إنما المؤمنون إخوة

لم يمض على المسلمين وقت هم فيه أحوج الناس إلى بعضهم مثل هذا الوقت الذي نحن فيه الآن، فقد تآلبت فيه على الإسلام أقوام مختلفة و عناصر متعددة، و أحاطت بالمسلمين جيوش كثيفة من كل جهة و كل ناحية، و في يد كل أسلحة متنوعة و عدة فتاكة و معاول هدامة و آلات جهنمية. فوسائلهم مختلفة من جيوش الاستعمار و طلائع التبشير و تلامذة الزندقة و الإلحاد و أبناء الجهل المبين. و غايتهم واحدة و هدفهم واحد ألا و هو تقويض الإسلام و اكتساحه من الوجود خطط مرسمة و برامج مسطرة و مكائد مدبرة، كل يعمل في دائرته لتنفيذ خطته على الدوام و الاستمرار بجد و نشاط بلا كلل و لا فتور، كل يوم جديد يبدو منهم على الإسلام أمر جديد ينسينا فيما قبل و ينذرنا بما بعد.

و مع كل هذا فالمسلمون في الشرق و الغرب يزدادون إغراقا في النوم و إمعانا في الكسل و الفشل، و إدمانا في الغفلة و البلاهة، وانغماسا في الملذات و الشهوات، و تورطا في التقاطع و التخاذل، و اشتباكا في الاختلاف و التنازع، لا ينتقلون من سيئ إلا إلى أسوأ، و لا يخلصون من هوة إلا إلى أسفل منها.

إن قام فيهم أحد أقعدوه، و إن مشى حيهم إلى الأمام عقروه، و إن صاح فيهم صيحة الحق ألجموه، و إن تكرم عليهم أبخلوه، وإن تشجع على إصلاح لهم أجبنوه، و إن عزم على إشادة مشروع خيري لهم نبطوه، و إن أخلص لهم في القول أو صدق في العمل أفسدوا نيته و أساءوا الظن به، و هكذا دأبهم و ديدنهم إزاء أعدائهم و أصدقائهم.

إن المفسد من أي جنس و أي قبيل طبيعته الإفساد و شأنه الهدم مادام في جانب الإفساد و المفسدين، فلا يرد عنه الوازع الديني أو العاطفة القومية أو الغيرة الوطنية، فلا عجب و لا غرابة من أن يصدر منه شيء من ذلك.

و لكن العجب و الغرابة في أن نرى جموعا من المسلمين يحس كل بما يحس به كل مسلم و يشعر بما يشعر به يسر بما يسر و يتألم بما يتألم، و عوض أن ترى منهم جهودا متضامنة و مساعي متحدة، عوض أن ترى منهم اتحادا في التفكير و نجاحا و تجانسا في الرأي وتماسكا في الأعمال، تراهم مبددي الجماعات مشتتي الشمل، فترى العواطف ممذوقي الود، كل يهتم في داخل نفسه، و يفكر في دائرة عقله، و يعمل في منطق جهده، فتناثرت بذلك القوى، و تبددت المواهب، و تلاشت الجهود شذر مذر مما لو جمع و ضم في إطار واحد و في مسمط واحد لظهر من المجموع العجب العجاب.

و قد احتارت عقولنا، و الله، من هذا الفشل العام و الفتور الشامل بين صفوف جموع المسلمين، مع أنك إذا فتشت عن السبب لا تجد شيئا يدرك بالعين أو يلمس باليد حيث لا نار بين أحد و آخر، و لا خصومة مالية بينهما و لا و لا، و إنما هو ضباب كثيف من الهواجس و الوساوس ألقاه أعوان الشياطين بين الجموع فأوهن علائقها الودية، و أرخى عواطفها الحسنة، و أوهم كلا أنه ليس بأخ للآخر و لا عضوا له، فتبعه في هذا الوهم حتى صار له ظنا ثم يقينا، فكانت النفرة و التقاطع، و كانت الشحناء و التنازع، ولو نزل كل إلى أعماق نفسه و تساءل عن هذه الحالة المحزنة بين الأخ و أخيه و ما سببها؟ لما وجد شيئا حقيقيا غير الهواجس و سوء الظن في الغالب.

يا لله العجب، أيتآلب أعداء الإسلام و يتحدون على تقويض معالمه و بينهم فراسخ من اختلاف اللغات و الأديان و المذاهب والمنازع و المشارب، و نختلف نحن على صيانته و حمايته، و الذود عن بيضته و دفع الكيد و الأذى عنه، و قد جمعت بيننا روابط الوطن و اللغة و الدين؟ و وحدت بين أهوائنا علائق المصالح و الآلام؟

يا للدهشة و الاستغراب، أيتشجع خصوم الإسلام على الهدم و التخريب، و ينشطون في ذلك و يثبتون فيه و يدأبون بلا كلل ولا فتور و يضحون فيه كل رخيص و غال و يناصرهم كل شيطان و يعاضدهم كل مارد؟ و نتقاعس نحن على البناء و نفتر حتى عن ترميم ما تهدم، و إذا عقدنا عزما على ذلك فسرعان ما نتأخر و نتراجع القهقرى و نتخاذل، و إذا أثبت أحد منا في الميدان، ثبطنا عزمه و سفهنا رأيه حتى يكل فيفتر و يتزحزح. و إذا لم يصغ إلينا لصارم عزمه و شدة ثباته ملأنا الدنيا حوله جلبة و ضوضاء، وإذا حاز نصرا بجهوده و اعتماده على نفسه، أقللنا من أهمية نصره حتى ينخذل و ينشط خصمه و عدو الجميع.

إن عزكم يا قوم في اعتزاز الإسلام لا في الكيد له و إعانة خصومه عليه. إن سلامتكم في توطيد العلائق بينكم و بين إخوانكم المسلمين. ففي عزهم عزكم، و في سعادتهم سعادتكم، و ليس في توهين العلائق بينكم و إرخاء عواطفكم الجميلة نحو بعضكم إلا تشتيت شملكم، و تبديد جمعكم، و إذهاب ريحكم، و إذابة قوامكم، و تقوية خصوم الإسلام عليك، و تمكينهم من رقابكم.

إن قومكم يا قوم خولكم، فمنهم قوتكم و منهم مجدكم و منهم حياتكم، فاعرفوا ما لخولكم من الحقوق، و لا تدعو للهواجس والوساوس و سوء الظنون إلى نفوسكم من سبيل، فإنهم أعز من ذلك و أغلى. و لقد جربتم ذلك و جربه من قبلكم، و هل جنيتم أو جنى غيركم منه غير الشوك و العلقم؟

لقد رأيتم رأي العين أنكم تفيدون خصومكم بذلك من الفوائد الجمة قدر ما تخسرونه أنتم منها، أفلا يكون لكم في ذلك عبرة وذكرى؟

وحدوا صفوفكم رعاكم الله، و اجمعوا جهودكم، و ضموا قواكم، و سيروا إلى الأمام بقلوب مفعمة إيمانا، و نفوس طافحة صدقا وإخلاصا، فإن الحالة حرجة للغاية و الأمر في شدة الخطر..

المصدر: العنابى
  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 23 فبراير 2010 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,740,884