بسم الله الرحمن الرحيم

كُـنْطـالـبـاً بـاراً , و لا تـكـن صـيَّـاداَعـاقـاً

الحمد لله ربِّ العالمين, و الصلاةو السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .
العلماء مع فضلهم و مكانتهم ودورهم في العلم و الدعوة إلى الله , إلاّ أنَّهم بشر كغيرهم مِن الناس , بل همعُرضة للخطأ و الغفلة و السهو و النسيان , لقوله – صلى الله عليه و سلم – :" كلُّبني آدم خطَّاء و خيرُ الخطَّائين التوابون " ( رواه الإمام أحمد و الحديث حسن )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" فأمّا الصدّيقون والشهداء و الصالحون فليسوا بمعصومين و هذا في الذنوب المحققة , و أمّا إذا اجتهدواو أصابوا فلهم أجران و إذا اجتهدوا و أخطأوا فلهم أجـر على اجـتهادهم ,
وخطؤهم مغفورٌ لهم " ( الفتاوى 35 / 69 )
فإذا كان هذا حال هؤلاء الذين قاموابواجب العلم و الدعوة , و لا يسلم أحد منهم مِن الوقوع في الخطأ و الزلل , فكيفبمَن هم دونهم في العلم و العمل ,الذين لا يعرفون حقوق العلماء و أساليب التعاملمعهم , بل يحفظون لبعض صغار العلم مِن الحقوق , ما لا يُحفظ لغيرهم مِن كبار العلم , بل يقدِّمون أقوال صغار العلم على الأجِلّة مِن علماء الأمة و إنْ خالفوا الدليل , مع تصيّدهم لعوراتهم , و زلاّتهم و هفواتهم , إنْ كانت كذلك في نظرهم القاصر .

قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -:" مَنْ له علم بالشرع الواقعيعلم قطعاً إنَّ الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح و آثار حسنة و هو مِنالإسلام و أهله بمكان قد يكون منه الهفوة و الزلة ,هو فيها معذور , بل مأجورلاجتهاده , فلا يجوز أنْ يُتبع فيها , و لا يجوز أنْ تُهدر مكانته و منزلته في قلوبالمسلمين "

( إعلام الموقعين 3 / 295)
و قال الإمام الذهبي في ترجمة قتادةبن دعامة السدوسي معتذراً عنه :" ثم إنَّ الكبير مِن أئمة العلم إذا كثر صوابه ,وعُلم تحريه للحق , واتّسع علمه و ظهر ذكاؤه , وعُرف صلاحه وورعه و اتِّباعه , يُغفرله زلـله و لا نُـظلله و نطرحه و ننسى محاسنَه , نعم و لا نقتدي به في بدعته و خطئه , و نرجو له التوبة مِن زلـله "

( سِير أعلام النبلاء 5 / 271 )

و قالأيضاً في دفع العتاب عن الإمام محمد بن نصر المروزي – رحمه الله - :" ولو أنّا كلماأخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مفغوراً له , قمنا عليه , و بدّعناه وهجرناه , لما سلِم معنا , لا ابن نصر و لا ابن منـده , و لا هو مَنْ أكبر منهما , واللهُ هو هادي الخلق إلى الحق , و هو أرحم الراحمين ,فنعوذ بالله مِن الهوى والفظاظة " ( المصدرنفسه 14 / 40 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" و ليس لأحدٍأنْ يتبع زلات العلماء , كما ليس له أنْ يتكلم في أهل العلم و الإيمان إلا بما همله أهل , فإنّ الله تعالى عفا للمؤمنين عما أخطأوا , كما قال تعالى :(ربَّنَا لاَتُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ), قال الله:" قد فعلت " ( الفتاوى 32 / 239 )
أما إذا كانت هذه الهفوات و الزلات لها تأثير على الناس , ففي هذهالحالة , يجب على أهل العلم التحذير منها بالأسلوب العلمي الأدبي , بحيث لا يشعرالناس بالتنقُّص مِن هذا العالم , و لا تُهدر مكانته , بل تُحفظ لأنّ الطعن فيه , طعن في الدين , و الدعوة التي يحملها و يدعو الناس إليها , و هذا محرّم .

فمَن كان هذا حاله مِن العلماء , فلا نتعجّل في الاعتراض و النقد , وهذا ليس على إطلاقه , لأنه ليس معصوماً , بل تُقال عثراتُهم لقوله – صلى الله عليهو سلم - :" أقيلوا ذوي الهيئات عثراتِهم , إلا الحدود "

( رواه أبو داود و الحديث صحيح )
و لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" مَنْ أقال مسلماً أقال اللهعثرته "

( رواه أبو داود و الحديث صحيح )
و الكلام في التحذير مِن الهفوات و الزلات لأهل العلم , و ليس لآحادالناس.
قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - :" الحكم على زلة العالم هو مِنوظائف المجتهدين , فهم الـعارفون بما وافق أو خالف , و أما غيرهم فلا تمييز لهم فيهذا المقام "

( الموافقات 5 / 139 )
أما أنّ نستغل هفوة العالم أو زلتهللتشفي و الانتقام فهذا حال الصيّادين, الساقطين مِن أهل البدع ,الذين يتصيّدونالأخطاء للتشنيع و النشر , و هذا هو الظلم بعينه .
قال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله - :" و الكلام في الناس يجب أنْ يكون بعلم و عدل , لا بجهل و ظلم , كحالأهل البدع" ( منهاجالسنة 4 / 337 )
و قال الإمام ابن حزم – رحمه الله - :" إذا حضرتَ مجلسعلمٍ , فلا يكن حضورك إلا حضور مستفيد , مستزيد علماً و أجراً , لا حضور مستغنٍ بماعندك , طالباً عثرة تُشنِّعها أو غريبة تُشيِّعها , فهذه أفـعال الأراذل الذين لايفلحون في العلم أبداً" ( مجموع رسائل ابن حزم ص 411 )
كما قال أحدُ الأراذل : كنتُ أتمنى أنْ يُخطئ الخطيب حتى أتشفى منه .
وقال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله - :" إذا ظفرتَ بوهم العالم فلا تفرح به للحطمنه , و لكن افرح به لتصحيح المسألة فقط , فإنّ المنصف يكاد يجزم بأنّه ما مِن إمامإلا و له أغلاط و أوهام , لاسيما المُكثرين منهم "

و مايشغُب بهذا و يفرح به للتنقص إلا متعالم يريد أنْ يطبّ زكاماً , فيحدث به جذاماً , نعم ينَبَّه على خطأ أو وهم وقع لإمام غُمر في بحر علمه و فضله ,لكن لا يثير الرهجعليه بالتنقص منه , و الحط عليه فيغترُّ به مِن هو مثله " ( حلية طالب العلم ص 81 )
و هذا كلُّه في حق العلماء الربانيين , المُقتدى بهم في الدين , أهلالعقيدة الصحيحة , و المنهج السليم , أمّا أهل البدع أو الذين ينتسبون للعلم كذباًو زوراً , للتلبيس على الجهلة مِن الناس , أو للتلبيس على حدثاء الأسنان مِن طلبةالعلم , فهؤلاء لابد مِن بيان حالهم و إظهار عيوبهم , و التحذير منهم ,حتى لايُقتدى بهم ,فيُؤخذ عنهم العلم .

و العالم كغيره له حق النصح إذاأخطأ , و لكن مَن الناصح ؟ أهم الجهلة الغلاة أصحاب الألسنة الحادة ,و الكلماتالجارحة؟ أم الذين لا يرون الحق إلا ما كان على مثل ما هم عليه ؟ و الحق أن الناصحهو الذي عرف الحق بدليله , و رحم الخلق بألفاظه , و ستر العيب بخلقه , و الأصل فيالنصيحة السر , و الغرض منها , إزالة المفسدة فإذا حصلت الغاية مِن النصيحة سراً , فلا ينبغي العدول منها إلى المجاهرة بها على المنابر ,والصحف و المواقع العنكبوتية .
قال يحيى بن معين – رحمه الله - :" أخطأ عفّان في نيِّفٍ و عشرينحديثاً ما علمتُ بها أحـداً و أعـلـمتُه سراً , و لقد طلبَ إليَّ خلف بن سالم أنْأخبره بها , فما عرّفته , و كان يحب أنْ يجد عليه "
و قال – رحمه الله - :" ما رأيتُعلى رجل خطأ إلا سترتُه , و أحببتُ أنْ أزين أمره , و ما استقبلت رجلاً في وجههبأمر يكرهه , و لكن أبيّن له خطأه فيما بيني و بينه , فإنْ قبِل ذلك , و إلا تركتُه "

( سِيَر أعلام النبلاء 11 / 183 )
فالنصيحة سراً , ثمرة طيبة مقبولة , و أما المجاهرة بها لغير ضرورة , حنظلة مرفوضة .
فلو أخذنا بتصيّد نوادر العلماء و زلاّتهم , وقعنا في الضلال والهلاك , و فيما لا تُحمد عقباه .

قال الإمام الأوزاعي – رحمه الله - :" مَن اخذ بنوادر العلماء خرج مِن الإسلام "

( سير أعلام النبلاء 7 / 125 )
فمِن أجل مكانة العلماء و دورهم في العلم و الدعوة , لابدّ أنْ تكون نصيحتهم إذا أخطأوا وفق الأساليب الشرعية بالحكمة, و إقامة الحجج والبراهين , مع الابتعاد عما يثير الغضب في المنصوح , و إنْ استطاع أنْ ينصح بأسلوبغير مباشر كان أولى و أفضل , كقول النبي – صلى الله عليه و سلم - :" ما بال أقوام " ( رواه البخاري )

فبهذا نكون قد قمنا بواجب النصيحة على الطريقة النبوية مِن غير هتكلأعراض العلماء و انتقاصهم حقهم , لأنّ البعض مِمّن لا يُحسنون أدب النصيحة , فيتخذون منها سُلّماً للقدح في العلماء , فحينئذٍ ينتقل الأمر مٍن النصيحة المشروعةإلى الفضيحة المحرمة , و هذا لا يرتضيه و لا يقبلهعاقل.
و العالم الصادق ينصح لوجه الله لإحقاق الحق و هداية الناس, لاللتجريح و التشهير , و العدوان و الانـتـقـام و التشفي , و إذكاء نار الفتنة بينالعلماء لإسقاطهم و التحذير منهم , انتصاراً للنفس و الهوى , و هذا نابعٌ مِن الحقدو الحسد .
فيا هذا كُن طالباً للعلم , داعياً إلى الله , و لا تَكُن صيّاداًلزلات و هفوات العلماء , و اعلم أنَّ تصيّد زلات و هفوات العلماء مِن عقوقهم , فكُنعلى حذر.

و آخردعوانا , أنِ الحمد لله ربِّ العالمين
المصدر: العنابى
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 79 مشاهدة
نشرت فى 26 فبراير 2011 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,739,957