عبور 80 ألف مقاتل و800 دبابة ومدرعة ومئات المدافع مع حلول ظلام 6 أكتوبر
البحرية قصفت النقاط الحصينة والأهداف المعادية ومجمعات العدو وأعاقت الملاحة في خليج السويس
نجحت القوات المسلحة في بناء نفسها من جديد وقررت أن تدخل حرب الاستنزاف لتكون مدرسة قتالية تعيد الثقة للمقاتل المصري وتكشف زيف أسطورة الجندي الإسرائيلي.. ويقدم فيها رجال قواتنا بطولات نادرة سبقت سيمفونية أكتوبر التي عزفها المصريون في 1973 اعداداً وتخطيطاً وتنفيذاً.. الأمر الذي أبهر العالم وأعتي أكاديمياته العسكرية ووقف الجميع إجلالاً واحتراماً للمقاتل المصري الذي تغلب علي المستحيل بعينه ولم ترهبه أسلحة العدو الحديثة.. أو حصونه المنيعة.. أو طائراته العصرية ولكنه مضي يأخذ ثأره ويرد اعتباره ليؤكد الجميع أنه بالفعل خير أجناد الأرض.. لقد أعاد نصر أكتوبر 1973 الحياة للأمة العربية وأخرجها من براثن اليأس والإحباط إلي بحور الفخر والمجد.
بدأت حرب أكتوبر بضربة جوية مركزة في الثانية ظهر السادس من أكتوبر استهدفت مراكز قيادة العدو وقواعد صواريخه ونقاطه الحصينة ومراكز عملياته وقواعد الرادارات والاتصالات.. وأجهزته الضربة الجوية الأولي التي خطط وأعد لها الرئيس محمد حسني مبارك قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر علي 97% من الأهداف التي خططت لها وأصبح العدو لا يري.. لا يسمع.. لا يتكلم.. ولا يستطيع السيطرة علي جبهة القتال من هول المفاجأة الصاعقة التي هوت علي رأسه وقطعت أوصاله.. وكان من المخطط أن تتم ضربة جوية ثانية إلا أن نجاح الضربة الأولي المذهل أغني عن تنفيذ الثانية.
في الساعة الثانية وعشرين دقيقة كانت المدفعية قد أتمت القصفة الأولي والتي استغرقت 15 دقيقة وتركزت علي جميع الأهداف المعادية التي علي الشاطيء الشرقي للقناة إلي عمق يتراوح ما بين كيلومتر ونصف وفي التوقيت التي رفعت فيه المدفعية القصفة الثانية علي عمق 1.5كم إلي 3كم من الشاطيء الشرقي بدأت موجات العبور الأولي من سرايا النسق الأول من كتائب النسق الأول المشاة في القوارب الخشبية والمطاطية وذلك في الفواصل من النقط الحصينة.
مع تدفق الموجات الأولي من المشاة بدأ الإبرار البحري لمفرزتين من اللواء 130 مشاة ميكانيكي البرمائي المستقل كانت كل منهما تتكون من كتيبة ميكانيكية مدعمة وذلك عبر البحيرة المرة الصغري بغرض الاندفاع شرقا والاستيلاء علي مدخل مضيق الجدي ومضيق متلا بالتعاون مع قوة الابرار الجوي التي سيتم إبرارها طائرات هليكوبتر خلف خطوط العدو ومع تدفق موجات العبور بفاصل 15 دقيقة لكل موجة وحتي الساعة الرابعة والنصف مساء تم عبور 8 موجات من المشاة وأصبح لدي القوات المصرية علي الشاطيء الشرقي للقناة خمسة رءوس كباري قاعدة كل منها حوالي 6كم وعمق كل منها 2كم.
وفي نفس وقت عبور موجات المشاة كانت قوات سلاح المهندسين تقوم بفتح ثغرات في الساتر الترابي لخط بارليف عبر تشغيل طلمبات المياه وإزاحة أطنان الأمتار المكعبة من الرمال.
وحين فتح الثغرات قامت وحدات الكباري بإنزالها وتركيبها في خلال من 6 - 9 ساعات حتي تركيب جميع الكباري الثقيلة والخفيفة والهيكلية والناقلات البرمائية.
وفي خلال الظلام أتمت عملية العبور حتي أكملت 80 ألف مقاتل مشاة و800 دبابة ومدرعة ومئات المدافع.
دور البحري المصرية
- قامت البحرية المصرية بقصف شواطيء إسرائيل ضمن عملية التمهيد النيراني.
حيث قامت بقصف النقطة الحصينة في بورفؤاد عن طريق المدفعية الساحلية في بورسعيد والنقطة الحصينة عند الكيلو 10 جنوب بورفؤاد وأيضا قصفت المدفعية الساحلية الأهداف المعادية للجيش الثالث في خليج السويس.
قامت لنشات الصواريخ بقصف تجمعات للعدو في رمانة ورأس بيرون علي ساحل البحر المتوسط وأيضا علي خليج السويس هاجمت أهداف العدو الحيوية في رأس مسلة ورأس سدر.
وهاجمت الضفادع البشرية منطقة البترول في بلاعيم وأعاقت وحدات الألغام الملاحة في مدخل خليج السويس عن طريق بث الألغام فيه.
كما قامت القوات البحرية المصرية بقطع الملاحة في الموانيء الإسرائيلية علي البحر المتوسط بنسبة 100% وفي البحر الأحمر بنسبة 80%.
تحقق هذا الإنجاز بأقل خسائر ممكنة. فقد بلغت خسائرنا 5 طائرات. 20 دبابة. 280 شهيداً ويمثل ذلك 2 ونصف% من الطائرات و2% من الدبابات و3% من الرجال وهي خسائر قليلة بالنسبة للأعداد التي اشتركت في القتال.
وفي نفس الوقت خسر العدو 25 طائرة و120 دبابة وعدة مئات من القتلي مع خسارة المعارك التي خاضها وسقط خط بارليف الذي كان يمثل الأمن والمناعة لإسرائيل. وهزيمة الجيش الإسرائيلي الذي رددوا عنه أنه غير قابل للهزيمة فقد سقط منها 15 حصنا تمثل عدد حصون خط بارليف فقد قيمته العسكرية بعد أن سقط نصف عدد الحصون وفقد حوالي 100 دبابة تمثل ثلث دباباتهم التي تقاتل في الخط الأمامي.
تحرك إلي سيناء يوم 7 أكتوبر فرقتان مدرعتان.. إحداهما بقيادة الجنرال أبراهام أدان علي المحور الشمالي في اتجاه القنطرة والفرقة الأخري بقيادة الجنرال اريل شارون علي المحور الأوسط في اتجاه الإسماعيلية بالإضافة لفرقة مدرعة كانت موجودة في الجبهة منذ بداية الحرب بقيادة الجنرال مندلر وبذلك أصبح لدي إسرائيل حوالي 950 دبابة بالجبهة مشكلة في ثلاث فرق مدرعة تحت قيادة ثلاثة من القادة البارزين في الجيش الإسرائيلي.
وبينما كان حشد الاحتياطي الإسرائيلي يتم في خلال 7 أكتوبر "فرقة أدان وفرقة شارون" طار ديان إلي قيادة الجبهة الجنوبية سيناء حيث استعرض الموقف مع قائدها الجنرال جونين. ولا شك أن ديان أصبح علي علم تام بالموقف المتدهور علي الجبهة والخسائر التي لحقت بالفرقة المدرعة التي يقودها مندلر والتي وصلت خسائرها إلي مائتي دبابة أي ثلثي عدد دبابته وضياع فاعلية حصون خط بارليف والفشل في إنقاذ الأفراد الإسرائيليين المحاصرين فيها.
لقد كانت الحصون التي بناها العدو في قطاع القنطرة شرق من أقوي حصون خط بارليف وصل عددها إلي سبعة حصون. كما أن التقال داخل المدينة يحتاج إلي جهد لأن القتال في المدن يختلف عن القتال في الصحراء. ولذلك استمر القتال شديدا خلال هذا اليوم.. واستمر ليلة 7/8 أكتوبر استخدم فيه السلاح الأبيض لتطهير المدينة من الجنود الإسرائيليين وتمكنت قوات الفرقة 18 بقيادة العميد فؤاد عزيز غالي في نهاية يوم 7 أكتوبر من حصار المدينة والسيطرة عليها تمهيدا لتحريرها.
وجاء يوم الاثنين 8 أكتوبر وتمكنت الفرقة 18 مشاة بقيادة العميد فؤاد عزيز غالي من تحرير مدينة القنطرة شرق بعد أن حاصرتها داخليا وخارجيا ثم اقتحامها. ودار القتال في شوارعها وداخل مبانيها حتي انهارت القوات المعادية واستولت الفرقة علي كمية من أسلحة ومعدات العدو بينها عدد من الدبابات وتم أسر ثلاثين فردا للعدو هم كل من بقي في المدينة وأذيع في التاسعة والنصف من مساء اليوم 8 أكتوبر من إذاعة القاهرة تحرير المدينة الأمر الذي كان له تأثير طيب في نفوس الجميع.
معركة عيون موسي
وفي قطاع الجيش الثالث كانت القوات تقاتل علي عمق 8 إلي 11 كيلومترا شرق القناة وكان أبرز قتال هذا اليوم هو نجاح الفرقة 19 مشاة بقيادة العميد يوسف عفيفي في احتلال مواقع العدو الإسرائيلي المحصنة علي الضفة الشرقية التي يتمركز فيها ستة مدافع 155مم. هذه المدافع كان يستخدمها العدو الإسرائيلي في قصف مدينة السويس خلال حرب الاستنزاف. ولم نتمكن من إسكاتها في ذلك الوقت برغم توجيه قصفات نيران ضدها بكل أنواع دانات المدفعية المتيسرة وقتئذ لصلابة التحصينات التي عملتها بواسطة القوات الإسرائيلية.
معركة الفردان
أعاد العدو تنظيم قواته وحاول أدان - فرقة أبراهام أدان المكونة من ثلاثة لواءات مدرعة حوالي 300 دبابة - مرة أخري الهجوم بلواءين مدرعين ضد فرقة حسن أبوسعدة واللواء الثالث ضد الفرقة 16 بقيادة العميد عبدرب النبي في قطاع شرق الإسماعيلية "الجيش الثاني" ودارت معركة الفردان بين فرقة أدان وفرقة حسن أبوسعدة.
عملية نيكل جراس "الجسر الجوي الأمريكي"
بعد انهيار إسرائيل المفاجيء في حرب 1973 واستمرار القتال لمدة 6 أيام كانت الخسائر الإسرائيلية في المدرعات والطائرات والأفراد لا تحصي. هذا بخلاف سقوط خط بارليف في يد المصريين واستيلائهم عليه وتحرير بعض المدن المصرية في سيناء.
بعثت جولد مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية نداء استغاثة إلي الرئيس الأمريكي كانت أهم عبارة بها "أنقذونا من الطوفان المصري".
وعلي الفور تحرك الحلفاء الأمريكيون وأقاموا جسرا جويا لتعويض الجيش الإسرائيلي عما خسره في الحرب من طائرات ودبابات وخلافه منذ يوم 10 أكتوبر بصورة غير رسمية. ومنذ 13 أكتوبر بصورة رسمية وسميت بعملية "نيكل جراس" واستخدمت فيها طائرات سي 5 وسي 141 وهي طائرات تقل عسكرية أمريكية عملاقة. ولم تكلف إسرائيل بطائرات الجامبو السبع لشركة العال لنقل احتياجاتها من الأسلحة والمعدات. ولذلك عملت محاولات لاستئجار طائرات مدنية أمريكية لسرعة إجراء النقل لكن شركات الطيران رفضت التعاون خوفا للمقاطعة العربية.
بعد انتهاء فترة العمليات المخطط لهما من 6 - 9 أكتوبر ووصول الجيوش الميدانية لخط مهامها المباشر تم عمل وقفة تعبوية عملياتية استمرت من 10 - 15 أكتوبر.
لكن في أثناء الوقفة التعبوية كانت الموقف علي الجبهة السورية لينذر بخطر كبير فتم إصدار الأوامر لتطوير الهجوم شرقا. لدفع العدو غرب الممرات الجبلية والحد من حرية حركته وفي نفس الوقت تضعيف الضغط علي الجبهة السورية.
وكانت خطة هذا التطوير تقضي بأن الفرقة 21 المدرعة والفرقة 4 المدرعة شرق القناة ماعدا لواء يضم مائة دبابة تبقي غرب القناة.
ولكن في يوم 13 أكتوبر اخترقت طائرة المجال الجوي المصري اتضح من مواصفتها أنها طائرة من الطراز الأمريكي 71 - sr وهي طائرة استطلاع استراتيجي يمكنها التقاط عدة صور عبر وسائل متقدمة علي ارتفاع 25 كيلومترا وتطير بسرعة ثلاثة أمثال سرعة الصوت مما لا تستطيع أي مقاتلة من مقاتلات الدفاع الجوي لدي القوات المصرية أن تطاردها.
وهكذا حصلت إسرائيل علي معلومات كاملة عن القوات شرق القناة وغرب القناة وحجم قوات التطوير واتجاه المحور الرئيسي.
وفي صباح 14 أكتوبر بدأ تطوير الهجوم شرقا في الساعة 6.15 صباحا بقصف مدفعي مصري وانطلقت القوات المصرية تحقق أهدافها.
بعبور الفرقتين المدرعتين 21. 4 إلي شرق القناة للمشاركة في تطوير الهجوم شرقا أسقطت كل الاعتراضات التي تواجه القيادة الإسرائيلية في تنفيذ عملية الغزالة وهي العبور غرب القناة.
وأسندت العملية إلي ارييل شارون قائد مجموعة العمليات المدرعة 143 والتي دعمت بعد ذلك بلواءمظلي.
وكان هدف عبور الجيش الإسرائيلي من الشرق إلي الغرب هو ضرب بطاريات صواريخ سام المضادة للطائرات واحتلال مدينة الإسماعيلية وتطويق الجيش الثاني واحتلال مدينة السويس وتطويق الجيش الثالث.
وكان عبور شارون غرب القناة المفتاح لكل من أبراهامادان وكلمان ماجن للعبور بقواتهما علي الكباري التي أقامها شارون وتنفيذ مخطط عملية الغزال.
لكن الذي حدث هو أنه فشل شارون في احتلال الإسماعيلية وأبراهام أدان وكلمان ماجن في احتلال السويس وتطويق الجيش الثالث.
أحمد مأمون.. أبطل مفعول مواسير النابالم الإسرائيلية
قدم رجال القوات المسلحة العديد من التضحيات وعزفوا سيمفونيات البطولة والشجاعة.. وأخذوا علي عاتقهم إعادة كرامة الأمة وشرفها بعدما حدث في 5 يونية ..1967 فلم يهدأ لهم بال حتي تحقق ذلك في حرب العزة والكرامة.. نصر أكتوبر ..1973 ضربوا أروع الأمثلة.. استطاعوا أن يحولوا أسباب النكسة إلي مقومات للانتصار العظيم في السادس من أكتوبر ..1973 درسوا عدوهم وتعرفوا علي نقاط قوته وضعفه.. تغلبوا علي جميع الصعوبات والعقبات ووجدوا لكل مشكلة حلا.. قهروا المستحيل فهذا هو البطل أحمد مأمون الذي عطل مواسير النابالم الإسرائيلي التي كانوا يهددون بها بإشعال مياه القناة لتكون مقبرة للمصريين إذا فكروا في العبور.. وهذا هو باقي زكي يوسف الذي قضي علي أسطورة الساتر الترابي وهذا البطل الشهيد أحمد حمدي الذي قدم من العطاء والتضحيات حتي لاقي ربه شهيدا فخورا بما قدمه لوطنه.
البطل "أحمد مأمون" معطل مواسير النابالم من المعوقات التي وضعتها إسرائيل أمام القوات المصرية قبل معارك 1973 مواسير النابالم وهذه المواسير وضعتها تحت سطح الأرض علي جانب قناة السويس ويسع كل منها 200 طن من النابالم والجازولين وإذا ما اشتعلت جعلت من سطح الماء أتونا طافيا يمكن أن تندلع منه ألسنة اللهب إلي ارتفاع متر وترتفع درجة الحرارة إلي 700 درجة لتحرق القوارب والدبابات البرمائية بل إن هذا السعير يمكن أن يشوي الأسماك التي في قاع قناة السويس وتلفح الأشخاص الذين يبعدون عنها مسافة 200 متر.
ولكن البطل المصري "أحمد مأمون" كان برتبة رائد مهندس وتوصل إلي مادة تتجمد في ماء القناة وأعطاها سرا إلي قائد القوات البحرية المصرية وبدوره أعطاها إلي الرئيس السادات الذي أقرها وتم التكتم عليها.
وفي الليلة التي سبقت العبور مباشرة قامت الضفادع البشرية بسد فتحات المواسير والبالغ عددها 360 فتحة ولم تفلح إسرائيل في إشعال حريق واحد طوال العبور.
البطل باقي زكي يوسف الذي نجحت فكرته في فتح الثغرات في الساتر الترابي الذي أقامته إسرائيل علي الشاطيء الشرقي للقناة هو المستحيل بعينه.. هكذا صرح الإسرائيليون لوكالات الأنباء العالمية.. مدعين بأنه لا يمكن إزالة هذا الساتر إلا بالقنابل الذرية.. وكبرت الأسطورة في أعينهم وصدقها العالم حتي تحطمت يوم السادس من أكتوبر 1973 باستخدام مياه القناة في تجريف رمال الساتر الترابي لفتح الثغرات بواسطة مضخات خاصة تم تطويرها فنيا.
وكان وراء هذه الفكرة عبقرية أحد الضباط المهندسين بالقوات المسلحة المصرية.. وهو المقدم مهندس "باقي زكي يوسف" حيث قام بعرض فكرته علي قائد فرقته المرحوم لواء أركان حرب "سعد زغلول عبدالكريم" موضحا له أنه أثناء عمله بالسد العالي من عام 1964 وحتي 1967 كان يجري استخدام المياه المضغوطة لتجريف جبال الرمال ثم سحبها وشفطها في أنابيب خاصة من خلال مضخات لاستغلال مخلوط الماء والرمال في أعمال بناء جسم السد العالي.. أما في حالة الساتر الترابي شرق القناة فالمطلوب لفتح الثغرات به هو توجيه مدافع مياه مضغوطة إليه لتجري رماله إلي قاع القناة.. وعن طريق هذه الثغرات يتم عبور المركبات والمدرعات إلي عمق سيناء.. وعليه فقد طلب قائد الفرقة من البطل "باقي زكي يوسف" إعداد تقرير فني واف لعرضه علي الرئيس "جمال عبدالناصر" أثناء اجتماعه الأسبوعي بقادة التشكيلات بمقر القيادة العامة.
وبعد عرض الفكرة علي الرئيس وافق علي تجربتها ولاقت نجاحا كبيرا.. وتم تجربتها بجزيرة البلاح عام 1972 حيث تم فتح ثغرة في ساتر ترابي أقيم ليماثل الموجود علي الضفة الشرقية للقناة واستخدمت مضخات ومعدات من إنتاج شركة ألمانية بعد إقناعها بأن هذه المنتجات سوف تستخدم في مجالات إطفاء الحرائق.
وبعد نجاح التجارب التي زادت علي 300 تجربة تم إقرار الفكرة.. وفي سرية تامة تم تدبير المضخات الميكانيكية والتوربينية وتدريب الأفراد والأطقم والمجموعات علي أساليب التنفيذ.. ولم تكتشف مخابرات العدو حقيقة ما يحدث.
وتم التنفيذ الرائع للفكرة يوم السادس من أكتوبر عام 1973 بصورة أذهلت العالم وكان من نتائجها الفورية التي تحققت في البدايات الأولي لأعمال العبور ما يلي:
- تم الانتهاء من فتح أول ثغرة في الساتر الترابي الساعة السادسة من مساء يوم السادس من أكتوبر .1973
- تم الانتهاء من فتح 75% من الممرات المستهدفة "60" ممرا حوالي الساعة العاشرة من مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1973 بعد انهيار نحو 90000 متر مكعب من الرمال إلي قاع القناة.
- عبر أول لواء مدرع من معبر القرش شمال الإسماعيلية في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم السادس من أكتوبر عام .1973
البطل أحمد حمدي.. مهندس كباري العبور
لعب سلاح المهندسين دورا تاريخيا في معارك أكتوبر عام 1973 ففي الوقت الذي احتدم فيه سعير القتال كان اللواء مهندس "جمال محمد علي" مدير سلاح المهندسين يشرف بنفسه علي مد جسور العبور أمام الجيش الثالث بينما كان نائبه اللواء مهندس "أحمد حمدي" يمد الجسور مع جنوده في منطقة أخري.. وعندما أصيب أحد كباري الجيش الثالث بإصابات جسيمة اتجه البطل "أحمد حمدي" إلي جنوده ووزع عليهم الشاي والبسكويت برغم شدة الأهوال وظل فوق الكوبري يباشر مهامه وقبل أن ينكر القصف للمرة الثالثة سقطت دانة ثقيلة علي الكوبري ليصاب البطل بشظية فاستشهد في الحال يوم الرابع عشر من شهر أكتوبر 1973 - الثامن عشر من رمضان 1393 هجريا ولقي ربه كأنبل ما يمضي الرجل في لحظات أداء واجبه.
انتصارات أكتوبر.. تدعم الطريق للسلام
** تحتفل مصر والأمة العربية وأنصار السلام بالعالم بالذكري السادسة والثلاثين لنصر أكتوبر العظيم.. تتذكر فيه الدروس المستفادة والعظيمة من المعجزة العسكرية التي حققها أبطال القوات المسلحة لتحرير أرض سيناء.. وإرساء الأساس للسلام القوي والشامل لصالح المنطقة وشعوبها.. وهو السلام الذي مازال طريقه صعباً.. بسبب المناورات والعقبات التي تضعها حكومة إسرائيل تجاه المحاولات والجهود المخلصة المبذولة لحل القضية الفلسطينية.. باعتبارها القضية المحورية الأولي بالمنطقة.
** وكما أكد القائد والزعيم حسني مبارك في كلمته التي وجهها أمس للشعب.. ان المنطقة تشهد أزمات عديدة وأخري تلوح في الأفق.. ولكن لا وقت الآن للمراوغة من استحقاقات السلام.. لا وقت لتجاهل أسسه ومرجعياته ولا بديل عن المضي في طريقه الشائك والصعب برؤية تتجاوب مع تطلعات الشعوب وقادة يملكون الإرادة السياسية وشجاعة القرار.
** إن السلام المصري الإسرائيلي طرح نموذجا مشرفا للسلام العادل قابلا للتطبيق.. وفتح باب السلام بالمنطقة.. ولكن القضية التي تقف في مفترق طرق صعب لم تعد تحتمل فشلا جديدا أو تضيع الفرصة السانحة الحالية. ولذلك ستواصل مصر جهودها مع الأطراف المعنية لتحقيق السلام الذي يفتح أمام شعوب ودول المنطقة صفحة جديدة من السلام والأمن والاستقرار.
** وستبقي حرب أكتوبر المجيدة رمزاً لعظمة مصر الوطن والشعب.. وبرهاناً حياً علي شموخ قواتنا المسلحة وشجاعة وتضحيات أبنائها من أجل استرداد الأرض والعزة وتحية لكل الأبطال.. الشهداء والأحياء.
انتصارات أكتوبر.. بطولة شعب وجيش
في العاشر من رمضان 1393 هجرية والمصريون صائمون والجنود كذلك صائمون انطلقت الضربة الجوية المباركة وهدر ألفا مدفع بعد الثانية ظهرا ومع مدفع آخر في القاهرة هو مدفع الافطار كانت عشرات القوارب قد عبرت صفحة القناة للشاطيء الشرقي وركب الجنود فوق العدو وكانت عشرات المعديات قد بدأت تجوب صفحة القناة حاملة الجنود والمعدات والسلاح والذخيرة لقواتنا شرق القناة وامتدت بعد ذلك عشرة كباري ليلا علي القناة تتدفق عليها أرتال الدبابات والعربات واستمر عقاب العدو بكل أنواع الأسلحة حتي وقف إطلاق النار.
ظل الصائمون صائمين حتي أفطروا علي حصون العدو رغم الفتوي بجواز الإفطار وانخراط المقاتلون جميعاً في معركة الكرامة وتحرير الأرض.
واستمرت المعارك كما هو معروف إلي أن بسطت قواتنا قبضتها علي القناة وشريط شرقها بعرض 30كم وبسطت قواتنا إرادتها علي عدو لم يعرف الهزيمة من قبل وقطعت ذراعه الطويلة قواته الجوية.
من المصريين من قاتل واستشهد ومنهم من عاد بعد الحرب سالماً لإعادة بناء الوطن الذي خسر كثيراً من فترات الحروب والحصار والتضييق علي مصر من الاعداء وأحياناً من الاصدقاء.
كان أصغر الجنود والضباط عام 1973 في حوالي العشرين من عمره والحي منهم الآن فوق السادسة والخمسين من عمره والحي منهم إما صحيح معافي ومنهم من هو مريض ترعاه القوات المسلحة والدولة ويحتاج لكلمة امتنان وتقدير علي ماساهم به في تحرير سيناء.
ومصر شأن الأمم العظيمة العريقة لن تنسي محاربيها القدماء الذين حضروا حروب 48- 56- 67 والاستنزاف والحروب التي شاركت فهيا مصر بقواتنا الباسلة سواء بالاشتراك الفعلي في القتال أو المراقبة الدولية أو المساعدة في تطهير الألغام ولن تنسي كذلك أبطالها من رجال الشرطة وشهداءها الأبراز الذين شاركوا القوات المسلحة في كل حروبها وأمنوا الجبهة الداخلية.
وقد أراد الله لي أن أكون شاهداً أو حاضر حرب 1967 أو ماسمي بالجولة العربية الإسرائيلية الثالثة أو ما سمي بالنكسة بسبب الهزيمة التي لحقت بقواتنا المسلحة دون تقصير منها أو قصد منها.
كما أراد الله لي أن أستمر وأحضر حرب الاستنزاف ثم حرب رمضان 1393/ أكتوبر 1973 المجيدة التي استردت فيها قواتنا المسلحة كرامتها وكرامة مصر واسترد شرفها التي حافظت عليه علي مدي التاريخ.
استطاعت مصر وجيشها بعد هزيمة 1967 بستة وسبعين شهراً ويوماً واحداً أن تهزم العدو وتحطم نظرية الأمن الإسرائيلي والغرور الإسرائيلي الذي لامبرر له.
وكثيراً ما يسألني الاصدقاء والاقارب عن بعض المواقف الإنسانية والبطولات التي قمت بها أو شهدتها أو سمعت عنها في حرب أكتوبر بالذات ولايحضرني عند هذا السؤال موقف بعينه ولكني أذكر ولا أنسي أبداً أن الجيش المصري كله كان بطلاً وكان يعمل كفريق واحد متكامل يهدف إلي تحقيق النصر وتحرير أرض سيناء.
كان هناك مليون مقاتل تحت السلاح عام 73 كل يؤدي واجبه بأقصي مايمكن والإخلاص في العمل والتفاني فيه والإصرار علي تنفيذ المهمة هو بطولة في حد ذاتها تؤدي إلي بطولة جماعية هي بطولة جيش صابر ومصابر وبطولة شعب أمن وحمي ظهر الجيش الباسل.
المقاتلون كفريق الكرة لهم هدف واحد هو الفوز والفريق يساعد بعضه ليعطي الفرصة للهداف ليصيب الهدف والهداف في المقاتلين هو الذي يحقق البطولة الفذة ويضحي بنفسه ويفعل ماهو فوق طاقة الآخرين.. والأبطال في حرب أكتوبر كثيرون جداً لكل منهم حكاية يجب أن تروي وتسجل.
عام 67 كان هناك أبطال كثيرون رغم الهزيمة ماتوا دفاعا عن أرضهم وحافظوا علي أسلحتهم ومعداتهم. وتمكنت القوات المسلحة بفضل إصرارهم علي سرعة إعادة بناء ومحو الهزيمة بعد ست سنوات وأربعة أشهر ويوم واحد.
وكان هناك رجال ونساء في سيناء مصريون منذ فجر التاريخ عاونوا الجنود وحافظوا عليهم وآمنوا عودتهم سالمين لغرب القناة.
انتصارات رمضان إذن بطولة جماعية بطولة جيش بكل رجاله وبطولة شعب بكل فئاته وطوائفه حتي المنحرفين من الشعب أو معتادي الاجرام كفوا عن أذي الناس طوال فترة الحرب.
وأثناء فترة الحشد والاستعداد للعبور لم يتخلف جندي واحد عن موقعه ولم يدع سائق واحد مثلاً أن عربته معطلة ليتخلف عن الركب والذهاب للجبهة.
وروح أكتوبر رمضان هي روح مصر الخالدة التي لاتشيخ أبداً ولكنها قد تغطي عليها بعض الاحداث الطارئة الجسيمة ثم تعود أكثرقوة وتألقاً.
ولانقول كما قال الأعداء أن مفاجأة حرب أكتوبر هي الجندي المصري ولكن نقول أننا نعرف أنفسنا والمفاجأة هي سرعة انهيار الغرور والصلف المعادي لنا.
لايمكن أن ينسي أحد الجنود وهم يعملون ويؤدون واجبهم تحت ضغط العدو وبالإمكانيات المتاحة التي وفرتها لهم الدولة ولم يكونوا ينكرون كثيراً في الفارق بين إمكانياتنا وإمكانيات العدو وإنما في المهمة التي يجب انجازها وقد انجزوها بفضل الله.
في رمضان 1393 كان الرجال كلهم أبطالا الجنود في الجبهة وعلي امتداد رقعة الوطن وسواحله وبحاره وسمائه والقيادات في موقعها خططت أحسن مايكون التخطيط وادارت العملية بكل كفاءة واقتدار حتي تحقق النصر العظيم.
ساحة النقاش