الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، في سورة الأنبياء آية، هي قوله تعالى:

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

وكأن هذا قانون إلهي، من هم الصالحون ؟
أيها الإخوة، الدنيا لها نظام، والآخرة لها نظام، تماماً كهذه الساعة الرقمية، والساعة البيانية، هل يمكن أن تأخذ قطعة من هذه الساعة إلى هذه ؟ مستحيل، هذه لها نظام، وتلك لها نظام، الدنيا لها نظام، والآخرة لها نظام، العباد الصالحون هم الذين استثمروا ثرواتها، وحلوا مشكلات الناس، وأقاموا العدل فيها، لذلك الدنيا شيء، والآخرة موضوع آخر، الدنيا تصلح بالعدل والكفر، ولا تصلح بالإيمان والظلم، الإنسان أحياناً أمام ظاهرة يحتاج إلى أن يفسرها، هؤلاء الذين لا يملكون ذرة من إيمان هم أقوى أقوياء الأرض، متحكمون في كل خيرات الأرض، وأمرهم نافذ، وثقافاتهم معمة على كل ثقافات الشعوب، كيف نفسر ذلك ؟ هناك قوانين، الإنسان الأصلح للدنيا يتحكم بالدنيا، الذي يؤمن فرص عمل، الذي يقيم القانون فوق الجميع، ليس هناك تفرقة، الذي يضمن للناس حاجاتهم وطبابتهم ودخلهم، وتعويض بطالتهم، يجب أن تفهم الذي يصلح لإدارة الأرض هو القوي، لا يعقل أن إنساناً يعمل في اليوم ثماني ساعات كاملة، وإنسان آخر يعمل سبع عشرة دقيقة، تكون هذه الأمة تكون ضعيفة، والثانية قوية، الذي يعمل شعبها ثماني ساعات كاملة هي أقوى من أمة يعمل شعبها سبع عشرة دقيقة في اليوم.
ليس معقولاً أن شركة واحدة تعداد موظفوها أربعون ألفًا دخلها يساوي دخل أمة تعداد سكانها سبعين مليونًا، الذي يعمل أكثر يغتني أكثر، والذي يغتني أكثر يقوى أكثر، فالأرض لها قوانين، وأنت إن لم تحترم هذه القوانين تصبح في مؤخرة الأمم، هذا الموضوع ليس له علاقة بالدين، هذه الدنيا لها قوانين، لكن المؤمن مطلوب منه أن يكون خليفة الله في الأرض، وأن يعمر الأرض، فإذا قصر في هذا فإيمانه محفوظ عند الله، لكنه لا يستطيع أن يسيطر.
من أجل أن نفهم ماذا يجري الآن، حينما يكون القانون فوق الجميع، وحينما يكون العمل دؤوباً، وحينما توضع موازين دقيقة لتقييم الناس، هؤلاء الذين لا يعترفون على الأديان، يفعلون هذا هم أقوياء الآن، والذين يأخذون الدين وحده، ويهملون أمور دنياهم، ولا يعملون، ماذا قال الله عز وجل ؟

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

فإن كان المؤمن صالحاً لإدارة الأرض استخلفه الله فيها، قال تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

[ سورة النور: الآية 55]

فإن اكتفى المؤمن دون أن يفعل شيئاً، وكان كسولاً، ولم يحقق خلافة الله في أرضه، ولم يعمر الأرض لا يستطيع أن يكون قوياً، يدفع ثمن تقصيره، يبدو أن الدنيا أساسها السعي، قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ﴾

[ سورة الانشقاق: الآية 6]

الآخرة أساسها التكريم قال تعالى:

﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾

[ سورة النحل: الآية 31]

الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، الدنيا دار تكليف، والآخرة دار تشريف، يجب أ ن نفهم لماذا هؤلاء الغربيون أقوياء ؟ ليس معنى ذلك أن الآخرة لهم، لا الآخرة لها نظام آخر، الآخرة أساسها الإيمان والاستقامة والعمل الصالح، إن أردت أن تضغط الدين كله في كلمات ثلاث، إيمان، استقامة، عمل صالح، هذه بضاعة الآخرة فمن كان مؤمناً، واستقام على أمر الله، وعمل صالحاً، ولكن لم يكن صالحاً لإدارة الدنيا فلن يكون خليفة الله فيها، ولن يستخلف فيها، فإن أردتم أن تكونوا أقوياء فينبغي أن تكونوا صالحين لإدارة الدنيا.
الإنسان الذي يسافر إلى بلاد بعيدة شرقاً وغرباً، هناك مليون دليل عن أسباب قوتهم، حينما يتعاون المجتمع على ضمان صحي لكل الناس، أي إنسان يدخل مستشفى يجري أغلى عملية مجاناً، هذا حق المواطن، حينما تؤمن الأعمال لكل الناس، تعويض بطالة مؤمَّن لكل الناس، قد لا تجد فقيراً، أحياناً هذه الصفات التي يتمتع بها إنسان أنكر أديان كلها، لكنه كان صالحاً لإدارة الأرض، إذاً هو يستخلفه الله فيها، هكذا نظام الأرض إن جمعت بين الإيمان والاستقامة والعمل الصالح، وأن تكون خليفة الله في أرضه استخلفك الله عز وجل.
سيدنا عمر عين والياً، وامتحنه، قال: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ فقال: أقطع يده، فقال له: إذاً إذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها في الطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
لا أريد أن أجعل هذا الدرس مدحاً لهؤلاء، لكن شئنا أم أبينا عندهم تفوق اجتماعي، وضمانات للمواطنين، وعندهم القانون فوق الجميع، وعندهم أشياء إيجابية، أكاد أقول: إن كل إيجابياتهم إسلامية، لأنهم يعبدون المال فقط، هم لا يعبدون الله أبداً، يعبدون المال، لكن إيجابياتهم إسلامية، بل إن هذا النظام الإسلامي العظيم لو جاء ملحد، وطبقه لقطف ثماره، لو جاء ملحد ينكر وجود الله، وطبق النظام الإسلامي لنجح، لأن الإسلام أعطى الإنسان حاجته، أعطى الإنسان ما يكفيه من طعام وشراب وثياب وطبابة، لذلك الإنسان حينما تعطيه حاجاته، وتعطيه حريته وكرامته يعطيك نفسه كلها، أنا هذا الذي رأيته حينما سافرت، قوتهم لها أسباب، هم في حقنا مجرمون، لكن في حق شعوبهم عادلون، لذلك قال أحد العلماء، وكلما سافرت إلى تلك البلاد هذه الكلمة ترن في أذني: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، توفير فرص عمل شيء مهم جداً أيها الإخوة، أن يكون التشريع فوق الجميع، ليس أحد فوق التشريع، كل الناس تحت التشريع، هذا الذي يقوي الأمة.
مر معي حديث، صدقوا أيها الإخوة، أبعاده كبيرة جداً ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( َتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ))

[ النسائي، الترمذي، أبو داود، أحمد]

أنت قوي، وهناك شخص ضعيف تحت سلطتك، وبإمكانك أن تسحقه، وبإمكانك أن تتجاهل حاجاته، وبإمكانك أن تهمله، وبإمكانك أن تعتم عنه، وبإمكانك أن تلغي وجوده، هذا الضعيف أعطيته حقه، وكرمته، الآن الله عز وجل سيكافئك بمكافأة من جنس عملك، سينصرك على من هو أقوى منك،

(( َتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ))

هذا المعنى التوحيدي.
هناك عنى آخر، هذا الضعيف حينما تعطيه حقه، تعطيه طعامه وشرابه وكساءه وطبابته، تعطيه ما يربي أولاده، ويطعمهم، ويفرحهم، هذا الضعيف حينما تعطيه حقه يصبح ولاؤه لك، يصبح المجتمع قوة لا يمكن أن تخترق، أما حينما يكون هناك خلل داخلي، فاختراق هذا المجتمع سهل جداً.
أيها الإخوة الكرام، ملمح آخر، لما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر أراد اليهود أن يغروه بحلي نسائهم كرشوة، فقال هذا الصحابي الجليل: جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا.
إنسان يقبل معك، وأنت صاحب معمل بأربع آلاف في الشهر، وأجرة الطريق ألف ثلاثة آلاف، ماذا يفعل بها ؟ وأنت تنفق في اليوم مئة ألف، ليس معقولا، فحينما نظلم بعضنا بعضاً لا نستحق نصر الله عز وجل، حينما يأكل الأب ما يشتهي في المطاعم الأب، وليس في البيت طعام فهذا أب ظالم، وحينما نظلم بعضنا بعضاً لا نستحق أن ننتصر، فقال اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا.
أنا الآن عندي شعور أن الكلام انتهى، نريد عملاً، إذا كنت تقدر في عملك أن ترعى من تحت يدك رعاية كاملة، أن تعطيهم حقهم، أن تعطيهم كرامتهم، تكون هذه المؤسسة كتلة متماسكة، لذلك أكثر المؤسسات في العالم الغربي تنمو بشكل عجيب السبب ؟ حينما أعطوا الموظفين حقوقهم الكاملة، ودخلاً يليق بكرامتهم الإنسانية هذا الموظف بقي معها، وكبر معها، أما حينما يقبل بدخل أقل من حاجته مضطراً إلى أن يتاح له فرصة أخرى يترك، فكل موظف في مكان ما، في قيادة حكيمة، كمعمل، أو مشروع، فرضاً، دائماً يفكر بالترك، إذاً ليس هناك نمو، متى ينبغي أن نفكر تفكيراً سليماً ؟ الآن هذه الدنيا أمامكم، نحن ضعاف، ونحن مستهدفون، وهناك من يحيك للمسلمين المؤامرات التي تزول لهولها الجبال، فإما أن نتبع قوانين الله عز وجل في أن نكون أقوياء، ونكون أقوياء إذا رحمنا ضعفاءنا، نكون أقوياء إذا أعطينا كلاً حقه، وأعطينا كلاً ما يليق به: لذلك:

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) ﴾

[ سورة الأنبياء ]

من أدق تفسيرات هذه الآية: أنهم صالحون بإدارتها فقط، بعيداً عن دينهم، الدين بالآخرة، لذلك يقول أحد العلماء: الدنيا تصلح بالعدل والكفر، ولا تصلح بالإيمان والظلم.
هذا الملٍك الذي كان سيدنا يوسف رئيس وزراءه هل استطاع سيدنا يوسف، وهو رئيس وزراء أن يحتجز إخوته من دون دليل ؟ لم يستطع، قال تعالى:

﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾

[ سورة يوسف: الآية 76]

دين الملك لا يسمح له أن يحتجز إنساناً من دون دليل، أو من دون بينة، فاخترع موضوع سرقة صواع الملك حتى حجزه، هذا كلام دقيق جداً، إن كنت مدير مؤسسة، إن كنت مدير معمل، رئيس دائرة، كنت مدير مؤسسة فيجب أن تعلم أنك حينما تقيم العدل بين الموظفين، وحينما تعطي الناس حقوقهم، وحينما تسمح بالنقد البناء تقوى هذه المؤسسة، وقس عليها كل شيء، الدنيا تصلح بالعدل والكفر، ولا تصلح بالإيمان والظلم.
الآن، هل فهمنا لماذا الطرف الآخر قوي جداً، لماذا يتحكم في الأرض كلها الآن ؟ هناك إيجابيات عندهم لا يمكن أن تنكر، لكن يعاملوننا معاملة سيئة جداً، وهم أعداء ألداء لنا، إلا أنهم في بلادهم لهم ترتيب آخر، فنحن ينبغي كل واحد منكم لو صار رئيس دائرة، لو ولاه الله على عشرة أشخاص يجب أن يقيم العدل بينهم، يجب أن يضع مقياساً موضوعياً في كل شيء، المقاييس أحياناً لا تكون موضوعية، ولاءات شخصية، ليس هناك مقاييس موضوعية.
فهذه آية وأرجو الله عز وجل أن تترجم هذه الدروس في رمضان إلى سلوك، أن تترجم إلى عمل، والله كلما أسمع قصة عن إخوة كرام طبقوا ما في هذه الدروس، وتعاونوا على حل مشكلات بعضهم بعضاً، والله يمتلئ القلب فرحاً وسروراً، أن هذا الدرس انقلب إلى سلوك، وترجم إلى سلوك

.

والحمد لله رب العالمين

<!-- google_ad_section_end -->



  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 33 مشاهدة
نشرت فى 4 يناير 2012 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,742,986