السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

"تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال، منسأة في الأثر" رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي هريرة. قال القرطبي "قد اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة". والرحم نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: رحم الدين "ويكون بالمواصلة وبالنصرة، وبالنصيحة، وبالعدل، وبالقيام بحقوقهم الواجبة، وبتمريض المرضى، وبحقوق الموتى. وغيرها". والخاصة: رحم القرابة "ويكون للأب، والأم، فتجب لهما الحقوق الخاصة وزيادة، بالنفقة، وبتفقد الأحوال، وبترك التغافل عن تعهداتهما في أوقات ضروراتهما إلى جانب التمتع بالحقوق العامة، ويقع البدء في الخاصة بالأقرب فالأقرب، والأبوة والأمومة واجبة على الابن والبنت" قال الله تعالى "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" "النساء 1".



فأفضال صلة الرحم عظيمة وكثيرة، منها:


1- حسب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسّأ له في أثره فليصِِل رحمه" ينسأ: أي يؤخر له في أجله. روي عن أنس. وفي حديث روي عن علي بن أبي طالب "من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه". وفي حديث ابن عباس "مكتوب في التوراة: من أحب أن يزاد في عمره ويزاد في رزقه فليصل رحمه"، و"إن الله ليعمر بالقوم الديار، ويثمر لكم الأموال وما نظر إليهم، منذ خلقهم بغضا لهم" قيل "وكيف ذلك يا رسول الله؟" قال "بصلتهم أرحامهم" رواه الطبراني. فكيف يزيد من العمر؟ حسب المفسرين الزيادة في العمر على وجهين: أولا: سعة الحال، والزيادة في الرزق وعافية البدن، وتنعيم البال. ثانيا: أن الله تعالى يكتب أجل عبده مائة سنة، ويجعل بنيته وتركيبه وهيئته لتعمير ثمانين سنة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك التركيب في تلك البنية ووصل ذلك النقص فعاش عشرين أخرى حتى يبلغ مائة، والأول أرجح، والله أعلم "انظر بر الوالدين للطرطوشي". وروى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: "ذكر عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في العمر فقال "إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها وإنما الزيادة في العمر: أن يرزق الله العبد ذرية صالحة يدعون له فيلحقه دعاؤهم في قبره".

 

2- غفران الكبائر: روي عن ابن عمر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: "إني أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال صلى الله عليه وسلم هل لك من أم؟ قال: لا، قال صلى الله عليه وسلم: فهل لك من خالة؟ قال نعم، قال صلى الله عليه وسلم: فبرّها".



3- مضاعفة ثواب الصدقة: يضاعف الله الثواب على الصدقة على ذي الرحم، فهذه زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: "كنت في المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "تصدقن ولو في حليكن". وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله "سل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيجزي أن أنفق عليك وعلى أيام في حجري من الصدقة؟" قيل "بنو أخيها وبنو أختها" فقال "سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم" فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال فقلنا: "سل النبي صلى الله عليه وسلم: أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري؟" وقلنا لا تخبر عنا، فدخل فسأله، فقال "من هما؟" قال "زينب"، قال صلى الله عليه وسلم "أي الزيانب؟" قال: "امرأة عبد الله"، قال "نعم ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة".
وفي حديث عن ميمونة: أنها أعتقت وليدة لها، ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت "أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟" قال: "أوفعلت؟" قاتل: "نعم"، قال: "أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك".
وفي حالة ابتلاء الإنسان بأحد أقربائه يضمر له العداوة ويظهر البغضاء وهو فقير وشديد الحاجة فهو أولى بالصدقة وإن عصى الله فيك أيها الإنسان، فأطع الله فيه يضاعف الله لك الثواب، ولعل صدقتك له وإحسانك إليه يكون سببا في زوال عداوته، ودوام محبته، قال الله تعالى "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" "فصلت 34". وقال صلى الله عليه وسلم "أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح" رواه الطبراني، ومعنى الكاشح الذي يضمر العداوة والمتولي عنك بودّه، يقال طوى فلان كشحه إذا قطعك وعاداك، فالكاشح العدو المبغض.. فهذه الصدقة بإذن الله تحفظك من مَكره وتدفع عنك عداوة الكاشح، ويؤيدك الله بنصره.
روى أبو هريرة أن رجلا قال "يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليه ويسيئون إلي، وأحلم عليهم، ويجهلون علي، فقال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".

4- صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله: روى أبو يعلى عن رجل من خثعم قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال نعم؛ قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الايمان بالله، قال: قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال ثم صلة الرحم، قال: قلت ثم مه؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الإشراك بالله، قال: قلت: يا رسول الله ثم مه، قال ثم قطيعة الرحم قال: قلت : يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف".
5- القرب من الجنة والبعد عن النار: روى أبو أيوب أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال "يا رسول الله، أو يا محمد، أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟" قال: "فكف النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر في أصحابه، ثم قال: لقد وفق، أو لقد هدي، قال: كيف قلت؟ قال: فأعادها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم، دع الناقة" وفي رواية "وتصل ذا رحمك" فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة".



والخلاصة أن في صلة الأرحام عشر خصال محمودة:




1- أن فيها رضا الله تعالى لأنه أمر بصلة الرحم. 2- إدخال السرور عليهم، ففي الحديث "..وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم". 3- أن فيها فرح الملائكة لأنهم يفرحون بصلة الرحم. 4- أن فيها حسن الثناء من المسلمين عليه. 5- أن فيها إدخال الغم على إبليس عليه لعنة الله. 6- زيادة في العمر. 7- بركة في الرزق. 8- سرور الأموات، لأن الآباء والأمهات يسرون بصلة الرحم. 9- زيادة في المودة لأنه إذا وقع له سبب من السرور والحزن يجتمعون إليه، ويعينونه على ذلك فيكون له زيادة في المودة. 10- زيادة الأجر بعد موته لأنهم يدعون له بعد موته كلما ذكروا إحسانه "انظر صلة الأرحام للأستاذ مجدي الشهاوي".

ولهذا فإن قطع الأرحام تنجر عنه عدة أضرار دنيوية وأخروية، كالطرد من رحمة الله، والحرمان من جنته، قال تعالى "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار" "الرعد25"، وقال تعالى "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" "محمد 22-23"، وفي حديث أبي هريرة "إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: "هذا مقام العائذ بك من القطيعة"، قال: "نعم: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟"، قالت "بلى"، قال: فذلك لك".

وفي رواية أنس "الرحم حجنة متمسكة بالعرش تكلم بلسان ذلق، اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني، فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرحمان الرحيم، وإني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن بتكها بتكته". الحجنة: صنارة المغزل، الحديدة العقفاء التي يعلق بها الخيط ثم يفتل الغزل؛ الدلق: الفصيح، بتكها: قطعها.

فاحذر العقوبة في الدنيا يا قاطع الأرحام "ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" ولا يقبل دعاؤه.. ولا يقبل عمله، "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم"..

المصدر: حبايب
  • Currently 158/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
52 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2010 بواسطة princess

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,735,922