قامت بهم هاتان الخصلتان ووصوا بهما غيرهما فقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة} [البلد:17،18]، ِوهذا حصر لأصحاب الميمنة فيمن قام به هذان الوصفان والناس بالنسبة إليهما أربعة أقسام هؤلاء خير الأقسام، وشرهم من لا صبر له ولا رحمة فيه ويليه من له صبر ولا رحمة عنده، ويليه القسم الرابع وهو من له رحمة ورقة ولكن لا صبر له.

الثاني والعشرون: أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان كلها فقرنه بالصلاة كقوله: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة:45]، وقرنه بالأعمال الصالحة عموماً كقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [هود:11]، وجعله قرين التقوى كقوله: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ} [يوسف:90]، وجعله قرين الشكر كقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5]، وجعله قرين الحق وقرين المرحمة كقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17] وجعله قرين اليقين كقوله: {لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]، وجعله قرين الصدق كقوله: {وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب:35] وجعله سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه ويكفي بعض ذلك شرفاً وفضلاً والله أعلم.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل منا الصيام والقيام وسائر الأعمال وأن يلهمنا الصبر والصدق والإخلاص ويرزقنا الفردوس الأعلى من الجنة.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 300 مشاهدة
نشرت فى 19 فبراير 2012 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,742,822