authentication required
سبحان الله و بحمده عدد خلقه و رضا نفسه و زنة عرشه و مداد كلماته

 

شهر محرم بين الأفراح والأحزان .. (معركة القادسية نموذجاً)  توطئة:حينما يرى المسلم ذو القلب الحي بعينيه، ويسمع بأذنيه ما يجري الآن على أرض العراق، من تطبير للرؤوس، ولطم على الصدور والوجوه، ولبس للسواد من أعلى الرأس إلى أخمص القدم، ورفع للرايات الحمر والسود، وتشويه للحقائق، وطعن بتاريخ الأمة، وسب للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وإشعال للنيران، وهتافات تحمل من لغة الانتقام والثأر الشيء الكثير كـ(هيهات منا الذلة .. كل يوم عاشوراء .. وكل أرض كربلاء)، والقائمة تطول وتطول. لم كل هذا يحصل؟ ما الذي جرى؟ هل يفعلون هذا في هذا الشهر لأنه شهر قُتِل فيه الحسين رضي الله عنه؟!! أم أن هناك غاية أو غايات أُخر؟!!فإن كانت المسألة تتلخص باستشهاد الحسين، فنحن نقول لهم: ألم يقتل أو يمت من قبل من هو أفضل منه ألا وهو سيد الكائنات، وسيد ولد عدنان، محمد عليه أفضل الصلاة والسلام!! ووالده سيدنا علي رضي الله عنه كذلك!! بل أمه فاطمة لا يحصل بوفاتها كالذي نراه في ذكرى عاشوراء – اللهم إلا في الأيام الأخيرة - ثم العزاء المتعارف عليه يكون لثلاثة أيام .. فلِمَ يُسخّر شهر بأكمله .. بل شهران (محرم وصفر)؟!! وإذا كان مقتل الحسين في اليوم العاشر من محرم!! لِمَ يبدأ العزاء من اليوم الأول من محرم، أي قبل المقتل بعشرة أيام!! هل هذه الأمور اعتباطية، وتسير دون دوافع خفية؟!!وإن كانت المسألة تتعلق باستشهاد الحسين كما ذكرنا آنفاً .. فإن ما نراه من الجزع وعدم الصبر، واستحداث طقوس وشعائر! .. تنمُّ عن مخالفة صريحة للشرع فيما ورد في القرآن والسنة، من قبيل أجر الصابرين الذي يوفون أجورهم من غير حساب، ومن قبيل حديث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". ثم إن في هذا الشهر الحرام مناسبات أخرى تحمل في طياتها الفرح والابتهاج والسرور، كذكرى هجرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي صاحبه فيها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه!! واعتباره بداية للعام الهجري الجديد.فجميع الأمم تحتفل بعيد عامها الجديد، كما نرى عند المسيحيين والفرس والأكراد وغيرهم من القوميات، بل حتى الإيزيديين في العراق لهم سنة خاصة بهم.وأيضاً في هذا الشهر مناسبات كثيرة كالمعارك والفتوحات الإسلامية والانتصارات. وقد حصل في شهور أخرى أن جمعت بين مناسبات تحمل في ثناياها ومعانيها الحزن والفرح، فلمْ نرَ أن غُلّب جانب على آخر كما في شهر رمضان فقد جمعت بين فضيلة الشهر وولادة الإمام الحسن وعيد الفطر إلى جانب حزن استشهاد الإمام علي.فلمَ تمّ تغليب جانب الحزن في شهر محرم على جانب الفرح؟!! والأفراح كثيرة في هذا الشهر، مع أن مناسبة الهجرة والعام الهجري الجديد، لا تفوقها ولا تعلوها مناسبة. أم أنها مقصودة لتضييع قصة الهجرة التي كان أحد أبطالها أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟!!إذن .. المنطق والعقل والشرع .. يستدعي منا عدم الوثوق والاطمئنان لما يحصل في هذا الشهر من مظاهر الحزن، ورفع الرايات، وتطبير الرؤوس، واللطم في مواكب جماعية، ولبس للسواد، وإغلاق الأسواق وتعطيل الحياة ... الخ. خصوصاً إننا قد رأينا وقرأنا في التاريخ عن حركات الشعوبيين والباطنيين ومن لف لفهم، حينما أدخلوا معتقداتهم الباطلة المنحرفة عن طريق رفع شعار أهل البيت والتستر بحبهم والولاء لهم.. وأئمة أهل البيت برءاء منهم، وحاشاهم مما ارتبط باسمهم من هذه الأكاذيب، وما عساهم أن يفعلوا تجاههم غير فضحهم .. وقد فعلوا ذلك. وقد يكون عزاؤهم أيضاً في ذلك ما حصل مع النبي عيسى وأمه مريم عليهما السلام، حينما يقول الله تعالى عنهما: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(المائدة:116). إن الناظر لكل ما سبق، يجد أن تساؤلنا - وتساؤل الكثيرين من قبلي – عن السبب الحقيقي لكل ما يحصل في شهر محرم، تساؤلاً شرعياً ومنطقياً.وحينما نتتبع ما حصل من المناسبات في هذا الشهر الفضيل نجد الجواب شافياً كافياً، وذلك من خلال التعرف على:- مناسبة الهجرة المباركة للنبي وصاحبه الصديق.- مناسبة بداية العام الهجري الجديد.- انتصار المسلمين في معركة خالدة غيرت وجه التاريخ، ألا وهي معركة القادسية. وهناك مناسبات أخر أصفحت عن ذكرها لأتوقف عند معركة القادسية، والتي أعتقد – بحسب وجهة نظري – أنها مع ما ذكرت من هجرة المصطفى والصديق، وذكرى العام الهجري الجديد، لهو السبب الرئيس في نشر الرافضة الحزن وتغليبه على جانب الفرح في شهر محرم الحرام. ولأن الكثير من قبلي قد تكلم عن جانب الهجرة وما حوتها من المعاني والعبر والعظات العظيمة، فإني أقتصر في كلامي هنا على معركة القادسية العظيمة.  معركة القادسية:  في هذه المقالة نتحدث عن صفحة واحدة فقط من آلاف صفحات هذا التاريخ المجيد. وعن مناسبة حصلت في شهر محرم، لا يذكرها هؤلاء الروافض، بل إن لذكراها عندهم غصة تغص بها حناجرهم.نعود بكم أيها القراء الكرام إلى ما قبل أربعة عشر قرناً، إلى ضفاف نهري دجلة والفرات، إلى تلك البلاد العريقة، إلى أرض الأمجاد والفتوح، في عراقنا الحبيب، في عهد من عهود ثالث أعظم رجالات التاريخ الإسلامي، بل التاريخ كله، في عهد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب.كان الصراع بين الدولة الإسلامية وبين أقوى دول الكفر والطغيان، المعسكرين الشرقي والغربي، الفرس والرومان على أشده.وفي جنبات هذا الصراع، ترسم معركة من أعظم معارك الإسلام، كانت شامة في تاريخ المجد، ومناراً في طريق الهدى، إنها معركة القادسية، التي حدثت في العام الرابع عشر للهجرة النبوية.ولنعلم أيها الإخوة أنه لا يمكننا أن نصور هذه المعركة في هذه الصفحات المعدودة، ولكنها مجرد إشارات.فلننتقل إلى الجبهةههنا جيش مسلم، جُله من العرب، فيه ثلاثون ألف مقاتل، من جنود جاؤوا متطلعين إلى الشهادة في سبيل الله، متطوعين من تلقاء أنفسهم، كان الجندي منهم هو الذي يعد لنفسه الراحلة، ويعد لنفسه السلاح، ويعد لنفسه الزاد، فإن لم يجد ما يتزود به عاش على التمرات أو التمرة يومه كله، فهل وجد في تاريخ البشر جميعهم مثل هؤلاء الجنود؟إنهم المثل الأعلى في الجندية في كل مكان وزمان، كان الواحد منهم يقاتل وهو جائع، يقاتل وهو متعب، يقاتل وهو مثخن، يقاتل وهو مريض، قاتل في الصحاري المتوقدة في المناطق الحارة، قاتل على السفوح المغطاة بالثلوج في المناطق الباردة، قاتل في آسيا، في أوروبا، في أفريقيا، قاتل في البر، وقاتل في البحر، كان الشاب يقاتل، والشيخ يقاتل، بل والمرأة تقاتل.مُني الفرس بعدة هزائم متلاحقة، أوجعتهم بها ضربات المسلمين، فعزم يزدجرد ملك الفرس على إنهاء تلك الهزائم، فجمع طاقاته كلها، وحشد أكبر عدد من المقاتلين، واستخدم أعنف أنواع الأسلحة التي قدر عليها في وقته، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني فكتب إلى خليفة المسلمين في المدينة عمر بن الخطاب ، فقال عمر قولته المشهورة: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين في العراق، فقد رأى ببصره الثاقب حجم تلك الحشود، وضخامة المعركة، والآثار المترتبة عليها، فهمَّ في أول الأمر بالخروج بنفسه.واجتمع الناس بالمدينة فخرج بهم عمر رضي الله عنه أول يوم من المحرم في عام 14هـ، عازماً على غزو العراق بنفسه إلى مكان يبعد عن المدينة ثلاثة أميال على طريق العراق، والناس لا يدرون ما يريد أن يصنع عمر، واستشار الصحابة في قيادته للجيش بنفسه، ثم أشاروا عليه بغير ذلك، فقال لهم: (إني كنت عزمت على المسير، حتى صرفني ذوو الرأي منكم، وقد رأيت أن أقيم وأبعث رجلاً، فأشيروا علي برجل). وهنا الملاحظة المهمة التي نشير إليها ألا وهي اللحظة الأولى التي انطلقت منها معركة القادسية كانت في اليوم الأول من محرم في هذا الاجتماع العمري. وربما هذا ما يفسر لنا بوضوح تام سبب بدء حزن الرافضة منذ اليوم الأول من محرم أيضاً، مع أن الحسين قتل يوم العاشر منه. فسبب هذا الحزن ليس مقتصراً على مقتل الحسين رضي الله عنه، وإنما هو حزن قديم غابر في التاريخ للإمبراطورية الفارسية التي انهارت وتهدمت أركان دولتها في معركة القادسية والمعارك التي تلتها.نعود إلى القصة .. فأخذ الناس يشيرون عليه، حتى قال له الصحابة: إليك الأسد في براثنه، سعد بن أبي وقاص، إنه الأسد عادياً.فاستدعاه عمر ووصاه، وأوصى الجيش الذي معه، وأمر سعد الجيش بالسير ومعه أربعة آلاف، وكان مع المثنى بن حارثة في العراق ثمانية آلاف، لكن المثنى مات قبل وصول سعد، وتتابعت الإمدادات إلى القادسية حتى صار مع سعد بن أبي وقاص ثلاثون ألفاً، منهم تسعة وتسعون صحابياً بدرياً.كان عمر يدير المعركة من المدينة النبوية، ولا يكف عن مراسلة الجيش وحثهم على الشهادة والثبات، حتى إنه أرسل إليهم مثبتاً، وباعثاً لهم على التفاؤل بالنصر، وقائلاً: (إني ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم).أما الفرس فقد أجبر يزدجرد ملك الفرس أحد كبار قواده واسمه رستم على قيادة الجيش الفارسي بنفسه.أرسل سعد وفداً إلى ملك الفرس يزدجرد فيهم: النعمان بن مقرن المزني، والمغيرة بن شعبة، قال لهم يزدجرد في كل غطرسة وكبر: "إني لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى ولا أقل عدداً منكم، ولا أسوء ذات بينكم، قد كنا نوكل لكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم، ولا تغزوكم فارس، ولا تطمعوا أن تقوموا لفارس، فإن كان الجهد دعاكم لقتالنا فرضنا لكم قوتاً، وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم".فقال له أحد أعضاء الوفد كلاماً طويلاً جاء فيه: (لقد أرسل إلينا الله رسولاً بالحق ويأمر بالعدل، وقال لنا: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك).ونحن أناسٌ لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبرتهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يُغله المهر فاستشاط ملك الفرس وهو ملك المشرق، ورئيس إحدى الدولتين العظميين، وهو في أبهته وبين أعظم قواده وعلى أرضه أن يقال له هذا الكلام من بدوي مرقع الثياب. فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ ثم قال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شيء لكم عندي، ارجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية، وينكل به وبكم.وسار رستم وفي مقدمته أحد القادة الكبار واسمه الجالينوس، في أربعين ألفاً، وخرج هو في ستين ألفاً، وفي ساقته عشرون ألفاً، وجعل في ميمنته (الهرمزان)، وعلى الميسرة (مهران بن بهرام)، وهكذا تجمع لرستم مائة وعشرين ألفاً.سار رستم حتى وصل الحيرة ثم النجف حتى وصل القادسية ومعه سبعون فيلاً، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل له سعد ربعي بن عامر فدار بينهما حوار مشهور، وفي اليوم الثاني طلب رستم مقابلة ربعي فبعث له حذيفة بن محصن ليعلم رستم أن الجيش على قلب واحد، فحاوره بما يشبه الحوار الأول، وفي اليوم الثالث طلب رستم رجلاً آخر فأرسل له سعدٌ المغيرة بن شعبة فلما وصل إليه المغيرة جلس مع رستم على سريره فتناوشه الحرس وأنزلوه بقوة، ومنعوه فقال كلاماً بكل طمأنينة وجرأة، كلاماً أحرق قلوبهم، قال لهم: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً، فظننتكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني، اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول.فقالت السفلة: صدق والله العربي، وقالت الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه، قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر هذه الأمة، فهابه رستم وبدأ بممازحته ليمحو ما صنع.وفي اليوم الثاني، وهو أول أيام المعركة، عبر الفرس النهر في الصباح ونظموا جيشهم، ونظم سعد جيشه، وأمر بقراءة سورة الجهاد، أي سورة الأنفال على الجيش استحثاثا لهم على القتال والثبات حتى الممات، ثم حثهم على السمع والطاعة لنائبه خالد بن عرفطة لأن سعداً أصابته دمامل في فخذيه، فكان ينام على وجهه، وفي صدره وسادة، ويقود المعركة من فوق قصره، ثم قال لهم: ألزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر.ولما نودي لصلاة الظهر، ورأى رستم سعداً يصلى بالجيش، نادى قائلاً: (أكل عمر كبدي، أحرق الله كبده، علّم هؤلاء حتى علموا).وصلى المسلمون الظهر، وكبر سعد التكبيرة الأولى فاستعدوا، وكبر الثانية فلبسوا عدتهم، وكبر الثالثة فنشط الفرسان، وكبر الرابعة فزحف الجميع، وبدأ القتال والتلاحم.وفي أثناء المعركة برز أحد الفرس ونادى بالمبارزة، فوثب إليه الفارس المغوار عمرو بن معد يكرب، فبارزه، فاعتنقه ثم جلد به الأرض فذبحه، ثم التفت إلى الناس وقال: إن الفارسي إذا فقد قوسه فإنما هو تيس، وبارز فارساً آخر فاعتنقه، وحمله حتى جاء به إلى المسلمين، كسر عنقه ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه، وقال: هكذا فافعلوا بهم.أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَانعم هم كذلك الكفار على اختلاف أوصافهم، يرمون من بعيد، سواء كان من الطائرات، أو من دباباتهم المجنزرة، ولا يقدرون على النزال وجهاً لوجه.ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت وكر الفرس بسبعة عشر فيلاً على قبيلة بجيلة فكادت تهلك، فأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة، فأبلوا بلاء حسناً وردوا عنهم هجمة الفيلة، ولكن الفيلة عادت للفتك بقبيلة أسد، فنادى سعد عاصم بن عمرو ليصنع شيئاً بالفيلة، فأخذ رجالاً من قومه فقطعوا حبال التوابيت التي توضع على الفيلة، فارتفع عواؤها، فما بقي لهم فيل إلا أعري وقتل أصحابه، ونفّس عن قبيلة أسد، واقتتل الفريقان حتى الغروب، وأصيب من أسد تلك العشية خمسمائة كانوا ردء للناس، وهذا هو اليوم الأول من المعركة ويسمى أرماث، وهو الرابع عشر من المحرم.وفي اليوم الثاني أصبح القوم فوكل سعد بالقتلى والجرحى من ينقلهم، وسلم الجرحى إلى النساء ليقمن عليهم، وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها القعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع بن عمرو التميمي، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية مجلجلين الأرض بصيحات التكبير.وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام، فهبطت هممهم. وعلى التو، وفور وصوله، إذا بهذا الهزبر الذي يقول فيه أبو بكر الصديق أيام خلافته: لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو، إذا به يطالب المبارزة مع كبير الفرس وقائدهم (بهمن جاذويه) فتجالدا حتى قتله القعقاع، فأسقط في يد الفرس، وخارت معنوياتهم، وأكثر المسلمون فيهم القتل، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس، فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة، ففعلوا بهم هذا اليوم، وهو يوم أغواث، كما فعلت فارس في اليوم الأول يوم أرماث، فجعلت خيل الفرس تفر منها، وقاتلت الفرس حتى انتصف النهار، فلما اعتدل النهار تزاحفوا من جديد حتى انتصف الليل.أصبح القوم لليوم الثالث وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان، ومن جريح وميت من المشركين عشرة آلاف، فنقل المسلمون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وأما قتلى الفرس فبين الصفين لم ينقلوا.وبات القعقاع لا ينام، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس، وقال: إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة، ففعلوا ذلك في الصباح، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس، والفرس قد أصلحوا التوابيت، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل، ورأى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع: اكفياني الفيل الأبيض، وقال لآخرين: اكفياني الفيل الأجرب، فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض، فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض، فنفض رأسه وطرح ساسته، ودلى مشفره، فضربه القعقاع فوقع لجنبه، وحمل الآخران على الفيل الأجرب، فطعنه الأول في عينه فجلس ثم استوى، وضربه الثاني فقطع خرطومه، فأفلت الأجرب جريحاً، وولى وألقى نفسه في النهر، واتبعته الفيلة وعادت حتى وصلت المدائن، ثم تزاحف الجيشان فاجتلدوا، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء، فكان القتال حتى الصباح، وانقطعت الأخبار عن سعد ورستم، فلم ينم الناس تلك الليلة، وكان القعقاع محور المعركة.فلما جاءت الظهيرة كان أول من زال عن مكانه قائد الفرس والهرمزان فانفرج القلب، وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب واستظل تحت بغل فوقَه حمله، ثم أدركه أحد المسلمين فقتله ثم صعد طرف سريره وقال: قتلت رستم ورب الكعبة، إليّ إليّ.فانهارت حينئذ معنويات الفرس فانهزموا، وعبروا النهر فتبعهم السسلمون يخزونهم برماحهم فسقط من الفرس في النهر ثلاثون ألفاً.وهناك في المدينة المنورة، حيث عمر بن الخطاب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مشغول الفكر بأمر القادسية، فكان يخرج كل يوم متنسماً أخبار جيشه منذ الصباح إلى انتصاف النهار لعله يرى من يزف له البشرى بالنصر.وفي اليوم الذي ورد فيه البشير لقيه عمر، وهو يسرع على ناقته، فسأله عمر: من أين؟ فأخبره أنه من قبل سعد بن أبي وقاص، آت من القادسية، فقال عمر: يا عبد الله حدثني، قال: هزم الله العدو، كل هذا، والبشير مسرع على ناقته يريد أن ينقل الخبر إلى أمير المؤمنين، ولم يعرف أن الذي سأله هو أمير المؤمنين، وعمر يجري وراءه يستخبره الخبر، حتى دخل المدينة، فسلم الناس على عمر بأمير المؤمنين، فقال الرجل: هلا أخبرتني رحمك الله، أنك أمير المؤمنين، وعمر يقول: لا عليك، فنادى: الصلاة جامعة، وزف إلى المسلمين بشرى النصر، وقرئ كتاب الفتح، ومما جاء في الكتاب: (وأصيب سعد، وعبيد القارئ، وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا نعلمهم الله بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل، دوي النحل، وهم آساد لا يشبههم الأسود).يا لله، ما هؤلاء الرجال، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل دوي النحل، وهم آساد لا يشبههم الأسود .. ها هي القادسية، إحدى المعارك الكبرى في تاريخ الحروب العالمية، حلقة ذهبية في سلسلة الوقائع التي فتحت أبواب العالم، لنور الإسلام، كبدر، واليرموك، وجبل طارق، وعين جالوت، وحطين، ومعركة أخرى يا أبناء سعد، وخالد والقعقاع، إنها معركة القضاء على هذا الفكر الرافضي الفارسي الشعوبي، الذي يحاول الرجوع لبناء دولته في زماننا اليوم.نعم، وإنا لها، ما فقدنا سلائقنا، ولا أضعنا إرثنا من أولئك الأبطال، نعم وإنا في قلوبنا لذلك الإيمان، وعلى ألسنتا لذلك الهتاف، وفي سواعدنا لهاتيك العزائم، وإن الشعب الذي أطاح تيجان كسرى وقيصر، وخاقان، قادر على أن يطيح رأس الرافضة اليوم.أرى للفجر إرهاصا قريباً برغم الليل أوشك بالزهاءسنأخذ ثأرنا من كل باغ ونطعمه مرارات البلاءفيا [فرس] ويلك من جموع تحب الموت حبك للبقاءسيرفع صوتها: الله أكبر مد وية بأكناف الفضاءويرجع [عراقنا] المنهوب منا ولو سالت سيول من دماء  إن الخطر كل الخطر حينما يعيش المسلمون مخدرون بأمجاد الماضي دون أن يصنعوا حاضرهم بأنفسهم، وحينما تشوه عندهم الحقائق وتقلب، فشهر الهجرة والانتصارات يُنسى، ويقلب إلى شهر حزن ولطم وتطبير.. وهم عن جميع هذه المخططات غافلون .. إن هذا من أسوء ما يمكن أن تقع فيه أمة من الأمم، كيف يمكننا أن نقبل بسب رموزنا ورجالاتنا؟؟ كيف يمكننا القبول بتزوير تاريخنا؟؟ كيف نخلد إلى الراحة، والإسلام يشوه؟!! فحذار ثم حذار من هذا المنزلق، فمحرم شهر الانتصارات والأفراح، لا شهر اللطم وشق الجيوب، لا شهر التطبير ولبس السواد، لا شهر تزوير الحقائق وطعن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.إن مؤامراتكم لن تنطلي علينا، فالحسين في قلوبنا وأعماقنا .. بل هو قطعة منها لا تنفك .. ما نقول في حقه إلا ما يرضي الرب وإنا على فراقه لمحزونون، فنصبر ونصابر وما نقول إلا (إنا لله وإنا إليه راجعون).. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: [email protected]
  • Currently 71/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
24 تصويتات / 1316 مشاهدة
نشرت فى 14 أغسطس 2010 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,733,732