نمو جسد الطفل معناه كبره. ويبدو على النمو الجسدي التوقف من حين إلى آخر ولكنه على الاقل لا يعود الى وراء، وليس من الممكن أن تستيقظ يوما لتجد أن جسد طفلكقد تضاءل.
أما نمو السلوك فاكثر تعقيدا. إننا واثقون من أن ولدك سيكبر مع تقدمه في العمر ولكننا مع الاسف لا نستطيع أن نضمن أنه سيتحسن سلوكه: إنه في المدى البعيد سيصبح أكثر اعتمادا على نفسه، وسيستطيع أيضا استعمال جسده وكلماته وأفكاره بضورة أنسب. إننا نستطيع أن نطمئن إلى أن ابن العاشرة سيحتاج إلى صبر والديه ووقتهم بمقدار أفل مما يحتاجة ابن الثمانية عشر شهرا. وبكثير من المعاني يكون المراهق الكبير أقل ازعاجا لوالجيه وأكثر إرضاء لهم مما كان عليه حين كان طفلا.
ولكن الدراسات العلمية التي أجريت على الأطفال الأسوياء أظهرت أن هذا الميل نحو (التحسن) في السلوك ليس ثابتا ولا مستمرا. إنه لا يتقدم بثبات ودون رجوع، وكل مستوى عمري يميل غلى أن يجلب معه محاسنه ومساوئه.
فالطفل الصغير الذي كان طيعا حين يطعم يمكن إذا ما بلغ السنة الأولى من عمره ان يطالب بان يطعم نفسه، فينثر الطعام يمينا وشمالا ويجعل من عملية الإطعام عملية قذرة. وزيادة النضج التي تحدث في الثانية والنصف من العمر تجعل الطفل الذي كان سهلا في السنة الثاهية طفلا لا ينفك يصرخ :"انا افعل هذا بيفسي". ثم ان زيادة النضج قد تستتلي دفعا نحو الاستقلال عند ابن السادسة يعبر عنه يقوله :" كلا لا أريد، جربي ان تقسريني...". بالرغم من أنه في سن الخامسة كان يجد سرورا في إطاعة أمه. وكذلك فإن النضج تجعل من ابنة العاشرة الطيعة ثائرة في الحادية عشرة من عمرها تصرخ بغضب :" إنني لا اريد أن أساعد في غسل الصحون". وكذلك تستطيع ان تقلب ابن الرابعة عشرة المتحمس المنبسط إلى اني خمس عشرة سنة متقلب الأهواء منطو.
ومن حسن الحظ فإن هذه التغيرات كلها لا تحدث عفوا وبصورة عشوائية وإنما تحدث بطريقة نظامية ونمطية.
وهكذا وبصورة عامة (مع بعض الاستثنائات بالطبع) تكون الأعمار التي يبدو فيها الطفل في حالة توازن جيد سواء مع نفسه او مع الأشخاص والقوى الموجوده في عالمه متبوعة باعمار يبدو فيها تعيسا ومضطربا في علاقاته مع ذاته ومع العالم الخارجي. إننا في بعض الأحيان ننظر إلى هذا الأمر بوصفه تبدلا في المراحل متنقلا بين التوازن وعدمه، ولطن الأمر ليس على هذا القدر من السهولة وقد يكون من المفيد والمعين ان ننظر إلى النمو بوصفه نزاعا إلى تكييف ذاته مع المراحل الجيدة والسيئة.
وعلى هذا فإذا ما ساء سلوك طفلك بصورة مفاجئة فإن السبب لا يكون بالضرورة ان شيئا ما في محيطه قد أصيب بالخلل، أو أنه سيئ بطبيعته بل قد يكون مجرد مرحلة من عدم التوازن قد اعقبت مرحلة سابقة من حسن التوازن. وهكذا فإن التوازن الحسن الذي نلاحظه عند ابن الثانية ينقلب إلى عدم توازن في الثانية والنصف ويسوء سلوك الطفل في هذا العمر. وابن الخامسة الطيب يصبح في السادسة متفجرا، كما أن ابن العاشرة الطيع يصبح متمردا في الحادينة عشرة.
إن السلوك (الجيد) والسلوك (السيئ) يميلان إلى التناوب بتقدم العمر وعلى شكل نظامي متتال. وثمة تناوب متناسق ثان. إن السلوك المركز، كما يمكن ان يسمى، يكون متبوعا بسلوك مشتت. والمثال الجيد على السلوك المركز يلاحظ عند ابن الخامسة المتوسط الذي يميل إلى معانقة امه ويتبعها كظلها حيثما ذهبت، أما ابن السادسة فيمر في مرحلة التشتت، إنه يجوب المناطق المجاورة لبيته الذي لا يلازمه اطلاقا، إنه متأهب دوما لارتياد الأماكن الجديدة وملاقاة الأشخاص الجدد والخيرات الجديدة. وإنها لمهمة النمو أن يساعد الفرد على عدم التطرف وعلى أن يتجانف عن النهايات.
ولعلك يفضل المراحل التي يكون فيها طفلك متزنا، ولعلك تسر به أكثر ما يسر حين يكون محافظا ولاصقا ببيته. أو لعلك تفضله حين يكون توسعيا ومغامرا. ولكن أيا كان تفضيلك، عليك أن يكون صبورا إذا ما كان عكس ما تريد وتفضل وذلك بسبب من أن الطفل ينمو - فيما يبدو - من خلال تراوحه بين هذه النهايات.إن النوعين من السلوك ضروريان لنمو الطفل.
إننا قد نعمل على التخفيف من سلوك الطفل السيئ فنقلل مثلا من ميله إلى التوسع في محيطه أو بالعكس نعمل على توسيع محيطه حين يحصر نفسه في البيت، ولكننا إذا استطعنا قبول تطرفه، أيا كان هذا التطرف، واعتباره جزءا ضروريا من نموه وكففنا عن نسبة الللوم إلى أشخاص آخرين ( كالمعلم أو الوالد الاخر او الجيران او الطفل نفسه) فإننا نكون قد نظرنا إلى الأمر نظرة واقعية.
كل نوع من أنواع السلوك التي يمكن أن تهمك (الأكل، النوم، اخراج الفضلات وغيرها) ... ساواصل كتابته في المقال التالي ومناقشة جميع أنواع السلوك إذا أردتم طبعا أيها الإخوة والأخوات....
ساحة النقاش