وَ اِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"
كان النبي صلى الله عليه و سلم يمتاز بفصاحة اللسان و بلاغة القول .
و كان الحلم و الاحتمال ، و العفو عند المقدرة ، و الصبر على المكاره ، صفات أدّبه الله بها ، و كل حليم قد عرفت منه زلة ، و حفظت عنه هفوة ، و لكنه صلى الله عليه و سلم لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا ، و على إسراف الجاهل إلا حلما .
قالت عائشة رضي الله عنها :" ما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، فان كان إثما كان ابعد الناس عنه ، و ما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها ،و كان ابعد الناس غضبا و أسرعهم رضا" .
( أخرجه البخاري و مسلم ) .
و كان من صفة الجود و الكرم على ما لا يقادر قدره كان يعطي عطاء من لا يخاف فقرا ، قال ابن عباس : "كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس ، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، و كان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ،فرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة" .
( أخرجه البخاري و مسلم ) .
و كان من الشجاعة و النجدة و البأس بالمكان الذي لا يجهل ، كان أشجع الناس ، حضر المواقف الصعبة ، و فر عنه الكمأة و الأبطال غير مرة ، و هو ثابت لا يبرح ، و مقبل لا يدبر ، و لا يتزحزح ، و ما شجاع إلا و قد أحصيت له فرة ، و حفظت عنه جولة سواه ، قال علي رضي الله عنه :" كنا إذا حمى البأس و احمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه و سلم فما يكون احد اقرب إلى العدو منه" .
( أخرجه النسائي و مسلم ).
قال انس :" فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا ، و قد سبقهم إلى الصوت ، و هو على فرس لأبي طلحة عرى ، في عنقه السيف ، و هو يقول :" لم تراعوا ، لم تراعوا" .
( أخرجه البخاري و مسلم و الترمذي ).
و كان اشد الناس حياء و إغضاء ، و قال أبو سعيد الخدري : كان اشد حياء من العذراء في خدرها، و إذا كره شيئا عرف في وجهه ( أخرجه البخاري ). و كان لا يثبت نظره في وجه احد، خافض الطرف لا يشافه أحدا بما يكره حياء و كرم نفس، و كان لا يسمي رجلا بلغ عنه شيء يكرهه: بل يقول: "ما بال أقوام يصنعون كذا "
( صحيح البخاري و مسلم ).
و كان أحق الناس بقول الفرزدق ::
يغضى حياء و يغضى من مهابته فلا يكلم إلا حين يبتسم
...
و كان اعدل الناس ، و أعفهم ، و أصدقهم لهجة ، و أعظمهم أمانة ، اعترف له بذلك محاوروه و أعداؤه ، و كان يسمى قبل نبوته الأمين ، و يتحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام .
و كان اشد الناس تواضعا ، و أبعدهم عن الكبر ، يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك و كان يعود المساكين ، و يجالس الفقراء ، و يجيب دعوة العبد ، و يجلس في أصحابه كأحدهم ، قالت عائشة رضي الله عنها : "كان يخصف نعله ، و يخيط ثوبه ، و يعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته ، و كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ، و يحلب شاته ، و يخدم نفسه" .
(أخرجه احمد و صححه ابن حبان و الألباني ) .
كان أوفى الناس بالعهود ، و أوصلهم للرحم ، و أعظمهم شفقة و رأفة و رحمة بالناس ، و أحسن الناس عِشرة و أدبا ، و ابسط الناس خلقا، و ابعد الناس من سوء الأخلاق ، لم يكن فاحشا ، و لا متفحشا ، و لا لعانا ، و لا صخابا في الأسواق ، و لا يجزي السيئة بالسيئة ، و لكن يعفو و يصفح .( أخرجه الترمذي ) ، و كان لا يدع أحدا يمشي خلفه ، و كان لا يترفع على عبيده و امائة في مأكل و لا ملبس ، و يخدم من خدمه ، و لم يقل لخادمه أفٍّ قط ، و لم يعاتبه على فعل شيء أو تركه
( أخرجه البخاري )، و كان يحب المساكين و يجالسهم و يشهد جنائزهم، و لا يحقر فقيرا لفقره.
و على الجملة فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم محلىّ بصفات الكمال المنقطعة النظير ، و أدبه ربه فأحسن تأديبه ، حتى خاطبه مثنيا عليه فقال : { وَ اِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ( سورة القلم : 4 ) ، و كانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس ، و حببه إلى القلوب ، و صيره قائدا تهوى إليه الأفئدة ، و الآن من شكيمة قومه بعد الإباء حتى دخلوا في دين الله أفواجا .
و حسبه أن الله ( عز و جل ) جمع له ذلك كله بقوله:
{ وَ اِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ( القلم:4 ).
..صلى الله على حبيبنا و رسولنا، أشرف الخَلق محمد صلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا..<!-- / message -->
عدد زيارات الموقع
1,741,726
ساحة النقاش