معنى السمع في القرآن
يتضمن السمع ثلاث درجات معروفة في علم وظائف الأعضاء، وهي مذكورة في كتاب الله تعالى،
فأول ذلك: الإحساس بالصوت دون فهم، وذلك مثل: مثل الطفل الوليد الذي لا يفقه معنى الكلام وهو يحس بالصوت لكنه لا يفقه معناه،


أو كالدواب السارحة التي إذا نعق بها راعيها، أي دعاها إلى ما يرشدها فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه، فلا تفهم ما يقول، بل إنما تسمع صوته فقط، وهذا مذكور في قول الله تعالى:
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء)[البقرة: 171]

والثاني: هي الإحساس بالصوت مع الفهم وذلك في قوله تعالى:
(وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 75]

والثالث: هي الإحساس بالصوت مع الفهم بالإضافة إلى الاقتناع والإيمان والطاعة وهي أعلى درجات السمع التي تُمنح للمؤمنين كما في قوله تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ..[الأنعام: 36]

هذه المعاني الثلاثة تتوافق مع ما هو معروف في علم وظائف الأعضاء من الإحساس بالصوت والتمييز والفهم والوظائف العليا الأخرى للمخ التي تتضمن العواطف والإرادة والتصرفات.

والقرآن العزيز فرّق بين السماع والاستماع والإصغاء والإنصات بطريقة بليغة ودقيقة ومناسبة للموقف:
فالسمع يكون بقصد ومن دون قصد، ومثاله في كتاب الله العزيز


قوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [القصص: 55]
والاستماع يكون بقصد من أجل الاستفادة،


قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف: 29]
والإصغاء: حيث التركيز وتفاعل القلب والمشاعر،


قال تعالى: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) [التحريم: 4]
والإنصات هو ترك الأشغال والسكوت والتفرغ للاستماع،
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204]

وعن أبي موسى الأشعري قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:


"إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا وإذا قرأ فأنصتوا".

أخرجه مسلم في صحيحه ورواه أهل السنن.

السمع في الآخرة:
ذكر القرآن أن السمع في الآخرة هو من وسائل التنعيم والتكريم للمؤمنين وأن الحرمان منه من أنواع العذاب المعدة للكافرين.
فلما كان المؤمن هو المستفيد بسمعه في الدنيا وهبه الله أفضل السماع بالآخرة
فقال تعالى:
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً )[الواقعة: 25-26 ]
ولما عطّل الكافرُ سَمَعَه بالدنيا حرمه الله السمع في الآخرة،


قال تعالى:
(لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ )[الأنبياء: 100]

أهمية السمع:
إن السمع أهم وسيلة من وسائل التعلم والإدراك،


قال الله تعالى:
(وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[النحل: 78]
ومن العجيب في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قال فيها: لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً.

لذلك قد يقال:
كيف خرج من بطن أمه وهو لا يعلم شيئاً ولا يفقه معناه ؟ و الجنين داخل بطن أمه يحس بالصوت !

فيجاب عن هذا:
أن الجنين في بطن أمه يدرك ولا يعلم، والإدراك غير العلم.

فالله تعالى جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة قبل الخروج من بطون الأمهات، وإنما أعطاهم العلم بعد الخروج.
وحين يبدأ الله سبحانه وتعالى بشيء ويقدمه على غيره يكون لذلك دلالة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بدأ بالسعي بين الصفا والمروة بدأ بالصفا وقال: أبدأ بما بدأ الله به، فالبدء بما بدء الله به يدل على أهميته وتقدمه كما جاء التقديم للسمع.

وقد برهنت الاكتشافات الطبية أن السمع أهم من البصر وذلك من كل الجوانب، فإذا أخذنا مقارنة بسيطة بين الأذن والعين نلاحظ أن:

العين والبصر

1 البصر يحتاج إلى النور فنحن لا نستطيع أن نرى في الظلام.

2 البصر حاسة شعورية يخضع لإرادة صاحبه بمعنى أنه بإمكاننا أن نرى أو لا نرى حسب إرادتنا الشخصية وبإمكاننا أن نلفت نظرنا عن شيء لا نرغب في رؤيته.

3 العين تنام وتستريح بالليل لأننا لا نرى شيئاً بالليل إلا في الرؤى و الأحلام.

الأذن والسمع

الأذن تمكننا من السمع وحاسة السمع لا شعورية، أي أننا نسمع في الليل والنهار وفي النوم واليقظة، لأن الأذن لا تنام.

ودل القرآن الكريم على أن الصوت العالي ضار على الأذن وعلى البدن فأما ضرره على الأذن فهو في قول الله تعالى عن يوم القيامة: (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ) [عبس: 33]

قال المفسرون:

الصَّاخَّةُ الصيحة تُصم الآذان لشدتها، أي تصيبها بالصمم، ومنه سُميت القيامة الصاْخَّةُ.
وهذا يعتبر أول توثيق علمي بأن الصوت العالي يصيب الأذن بالصمم.
قال صاحب القاموس المحيط: الصَّمَمُ: انْسِدادُ الأُذُنِ وثِقَلُ السَّمْعِ.

وأما ضرره على البدن: فيتمثل الإعجاز بأن الصوت العالي لا يؤثر فقط على الأذن وإنما يؤثر إذا زاد عن المدى السمعي للأذن على بقية أعضاء البدن،
ومن ثم فقد أهلك الله سبحانه أقواماً بالصيحة كما في قوله تعالى: (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ)[يس: 29]
وكما في قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [الأعراف: 78]

والقرآن الكريم قد سبق كل المعارف البشرية حين قرر إهلاك بعض الأمم بالصيحة، والمتأمل في الآيات التي ذكرت هلاك بعض الأقوام بالصيحة يعجَب من دقة الوصف لوسيلة العذاب ولأثرها على المعذبين،
كما في قوله تعالى: (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ )[يس: 29]

ويبقى الشرف العظيم للأذن حين وصف الله تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأذن الخير عندما أراد المنافقون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا عنه هو أذن أي سمّاع لكل قول يجوز عليه الكذب والخداع ولا يفطن إلى ذلك، فأخذ الله من قولهم رداً عليهم
فقال تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة: 61]

نعم هو النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم أذن خير للناس يستمع إلى الوحي ثم يبلغه لهم وفيه خيرهم وصلاحهم.

وماذا بعد ما قالوه عن القرآن ؟
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ. ) {فصلت:26 }

المصدر: عرب حب
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 63 مشاهدة
نشرت فى 16 مايو 2011 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,742,270