تحفظون أبصاركم
روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أسرَّ إلى أخيه سراً فلا يحل له أن يفشيه عليه"،
كما قال ابن عبد البر.
وقال عمر بن
الخطاب رضي الله عنه: "من كتم سره كان الخيار بيده، ومن عرَّض نفسه للتهمة
فلا يلومنّ من أساء الظن به".
وقال: "ما أفشيتُ سري إلى أحد قط فأفشاه فلمته، إذ
كان صدري به أضيق".
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "القلوب أوعية،
والشفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كل إنسان مفتاح سره".
أخي الكريم
من الأخلاق الحميدة والصفات الفاضلة كتم السر وعدم
إفشائه، ولا يقدر على ذلك إلا ذوو الشهامة والمروءة، ولهذا قيل: أدنى
صفات الشريف كتم السر، وأعلاها نسيان ما أسرَّ به إليه، وقيل صدور الأحرار
قبور الأسرار.
أما أولئك المفشون للأسرار الناشرون لما استودعوا
من الأخبار فليس لهم مثل إلا المنخل أوالغربال، فالحذر كل الحذر أن تفشي
سرك وتبوح بما يهمك، خاصة لمن لو عهد إليه بأمر يخفيه أوسر يكتمه لضاق به
صدره وبالغ في إفشائه ونشره، ولهذا جاء في الأثر: "استعينوا على قضاء
حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود".
السر نوعان:
النوع الأول ما يبوح به إنسان لآخر من حديث
يُستكتم، وذلك إما تصريحًا كأن يقول له: اكتم ما أقول لك، وإما حالاً كأن
يتحرى القائل حال انفراده بمن يتحدث معه، أو يخفي حديثه عن بقية مجالسيهِ.
في هذا قيل: إذا حدثك إنسان بحديث فهو أمانة.
أما النوع الثاني من الأسرار فهو أن يكون حديثَ
نفسٍ بما يستحي الإنسان من إشاعته، أو أمرًا ما يريد فعله.
والكتمان في النوعيين محمود؛ فهو في الأول نوعٌ من
الوفاء، وفي الثاني نوعٌ من الحزم والاحتياط والستر.
كتمان السر.. طريق النجاة:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سِرُّك أسيرك،
فإن تكلَّمتَ به صِرْت أسيره.
فكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ
مآربه، ولو كتمه أمِنَ سطوته. قال بعضهم: من حصَّن سره فله بتحصينه
خصلتان: الظفر بحاجته، والسلامة من السطوات.
إن في الكتمان
قضاء الحوائح، وإنجاح المقاصد وبلوغ الغايات، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "استعينوا على إنجاح الحوائج
بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود".
إفشاء السر خيانة:
إن الناس يخالط
بعضهم بعضًا ويفضي بعضهم إلى بعض بما قد يكون سرًا، وإن من الخيانة أن
يُستأمن المرء على سر فيذيعه وينشره، ولو إلى واحد فقط من الناس، فعن جابر
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة".
ولأن الكرام
ينأون بأنفسهم عن أخلاق اللئام فقد رأينا هؤلاء الكرام يربون أبناءهم على
حفظ الأسرار وعدم إشاعتها، فهاهي أم أنس بن مالك رضي الله عنها يتأخر
عليها ولدها أنس فتسأله: "ما حَبَسَك؟
قال بعثني رسول الله لحاجة.قالت ما حاجته؟قال: إنها سر. قالت: لا تحدثنَّ
بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا".
إفشاء سر الزوجة:
إن بعض الناس –
هداهم الله – صاروا يتحدثون في مجالسهم بما يكون بين الرجل وامرأته، وإن
هذا نوع من إفشاء السر، وصاحبه – رجلاً كان أو امرأة – هو من شر الناس عند
الله تعالى، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند
الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر
سرها". بل وصل الأمر إلى أن يشبهه
النبي صلى الله عليه وسلم بشيطان أتى شيطانة في الطريق والناس ينظرون.
لا تلومنَّ إلا نفسك:
إذا استودعت أحدًا سرك فأفشاه فلا تلومنَّ إلا
نفسك؛ إذ كان صدرك أضيق عنه. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما وضعت
سري عند أحدٍ فأفشاه عليَّ فلمته؛ أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه".
وأخيراً اعلم أخي الكريم أن من ستر مسلماً ستره
الله يوم القيامة، ومن فضح مسلماً فضحه الله بين الخلائق، ومن أقال عثرة
مسلم أقال الله عثرته وستر زلته.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال والأخلاق، فإنه لا يهدي
لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت سبحانك
اللهم افتح لى أبواب رحمتك
ساحة النقاش